أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-8-2016
2819
التاريخ: 12-8-2016
3277
التاريخ: 22-8-2016
2809
التاريخ: 15-8-2016
3617
|
يزيد بن عبد الملك
واستولى يزيد بن عبد الملك على الحكم بعهد من أخيه سليمان ، وأقام أربعين يوما يسير بين الناس بسياسة عمر بن عبد العزيز ، فشق ذلك على بني أمية ، فأتوه بأربعين شيخا فشهدوا بأنه ليس على الخلفاء حساب ولا عقاب[1] .
فعدل عن سياسة عمر ، وساس الناس سياسة عنف وجبروت ، وعمد إلى عزل جميع ولاة عمر ، وكتب مرسوما إلى عماله جاء فيه :
« أما بعد فإنّ عمر بن عبد العزيز كان مغرورا ، فدعوا ما كنتم تعرفون من عهده ، وأعيدوا الناس إلى طبقتهم الأولى ، أخصبوا أم أجدبوا ، أحبوا أم كرهوا ، حيوا أم ماتوا . . . »[2].
وعاد الظلم على الناس بأبشع صوره وألوانه ، وانتشر الجور ، وعم الطغيان جميع أنحاء البلاد .
لقد كان يزيد بن عبد الملك جاهلا ، حقودا على أهل العلم ، حتى أنّه كان يحتقر العلماء ، ويسمي الحسن البصري بالشيخ الجاهل[3] كما كان مسرفا في اللهو والمجون حتى هام بحب حبابة ، وقد ثمل يوما ، فقال : دعوني أطير ، فقالت حبابة : على من تدع الأمة ؟ قال : عليك . وخرجت معه إلى الأردن يتنزهان فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ، ومرضت ، وماتت فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت ، وهو يشمها ، ويقبلها ، وينظر إليها ويبكي ، فكلم في أمرها حتى أذن في دفنها ، وعاد إلى مقره كئيبا حزينا[4].
وله أخبار كثيرة مخزية في الدعارة واللهو أعرضنا عن ذكرها ، وهلك سنة ( 105 ه ) .
هشام بن عبد الملك
استولى هشام بن عبد الملك على الحكم في اليوم الذي هلك فيه أخوه يزيد لخمس بقين من شوال وهو المعروف بأحول بني أمية وكان حقودا على ذوي الأحساب العريقة ، ومبغضا لكل شريف .
ومن مظاهر بخله انه كان يقول : ضع الدرهم على الدرهم يكون مالا[5] وقد جمع من المال ما لم يجمعه خليفة قبله[6].
وقال : ما ندمت على شيء ندامتي على ما أهب ، إن الخلافة تحتاج إلى الأموال كاحتياج المريض إلى الدواء[7].
ودخل إلى بستان له فيها فاكهة فجعل أصحابه يأكلون من ثمرها ، فأو عز إلى غلامه بقلع الأشجار وزراعة الزيتون لئلا يأكل منه أحد[8].
ووصفه اليعقوبي بأنه بخيل فظ ظلوم شديد القسوة ، وهو الذي قتل زيد ابن علي ، وتعرض الإمام أبو جعفر ( عليه السّلام ) في عهده إلى ضروب من المحن والآلام والتي كان من بينها ما يلي :
حمل الإمام الباقر ( عليه السّلام ) إلى دمشق واعتقاله :
لقد أمر الطاغية هشام عامله على المدينة بحمل الإمام إلى دمشق وقد روى المؤرخون في ذلك روايتين :
الرواية الأولى : ان الإمام ( عليه السّلام ) لما انتهى إلى دمشق ، وعلم هشام بقدومه أو عز إلى حاشيته أن يقابلوا الإمام بمزيد من التوهين والتوبيخ عندما ينتهي حديثه معه .
ودخل الإمام ( عليه السّلام ) على هشام فسلم على القوم ولم يسلم عليه بالخلافة ، فاستشاط هشام غضبا ، وأقبل على الإمام ( عليه السّلام ) فقال له :
« يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الإمام سفها وقلة علم . . . » .
ثمّ سكت هشام فأنبرى عملاؤه وجعلوا ينالون من الإمام ويسخرون منه . وهنا تكلّم الإمام ( عليه السّلام ) فقال :
« أيها الناس : أين تذهبون ؟ وأين يراد بكم ؟ بنا هدى اللّه أولكم وبنا يختم آخركم ، فان يكن لكم ملك معجّل ، فان لنا ملكا مؤجلا ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة ، والعاقبة للمتقين . . . »[9].
وخرج الإمام بعد أن ملأ نفوسهم حزنا وأسى ، ولم يستطيعوا الرد على منطقة القويّ .
