المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

مرض عفن الجذور
12-11-2016
كاد الحليم أن يكون نبياً
20-7-2017
وصف تابوت امللك سقنن رع.
2024-03-13
إبداع الممارسة الإدارية التراثية
24-4-2016
تشتت الأشعة السينية بواسطة صف من الذرات
2023-09-21
التجارة مع الله
3-4-2016


آيات الله في الحياة الاجتماعية للإنسان‏  
  
19614   06:52 مساءاً   التاريخ: 27-08-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 363- 375.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا إجتماعية في القرآن الكريم /

ممّا لا شك فيه أنَّ الإنسان موجودٌ اجتماعي بالطبع ، ويحصل على‏ ما يحتاج إليه في الحياة الجماعية ، فتكامل الإنسان معنوياً ومادياً ، في العلوم والمعارف ، الحضارات والصناعات ، الآداب والتقاليد ، يحصل من خلال الحياة الجماعية ، بنحوٍ يمكننا من القول أنّه لو فقدَ الإنسان هذا الطراز من الحياة فسيفقد كلَّ شي‏ءٍ ، ويهبط إلى‏ مستوى‏ الحيوان.
إنَّ اهتمام الإنسان بهذا الطراز من الحياة علاوة على‏ فطريته ، فهو نابع من كثرة وتباين حاجاته ، وهمته العالية لبلوغ مراحل اعظم وأكمل ، ولا يمكن تأمين هذه الحاجات الجسمية والروحية بدون الحياة الاجتماعية ، وإلّا فما هو دور الإنسان منفرداً؟
ولكن يجب أن لا ننسى‏ أنّ الإنسان يحتاج إلى‏ عوامل نفسية وبدنية كثيرة من أجل التعايش اجتماعياً ، حيث وضعها الخالق في متناول يديه ، وإذا تمَّ تحليل هذا الجانب من حياة الإنسان تحليلًا موضوعياً فسيتضح انَّه من أكثر آيات اللَّه عجباً.
بهذا التمهيد نتجه نحو آيات القرآن التي تستند إلى‏ هذا الأمر ونتمعن خاشعين في الآيات التالية :
1- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِّتَسْكُنُوا الَيْها وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً انَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم/ 21)
2- {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لَيَسْكُنَ الَيْها} (الاعراف/ 189) .
3- {إِنَّا خَلَقْنا الإِنْسَانَ مِنْ نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيْهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيْراً}. (الإنسان/ 2)
4- {يَا ايُّهَا النَّاسُ انَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ ذَكَرٍ وَانْثَى‏ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا انَّ اكْرَمَكُمْ عَنْدَ اللَّهِ اتْقاكُمْ}. (الحجرات/ 13)
5- {هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِيْنَ* وَالَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ انْفَقْتَ مَا فِى الأَرضِ جَمِيْعاً* مَا الَّفتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّه عَزِيزٌ حَكِيْمٌ}. (الانفال/ 62- 63)
شرح المفردات :
«زوج» : تعني في الأصل الحيوان المذكر والمؤنث حيث يُطلقُ هذا اللفظ على‏ كلٍّ منهما ، ويُطلقُ- أحياناً بمعنى‏ أكثر شموليةً- على‏ كلِّ شيئين متناظرين ، سواء كان من ناحية التشابه أو التضاد ، كزوج الحذاء ، أو الجوراب ، أو الليل والنهار والخير والشَّر وأمثالها ، أو الارقام التي تقبل القسمة على‏ اثنين متساويين ، لأنَّ كلًا منها يناظر الآخر ، إلّا أنّها تُقال في خصوص البشر لمن أبرم عقد الزواج بينهما.
وقال بعض أرباب اللغة إنَّ معنى‏ «زوج» عبارة عن الشكل الذي يكون له مثيل ، كالأنواع والألوان المختلفة ، أو الشي‏ء الذي له مضاد ، كالرطب والجاف ، المذكر والمؤنث ، الليل والنهار ، الحلو والمر ، كما صرَّحوا أنَ‏ «زوج» تعني كلَّ فردٍ من الزوجين ، لا الاثنين معاً بل يجب أن يقال للاثنين‏ «زوجان» ، واطلاقُ زوج على‏ الاثنين هو من كلام الجهلة «1».
