كفاءة واهمية النقل السياسية والعسكرية

تلعب الحكومات دورا حاسما في النقل كمصادر لاستثمارات النقل وكمنظمين لعمليات النقل، ولا يمكن إنكار الدور السياسي للنقل نظرا لأن الحكومات كثيرا ما تدعم حركة سكانها مثل توفير الطرق السريعة والنقل العام، في حين أن معظم الطلب على النقل يتصل بالضرورات الاقتصادية، فقد شيدت العديد من الهياكل الأساسية للنقل لأسباب سياسية من قبيل إمكانية الوصول الوطنية أو إيجاد فرص العمل وبالتالي يؤثر النقل على بناء الدولة والوحدة الوطنية، ولكنه أداة تشكل السياسة.

تكمن الاهمية السياسية والعسكرية للنقل بمدى تطور وسائط هـ وشبكاته المتنوعة وتقنياته الحديثة التي تربط دول العالم مع بعضها البعض وتقرب المسافات البعيدة من اجل ديمومة الاتصال بالعالم الخارجي، وتتباين اهميته السياسية وفقاً للموقع الجغرافي التي تحتله الدولة، وما يتطلب من بناء شبكة نقل متطورة من اجل ايصالها بالعالم الاخر عبر البحار او المحيطات او خطوط شركات النقل الجوي لاسيما الدول الحبيسة التي ينصب اهتمامها بتأسيس شبكات نقل برية متطورة، وخطوط نقل جوية تصل بها الى العالم الخارجي.

ان التباعد بين الأقاليم الجغرافية لدول العالم وتقسيمه إلى وحدات سياسية تختلف اختلافا جوهريا في مفاهيمها العلمية والتقنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية دعا الى الاهتمام بطرق النقل ووسائط هـ المختلفة من اجل نمو العلاقات السياسية بين تلك الدول والاتفاقيات الدبلوماسية بين حكامها وقادتها، أذ أن تطور تقنيات وسائط النقل تسهم مساهمة كبيرة للتعرف على سياسات الدول الاقتصادية، ويهتم النقل في تطوير البنى التحتية بين الدول لاسيما من حيث التقارب الاقليمي بين دول العالم، فلابد من تطوير وصيانة تلك الطرق التي تربط الدول مع بعضها من اجل التواصل للحصول على الاخبار والمعلومات في مختلف العلوم التقنية وتبادل الخبرات في مجالات مختلفة تخدم مسار الدول بالرغم من أن عمليات النقل بين الدول تتضمن العديد من القوانين التابعة للدولة والتي يجب ان تلتزم بها الدول الأخرى من عمليات النقل .

كما تبدو اهمية النقل في المجالات العسكرية واضحة جدا ومنذ القدم حتى وقتنا الحاضر في كيفية تقدم الجيوش الغازية وتطور مسار الواسطة النقلية بما يتلائم وطبيعة الارض والواسطة المستخدمة في حركة الجيوش والاهتمام بتطوير البنى التحتية لاستمرارية نقل الأسلحة والمعدات الحربية. وكثير ما تعرف جغرافية النقل بجغرافية السوق العسكرية، فالجغرافية العسكرية تهتم بتفسير المعلومات الاخبارية ووضع متطلبات التدريب والاجهزة وتنظيم القوات المسلحة وتحديد المتطلبات الضرورية لتطوير وحدات الاجهزة الجديدة. وتتخصص الجغرافية العسكرية بالدرجة الأولى بالقضايا السوقية وتحديد الاغراض والاهداف وتقويم قابليات فرض السلاح.

كما يسهم النقل في نقل المعونات والمساعدات للدول في حالة الطوارئ كالفيضانات والزلازل او البراكين او حرائق الغابات او نقل المواد الغذائية والادوية للمناطق التي تتأثر نتيجة الحروب أو عند حدوث المجاعات، وهذا يعود الى القرار السياسي بين الدول في بناء علاقات سياسية ودبلوماسية بين الدول من اجل تطوير وصيانة نظام النقل. من اجل الوصول ومساعدة تلك الدول التي تكون بأمس الحاجة الى تلك الامدادات والتي لا يمكن ان تتم مالم يكن هناك تطور سريع في وسائط النقل وشبكاتها المتنوعة من النقل البري والمائي والجوي

ويعد النقل في الجانب السياسي منه معياراً لقوة الدولة وهيمنتها على مرافق وحدتها السياسية فكلما كانت الدولة تمتلك شبكة متنوعة ووسائط نقلية متعددة تتلائم والمستوى الحضاري لتلك الدولة برزت مكانتها الجغرافية بين الدول، واثبتت نجاحاتها السياسية والعسكرية وتنعكس على ارتباطاتها التجارية والاقتصادية عالمياً، كما انعكس ذلك على جميع مرافق الحياة السياسية والاقتصادية بينما نجد الدول التي لا تمتلك تقنيات حديثة في البنى التحتية للنقل والوسائط الحديثة، تكون هيمنتها على وحدة أراضيها أمراً شاقاً وربما يخلق لها الكثير من المتاعب والمتمثلة بحدوث الاضطرابات هذا أذا كانت الدولة لم تصل الى مرحلة النضج والاستقرار من مراحل تكوينها السياسي والاقتصادي، فمثلا الدول الحبيسة القارية التي لا حدود بحرية لها فأن بعض علاقاتها التجارية مرتبطة بالتسهيلات السياسية التي تقدمها تلك الدول الحبيسة الى الدول المطلة على البحر لتسهيل تجارتها تكون مقيدة ومرتبطة الى حد كبير بالدول المجاورة لها .

هناك علاقة قوية بين المستوى الحضاري وأهمية النقل فكلاهما وجه لعملة واحدة ولذا يلاحظ مثلا أن الولايات المتحدة ترصد مبالغ طائلة تشكل نسبة 25% من مجموع دخلها القومي الى تنمية وتطوير جهازها النقلي، كما أن تطور شبكات النقل وأتساع أفق خدمتها كان سببا في تحقيق الوصل والاتصال بدلا من العزلة والانفصال وسبب في زيادة الوحدة الوطنية والقومية للدولة الواحدة ولعل الخط الحديدي الذي يربط ميناء (فيلايفو ستوك) الواقع على المحيط الهادي الى موسكو يعد مثال على نجاح ربط الاجزاء البعيدة بمركز الدولة ، وأزداد الاهتمام بالنقل بمفهومه العام والخاص حتى تمثل هذا الاهتمام برعاية خاصة في المجالات العسكرية .