وازدحم أهل الشام على الإمام ( عليه السّلام ) وهم يقولون : هذا ابن أبي تراب ، فرأى الإمام أن يهديهم إلى سواء السبيل ، ويعرفهم بحقيقة أهل البيت ، فقام فيهم خطيبا ، فحمد اللّه واثنى عليه ، وصلى على رسول اللّه ثم قال :
اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرية النفاق ، وحشو النار ، وحصب جهنم عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت ، وكان أمر اللّه مفعولا . . .
ثم قال بعد كلام له :
أبصنو رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - يعني الإمام أمير المؤمنين - تستهزئون ؟ أم بيعسوب الدين تلمزون ؟ وأي سبيل بعده تسلكون ؟ ! وأيّ حزن بعده تدفعون ؟
هيهات برز - واللّه - بالسبق وفاز بالخصل واستولى على الغاية ، وأحرز على الختار[10] فانحسرت عنه الأبصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وفرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي ، وأعياه الطلب ، فأنّى لهم التناوش[11] من مكان بعيد ؟ !
ثم قال : فأنّى يسدّ ثلمة أخي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إذ شفعوا ، وشقيقه إذ نسبوا وندّ يده إذ قتلوا ، وذي قرني كنزها إذ فتحوا ، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا ، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا ، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع الاسرار ساعة الوداع . . . »[12].
ولمّا ذاع فضل الإمام بين أهل الشام ، أمر الطاغية باعتقاله وسجنه .
وحين احتف به السجناء وأخذوا يتلقون من علومه وآدابه ، خشي مدير السجن من الفتنة فبادر إلى هشام فأخبره بذلك فأمره بإخراجه من السجن ، وإرجاعه إلى بلده[13].
الرواية الثانية : وهي التي رواها لوط بن يحيى الأسدي عن عمارة بن زيد الواقدي حيث قال : حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين[14]، وكان قد حج فيها الإمام محمّد بن علي الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق ( عليهما السّلام ) فقال جعفر أمام حشد من الناس فيهم مسلمة بن عبد الملك :
« الحمد للّه الذي بعث محمدا بالحق نبيّا ، وأكرمنا به ، فنحن صفوة اللّه على خلقه ، وخيرته من عباده ، فالسعيد من تبعنا ، والشقي من عادانا وخالفنا . . . » .
وبادر مسلمة بن عبد الملك إلى أخيه هشام فأخبره ، بمقالة الإمام الصادق ( عليه السّلام ) فأسرّها هشام في نفسه ، ولم يتعرض للإمامين بسوء في الحجاز إلا أنه لما قفل راجعا إلى دمشق أمر عامله على يثرب بإشخاصهما إليه ولما انتهيا إلى دمشق حجبهما ثلاثة أيام ، ولم يسمح لهما بمقابلته استهانة بهما ، وفي اليوم الرابع أذن لهما في مقابلته ، وكان مجلسا مكتظا بالامويين وسائر حاشيته ، وقد نصب ندماؤه برجاسا[15] وأشياخ بني أمية يرمونه .
يقول الإمام الصادق ( عليه السّلام ) : « فلما دخلنا ، كان أبي أمامي وأنا خلفه » فنادى هشام :
« يا محمد ارم مع أشياخ قومك » .
فقال أبي : « قد كبرت عن الرمي ، فإن رأيت أن تعفيني » .
فصاح هشام : « وحقّ من أعزّنا بدينه ، ونبيّه محمّد لا أعفيك . . . » .
وظن الطاغية أن الإمام سوف يخفق في رمايته فيتخذ ذلك وسيلة للحط من شأنه أمام الغوغاء من أهل الشام ، وأومأ إلى شيخ من بني أمية أن يناول الإمام ( عليه السّلام ) قوسه . فناوله ، وتناول معه سهما فوضعه في كبد القوس ، ورمى به الغرض فأصاب وسطه ، ثم تناول سهما فرمى به فشق السهم الأول إلى نصله .
وتابع الإمام الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، ولم يحصل بعض ذلك لأعظم رام في العالم . وأخذ هشام يضطرب من الغيظ ، وورم أنفه ، فلم يتمالك أن صاح :
« يا أبا جعفر أنت أرمى العرب والعجم ! ! وزعمت أنك قد كبرت ! ! » ثم أدركته الندامة على تقريظه للإمام ، فأطرق برأسه إلى الأرض والإمام واقف .
ولما طال وقوفه غضب ( عليه السّلام ) وبان ذلك على سحنات وجهه الشريف . وكان إذا غضب نظر إلى السماء .
ولمّا بصر هشام غضب الإمام قام إليه واعتنقه ، وأجلسه عن يمينه ، وأقبل عليه بوجهه قائلا : « يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ، ما دام فيها مثلك . للّه درك ! ! من علّمك هذا الرمي ؟ وفي كم تعلّمته ؟ أيرمي جعفر مثل رميك ؟ . . . » .
فقال أبو جعفر ( عليه السّلام ) : « إنا لنحن نتوارث الكمال » .
وثار الطاغية ، واحمرّ وجهه ، وهو يتميز من الغيظ ، وأطرق برأسه إلى الأرض ، ثم رفع ، رأسه ، وراح يقول : « ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد ؟ » .
ورد عليه الإمام مزاعمه قائلا : « نحن كذلك ، ولكن اللّه اختصنا من مكنون سرّه ، وخالص علمه بما لم يخص به أحدا غيرنا » .
وطفق هشام قائلا : « أليس اللّه بعث محمدا ( صلّى اللّه عليه واله ) من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة أبيضها وأسودها وأحمرها ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ؟
ورسول اللّه مبعوث إلى الناس كافة ، وذلك قول اللّه عزّ وجل : وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ * ؟ فمن أين ورثتم هذا العلم وليس بعد محمّد نبيّ ، ولا أنتم أنبياء ؟ ! »
وردّ عليه الإمام ببالغ الحجة قائلا : من قوله تعالى لنبيّه لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فالذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره اللّه تعالى أن يخصنا به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي أخاه عليا من دون أصحابه ، وأنزل اللّه به قرآنا في قوله : وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ فقال رسول اللّه : سألت اللّه أن يجعلها اذنك يا علي ، فلذلك قال علي : علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب ، خصّه به النبي من مكنون سرّه ، كما خصّ اللّه نبيّه ، وعلّمه ما لم يخص به أحدا من قومه ، حتى صار إلينا فتوارثناه من دون أهلنا » .
والتاع هشام من هذا الجواب ، فالتفت إلى الإمام - وهو غضبان - قائلا : إنّ عليّا كان يدّعي علم الغيب واللّه لم يطلع على غيبه أحدا ، فكيف ادّعى ذلك ؟
ومن أين ؟
فأجابه الإمام قائلا : « إن اللّه أنزل على نبيّه كتابا بين دفتيه فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى : وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وفي قوله تعالى :
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ وفي قوله تعالى : ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وفي قوله تعالى : وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وأوحى اللّه إلى نبيّه أن لا يبقي في عيبة سرّه ، ومكنون علمه شيئا إلّا يناجي به عليّا ، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده ، ويتولّى غسله وتحنيطه من دون قومه ، وقال لأصحابه : حرام على أصحابي وقومي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي ، فإنه مني ، وأنا منه ، له ما لي ، وعليه ما علّي ، وهو قاضي ديني ، ومنجز موعدي ، ثم قال لأصحابه : علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وعامّه إلا عند علي ، ولذلك قال رسول اللّه : « أقضاكم علي » أي هو قاضيكم ، وقال عمر بن الخطاب : لولا علي لهلك عمر ، يشهد له عمر ويجحده غيره ! » .
وأطرق هشام برأسه إلى الأرض ، ولم يجد منفذا يسلك فيه للرد على الإمام ، فقال له : « سل حاجتك » .
قال الإمام ( عليه السّلام ) : « خلّفت أهلي وعيالي مستوحشين لخروجي » .
قال هشام : آنس اللّه وحشتهم برجوعك إليهم ، فلا تقم وسر من يومك »[16].
وهذه الرواية لم تشر إلى ما جرى على الإمام من الاعتقال في دمشق ، ولكنها تشير إلى خروج الإمام من المدينة في حالة غير طبيعية بحيث استوحش أهله من خروجه .
[1] تاريخ ابن الأثير : 9 / 232 .
[2] العقد الفريد : 3 / 180 .
[3] الطبقات الكبرى : 5 / 95 .
[4] الكامل في التاريخ : 5 / 121 .
[5] البخلاء : 150 .
[6] اخبار الدول : 2 / 200 .
[7] أنساب الأشراف : 8 / 399 طبعة دار الفكر المحققة 1417 ه .
[8] البخلاء : 150 .
[9] بحار الأنوار : 11 / 75 .
[10] الختار : الغدر .
[11] التناوش : التناول .
[12] مناقب آل أبي طالب : 4 / 203 - 204 .
[13] بحار الأنوار : 11 / 75 .
[14] ذكر اليعقوبي أن هشاما حجّ سنة 106 هجرية .
[15] البرجاس : جاء في معجم المعرّبات الفارسية : أن ( البرجاس ) هدف ، « شي في الهواء ، معلّق على رأس رمح أو نحوه » وهو معرّب ويراد به : هدف السهم .
[16] دلائل الإمامة : 104 - 106 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|