«لِتَسْكُنُوا» : من مادة «سكون» وتعني في الأصل ثبات الشي بعد الحركة ، وجاء في‏ «مقاييس اللغة» أنَّ أصلها بمعنى‏ الاطمئنان ، والحالة التي تعاكس الاضطراب والحركة ، وتطلقُ أحياناً على‏ تخفيف ضغط العاصفة والحر والبرد ، والمطر والغضب أيضاً ، ولهذا سُمِّيَ «سكان» السفينة بهذا الاسم حيث يعتبر أساس واطمئنان السفينة ووضعها في‏ الطريق الصحيح ، ومن هذا الجانب سميت‏ «السِكّينة» بهذا الاسم ، حيث تُسكنُ حركات الحيوان بقطع رأسه ، كما يقال لحالة الاطمئنان والاستقرار النفسي‏ «سَكينة» أيضاً ، وتُطلق‏ «مِسْكين» على‏ من يبدو ساكناً في محله لشدة الفقر الذي يعانيه ، ويقال لمكان سكن واستقرار الإنسان‏ «مَسْكَن» «2».
و«شُعُوب» : طبقاً لقول بعضهم ، جمع‏ «شَعْب» (على‏ وزن صَعْب) ، وجمع‏ «شِعْب» (على‏ وزن فِعْل) طبقاً لقول بعضهم الآخر ، بينما يعتقد البعض كصاحب مجمع البحرين أنَّ جمع الأول‏ «شعوب» وجمع الثاني‏ «شعاب» ، وعلى‏ أيّةٍ حالٍ فانَّها تعني كما يقول صاحب‏ «لسان العرب» الجمع والتفريق ، أو الإصلاح والافساد (وذلك يصور إلى‏ أنّ معناها الأصلي هو الوادي الذي يتجمعُّ في الجانب الآخر من الجبل ويتسعُ في الجانب السفلي وكما يقول الراغب في المفردات أنَّ المفهومين اجتمعا فيه) لذلك يقال‏ «شَعب» للقبيلة التي انفصلت عن طائفةٍ كبيرة (فلها صفةٌ جمعيةٌ تفريقية) وقال بعض أيضاً أنَ‏ «شعوب» تستخدم بخصوص العجم و«قبائل» للعرب‏ «3».
ولهذا تأتي‏ «تَشَعب» أيضاً بمعنى‏ التفرق وكذلك الاجتماع ، والإصلاح والافساد.
«ألَّف» : من مادة «إلْف» على‏ وزن‏ (جِلْف) وتعني الاجتماع المتقارن بالانسجام والوئام ، وتأليف القلوب يعني إيجاد الالفةِ والأواصر والصلةِ بينها (وعلى‏ هذا الأساس اطلقوا على‏ تأليف الكتاب هذا الاسم حيث يتمّ إيجاد نوع من التآلف والانسجام بين الألفاظ والمعاني والموضوعات) ولهذا يقولون للعدد أَلْف حيث يعتقد العرف أنَّ كافةَ الاعدادِ مجموعةٌ فيه لأنَّه يتكون من عدد واحد والعشرات والمئات والآلاف ، ولم تكن هناك أعدادٌ بعده بل تتكرر نفس الأرقام ، عشرة آلاف ومائة ألف و.... «4».
تفسيرٌ وتحليل‏
الروح الاجتماعية للبشر واحدة من أعظم المواهب الإلهيّة :
في‏ سورة «الروم» وأثناء تعداد الآيات الإلهيّة في سبعِ آيات متقاربة «5» حيث تبتدأ كلٌّ منها بتعبير «ومن آياته» أَوضحَ جانباً من براهين عظمة اللَّه في عالم الوجود بلحنٍ مرغوبٍ وجذابٍ ونغمةٍ لطيفةٍ ومحببةٍ والآية الاولى‏ في البحث إحداها فقد أشارت إلى اللبنة الاولى‏ في بناء المجتمع البشري ، أي وحدة الاسرة والعلاقة التي تسودُها ، فيقول : {وِمِن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا».
