المدينة والتنمية الإقليمية

رغم أن الوسيلة الأكثر بساطة لإدخال موضوع الحيز Space إلى حيز دراسات النمو الإقليمي قد تكون عن طريق استخدام عامل المسافة أو مقاييس تكلفة النقل ، إلا أن ذلك ليس هو المنهج الوحيد أو الأكثر أهمية في هذا الصدد ، وذلك لأن الاقتصاديين الإقليميين لا يهتمون فقط بالمسافة الفاصلة بين النشاط او المواقع في الحيز الجغرافي كاهتمامهم بالمسافة بين مواقع المواد الخام والأسواق أو بين سوق وآخر أو بين مواقع الإنتاج ومواقع الاستهلاك على سبيل المثال ، ولكن اهتمامهم يتسع ليشمل البناءات الداخلية لهذه النقاط المكانية .

وتقوم المدن بدور مهم في عمليتي النمو الإقليمي والتنمية الإقليمية ، وذلك الأن وجود هذه المدن يعتبر شرطا أساسيا وإن لم يكن وحيدا للانتقال بالمجتمع من مرحلة الاقتصاد الأحادي إلى مرحلة الاقتصاد المتنوع كلما تعددت وظائفها ، كما أن هذه المدن تعتبر مستودعات إشعاع للتحول الإقليمي باعتبارها مواقع رئيسة للمدخلات الحيوية اللازمة لعمليتي الإنتاج والتنمية ، فوجودها في هذه المواقع وقيامها بوظائفها لخدمة المناطق الإقليمية يجعلها قادرة على نشر التنمية إلى المدن الأصغر ، وإلى المراكز العمرانية الريفية ، خاصة في دول العالم النامي .

كذلك فإن هناك علاقة واضحة بين البناءات الحضرية من ناحية، والتنمية الإقليمية من ناحية أخرى، وذلك لأن الأخيرة ترتكز في معظمها على التصنيع الذي يمثل ، هو والتحضر جانبان لعملة واحدة ، أو مظهران لعملية واحدة ، كذلك فإن كبر مقياس أو حجم المركز العمران سكانا ووظائفا يعني المزيد من التخصص الإنتاجي من ناحية، ومن الكفاءة الإنتاجية من ناحية أخرى، ومن ثم المزيد من النمو الصناعي، كما يؤدي هذا الكبر إلى إيجاد نظم وفورات خارجية مكانية وغير مكانية ذات تأثير تجميعي يؤدي إلى المزيد من التنمية, ومن وجهة نظر تحليل النمو الإقليمي، فإن دور المدن أوسع بعض الشيء من أن تتضمنه علاقات مصفوفة حضرية - صناعية، كما أنه من حيث الفعالية بين الإقليمية فإن التركيز المكاني لكل من السكان والأنشطة الاقتصادية هو طريقة فعالة وكافية لتنظيم عملية توزيع الموارد الإقليمية.

ورغم وجود بعض النظريات المتعلقة بالأماكن المركزية وتراتبها، كنظرية المكان المركزي" لكريستالر" وتحليل " لوش Losch " للمراكز الهيراركية، إلا أن أهم الصعوبات المتعلقة بفهم العلاقات البينية بين كل من حجم الهيراركية الحضرية الإقليمية وبنائها المكاني من ناحية، والنمو الإقليمي من ناحية أخرى هي في عدم وجود نظرية كافية لتفسير كيفية تطور هذه الهيراركية أو لإيضاح أهميتها بالنسبة للتنمية الإقليمية.

ومن ناحية أخرى فإن مدى الخدمات الحضرية ونوعيتها يمثل قوة جذب جيدة لصناعات جديدة تتجه نحو المدينة الإقليمية القائدة، وهو ما يلخص أهمية هذه المدينة، طالما أن نمو الخدمات يرتبط بشدة بحجم المدينة، وبمستوى الدخل النقدي لسكانها، ولهذا فإن الطريقة الأكثر كفاءة لتوطين البنية الأساسية الإقليمية من وجهة تعزيز النمو الإقليمي، هي في تركيز هذه البنية الأساسية في المدينة الرئيسة أو الأولى في الإقليم.