أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-3-2020
4741
التاريخ: 11-3-2020
5602
التاريخ: 5-10-2017
2160
التاريخ: 5-10-2021
3789
|
تأخذ ظاهرة التركز الاقتصادي وسائل متعددة، وهي بهذا الوصف ليس لها شكل قانوني يخضع لنظام قانوني خاص به. فكل ما يعنيه التركز الاقتصادي هو عبارة عن "تجمع اقتصادي بين وحدات اقتصادية يختلف نظامه القانوني حسب العلاقة القانونية التي تربط هذه الوحدات الاقتصادية" (1).
ومن بين الوسائل التي يتخذها التركز الاقتصادي الشركات متعددة الجنسية على اعتبار أنها انسب الوسائل القانونية التي تفرغ فيها ظاهرة التركز الاقتصادي والتراكم الرأسمالي، غير أن ما تضطلع به الشركات متعددة الجنسية في هذا المجال تبرز اهمية في الاندماج الدولي للشركات متعددة الجنسية.
ويعد مفهوم الاندماج بين الشركات مفهوما قانونيا له احكامه واثاره الخاصة به، ورغم خلو التشريعات الوطنية من اعطاء تعريف له، الا ان الكثير من الفقهاء والكتاب قد تصدوا له وأعطوه تعاريف عدة.
فلقد عرفه الاستاذ "Chuilon" بانه "عملية تتضمن قيام شركة او عدة شركات بنقل كافة موجوداتها الى شركة اخرى قائمة يزيد رأسمالها بمقدار هذه الموجودات او الى شركة جديدة، بحيث تتحمل الشركة الدامجة او الجديدة كافة خصوم الشركة المندمجة وتؤول الاسهم او الحصص الجديدة التي تمثل هذه الموجودات الى الشركات المندمجة" (2).
وعرف بانه "دمج شركة او اكثر بشركة قائمة قانونا او دمج شركتين في الاقل لتكوين شركة جديدة، وتتطلب عملية الاندماج اذن وجود شركتين في الاقل وانتهاء الشخصية المعنوية للشركة المندمجة" (3).
بينما يعرفه الدكتور محسن شفيق بانه "فناء شركة او اكثر في شركة اخرى، او فناء شركتين او اكثر وقيام شركة جديدة تنتقل اليها ذمم الشركات التي فنيت" (4).
ويتضح من هذه التعاريف ان للاندماج صورتين :
الأولى : الدمج بطريقة الضم "الابتلاع" : وتعني هذه الطريقة فناء شركة او اكثر في شركة قائمة فعلا، أي فناء شركة وطنية في شركة وطنية وليدة او تابعة لشركة ام اجنبية، فتكون الشركة الوليدة هي الدامجة والشركة الوطنية هي المندمجة، فيتم نقل اموال وموجودات واصول وديون الشركة المندمجة الى الشركة الدامجة (5).
الثانية : الدمج بطريقة المزج : وهذه الطريقة تعني ان جميع الشركات الداخلة في عملية الاندماج تفنى وتزول عنها شخصيتها المعنوية، وتقوم على انقاضها شركة جديدة، غير ان الاندماج بطريقة الضم "الابتلاع" هي الطريقة الاكثر رواجا في العالم الرأسمالي نظرا لما في الدمج بطريقة المزج من تكاليف باهضة تتمثل في ارتفاع نفقات الدمج وزيادة الضرائب والرسوم نتيجة للزيادة في حجم الاصول التي تم نقلها الى الشركة الجديدة (6).
وللاندماج بصورة عامة مفهومان احدهما اقتصادي والاخر قانوني، وليس بالضرورة ان يتطابق المفهومان حتى نكون امام حالة اندماج، فالمفهوم الاقتصادي اوسع في مداه
من المفهوم القانوني، حيث انه يشمل صورا للتركز الاقتصادي لا تعد من قبيل
الاندماج كمفهوم قانوني (7) ، فعلى سبيل المثال لا يعد من قبيل الاندماج بالمفهوم القانوني اذا ما قامت شركة ما بنقل اصولها الصناعية الى شركة اخرى مع استمرار الاولى
قائمة كشركة قابضة ليس لها من نشاط الا ادارة ما تملكه من اسهم في الشركة المقبوضة وممارسة سيطرتها عليها (8) ، فهكذا عمل على وفق المفهوم الاقتصادي يعد من قبيل الاندماج، لان ما يهم الاقتصاد هو وحدة المشروع الاقتصادي، ولكن على وفق المفهوم القانوني لا يعد من قبيل الاندماج لأنه قد بقيت الشركة التي نقلت اصولها الصناعية محتفظة بشخصيتها القانونية وهذا يتنافى مع الاندماج كنظام قانوني.
والاندماج الدولي مثلما يقوم بين الشركات الوليدة او التابعة والشركات الوطنية القائمة في اماكن تواجد تلك الشركات، فانه كذلك يتم مع شركات عملاقة قابضة "شركات ام" والغاية من هذا الاندماج ليست لزيادة السيطرة والتبعية فحسب وانما الغاية الاساس في تركيز رؤوس الاموال لتقوية مركزها في الاسواق العالمية، مما يعني زيادة قدرتها على منافسة الشركات المماثلة، وخير مثال على ذلك اندماج شركة دانلوب البريطانية مع شركة بيريللي الايطالية عام 1971 لمنافسة الامريكية لصناعة المطاط، وبالأخص الشركات المتخصصة في انتاج اطارات المركبات (9).
والاندماج الدولي هو الذي يتم بين شركتين او اكثر تحمل جنسيات مختلفة، غير ان هذا لا يعني عدم اهمية الاندماج الذي يحصل بين شركتين تحملان نفس الجنسية، خاصة اذا كانت الشركة الدامجة شركة وليدة، حيث انه يؤدي بطريقة غير مباشرة الى الاندماج الدولي.
وتزداد أهمية الاندماج الدولي بين الشركات متعددة الجنسية اذا اقترن الاندماج بالأسواق المالية العالمية، فاندماج الأسواق المالية العالمية تعود الى "انعكاسات بالغة الاهمية على مجمل محاور الاقتصاد الدولي من خلال التأثير في كفاءة التخصص العالمي للمدخرات وابتكار مصادر جديدة للتمويل الدولي وزيادة السيولة الدولية، فضلا عن انعكاساتها في مستوى اسعار الفائدة الدولية واسعار الصرف، الى جانب تأثيرها في فعالية السياستين المالية والنقدية في الاقتصاد القومي (10) ، لهذا فان اكبر المصارف الدولية تتجه اليوم نحو الاندماج فيما بينها لتعمل معاً على المستوى الدولي في تامين الخدمات المالية (11).
ويكمن سبب انتقال المصارف المالية والاسواق المالية من العمل ضمن النطاق الاقليمي الى العمل على المستوى الدولي في انه استجابة لتمكين الشركات متعددة الجنسية وفروعها الدولية من الحصول على المستلزمات المالية، وهذا يبدو واضحا من خلال تحول المصارف الامريكية من اطارها القومي إلى إطارها الدولي استجابة لخروج الشركات الامريكية من ذات الاطار، وقد حذت المصارف الاوربية واليابانية حذو نظيرتها الامريكية بغية تمكين شركاتها من الحصول على المواد اللازمة للقيام بأعمالها في دول العالم كافة (12).
ان الطابع الدولي لعمليات الاندماج بين المؤسسات المالية الذي حدث بكثرة في الآونة الاخيرة بعد مرحلة الانفتاح المالي الدولي – سوف يعكس التقارب الاقتصادي وخاصة في المجال المصرفي والمالي بين الاقتصادات الدولية، الذي تلعب فيه الشركات متعددة الجنسية دورا بارزا ومعقدا في نسج نظام اقتصادي دولي جديد يتناسب ومعطيات موجة الاندماجات التي تقوم بها الشركات متعددة الجنسية فيما بينها.
|