واللطيف أنّه لم يذكر هنا أنَّ الهدف من الحياة الزوجية هو بقاء النسل ، بل يذكرُ نيل الاطمئنان والسكينة ، الذي يحصل من خلال الحياة الزوجية ، لأنَّ هذين الجنسَيْن يُكمل أحدُهما الآخر ، ويكونان سبباً لتفتُحِ وانقاذ وتربيةِ كلٍّ منهما ، بنحوٍ يبدو كلٌ منهما ناقصاً بدون الآخر ، وينال تكامله عن هذا الطريق.
إنَّ هذا الاطمئنان والسكون لا يقتصر على‏ الجانب الجسدي بل إنّ جانبه الروحي أهم واقوى‏.
والاضطرابات النفسية وفقدان التوازن الروحي ، والأمراض المختلفة المتمخضة عن الزهد في الزواج ، شاهدٌ ناطقٌ على‏ هذا المعنى‏.
ثم يضيف : {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.
هذه المودةُ والرحمة التي تُعتَبرُ في الحقيقة الركن الأساس وحلقة الوصل والإرتباط ما بين الناس ، فتربط الأشخاص المتفرقين والمتباعدين ، وتخلق من ذلك مجتمعاً قوياً ، تقوم المواد الأساسية في البناء بشدِّ قطع الطابوق والحجر ويُشيَّدُ منها بناءٌ ضخمٌ وعظيم.
واللطيف كذلك أنّه استند مرّه ثانية في نهاية الآية إلى‏ هذه النكتة التوحيدية : قائلًا : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفكّرُونَ}.
ولو تأمَّلنا في تشكيل الحياة الزوجية وهي أول وحدةٍ اجتماعية ، في الرابطة القوية التي تتكون بين هذين الجنسين المختلفين ، ومن ثم لو تأملنا في الوحدات الاجتماعية الأكبر :
العائلة ، الأقارب ، الطائفة والعشيرة ، ثم في المدن والاقطار وفي كل المجتمع البشري ، فاننا سنواجه في كلِّ خطوةٍ نخطوها آيةً من آياتِ اللَّه العظيمة.
فمن الذي خلقَ المحبّةَ والمودةَ بين المرأة والرجل ، والأب والام وابنهما ، والعشيرة والأقارب ، وكلِّ الناس بشكلٍ عامٍ ؟
من الذي وَضَعَ التوازن بين جنس المرأة والرجل في المجتمع البشري ؟ بشكلٍ يتمّ الحفاظ على‏ هذا التوازن رغم الحوادث المعقدة التي تطرأ في المجتمعات كالموت والولادات !
من الذي خلقَ الأذواق المختلفة في العقول ، والرغبات المتباينة في القلوب؟ وأخذ بيد كلِّ صنفٍ نحو عملٍ وبرنامجٍ ، كي يتكون من مجموعهم مجتمعٌ إنسانيٌّ ككتلةٍ واحدةٍ متكاملةٍ من جميع الجوانب.
ولعلِّهُ لهذا السبب أشار في الآية الآتية إلى‏ اختلاف الالسُنِ وتباينِ الألوان ويعتبر ذلك من آيات اللَّه. فيقول : {وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ الْسِنَتِكُمْ وَالْوانِكُمْ إنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِيْن}. (الروم/ 22)
وممّا لا شك فيه أنَّ أحد التفاسير لاختلاف الألسن والألوان ، هو هذا التباين الموجود في النطق والأذواق والجذب الفكري للأشخاص ، ممّا يؤدّي إلى‏ أنْ يتحلّى‏ المجتمع البشري بالانسجام التام ، بنحوٍ لا يحصل معه فراغٌ في أي من الحاجات المعنوية والمادية للبشر.
«مَوَدَّة» : من مادة «وُدّ» (على‏ وزن حُبّ) وتعني المحبّة كما تطلق على «الأمل في تحقيق الشي‏ء» (وكلا المعنيين قريبان لبعضهما) ولفظ «وَدّ» (على‏ وزن حَدّ) اسمٌ لأحد اصنام الجاهلية ، وسمي بذلك الاسم لمحبتهم الشديدة له ، أو لأنّهم كانوا يظنّون بوجودِ مودةٍ بين اللَّه وهذا الصنم ، كما يُطلقُ هذا اللفظ على‏ «المسمار» ، حتى‏ قالَ بعض إنَّ لفظ «وَتَدْ» الذي يعني في لغة العرب‏ «المسمار» مأخوذٌ من أصل‏ «وُدّ» لأنَّ المسامير تلتصق بالجدار أو الأشياء الاخرى‏ ، ومن هنا فهي تتشابه مع مفهوم المحبّة «6».
«رَحْمة» : وتعني حالة الليونة التي تحصل في قلب الإنسان فتجعله يميل إلى‏ الاحسان تجاه من يستحق الرحمة ، ومن المسلَّم به أنّها حينما تُستَخدمُ في مورد الباري تعالى‏ فانّها تعني الإنعام والعطاء والاحسان.
وهنا ما الفرق بين الاثنين‏ (المودة والرّحمة) في هذه الآية؟ لقد اعطى‏ المفسِّرون عدّة احتمالات ، ويُمكن القول أنَّ الجامع بينها هو أنَ‏ «المودَّة» تُقالُ لشي‏ءٍ لهُ مقابل ، كالمحبّة التي بين المرأة والرجل أو الاخَوَيْنِ ، حيث تدفع كلًا منهما إلى‏ تقديم الخدمةِ إلى‏ الآخر ، إلّا أنّ‏ «الرحمة» من جانبٍ واحدٍ وتشتمل على‏ التضحية ، كعلاقة الحب بين الوالدين وابنهما ، أو أحد الزوجين نحو الآخر عندما يعجز عن العمل.
وهنا تكمنُ نكتةٌ مهمّة ، وهي يجب أن يقوم في الحياة الزوجية وكذلك الحياة الاجتماعية بشكلٍ عامٍ نوعان من العلاقة المعنوية :
الأول : العلاقة التي تتخذ طابع الخدمات المتقابلة ، فيقوم كل فردٍ أو طبقةٍ بخدمات متقابلة تجاه الأفراد أو الطبقات الاخرى‏.
والثاني : «الخدَّمات المجانية» ، لأنَّ المجتمعات البشرية أو الاسرَ التي هي مجتمعٌ مصغرٌ تعجُّ بالأطفال والضعفاء والعجزة باستمرار ولو شاؤا انتظار الخدمات المتقابلة لظلّوا يعانون الحرمان ، هنا حيث يعطي مفهوم‏ «المودة» مكانه إلى‏ «الرحمة» ، وتحلُّ الخدمات التضحية محلَّ الخدمات المتقابلة ، وكم لطيف هذا التعبير القرآني الذي لن ترى‏ المجتمعات البشرية صورة الاطمئنان والراحةِ إلّا بالعمل به.
والآية الثانية من البحث تردد هذه الحقيقة التي وردت في الآية الآنفة مع هذا الفارق‏ حيث تقول : {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنهَا زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها}.
والمقصود من‏ «نفسٍ واحدةٍ» باعتقاد اغلب المفسِّرين هو آدم عليه السلام‏ «7» ، ومن المسلَّم به أنَّ التعابير التي جاءت في ذيل الآية وتُشَمُّ منها رائحة الشرك ، لا تعني الشرك في الاعتقاد ولا في العبادة ، بل يُمكنُ أن يَكونَ المقصود منها هو ميل آدم إلى‏ ابنائهِ ، الميلُ الذي قد يجذبُ الإنسان نحوه في لحظات خاطفة ويجعله يغفل عن غيره.
ويُحتملُ أن يكون المراد من‏ «نفس واحدة» هو «الوحدة النوعية» ، أي (خلقكم من نوعٍ واحدٍ).
وليسَ المقصود من عبارة : «جَعَلَ منها زَوْجها» أنَّ زوجة آدم‏ «حواء» قد خُلقَتْ من جزءٍ من جسمه ، كما نُقل في الرواية الموضوعة أنَّ حواء خُلقت من ضلع آدم الأيسر ، ولهذا يقل عدد الاضلع في الجانب الايسر عنها في الجانب الأيمن بضلعٍ واحدٍ ، لدى‏ الرجال ، ولا شك أنَّ عددَ الأضلع في كلا جانبي الرجل لا يتفاوت أبداً ، ومن السهولة تجربة ذلك ، بل إنّ المقصود هو :
إنَّه خلقَ زوجة آدم من جنسه ، كي تكون بينهما الجاذبة الجنسية ، وليس من جنسٍ بعيدٍ وغريبٍ ، كما نقرأ بخصوص النبي صلى الله عليه وآله في القرآن الكريم : {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِيِّيْنَ رَسْوُلًا مِنْهُمْ}.
ويشير في الآية الثالثة إلى‏ خلق الإنسان من نطفةٍ مختلطة ، فيقول : {إنّا خَلَقْنا الانْسَانَ مِنْ نُّطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليْهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيْعاً بَصِيْراً}.
وتم التلميح في هذه الآية إلى‏ ثلاث مزايا للإنسان : الاولى‏ امتزاج النطفة ، ويستفاد هذا الامتزاج من لفظ «أمشاج» جمع‏ «مشيج» أو «مَشَج» (على‏ وزن مَدَدْ) وتعني الشي‏ء الممزوج ، ولهذا معنىً واسع حيث يشمل اختلاط النطفة من‏ «البيضة» و«الحيمن» ، وكذلك المواد المعدنية المختلفة وغيرها من المواد التي تتظافر لصنع النطفة ، كما يمكن أن تكون إشارة إلى‏ القوى‏ المختلفة والقابليات المتباينة والأذواق المتفاوتة الموجودة في نطفة الإنسان وتُعدهُ للحياة الاجتماعية في المجالات كافة.
والثاني عبارة «نبتليه» التي تشير إلى‏ انتقال الإنسان من حالةٍ إلى‏ اخرى‏ ، والتحولات المستمرة وأنواع الابتلاءات والاختبارات التي تأخذ بيده في مسيرته التكاملية وتعتبر دليلًا على‏ تكليف الإنسان ومسؤوليته ، لأنَّ الاختبار غير ممكنٍ بدون حرية الإرادة ، والقابلية على‏ أداء التكليف.
والثالث امتلاك الأدوات المهمّة للمعرفة ومن أهمّها السمع والبصر ، فالسمع للاستفادة من العلوم النقلية وأفكار الآخرين ، والعين للمشاهدة والاتصال المباشر بحقائق العالم.
فهكذا إنسان وبمثل هذه المواصفات جديرٌ بأن يرتقي إلى مقام خليفة اللَّه وقادرٌ على‏ الحياة الجماعية.
وفي الآية الرابعة وجَّهَ الكلام إلى‏ الناس قاطبةً ، قائلًا : {إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وانْثى‏}.
بناءً على‏ ذلك ليس هنالك أيُّ تمايزٍ بين الأجناس والقبائل والشعوب ، لأنّهم يرجعون إلى‏ أصلٍ واحدٍ : «أبوهم آدم وامُّهم حواء».
ثم أشار إلى‏ فلسفة تصنيف الناس إلى‏ شعوب وطوائف مضيفاً : {وَجَعَلناكُم شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا}.
لا شكَّ أنَّ أول شروط الحياة الاجتماعية هي معرفة الأشخاص ببعضهم ، إذ لولاها لاختَلَّ نظام المجتمع البشري خلال يومٍ واحد ، فلم يُعرف المجرم من البري ، ولا الدائن من المدين ، ولا القائد من المقود ، ولا الأئمّة من التابعين ، و... اجَلْ .. اللَّهُ الذي خلقَ الإنسان لمثل هذه الحياة وجَعَلَه أجناساً وقبائل وجماعاتٍ تتباين تماماً بالمواصفات وجَعَل في كلِ‏ قبيلةٍ أشخاصاً يمتازون بمزايا شخصية خاصةٍ كي تُحلَّ مسألة «التعارف».
ويقول في نهاية الآية كاستنتاج أخلاقي من هذه المسألة الاجتماعية : إنَّ الانتسابَ للقبائل والجماعات ليس دليلًا على‏ أيِّ تفاضُل أبداً بل : {انَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللَّهِ اتْقاكُمْ}.
فالتقوى‏ لا تُعتبرُ مسألة أخلاقية فحسب ، بل مسألة اجتماعية لا تستقيم الحياة الاجتماعية للبشر إلّا من خلالها ، التقوى‏ في جميع المجالات ، التقوى‏ الاقتصادية ، التقوى‏ السياسية ، تقوى‏ اللسان والتقوى‏ الفكرية.
وفي الآية الخامسة والاخيرة من البحث يعتبر «تأليف القلوب» احد الأدلة المهمّة على‏ انتصار نبي الإسلام صلى الله عليه وآله ، فيقول : {هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالْمُؤْمِنيْنَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}.
ويثبتُ هذا التعبير بوضوح أنَّ تأليف القلوب يعتبر أمراً حتمياً من أجل التغلُّب على‏ المشكلات الاجتماعية ، وقد خلقَ اللَّهُ هذا الاستعداد لدى‏ البشر ولولاه لم يتسنَ التأليفُ بين القلوب ، ولو لم يحصل فستضطرب حياة البشر الاجتماعية.
ثمَّ يُلمِّحُ إلى‏ مسألةٍ لطيفةٍ وهي أنَّ تأليف القلوب لا يتحقق بالطرق المادّية ، بل يمكن تحقيقه من خلال الإيمان والأساليب المعنوية والقيم الإنسانية السامية ، فيقول : {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَميْعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبْهِم وَلكِنَّ اللَّهَ الَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزيْزٌ حَكِيْمٌ}.
صحيحٌ أنَّ هذه الآية نزلت بخصوص أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، إلّا أنَّ من الواضح أنَّ مفهومها عامٌ ويشملُ المؤمنين قاطبةً ، كما اشير إلى‏ هذا المعنى‏ في تفسير الميزان‏ «8».
إنَّ المسائل الماديّة وبسبب ضيقها تكون مصدراً للنزاعات والصراعات ، ولو فرضنا أن تكون عاملًا للوحدة يوماً ما ، فستكون وحدةً غير راسخةٍ ، فالوحدة الراسخة تتحقق في ظل الإيمان والتقوى‏ والقيم الروحية فقط.
وورد قرينُ هذا المعنى‏ بتعابير اخرى‏ في قوله تعالى‏ حيث يقول حول أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : {أَشِدّاءُ عَلَى‏ الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. (الفتح/ 29)
وما يثير اهتمامنا هنا هو التعبير ب «هو الذي» في بداية الآية ، حيثُ تُعرِّفُ الباري من خلال نصرة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله والتأليف بين قلوب المؤمنين ، ويعدَّها من آيات وجود اللَّه تعالى‏ ، التآلف الذي يَسمو على‏ جميع انواعِ التآلف ، حتى‏ على‏ الروابط النسبية والسببية ، ولهذا فقد هيمنت أواصر العصبية القبلية وبنحوٍ مذهلٍ على‏ العلاقات التي كانت تسود المجتمع العربي أبان العصر الجاهلي لكن أواصر الإيمان والتقوى‏ طغت على‏ جميع أنواع الراوبط ، وظهرت آثار هذا التآلف الروحي والمعنوي في جميع جوانب حياتهم الفردية والاجتماعية ، وأذْعَنَ العالمُ باسرهِ أمام عظمتهم.
توضيح‏
هل للمجتمع روحٌ ؟
إنَّ الأَحياء على‏ قسمين وأغلبُها يعيش منفرداً ولا وجود اجتماعي فيما بينها ولو على صعيد اصغر وحدة اجتماعية أي العائلة ، وبعضها قد تخطّى‏ هذه الحياة قليلًا وأخذ يعيش مع قرينهِ ، ولكنّ قليلًا من الحيوانات تعيش حياةً جماعيةً ، وبعضها قد كون حضارةً ، كالنحل ، والَّنمل ، والأرضة وغيرها من الحيوانات.
إلّا أنَّ هذا الصنف‏ (الحيوانات الاجتماعية) لها نوعان من النقص أيضاً :
الاوّل : هو استحالة الحياة المشتركة بين المجاميع المتباينة (كنحلِ خليتين أو بضع خلايا) ، والثاني : إنَّ حياتها الاجتماعية تتخذُ طابعاً واحداً باستمرار ، اي أنَّ النحلَ يعيشُ اليوم كما يعيش قبل مليون سنة.
فالكائن الوحيد الذي يعيش حياةً جماعيةً غير مقيّدة ويسير نحو التطور والتكامل هو الإنسان ، والدليل على‏ ذلك هذا النمو والتطور وسيادة العلم والعقل على‏ حياته الاجتماعية.
وهنا بحوث كثيرة لو أردنا الولوج فيها سنخرج من اطار البحث التفسيري ولكن يبدو من الضروري التذكير ببعض الامور :
1- ما هو منشأ رغبة الإنسان للحياة الاجتماعية؟- هنالك آراء مختلفة ، ويبدو أكثرها صواباً هو أنّه مزيجٌ من الحوافز «الغريزية» و«العاطفية» و«الفكرية» فالعقلُ يقول إنّ التكاملَ ممكنٌ في ظل الحياة الاجتماعية فقط سواء كان معنوياً أو عادياً ، لأنَّه من البديهي إذا أراد فردٌ أو اسرةٌ أن تعيش بمعزل عن الآخرين ، فلا وجود لهذه العلوم والمعارف ولا هذه الصناعات والاختراعات والابداعات ، فلا شك أنّها حصلت من خلال استثمار تكدُس الطاقات الفكرية والجسمية ، ونقل كلُ جيلٍ تجاربه إلى‏ الأجيال الاخرى‏ ، واثمرت هذه الظواهر الجبارة من خلال تجمعها وتظافرها.
ومن ناحيةٍ اخرى‏ فانَّ الإنسان يميل إلى‏ هذه الحياة من خلال حافزٍ ذاتيٍ وعاطفي ، فهو يضجر من العزلة ، ويشعر باللذة من خلال حديثه وجلوسه وقيامه مع رفاقهِ ، وسجنُ الوحدة يمثل أقسى‏ عذابٍ بالنسبة له ، وقد اثبتت تجارب العلماء أنَّ العزلة لو استمرت فستؤدّي إلى اضطرابات نفسية على‏ مدى‏ فترةٍ قصيرة ، وبغض النظر عن منافع التعايش الجماعي فإنّ هذا يُؤكد على‏ أنَّ الإنسان يرغبُ بطبعهِ في هذا التعايش.
2- لقد اعتبر الإسلام الحياةَ الاجتماعيةَ للبشر من أهم مبادئه ، ولم يهتم بها في العلاقات السياسية والاقتصادية فقط بل حتى‏ في مسألة العبادات التي تعتبر علاقة بين الخلق والخالق ، فأعطى‏ للعبادات الجماعية (صلاة الجماعة) وصلاة الجمعة ومناسك الحج ، أهميّةً لا مثيل لها.
فماهية الصلاة ، والاذان والاقامة تُحفزُ الجميع لصلاة الجماعة ، ويبرهن ضميرُ الجمع الوارد في سورة الفاتحة ، والسلام الذي في خاتمة الصلاة ، على‏ أنّ الصلاة ذات صفةٍ اجتماعية واداؤها فرادى‏ يُعد صيغة فرعية.
وقد اعطيت الحياة الاجتماعية اهميةً بالغةً في الإسلام بحيث اعتُبرَ كلُ ما يؤدّي إلى الاختلاف والتفرقة (كالحسد ، قول الزور ، والغيبة ، والنفاق و...) من الذنوب الكبيرة ، وكلُ‏ ما يؤدّي إلى‏ السَّلام والوئام والإصلاح بين الناس جزءاً من أفضل العبادات.
3- أنَّ تحقيق الحياة الاجتماعية للبشر ليس امراً بسيطاً ، لأنّه يحتاج إلى‏ توزيع القابليات والقدرات العقلية والجسمية المختلفة ، وتخطيطٍ دقيقٍ ، وتوزيع للأعمال ، والتنسيق والتآلف بين القلوب ، وطبقاً للتعبير الذي ورد في تفسير الآيات فانَّ البشر كمواد البناء- الطابوق والحديد والمواد الإنشائية الاخرى‏- التي إذا لم تكن فيما بينها وسيلة للربط والالتحام لم يتشيَّد منها بناءٌ شامخٌ ، وهنا جاءت يد القدرة الإلهيّة لمساعدة الإنسان ، ووضعت الخطة الدقيقة الرامية إلى‏ تأليف القلوب ، وتوزيع القابليات العقلية والجسمية ، وأنواع الأذواق والفنون ، ورفَدت الإنسان بالمواهب العظيمة التي لن تدور عجلة الحياة الاجتماعية للبشر بدونها أبداً ، ويُعبَّر عن مجموع هذه الامور أحياناً ب «روح المجتمع» وإلّا فاننا نعلمُ أن ليس للمجتمع روح خاصةً غير ما ذُكر.
من يا ترى‏ أوْجَد هذه الروح الاجتماعية بكل ما فيها من مواصفاتٍ من أجل دفع الإنسان نحو التكامل؟ فهل تستطيع الطبيعة العمياء الصمّاء التي لا عقل ولا احساس لها أنْ تُوجدَ هذا التخطيط ، وهذه المودَة والرحمة ، وهذه السكينة والاطمئنان ، ونطفة الامشاج ، وهذا التعارف العام ، وهذا التآلف بين القلوب؟!
لهذا تَعتبرُ الآياتُ المذكورة هذه الامور من آيات عظمةِ وعلمِ وقدرة اللَّه تعالى‏.
ونختتم هذا الكلام بالحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وآله فيما يخص اهتمام الإسلام بتقوية الأواصر الاجتماعية بين أبناء البشر ، إذ يقول صلى الله عليه وآله :
«إنَّ المُسْلِمَ إذا لَقيَ أخاهُ المسلمَ فاخذَ بيَدهِ تحاتت عَنْهُما ذُنوبُهما كَما تَتَحاتُ الوَرقُ عن الشَجَرةِ اليابسةِ في يومِ ريحٍ عاصفٍ و«لا يفترقان» إلّا غُفِرَ لَهما ذنوبُهما ولَو كان مثلَ زَبَدٍ البحار!» «9».
______________________
(1) المفردات ، مصباح اللغة ، التحقيق ولسان العرب.
(2) التحقيق ، لسان العرب ، المفردات ، مجمع البحرين ، وكتاب العين.
(3) تفسير مجمع البيان ، ج 9 ، ص 138.
(4) مجمع البحرين ، لسان العرب ، مفردات الراغب.
(5) تبدأ هذه الآيات من الآية 20 من السورة وحتى‏ الآية 25 (ست آيات متتابعة) والآية 7 والآية 46 من نفس ‏السورة.
(6) مفردات الراغب مادة (ود).
(7) تفسير مجمع البيان ، ج 4 ، ص 508؛ والتفسير الكبير ، ج 15 ، ص 85؛ وتفسير روح البيان ، ج 3 ، ص 2094؛ تفسير الميزان ، ج 8 ، ص 391 ، ونقل هذا المعنى‏ في تفسير القرطبي (ج 4 ، ص 2773) عن جمهور المفسرين.
(8) تفسير الميزان ، ج 9 ، ص 120.
(9) الطبراني ، نقلًا عن تفسير في ظلال القرآن ، ج 4 ، ص 57.



وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .