المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



التفسير التكاملي للسلوك الإجرامي  
  
5678   01:42 صباحاً   التاريخ: 25-6-2022
المؤلف : جمال ابراهيم الحيدري
الكتاب أو المصدر : علم الاجرام المعاصر
الجزء والصفحة : ص 117-138
القسم : القانون / علوم قانونية أخرى / علم الاجرام و العقاب /

الغرض الاحاطة بهذا التفسير لابد من بیان مفهوم النظرية التكاملية ثم بیان التفسير الاسلامي كنموذج مثالي لهذه النظرية.  

المطلب الأول

مفهوم النظرية التكاملية

كان العلماء سابقا يتحدثون عن السبب بصدد الظواهر، لأنهم كانوا يعزون الظاهرة الأجرامية إلى سبب معين، أما حديثا أصبح العلماء يتحدثون عن العوامل الان الظاهرة الإجرامية تعزي إلى عدة عوامل وليس إلى سبب واحد. لذلك (1):

1- لايمكن تفسير الظاهرة الأجرامية في ضوء عوامل مناخية معينة لان هذه  الظاهرة توجد في جميع الظروف المناخية.

2- لايمكن تفسيرها في ضوء العوامل البيولوجية وحدها لان هناك مجرمين اسوياء من الناحية البيولوجية.

3- لايمكن تفسيرها في ضوء عوامل سيكولوجية لأن هناك مجرمين أصحاء نفسيا. كما أن هناك نسبة كبيرة من مرضى النفس لم تقدم على ارتكاب السلوك الإجرامي.

 4- لايمكن أن نرجع ظاهرة الأجرام إلى طبيعة الحي السكني وحده او إلى الاسرة وحدها او الفقر او التخلف. طالما أن نسبة الأسوياء من أبناء الإحياء المتخلفة والأسر الفقيرة والمفككه ولدى المتخلفين تعليميا أعلى بكثير من نسب المنحرفين. إضافة إلى أن الانحراف كظاهرة تشيع في الإحياء الراقية كما تشيع في الإحياء المتخلفة. ويشيع بين ابناء الطبقات العليا والأغنياء والمتعلمين کما يشيع بين ابناء الطبقات الدنيا والفقراء والجهلاء.

5- لايمكن التنبؤ بسلوك طفل نشأ في أسرة مفككه الا بدرجة كبيرة من الاحتمال طالما أن تأثير الاسرة ليس سوى احد العوامل الكثيرة والمتعددة التي تشكل سلوك الإنسان. يضاف إلى هذا أن تأثير الاسرة المفككة على ابناءها لايكون بدرجة واحدة. فقد يستجيب احد الابناء استجابة انحرافية بينما يستجيب آخر استجابة سوية، وقد يرجع هذا إلى عدة عوامل من بينها عوامل نفسية وبيولوجية واجتماعية لكل منها اثرها في تشكيل السلوك.

6- هناك علاقة مابين عوامل سایکولوجية وبايولوجية واجتماعية ومناخية وبين السلوك الإجرامي. لذا فكيف نستطيع تفسیر انحراف احد الاخوين في اسرة واحدة وعدم انحراف الاخر، على الرغم من خضوعها لظروف اجتماعية وبيئية متشابهة. وكيف نفسر انحراف شخص من عائلة غنيه. وكيف نفسر الأثر المتناقض لعامل واحد كالفقر أو التنشأة الاجتماعية على الأشخاص. فقد يؤدي الفقر إلى الانحراف وقد يؤدي بافراد آخرين إلى الاجتهاد والعصامية التحقيق النجاح في الحياة.

هذا كله يؤكد بان الظاهرة الاجرامية معقدة ولابد من إدخال عدة عوامل في تفسيرها (کالوراثة والبيئة ) خاصة بالنسبة للمجرمين المحترفين العائدين. رغم أنه  لايمكن أن نحدد مقدار إسهام كل عامل من العوامل المفضية إلى السلوك الإجرامي بدقة كاملة. هذا وقد وجهت لهذه النظرية النقد بانها تلفيقية توفيقية، ولكن ضرورة التقيد بها لان كافة محاولات اصلاح المجرمين التي بنتها النظريات الحتمية باءت بالفشل (الاصلاح بالعلاج الطبي او النفسي) فضلا عن أن الكثير من الباحثين يؤكدون على ضرورة تبني الاتجاه التكاملي بناءا على نتائج الدراسات الواقعية التي اجريت في هذا الصدد، وقد اصبح من المتفق عليه اليوم ان الجريمة تقع نتيجة تظافر عدة عوامل (وراثية ومكتسبة. مباشرة وغير مباشرة - رئيسة وثانوية شعورية ولاشعورية - شخصية واجتماعية). وعلى هذا حاول انصار الاتجاه التكاملي اخذ جميع الابعاد الجسمية والبيولوجية والنفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والبيئية ... الخ في الاعتبار عند تفسير وفهم السلوك الإجرامي(2) . وقد أثبت (برت) بدراسة لـ (200) جانح بوجود اكثر من (60) عامل للجناح و تاکید مبدأ تكامل العوامل المفضيه الظاهرة الانحراف كالعوامل البيولوجية والعقلية والدينية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية... الخ.

هذا ويؤكد علماء الاجتماع ان للجريمة عوامل ممهدة هي الوراثة وخبرات الطفولة والتنشئة الاجتماعية، وعوامل مباشرة تظهر بوضوح في السلوك الإجرامي. ويؤكد العلماء أن الأجرام لا يورث وما يورث هو الاستعدادات التي قد تهيء الفرد له کالضعف العقلي والاضطراب الغددي او العصبي او المزاجي، وهذا يعني ان اثر الوراثة غير مباشر. فالوراثة تقدم الاستعدادات العامه ولاتقدم سات فعلية للشخصية، والتعلم والتربية هما اللذان يحيلان هذه الاستعدادات العامة إلى سات شخصية محددة. مثال يجب أن يكون الفرد ذكيا لكي يكون محتالا وخفيف اليد لكي يكون سارقا. وقد كشفت دراسة التوائم المتوحدة التي يصبح احدها مجرما والأخر سويا عن أن الأجرام لن يتوقف كذلك على أسلوب توظيف هذه العوامل وتوجيهها داخل الإطار الكلي الذي تطلق عليه (نسق الشخصية) للفرد (3)  وبهذا تصبح العوامل الوراثية عوامل عامة يمكن توجيهها في اتجاه أجرامي او سوی وهذا التوظيف والتوجيه من عمل البيئة الاجتماعية والثقافية للفرد. ومن هنا يجب الالتفاف أيضا إلى الانعكاس السايكولوجي لأثر العوامل الاجتماعية والبيولوجية عند دراسة ظاهرة الإجرام.

فالعوامل الجسمية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لاتفعل فعلها الضار الا عن طريق تأثيرها في النفس، فليس كل من نشأ في أسرة مفككة أو في حي متخلف يشب منحرفا، ولا كل ذي عاهة أو مريض بمرض مزمن لابد ان يكون مجرمة. فليس المهم ظروف الإنسان الجسمية او الاجتماعية، بل المهم موقفه تجاهها فمن الناس من يتقبل الفقر ويصبر عليه، ومنهم من يشعر بالضيق رغم غناه طمعا في المزيد.

فالعقبات المادية او الاجتماعية ليست في حد ذاتها مصادر لصراعات وازمات نفسية، بل بتوقف فعلها على اثرها في شخصية الفرد وقوة ایانه وموقفه ازاءها، ويكاد يجمع علماء اليوم على اهمية التنشئة الاجتماعية والعلاقات العاطفية بين افراد الاسرة في تشكيل السلوك الاجتماعي واكتساب القيم عند الافراد ويؤكد الباحث على اثر هذا العامل بحيث يفوق اثر العوامل الأخرى (الاجتماعية والبيولوجية والاقتصادية) فقد كشفت الدراسات عن أن الحرمان العاطفي والروحي اقوی اثرا في الدفع للأنحراف من الحرمان المادي أو الاقتصادي، فاذا كان أغلب المجرمين فقراء فان اغلب الفقراء أسوياء. وهكذا يركز أغلب العلماء على العامل المتعلق بشكل ومضمون التنشئة الاجتماعية والعقدية، ومدى تمتع الأسرة بالاستقرار العاطفي والدفء الأسري. أو إتسامها بالصراعات والتفكك كعامل أساس في تفسير السلوك لدى الأبناء بها في ذلك السلوك الإجرامي. ولكن هذا لا يعني الوقوع في حتمية العامل الواحد، لأن الرأي السائد اليوم أن الجريمة كظاهرة هي محصلة عوامل متعددة ومتفاعلة بعضها فطري والاخر مکتسب، وبعضها مباشر والاخر غير مباشر، وبعضها رئيسي والاخر ثانوي وهناك محاولات تبنت الأتجاه التكاملي ونظرت للشخصية الأنسانية بوصفها وحده عضوية نفسية اجتماعية ثقافية متفاعلة، ومن تلك المحاولات تلك التي قام بها (لندسمث) و (دونهام) في مقالها (تصنيف المجرمين) عام 1953، وكذلك هورتون) و (لزلي) في كتابها (علم إجتماع المشكلات الاجتماعية) عام 1955 اللذان ذهبا إلى وجود ثلاثة مداخل التفسير السلوك الانحرافي وهي:

 

1- مدخل الانحراف الشخصي: يعد الانحراف محصلة لفشل الفرد- لسبب أو الاخر في التوافق مع القيم والمعايير المقبولة داخل المجتمع، فبدلا من الأمتثال للقواعد السائدة فانه يخرج عليها بشكل انحرافي.

2- مدخل صراع القيم: في ظل هذا المدخل يمكن تفسير العديد من الجوانب الانحرافية في المجتمع الناتجة عن قيم متصارعة، فان تضارب القيم حول بعض الجوانب السلوكية، البعض يعدها إنحرافية وآخرون يعدونها سوية وما ينبغي أن تتخذ إزاؤها من تدابير تكون هناك فرصة لظهور السلوك المنحرف، مثال ذلك: البغاء والادمان والقرار في المجتمع الأمريكي، حيث لن يكون إجماع حول إعتبارها سلوك إنحرافي، وهذا ما ينعكس على مايتخذ إزاؤها من تدابير وقائية أو علاجية او عقابية. وهناك صراع القيم داخل الثقافة التي ينشأ فيها الأفراد، كصراع بين القيم التي يتلقاها في المدرسة والبيت كالصدق والأمانة وبين مايجده في الممارسة الواقعية. ان هذا التناقض من شأنه أن يفقد الأنسان ثقته بهذه القيم، الأمر الذي يفتح الباب للأنحراف، ويؤكد بعض علماء الإجرام مثل (سذرلاند) أن هذه التناقضات التي يمر بها الأنسان تعد إحدى المتغيرات المهمة في تفسير الجريمة وهذا هو جوهر نظريته في المخالطة الفارقة (4). ويشير كل من (هورتون ولزلي) إلى أن صراع القيم يجعل الخط الفاصل بين الأنحراف والاستواء دقيقا للغاية، خاصة في مجال العمل، أو بين ماهو جريمة وبين متطلبات أن يصبح الفرد عمليا كي ينجح في مهنته، کا يؤكدان أن كثرة الجرائم في المجتمع الأمريكي مسألة طبيعية طالما أن هذا المجتمع تقوم ثقافته على أبراز القيم العليا للنجاح بأي اسلوب و من خلال المنافسة العنيفة.

3- مدخل التفكك الاجتماعي: وفقا لهذا المدخل يعالج الأنحراف في ضوء حركة المجتمع أو عمليات التغيير الأجتماعي ونتائجه، فارتفاع معدل الجريمة يعد نتيجة لتزايد معدلات تغييره.

فالمجتمع المستقر تقل فيه معدلات الجريمة اذا ما قورن بمجتمع في طور تغییر سریع، لأن التغيير السريع يؤدي إلى خلخلة تمسك الناس بالقيم والممارسات السلوكية التقليدية نتيجة لظهور مواقف وظروف جديدة تتطلب التوافق معها بشكل مختلف مثال ذلك (تنمية المجتمع الريفي أو نشر التعليم، أو صناعة داخل منطقة معينة او الاحتكاك الثقافي بين المجتمعات التقليدية والمجتمعات الأوربية) فكل هذا يحدث تفکكة في بناء المجتمع وفي جماعاته الاجتماعية وفي نموذج العلاقات السائدة فيه. وبعبارة أخرى يؤدي إلى ظهور مواقف جديدة من شأنها تعطيل أساليب الضبط الاجتماعي التقليدية (مثل السمعة وحقوق الجيرة والخوف من كلام الناس وتوقعات الاهل والعادات الشائعة... الخ) ويسهم التغيير الاجتماعي في نظر البعض إلى ظهور ما يسمى ب (تجمعات المصالح التي تحل محل الجماعات التلقائية، وتنمو جماعات الضغط وينمو الصراع بين المصالح وبين الجماعات المختلفة في سبيل الاستحواذ على القوة الاقتصادية أو السياسية مما يكون المناخ مواتيا لخرق القانون وتتضارب القيم. ومن الجدير بالذكر أن هذا لا ينطبق على المجتمعات الاسلامية التي تطبق الشريعة الاسلاميه، لان الشريعة الغراء تتماشى مع طبيعة الإنسان وتؤدي إلى التقدم العلمي والازدهار الاقتصادي والنمو الحضاري وتحث الناس على أعمال العقل والتعلم، فالتنظيم الاجتماعي الإسلامي يقي المجتمعات شرور التخلف الثقافي و تجنبها المشكلات الاجتماعية التي تصاحب حركة التغيير الاجتماعي والثقافي، فالقيم والمبادئ الإسلامية ثابتة لاتتغير أن هذه المداخل تتكامل في شكل نظرية متكاملة حول الجريمة حيث كل مدخل له دور معين، فالانحراف الشخصي يفسر لنا سبب تعرض بعض الناس للانحراف دون غيرهم. أما مدخل القيم المتصارعة يفسر لناضروب التبرير التي يصطنعها البعض لتبرير خروجهم عن المعايير والقواعد التقليدية في المجتمع. أما التفكك الاجتماعي يكشف لنا عن الاساس البنائي للانحراف باعتباره پرتبط ارتباطا وثيقا بالتغيير الاجتماعي وما يؤدي اليه من تفكك في بناء المجتمع والثقافة، خاصة أذا ما كان معدله سريعا ومتواليا و في غيبة القيم الاسلامية الضابطة والموجهة(5). وجدير بالذكر أن هذه المداخل الثلاثة عند (هورتون، ولزلي) مناسبة في تفسير السلوك الانحرافي بوجه عام داخل العديد من مجتمعات الغرب والمجتمعات غير الإسلامية، فهناك منحرفون يقترفون أعمالا إجرامية نتيجة لخلل في بناءهم النفسي، وهناك انحرافات تظهر نتيجة لصراع القيم، وهناك طائفة من الانحرافات لا يمكن تفسيرها الا في ضوء مفهوم التغييرات الاجتماعية وأثارة التفككية على المجتمع. ونفيد أخيرا بأن نظرية (هورتون ولزلي حاولت تفسير الانحراف داخل المجتمع، الأمريكي ألا أنها غير قادرة على تفسير الانحرافات داخل أي مجتمع وان كان من الممكن الاستفادة منها وذلك أن الكثير من الأفكار والمفاهيم قد سقطت إزاء التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكبرى وتزايد عمليات التنمية والتغيير الاجتماعي والتصنيع.

المطلب الثاني

التفسير الإسلامي للسلوك الإجرامي

يبدو أن التخبط في التفسير والفهم الصحيح للسلوك الإجرامي ناجم عن البعد عن المصادر الصحيحة لدراسة وتفسير الإنسان من حيث تكوینه والهدف من خلقه وغاياته و محرکات سلوكه، وتلك المصادر هي القرآن الكريم المنزل من عند خالق الإنسان والسنة المطهرة الصادرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك فان الفهم الصادق واليقيني لظاهرة الانحراف يجب ان يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والمسلمون مدعوون بحكم الكتاب والسنة النبوية إلى الدراسات التجريبية، فهم الذين ابتدعوا المنهج التجريبي. ان بداية الانحراف عند الإنسان بدأت بآدم عليه السلام في الجنة وتأكد ذلك في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وقلنا يادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتها ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلها الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين، فتلقى آدم من ربه كلمت فتاب عليه أنه هو التواب الرحيم)) فهذه الآيات الكريمة تضمنت دعوة الله تعالى إلى آدم وزوجته بالسكن في الجنة دون التقرب إلى الشجرة والا اعتبرا من الظالمين، ولكن تمت معصيتها تحت اغواء الشيطان، حيث عصيا أوامر ربهم وتأكد ذلك في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (فقلنا يادم أن هذا عدو لك ولزوجك فلايخرجنا من الجنة فتشتی، آن لك ألا تجوع فيها ولاتعرى، وأنك لاتظموا فيها ولاتضحی، فوسوس إليه الشيطان قال یادم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى، فأكلا منها فبدت لها سوءتها وطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى)(7) وقوله تعالى (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لها سواتها وطفقا يخصفان عليها من ورق الجنة وناداهما ربها ألم أنهكا عن تلکا الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكا عدو مبين) (8) وهذا يدل على نزعة الشهوات لدى الإنسان وضعفه أمام المغريات ووسوسة الشيطان وقد كان جزاء هذه المعصية هو أن أمرهما الله تعالى بالهبوط إلى الأرض وذلك في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، قال إهبطوا بعضكم لبعض عدو لكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين) (9) ولكن سبحانه وتعالى تاب على آدم وهداه وهذا ما جاء في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ثم إجتباه ربه فتاب عليه وهدى، قال إهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما يأتينكم مني هدى فمن إتبع هداي فلايضل ولايشقى، ومن أعرض عن ذکری فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)(10) وقد إقتضت رحمة الله تعالى بالعباد ألا يتركهم وشأنهم في إنحرافهم أو عداوتهم على الأرض، حيث أرسل الله تعالى الأنبياء والرسل والكتب السماوية الداعية إلى عبادة الله وحده وعدم الشرك به، والى السلوك الفاضل والى أسعار الأرض، وقد أمد الله تعالى الرسل بالمعجزات حتى يتبعهم الناس ويعلموا أنهم مبعوثون من عند الله سبحانه وتعالى وفي ذلك قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (فتلقى آدم من ربه كلمت فتاب عليه انه هو التواب الرحيم، فقلنا أهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلاخوف عليهم ولا يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)(11) ونتوصل من خلال ماتقدم إلى حقائق أساسية حول الأنسان والأنحراف والاستواء وأهمها:

1- أن الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه نوازع الخير والشر ومنحه حرية الأختيار والعقل المميز.

2- لم يترك الله سبحانه وتعالى الأنسان لعقله فحسب وإنا زوده بالأوامر الإلهية والرسالات والرسل على الأرض من أجل هدايته.

3- النفس الشهوانية هي السبب الأول لأنحراف الإنسان، حيث أنه على الرغم من أن الله تعالى قد هيأ كل أسباب الرفاهية والنعيم لآدم في الجنة، الا أن نزعاته الشهوانية وتطلعاته المادية لم تتوقف فيها كاد الشيطان يوسوس له حتى أنحرف إلى الخطيئة وعصيان أوامر الخالق.

4- من نتائج عصیان آدم لربه أن قضى الله تعالى بنزوله هو وزوجته إلى الأرض.

5- الشيطان هو العدو الأساس للإنسان، فهو الذي يحرك دوافع الشر والأنحراف داخله من خلال الاغراءات الشهرية والمادية الزائلة وما يترجم وسوسة الشيطان إلى انحراف فعلي هو ضعف الأنسان أمام المغريات نتيجة للبعد عن أوامر الله تعالى، وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسی ولم نجد له عزما)(12).

هذا وقد بينت (سورة الأعراف) قصة الشيطان وكيف أنه العامل الأساسي لانحراف الناس الضعفاء، وذلك في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (فوسوس لهما الشيطن ليبدي لها ماوری عنها من سؤتهما قال مانهکا ربکا عن هذه الشجرة ألا أن تكون ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمها أني لكا لمن الناصحين) (13).

6- إقتضت حكمة الله تعالى أن تكون وسوسة الشيطان للناس إختبارا لهم ولعزمهم ولقوة إيمانهم، على أن أثر الشيطان ليس أثر حتمية، لكن الأنسان المؤمن يسهل عليه دفعه ومقاومته، غير أن الشيطان كثيرا مايفلح في غواية الناس وإنحرافهم فكريا وسلوكيا، وهذا مما أدى إلى انقسام الناس إلى حزبين، حزب الله وهم المفلحون، وحزب الشيطان وهم الخاسرون، وتأكد هذا في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (يأيها الذين أمنوا اذا تنجبتم فلا تتنجوا بالأثم والعدوان ومعصيت الرسول وتنجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون، إنها النجوى من الشيطن ليحزن الذين أمنوا وليس بضارهم شيئا الا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)(14) وقوله تعالى (إستحوذ عليهم الشيطن فأنسهم ذکر الله أولئك حزب الشیطن ألا إن حزب الشيطن هم الخسرون) (15) وقوله تعالى ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه الأ فريقا من المؤمنين، وما كان له عليهم من سلطان الأ لتعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ) (16).

7- الشيطان غير متخصص في نوع معين من المعصية، وإنما يحاول دفع الأنسان إلى إرتكاب جميع أنواع المعاصي والأنحرافات (قلبية أو فكرية أو سلوكية) (ظاهرة أو باطنه بالقصد والنيه) فهو يأمر بالفحشاء بكل أشكالها، وتاكد هذا في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (الشيطن یعدکم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)(17) وقوله تعالى (يأيها الناس کلوا مما في الأرض حللا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطن انه لكم عدو مبين انا يامركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون)(18)

8- تصدر أوامر الشيطان للانسان في صوره تناديه من باطنه، وفي صورة وجد انات ورغبات و میول فتحرك داخله فيجد نفسه مدفوعة إلى الاستجابة لها بالوقوع في المعاصي... والخواطر أما إدراكات أو نزعات طارئة او مستمرة، وهي المحركات للأراده فالخاطر يحرك الرغبة والرغبة تحرك العزم والعزم يحرك الارادة والإرادة تحرك أعضاء الجسم.

فالخاطر الداعي للخير يسمى ملكا. أما سبب الخاطر الداعي للشر يسمى شيطان (19) ويضيف الامام الغزالي إلى أن اللطف الذي يتهيأ به القلب القبول الإلهام يسمى توفيقا والذي يتهيأ به لقبول الوسوسة يسمى اغواء أو

خذلان، ويمكن تفسير اللطف الأخير بأنه الاستعداد الكائن في النفس لقبول الخير أو الشر ويسميه بعض علماء الإجرام المحدثين (الاستعداد الإجرامي) وفي هذا يشير القرآن الكريم إلى أن الله تعالى خلق النفس الإنسانية وألهمها فجورها وتقواها وهذا يعني إنطواء النفس الإنسانية على جانبي الخير والشر، حيث قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( ونفس وما سوها، فألهمها فجورها وتقوها، قد أفلح من زكها وقد خاب من دها) (20)

9 - لقد إلتزم الشيطان أمورة سبعه في العداوة لبني آدم، أربعة منها في قوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إنثأ وإن يدعون الآ شيطنا مریدا، لعنه الله وقال الأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنيتهم ولآمرنهم فليبتكن اذان الأنعم ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطن وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشیطن الا غرورا) (21). وثلاثة منها في قوله تعالى (قال فيها أغويتني لأقعدن هم صراطك المستقيم، ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمنهم وعن شمائلهم ولاتجد أكثرهم شكرين)(22).

10 - النفس إذا کا خلقها الله تعالى مفطورة على الخير والشر، ويقول فخرالدین

الرازي إن الله خلق الملائكة عقولا بلا شهوة، وخلق البهائم شهوات بلا عقل، وخلق الآدمي فجمع الأثنين معا، فمن إنحرف وغلب هواه عقله صار كالبهيمة، وهم من قصدهم الله تعالى في قوله (من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون، ولقد ذرأنا لجهنم كثيرة من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لايسمعون بها أولئك كألأنعم بل هم أضل أولئك هم الغافلون) (23).

إذا حين تختل الغريزة عند الأنسان وتطغى على العقل تتحول إلى مرض يعمي الأنسان عن الحق، وفي هذا قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين، يخدعون الله والذين آمنوا ومايخدعون إلا انفسهم ومايشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم با کانوا يكذبون)(24) وخلق الله تعالى الغرائز للإنسان ولم يحرم عليه إشباعها، ولكن الله تعالى نظم له أساليب إشباعها، حيث قال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعم والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) (25) وفي هذا يقول فخر الدين الرازي أن اللذة قسمان: جسمانی حاصل للجميع، وروحاني حاصل للقليل النادر، والغالب على الخلق اللذات الجسمية... وقد تعرض العلماء المسلمين بعمق لموضوع الدوافع الفطرية كما عالجوا الدوافع

المكتسبة.

11-لأجل التخلص من وسوسة الشيطان ومحاربته فلابد من الاستعاذة بالله من الشيطان. وتحكيم العقل وهو الجانب المدرك المخاطب في الإنسان، وهي النعمة التي أنعم الله تعالى على الإنسان وكرمه بها، وتأكد هذا في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وإما ينزغنك من الشیطن نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) (26) ويوضح الله تعالى مايفعله المؤمنون إذا إرتكبوا منهيا بقوله تعالى ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فأستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون، أولئك جزائهم مغفرة من ربهم وجنت عدن تجري من تحتها الأنهر خلدين فيها ونعم أجر  العملين)(27) ويخاطب الله تعالى الجانب العقلى للإنسان، ذلك الجانب الواعي المدرك القادر على ضبط فکر وسلوك الإنسان، بقوله تعالى ( ومن يعمل سوءا أويظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفور رحيما) (28).

يفهم مما تقدم أن مصدر الانحراف هو غلبة الجانب الشهري على الجانب العقلي، وبذلك فان مواجهة الجانب الشهوي تكون بالاستعاذة والاستغفار والعودة إلى طريق الحق وتنفيذ المبادىء الاسلامية. فالله تعالى يخاطب عقل الإنسان ويحذره من مغبة الأنحراف والاسترسال في إشباع الجانب الشهوي وإرتكاب الآثام وذلك بقوله تعالى (الشيطن يعدكم الفقر ويأمركم بألفحشاء والله يعلكم مغفرة منه وفضة والله واسع عليم، يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرة وما يذكر إلا أولو الألباب) (29).

اذا هداية القلب وابتعاده عن الانحرافات إنها تتحقق عن طريق مجاهدة الشيطان والعلم والتربية، وذلك أن الاسلام يؤكد على أهمية التربية العقائدية السليمة، فعدم صلاح التربية او فسادها يؤدي إلى الانحراف، وقال تعالى ( والذين جاهدوا فينا النهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) (30) والقلب هو الذي يستقر فيه الذكر ويهتدي بذكر الله، وقوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (31). والله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم بقوله تعالى ( ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخسرون) (32).

إذا فالهداية مصدرها القلب، على أن هناك مجموعة من الاسباب تحول دون وصول العلم للقلب منها: نقصان القلب في ذاته كصغر السن، وتزاحم المعاصي وتراكمها على القلب مع عدم الاستغفار والتوبة والجهل، إن ضلال القلب متات من إنصرافه إلى الحياة الدنيا عن التأمل والعبادة والجهل بالطرق المؤدية إلى تحصيل العلم الصحيح، والجهل هو المانع إلى العلم، وفي هذا يعترف الاسلام بمرض القلوب، وهو من الامراض التي تؤدي إلى الكفر وبالتالي إلى كل الانحرافات و مصداقا لذلك قوله تعالى (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)(33) المنظور الاسلامي لأثر البيئة في الإجرام: ان علاقة البيئة بالسلوك الإجرامي من وجهة نظر الشريعة الاسلامية الغراء يتوضح من خلال مايأتي:

1- يؤكد الدين الاسلامي أثر البيئة في صياغة معتقدات الأنسان و تشکیل سلوکه وأثر الجماعات الأجتماعية والأطار الثقافي الذي يعایشه الفرد في الحفاظ على نقاء فطرته أو في إنحرافها وتشويهها.

2- إن للبيئة الأجتماعية أثر على قيم وإتجاهات الفرد، ومصداقا لذلك قول الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (كل مولود يولد على الفطرة وإنها أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه).

3- يؤكد الاسلام ان مايحجب القلب عن الحق والهدي هي الاعتقادات الباطلة التي يكتسبها الفرد من الوسط الاجتماعي الذي يعایشه، والتي تترسخ في نفسه نتيجة المحاكاة او التقليد، وقال الله تعالى حيث نهى الكفار عن تقليدهم بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون)(34) وقد ذهب الأمام الغزالي إلى أن العلوم التي تحل في القلب إما عقلية أو شرعية، والعقلية اما ضرورية او مكتسبة، والضرورية هي الفطرية والغريزية، أو التي لاتوجد بالتقليد أو الساع. أما المكتسبة فهي المستفادة بالتعليم والاستدلال والمحاكاة وكلاهما يسمى عقلا(35)

4- يوضح القرآن الكريم أثر البيئة الاجتماعية في غرس الفضائل أو الرذائل في نفس الإنسان عندما نهى على الكافرين تقليدهم الاعمی و عدم تحکیم عقولهم، بقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (يابني إسرائيل إذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وإني فضلتکم على العلمين)(36) وقوله تعالى ( وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون)(37) وقوله تعالى ( وإذا قيل لهم إتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون، ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بها لايسمع إلإدعاء ونداء صم بكم عمي فهم لايعقلون) (38)

إن هذه الآيات الكريمة تشير إلى خطورة الأثر الذي تتركه البيئة على معتقدات الإنسان وقيمه وأساليب تفكيره وسلوكه. ولكن على الرغم من هذه الحقيقة التي يؤكدها القرآن الكريم إلا إنه يستنكر على الأنسان أن يغلق عقله معتمدة على التقليد الأعمى كالذين قال عنهم القرآن الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون) (39).

فالإسلام دين يدعو إلى إعمال العقل الذي وهبة الله للإنسان (40) حيث قال تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بها لايسمع الأدعاء ونداء صم بكم عمي فهم لايعقلون)(41)

5- يكتسب الإنسان السلوك من خلال رؤيته لأفعال الكبار الذين يعايشهم والقدوة التي يقتدي بها وفي مقدمتهم الآباء والأخوة والأقارب والمسؤلين عن تربية الطفل، ولهذا أكد الاسلام على أهمية القدوة الصالحة في تشكيل العقيدة والسلوك المؤمن، وعلى هذا (فمن جلس مع الفساق إزداد من الجرأة على الذنوب وتسويف التوبة، ومن جلس مع الصالحين إزداد رغبة في الطاعات، ومن جلس مع العلماء إزداد العلم والورع)(42)

6- تشير العديد من الآيات البينات إلى الأثر الطيب لمخالطة العلماء والأتقياء، والأثر السيء لمخالطة السفهاء والمنحرفين، كما في قوله تعالى ( وإذا قال موسی الفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا) (43) وقوله تعالى (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) (44) وقوله تعالى ( وإصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداوة والعشي بریدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)(45) وقوله تعالى (ان الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها وإتبع هواه فتردی)(46) وفي هذا يوجه الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى إختيار الصحبة الطيبة لما لها من أثر خطير على قيم وإتجاهات وسلوك الشخص، بقوله (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)(47). وفي ذلك إشارة إلى أثر البيئة الاجتماعية في الشخصية أستواء وإنحرافا .

7- ان التوجيه الاسلامي في تجنب مخالطة المنحرفين وضرورة الحرص على مخالطة الصالحين يتضمن ابراز أثر البيئة وثقافة الجماعة في صياغة الفرد عقلية وسلوكية، أو في تشكيل شخصية الإنسان، وهو مايعرف حاليا بـ (دراسات الثقافة والشخصية). فالفساد والانحراف يصير بكثرة المشاهدة هينا على الطبع، فالوازع يؤدي إلى شدة وقعه على القلب.

 8- أما عن أثر البيئة الطبيعية: فالانسان يعيش على الأرض فيتأثر في مأكله ومشربه

وملبسه بطبيعة التربة والتضاريس والمناخ، وقد نبه إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ويرسل السماء عليكم مدرارا)(48) وقوله تعالى (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهن نورة وجعل الشمس سراجا، والله أنبتكم من الأرض نباتة، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراج، والله جعل لكم الأرض بساطة، لتسلكوا منها سبلا فجاجة) (49) وقد أكد العلماء المسلمين على العلاقة التفاعلية بين الإنسان والبيئة، وهو ما يطلق عليه حديثة (الأتجاه الأيكولوجي في دراسة المجتمع) أو (العلاقة بين التنظيم الاجتماعي والنسق الأيكولوجي)، فنجد (العالم عبد  الرحمن بن خلدون في مقدمته قد سبق دراسات المفكر الفرنسي (مونتسکیو) في معالجة أثر العوامل الجغرافية على الإنسان والمظهر العمراني، ففسر إنتشار العمران و تزايد السكان بالظروف المناخية، وهو في ذلك يقول في المقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم) کابين في المقدمة الرابعة أثر الهواء في أخلاق البشر (50) وهناك فصل في المقدمة الخامسة أساه ابن خلدون و في أختلاف العمران في الخصب والجوع وماينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم ه يقول فيه (أعلم أن هذه الاقاليم المعتدلة ليس كلها يوجد بها الخصب ولا كل سكانها في رغد من العيش، بل فيها ما يوجد لأهله خصب العيش من الحبوب والأدم والحنطة والفواكه لزكاء المثابت وإعتدال الطينة ووفور العمران، وفيها الأرض الحرة التي لاتنبت زرع ولاعشبة بالجملة وسكانها في شظف من العيش) ويتضح من ذلك أن العلماء المسلمين عرفوا أثر البيئة المادية على حياة البشر واخلاقهم وسلوكهم.

المنظور الاسلامي العلاقة الجانب البايولوجي بالسلوك الإجرامي: يتضح موقف الشريعة الاسلامية إزاء علاقة الجانب البايولوجي بالسلوك الإجرامي من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وفقا لمايأتي:

1- ينكر الاسلام وجود علاقة بين الميول والاتجاهات والسلوك من جهة وبين التكوين الخلقي أو الجسمي (کتضاريس الجمجمة أو شكل الوجه... الخ). وهذا يعني أن الشريعة الاسلامية لاتقول بوجود علاقة بين السمات الخلقية  المعيبة وبين السلوك الإجرامي، لأن الأسلام يؤكد الأصل الواحد للانسان ومصداقا لذلك قوله تعالى (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (51) ويقول الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوی) ومن هنا نجد أن نبينا العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرر لنا أمرا مه يهدم مايدعيه بعض الباحثين المعاصرين کلومبروزو) من حتمية بيولوجية، عن عبد الرحمن بن صخر قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ان الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا  إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)(52)

2- أن الاسلام يعترف بأثر وظائف الأعضاء الداخلية على السلوك، فقد تختل وظائف بعض الأعضاء نتيجة لمرض يؤثر على الناحية العصبية أو الغددية . فينعكس على الجوانب النفسية والسلوكية، فالجوع مثلا يؤدي في الجسم إلى تغييرات حيوية او بيولوجية لها تأثير على النشاط الغريزي وبالتالي على السلوك ولهذا يقول الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ان الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع) کا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في معرض نصحه للشباب (من إستطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء)

3- وكا يؤثر الجانب العضوي على الجانب النفسي، فالجانب النفسي بدوره يؤثر على الجانب العضوي، وفي هذا قول نبينا العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله)

4- نصحنا الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأختيار الزوجات بصورة دقيقة حفاظا على سلوك الابناء في المستقبل، وذلك بقوله (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) (53). ومعنى ذلك إمكانية وراثة إستعدادات عامة قد تؤثر في سلوك الأبناء إستواء وإنحرافا، أي أن تشابه السلوك بين الأبناء وآباءهم وأقاربهم يرجع إلى عوامل بيولوجية تتمثل في إستعدادات عامة. أو المقصود من ذلك هو مايسمى ب (الوراثة الاجتماعية) أي أنتقال الأتجاهات والقيم والنماذج السلوكية من الآباء والمخالطين إلى الأبناء تحت تأثير المشاهدة والسماع المتكرر، وحب المحاكاة والتقليد في الأطفال (نظرية الاختلاط التفاضلي) ويفهم من ذلك أن الاسلام يعترف بأثر الوراثة في الأمتثال والأنحراف سواء الوراثه البيولوجية أو الوراثة الاجتماعية  (54). والخلاصة فيما تقدم يتضح بأن الشريعة الأسلامية قد تعرضت للعوامل التي تقف وراء السلوك الإنحرافي، وأوضحت هذه العوامل سواء البيولوجية أو الطبيعية أو النفسية أو الأجتماعية، وإنطلق العديد من العلماء المسلمين في ظل توجيهات القرآن والسنة النبوية الشريفة في بحث هذا الموضوع، وتوصلوا إلى معلومات يقينية بشأنه قبل أن يلتفت إلى ذلك علياء الغرب بقرون طويلة، وقد رفضت الشريعة الاسلامية الأخذ يفكرة الحتميات البيولوجية أو النفسية أو الطبيعية أو الاجتماعية، وتبنت نظام متكاملا لتفسير السلوك الإجرامي.

_____________

1- ينظر في ذلك: د. نبيل محمد توفيق السمالوطي ۔ الايديولوجيا وقضايا علم الإجتماع النظرية والمنهجية التطبيقية  دار المطبوعات الجديدة / الإسكندرية مصر ، ص271 272

2- د. نبيل محمد توفيق السمالوطي - مرجع سابق ص89

3- د. نبيل محمد السمالوطي- البناء النظري لعلم الاجتماع- دار الكتب الجامعية 1970

4- د. نبيل محمد السمالوطي- مرجع سابق، ص278

5- د. نبيل السمالوطي- مرجع سابق، ص 281

6- سورة البقرة الآيات (30- 37)

7-- سورة طه الآيات (117 – 131)

8-  سورة الأعراف الاية (22) .

9-  سورة الأعراف الآيتين (23 و 24)

10- سورة طه الآيات (122. 134)

11- سورة البقرة الآيات (37۔ 39)

12- سورة طه الآية (115)

13- سورة الأعراف الآيتين (20 و 21) ويوضح لنا القران الكريم في العديد من آياته البينات عداوة الشيطان للانسان ووجوب إتخاذه عدوا حتى لايغتر الإنسان بالحياة الدنيا فيكون من أصحاب السعير ويقول تعالى (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلاتغرنكم الحياة الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور، إن الشيطن لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) سورة فاطر الآيتين (5و6) .

14- سورة المجادلة الآيتين (9 و10)

15- سورة المجادلة الآية (19)

16- سورة سبأ الآيتين (20و21)

17- سورة البقرة الآية (298)

18- سورة البقرة الآيتين (198و199) المقصود بخطوات الشيطان هي (طرقه وآثاره وأعماله) أما السوء فيرادبه مختلف المعاصي والذنوب اما الفحشاء فهي ما عظم قبحه من الذنوب ينظر في ذلك: كلمات القرآن تفسير وبيان للشيخ حسنين مخلوف. دار الفكر- 1375هـ .

19- محمد نیازي حتاته الدفاع الاجتماعي السياسة الجنائية المعاصرة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي وهبه. 1975- ص16 وما بعدها

20- سورة الشمس الآيات (7۔10)

21- سورة النساء الآيات ( 120.117 )

22- سورة الأعراف الآيتيتن (19- 17)

23- - سورة الأعراف الآيتين (178 و 179)

24- سورة البقرة الآيات (8- 10)

25- سورة آل عمران الآية (14)

26- سورة فصلت الآية (36)

27-  سورة آل عمران الآيتين (130 و 139)

28-  سورة النساء الآية (110)

29-  سورة البقرة الآيتين (289 و 299)

30- سورة العنكبوت الآية (19)

31-  سورة الرعد الآية (28)

32 - سورة الأعراف الآية (178)

33- سورة البقرة الآية (10)

34- سورة الزخرف الآية (22)

35- ابو حامد الغزالي - إحياء علم الدين - مطبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية - ج8- القاهرة - 1307هـ ص 28

36- سورة البقرة الآية (47)

37- سورة البقرة الآية (88)

38-  سورة البقرة الآيتين (170و 171)

39-  سورة الزخرف الأية (22)

40- د. نبيل محمد السمالوطي - التنظيم المدرسي والتحديث التربوي - دار الشروق - جدة - 1400هـ ص (193 -192)

41- سورة البقرة الآية (171)

42- الفخر الرازي - التفسير الكبير - المطبعة المصرية - القاهرة - 1933م – 1352 هـ ص (210 )

43 - سورة الكهف الآية (60)

44- سورة الكهف الآية (66)

45- سورة الكهف الآية (28)

46- سورة طه الآيتين (15و16)

47- رواه أبو داود والترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة .

48- سورة نوح الآية (11)

49- سورة نوح الآيات (10۔ 20)

50- عبد الرحمن بن خلدون - كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر - ج 1- مطبعة مصطفى محمد - القاهرة - بلا تاریخ - ص (69 و68)

51- سورة النساء الآية (1)

52- رواه مسلم عن محيي الدين أبي زكريا النووي الشافعي- رياض الصالحين من كلام سيد المرسلین۔ مكتبة الشرق الجديد- بغداد ص (7)

53- عبد العزيز البخاري - كشف الأسرار على أصول الأمام فخر الأسلام علي بن محمد البزودي – مصر - ج4- 1307 هـ ص (1383- 1389)

54 - ينظر في ذلك: عبد العزيز البخاري - كشف الأسرار على أصول الأمام فخر الأسلام علي بن محمد البزودي – مصر - ج4- 1307 هـ  ص (1383- 1389) محمد الفقي- النفس أمراضها وعلاجها في الشريعة الاسلامية - مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده - 1390هـ  1970م. ص (111و110و12) ومابعدها

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .