أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-16
1030
التاريخ: 5-8-2022
1844
التاريخ: 14-6-2018
2487
التاريخ: 17-5-2017
2594
|
من المعلوم إن غاية التحقيق الابتدائي هي تحضير الدعوى الجزائية وتحديد مدى كفايتها للنظر أمام قضاة الحكم ، وهذا يتم من خلال المحافظة على الأدلة التي جمعت في مرحلة التحقيق الابتدائي التي تتميز بتنوع إجراءاتها ، فهي مرحلة يمكن أن تتعرض فيها حقوق الإنسان وحريته للمساس (1) ، ولمعرفة الجهة المختصة بأجراء التحقيق أهمية كبيرة تكمن في الوقوف
على مدى احترام المشرع لحقوق الأفراد وحرياتهم ، فبقدر ما يتمتع به المحقق من استقلالية وحيادية بقدر ماصان حريات الأفراد الشخصية من العبث بها ، ناهيك ما تبرزة من رقي وتطور وصلت إليها البلاد عامة والقضاء خاصة ، لذا فأن معظم التشريعات الجنائية الإجرائية تعهد بهذه المرحلة من مراحل الدعوى الجزائية لجهة مستقلة ومحايدة وعلى قدر كبير من الكفاءة وكسن التقدير والتخصص لكي يطمئن الى سن مباشرة إجراءات التحقيق وفي ذلك ضمانة مهمة للعدالة عامة والقضاء خاص (2).
وقد انقسمت التشريعات الجنائية على اتجاهين في تحديد السلطة المختصة بالتحقيق الاتجاه الأول يأخذ بنظام الجمع بين وظيفتي الاتهام والتحقيق وطبقا لهذا الاتجاه تكون السلطة التي تتولى الاتهام هي نفسها التي تتولى التحقيق ، وأستند أصحاب هذا الاتجاه الى مبررات عديدة منها ، إن الجمع بين السلطتين يقيد في سرعة إنجاز الدعاوى الجزائية ، كما إنه يقي الأدلة من الضياع، ويضيف أصحاب هذا الاتجاه إنه لا ضير من إناطة وظيفة الاتهام والتحقيق بيد جهة واحدة وبالخصوص الادعاء العام وحجتهم في ذلك إن الادعاء العام هو خصم عادل لا يهمه سوى إدانة المجرم وبراءة البريء (3)، وقد أنتقد هذا الاتجاه من قبل بعض الفقه فهو يعني أن يجمع المدعي العام بين صفتين متعارضتين هما صفة الخصم والحكم ، فهو خصم بما يفرضه الادعاء في مواجهة الخصم ، وهو فوق ذلك حكم حين يضطلع بمهمة التحقيق ومحاولة كشف الحقيقة بشأن الجرم المنسوب إليه (4) ، ومن التشريعات التي سارت على هذا النهج التشريع الجنائي المصري فقد أعطى للنيابة العامة بموجب المرسوم رقم 353 لسنة 1952 التخويل بممارسة سلطة التحقيق فضلا عن سلطة الاتهام (5) ، وكذلك أعطى المشرع الجنائي اليمني هذه السلطة للنيابة العامة إذ انتهج قانون الإجراءات الجنائية اليمني نهج المشرع المصري وأعطى للنيابة العامة سلطتي الاتهام والتحقيق (6) .
أما الاتجاه الثاني فيذهب الى ضرورة الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق تحقيقا للعدالة التي بدورها توفر الضمانات الضرورية للمتهم ، ومن الحجج التي أوردها مؤيدوا هذا الاتجاه هو أن الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق كما ذكرت في معرض انتقادات الاتجاه الأول يجعل من الادعاء العام خصما وحكما، والخصم لا يمكن أن يكون محققا عادلا فضلا عن ذلك فأنه يخشى من حالة إذا ما أخطأت الجهة نفسها في الاتهام أن تستمر على الخطأ أثناء التحقيق لأنه من الصعوبة أن تعترف تلك الجهة بخطئها (7) ، وبدوري أؤيد هذا الاتجاه ، والذي أخذت به أغلب التشريعات الجنائية ومنها المشرع العراقي إذ أكد قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق ، إلا إنه أعطى في حالات استثنائية للمدعي العام مهمة إجراء التحقيق (8) ، وأخذ المشرع الجنائي الفرنسي أيضأ بهذا المبدأ حيث يختص في مرحلة التحقيق قضاة أصليون على درجتين هم قضاة التحقيق وقضاة غرفة الاتهام وعهد بمهمة الاتهام إلى الادعاء العام يعاونه في ذلك مأمورو الضبط القضائي الذين يتولون تحت إشرافه ورقابته جمع المعلومات والبيانات من أجل إثبات الواقعة الجرمية (9) .
أما القضاء الدولي الجنائي المتأثر بالفقه والسياسة الانجلوسكسونية فقد سار على منهجهما في تحديد السلطة المختصة بالتحقيق ، فبالنسبة الى محكمتي يوغسلافيا ورواندا ، يلحظ أن النظام الأساسي للمحكمتين قد اعتبر الادعاء العام جهاز مستقلا من أجهزة المحكمة ، يمارس وظيفته بصورة مستقلة عنها ، أي لا يعد جزء متممة لها (10)، ويتم تعيين المدعي العام بواسطة رئيس مجلس الأمن الدولي بناء على اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة ، ويشترط فيه أن يكون من ذوي السمعة الطيبة والأخلاق الحميدة والاختصاص المشهود به وأن تكون له خبرة قوية في مجال التحقيق الجنائي والادعاء (11) ، كذلك أكد النظام الأساسي على أن يقوم الادعاء العام بوظيفته أما من تلقاء نفسه من خلال المعلومات التي يجمعها أو من خلال المعلومات التي يحصل عليها من أي مصدر أخر وله سلطة التحقيق مع المتهمين (12) .
أما المحكمة الجنائية الدولية فقد س ارت على نهج محكمتي يوغسلافيا ورواندا ، إذ عهد نظامها الأساسي بجهة التحقيق الى الادعاء العام ، لذا فأن للمدعي العام في هذه المحكمة كأحد الأجهزة التي حددها النظام الأساسي لها لتفعيل اختصاصاتها أن يبادر إلى إجراء التحقيق من تلقاء نفسه على أساس توافر المعلومات عن الجريمة التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (13)، كذلك اشترط النظام الأساسي في من يتولى وظيفة الادعاء العام أن يكون من ذوي الأخلاق الرفيعة والكفاءة العالية وأن تتوافر لديه خبرة واسعة في مجال الادعاء أو المحاكمة في القضايا الجنائية ، وأن يكون أيضأ ذو معرفة ممتازة وطلاقة في لغة واحدة على الأقل من لغات عمل المحكمة ، إلا إنه خالف النظام الأساسي لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا من ناحية تعيين المدعي العام حيث ينتخب المدعي العام بالأغلبية المطلقة لأعضاء جمعية الدول الأطراف في النظام الأساسي (14).
أما قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا فقد أناط مهمة إجراء التحقيق بقاضي التحقيق ، إذ نص قانون المحكمة على أن يعين عدد كافي من القضاة للتحقيق ،ويتولى قاضي التحقيق في المحكمة التحقيق مع المتهمين في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في البند (ثانية ) من المادة (1) من هذا القانون ، وينتخب قضاة التحقيق من بينهم رئيسا ونائب للرئيس ، ويحيل الرئيس القضايا التحقيقية الى قضاة التحقيق كلا على انفراد ، ويتكون كل مكتب من مكاتب قضاة التحقيق من قاض للتحقيق وملاك مؤهل يكون لازمة لعمل قاضي التحقيق ، وأعطى قانون المحكمة لقاضي التحقيق سلطة التصرف بالتحقيق باستقلالية تامة بوصفه جهازا منفصلا عن المحكمة ولايخضع أو يستجيب لأي طلبات أو أوامر صادرة من أي جهة من الجهات الحكومية أو غيرها (15) ، أما سلطة توجيه الاتهام فيلحظ أن المادة (9/ثانيا) من قانون المحكمة ألقت على عاتق المدعي العام مسؤولية الادعاء تجاه الأشخاص المتهمين بارتكاب الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة ، وأعطت الفقرة (خامسا) من المادة نفسها للمدعي العام حرية التصرف باستقلالية تامة بوصفه جهازا منفصلا عن المحكمة ولايخضع أو يستجيب لأي طلبات أو أوامر صادرة من الحكومة أو أي جهة أخرى .
يستنتج من ذلك أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا قد أخذ بنظام الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق ، وهو نظام يتمتع بمزايا توفر ضمانات للمتهم أفضل من تلك التي يوفرها النظام الاتهامي ، وبذلك يكون قانون المحكمة قد وفر هذه الضمانة للمتهم بشكل أفضل من تلك التي وفرتها الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية والتي تأخذ بالنظام الاتهامي بل تفوق عليها من خلال تمتع القاضي والمدعي العام بالاستقلال عند التعيين والتي سوف أبينها لاحقا ، وهو منهج مغاير لمنهج القضاء الدولي الجنائي ، إذ يلحظ أن المدعي العام لاسيما في محكمتي يوغسلافيا ورواندا - وهو المدعي العام نفسه لكلا المحكمتين - يتم تعيينه بموافقة رئيس مجلس الأمن الدولي بعد ترشيحه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة هو محط نظر (16). لأنه كما هو معروف أن مجلس الأمن الدولي يخضع لسياسة الدول الكبرى عموما ولسياسة الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا .
____________
1- وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية ( من المقرر إن إجراءات التحقيق موكوله إلى السلطة القائمة بها فلها أن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات لإظهار الحقيقة )، طعن رقم 890 لسنة 65 ق تاريخ الجلسة 2/12/ 1997 ، أشار إليه ، د. مجدي محمود محب حافظ ، موسوعة العدالة في أحكام النقض الجنائي ، ج2 ، دار العدالة ، القاهرة ، 2008، ص 243 .
2- ينظر: د. أحمد عبد الحميد الدسوقي ، الحماية الموضوعية والإجرائية لحقوق الإنسان في مرحلة ما قبل المحاكمة ، ط1 ، دار النهضة العربية القاهرة 2007 ، ص 129.
3- ينظر: د. سليمان عبد المنعم ، أصول الإجراءات الجنائية ، دراسة مقارنة ، ط1 ، منشورات الحلبي ، بيروت ، 2005، ص 803 .
4- ينظر: معوض عبد التواب ، الحبس الاحتياطي علما وعم ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1987 ، ص 102 ، عبد الأمير العكيلي و د. سليم حربة ، أصول المحاكمات الجزائية ، ج1 ، المكتبة القانونية ، بغداد ، بلا تاريخ طبع ، ص 114.
5- ولكن إذا رأت النيابة العامة في مواد الجنايات أو الجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاضي التحقيق أكثر ملائمة بالنظر الى ظروفها الخاصة جاز لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تطلب الى رئيس المحكمة الابتدائية ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هذا التحقيق ، ينظر : المواد ( 64 ، 67، 199 ) من قانون الإجراءات الجنائية المصري.
6- ينظر: المواد ( 115 - 116 ) من قانون الإجراءات الجنائية اليمني النافذ
7- د. حسن بشيت خوين ، ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية خلال مرحلة التحقيق الابتدائي ، دراسة مقارنة ، ط1، مكتبة دار الثقافة ، عمان، الأردن ، 1998، ص 57 .
8- ينظر: المادة (51) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971المعدل ، المادة (3) من قانون الادعاء العام رقم (159) لسنة 1979 المعدل .
9- ينظر: المواد (12، 13، 81) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي لعام 1958 النافذ .
10- ينظر :المادة (16) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا ، المادة (15) من النظام الأساسي لمحكمة رواندا .
11- ينظر: عادل ماجد ، المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية ، مركز الدراسات السياسية ولاستراتيجية ، 2001، ص 56 .
12- ينظر :المادة (18) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا ، المادة (17) من النظام الأساسي لمحكمة رواندا .
13- ينظر د. نايف حامد العليمات ، جريمة العدوان في ظل نظام المحكمة الجنائية الدولية ، دار الثقافة ، عمان، الأردن، 2007، ص 247 ، ينظر: المادة (13/ج) ، المادة (53) ف (1/أ، ب، ج) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
14- ينظر : المادة (42 / 3، 4) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
15- ينظر : المادة (8 / أولا- سابعة ) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا .
16- ينظر: د. علي عبد القادر القهوجي ، القانون الدولي الجنائي ، ط1 ، منشورات ، بيروت ، 2001 ، ص 290 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|