المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

قاعدة « أصالة الصحة » (*)
18-9-2016
Combustion is a redox reaction
16-1-2017
عبد الملك بن مروان
17-11-2016
فضيلة سورة الضحى
1-12-2014
ولاة الأئمة - عليهم السلام - وعصمتهم وارتفاعها، وهل ولايتهم بالنص أو الاختيار؟
1-07-2015
العقد الرضائي والعقد الشكلي
20-6-2018


الإيمان.. المنبع الأول للسعادة  
  
2193   03:17 مساءً   التاريخ: 5-6-2022
المؤلف : هادي المدرسي
الكتاب أو المصدر : كيف تتمتع بحياتك وتعش سعيداً
الجزء والصفحة : ص25ــ35
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /

لا سعادة بلا اطمئنان، ولا اطمئنان بلا إيمان، وكما يقول القرآن الكريم فإنه {بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]

وفي الحقيقة فإن الإيمان يمنحك السعادة من جهتين:

الأولى: من جهة أنه يمنعك من الانزلاق في مستنقعات الفجور والجريمة، وهي من أخطر أسباب التعاسة والشقاء، فلا شيء يضمن للمرء أن لا تجره شهواته ورغباته إلى الموبقات إذا كان قلبه فارغاً من الإيمان بربه ؟.

الثانية: من جهة أنه يعطيك أهم شرط من شروط السعادة؛ وهو الاطمئنان، ففي بحر المشاكل والأزمات لا مرساة للنجاة سوى الإيمان، فمن دون الإيمان كل شيء هو عامل من عوامل الخوف والقلق، أما مع الإيمان فلا شيء يستحق الخوف سوى مقام الله تعالى.

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].

{فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [الجن: 13].

يقول الحديث الشريف: «من خاف الله، أخاف الله منه كل شيء. ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء»(١).

فالقلب المؤمن يستهين بكل الصعاب، لأنه يتوكل على الله.

والقلب الفارغ من الإيمان كورقة مقطوعة من غصنها، تتلاعب بها الرياح الهوج.

ترى أي شيء يخيف الإنسان أكثر من الموت والرحيل عن هذه الحياة ؟!.

إنه عند المؤمن ليس عامل خوف، بل عامل اطمئنان أيضاً فـ «ما أنفع الموت لمن أشعر الإيمان والتقوى قلبه»(٢) ذلك أن «المؤمن؛ الموت تحفته والجنة سبقته»(٣).

ومع الإيمان فليس الموت إلا عاملاً من عوامل السعادة.

يقول الإمام الحسين عليه السلام وقد هددوه بالموت:

«ألا وأني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما» (4).

وهكذا فإن «سعادة الرجل في إحراز دينه والعمل لآخرته»(5) فـ «ما أعظم سعادة من بوشر قلبه ببرد اليقين»(6).

ويخطئ من يظن أن السعادة هي في التخلص من الإيمان، والبحث بدل ذلك وراء الملذات العابرة.

فما قيمة لذة، إذا أعقبتها ساعات من المعاناة؟.

فما خير بخير بعده شر؟.

وما قيمة وردة، إذا كان الوصول إليها يغرقك في مستنقع؟.

حقاً إن من يبحث عن اللذة من دون الالتزام بالمسؤولية، ولا مراعاة للحدود والمقاييس، قد يعاني من الشعور بالتعاسة لفترة طويلة.

فالطفل الذي يأكل كمية كبيرة من الحلويات، لأن فيها طعم السكر، سيعاني كثيراً من الحرمان من كل ما لذ وطاب عندما يصاب بتآكل أسنانه.

«فكم من أكلة منعت أكلات»(7) كما يقول الإمام علي عليه السلام.

وكم من لذة منعت لذات؟.

ثم إن الإيمان يعطيك الحب، والأمل، واليقين، والراحة النفسية، والشعور بالقيمة، وهذه اهتزازات عظيمة تجذب مثيلاتها.. يقول الإمام علي عليه السلام: «خلو الصدر من الغل والحسد، من سعادة المتعبد»(8).

تقول إحدى النظريات : إن لكل شيء في الكون اهتزازه وعليك أن تعرف (كيف) تجذب كل ما أنت راغب فيه. وليس من العبث أن يقال عن مثل أعلى وعن عاطفة إنهما (مرتفعان) أو (منخفضان) ، فاللغة تعبر تمام التعبير عن الحقيقة، وفكرة الأمل، والحب المنعتق من كل أنانية، والإعجاب، والسماح، تخلق فينا اهتزازات سامية، سريعة، تنضم إلى الاهتزازات المماثلة وتشكل معها ظاهرة قوية. وحين نشعر بانحطاط فإن اهتزازاتنا تنخفض، وتبطئ، ولا يبقى شيء مما هو سعيد ومنسجم في حقل الجاذبية عندنا. من هنا نعلم كيف نفقد أعظم الآمال. إننا كالحجر المغناطيسي الذي فارقه المغناطيس، ويلزمنا جهد واع لكي نحرك اهتزازاتنا من جديد في سبيل تحقيق آمالنا.

وللمؤمنين طريقة قوية في تحريك الاهتزازات الواهنة؛ هي الصلاة، والدعاء إلى الله، والاستسلام لمشيئته, إن الصلاة التي يتلوها المؤمن عدة مرات باليوم تمنحه من التألق الروحي ما يمنحه خبزه اليومي لحاجاته الجسدية، أما الخالون من الإيمان فلا ينفعهم شيء في هذه الحياة بدونه.

إن الخور في قواك لا يفسر إلا ببطء في حيويتك، وليس أمامك سوى الإيمان فهو ينتشلك مما أنت فيه، ويزيد من قوتك، فتعلق به وستشعر بارتفاع معنوياتك، إنك بذلك تجتذب السعادة كما يجتذب المغناطيس الحديد.

يقول الحديث الشريف : «عظم السعداء بالإيمان، وخذل الأشقياء بالعصيان من بعد إتمام الحجة عليهم بالبيان، إذ وضح لهم منار الحق وسبيل الهدى»(9).

يقول الدكتور عدنان الشريف:

«إنها تجربتي الشخصية مع الإيمان، لقد درست الطب وتخصصت في الأمراض العصبية والعقلية والنفسية، ودرست ومارست وتناولت مختلف الوسائل العلاجية؛ من استرخاء وتنويم ذاتي، وعقاقير مهدئة للأعصاب، علّني أجد في ذلك شفاء لقلقي النفسي من عقدة الموت، فلم أجد إلا فائدة وقتية.

حاولت أن أغرق قلقي النفسي وخوفي على مصيري بقصر الحياة هذه (لأنني لم أكن أوقن بحياة أخرى فاضلة) بالتعرف إلى شتى أنواع النشاطات التي يدعونها بالاجتماعية، وهي في أكثرها أقرب إلى اللغو ومضيعة الوقت دون طائل، فماذا كانت النتيجة؟.

ركضٌ لاهث وراء ما كنت اعتقده السعادة، وتبين لي أن كل ذلك لذات آنية مصحوبة في أكثرها بالألم، ومحاولات متكررة للهروب والتستر من عقدي النفسية، وأهمها عقدة الموت، من دون جدوى. إلى أن تبين لي أن سلوك الإيمان الصحيح هو الذي يعطي السعادة الحقيقية الدائمة، والأمل المشرق والمطمئن بحياة أخرى أفضل من هذه الحياة الزائلة، فالإيمان العلمي المنهجي اليقيني بالله والتزام تعاليم كتابه وسنة رسوله هو الذي حللني من عقدي النفسية الدفينة وأولها عقدة الموت والخوف منه، وعقدة النقص والتعالي وحب الجاه والمركز، وهم الرزق، والخوف من المستقبل، وحب المال وعبادته.

أما بعد أن عرفت الإيمان فإنني أنام قرير العين، لا خوف من موت بالسكتة القلبية أو بنزيف دماغي صاعق، ولا خوف من تورم سرطاني في الدماغ، أو شلل نصفي أو إصابة برصاصة طائشة قاتلة، أو بصاروخ مدمر، ما دام الموت هو، بيقيني منذ تمرست بسلوك الإيمان، انتقال من حياة دنيا زائلة إلى حياة فضلى خالدة، وإلى أن قضائي وقدري هو بيد المولى الذي هو وليي وهو أرحم الراحمين، وقد طمأنني في كتابه الكريم بأنه {يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} وأنه {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} وأنه هو يحيي ويميت، وأن {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} وأن {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} وأنه {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} وكل إنسان مهما كانت مهنته وعمره معرض في كل لحظة، وخاصة عندما يخلو لنفسه لأفكار تخويفية لا يجد حلاً جذرياً لها إلا بالإيمان، أو حلا وقتياً بأخذ المسكنات والمنومات والتردد إلى عيادات الأطباء.

لم يعد أولادي الثلاثة يشعرون بالخوف منذ أن عودتهم وهم صغار على الصلاة، وشرحت لهم معناها ومعنى كلمة (الله أكبر) وبأنه أكبر وأقوى من أي شيء يخوفهم، سواء أكان حقيقة أو وهماً في أذهانهم، لم يعودوا عرضة للنوم المتقطع، أو الأحلام المزعجة أو الكوابيس، أو القيام وسط الليل والاندساس في فراشي أو فراش والدتهم، أو عدم القدرة على النوم إلا في فراش والدتهم وهي بقربهم حتى يناموا، كما يفعل الأولاد ممن أعالج أمثالهم يومياً، ومنهم من يبقى على عدم القدرة على النوم إلا في فراش والدته حتى المراهقة، وكلها أعراض تدخل في حقل اضطراب النوم عند الأطفال والأولاد وما أكثرها، ولا شفاء لها إلا بوجود جو عائلي إيماني صحيح.

وولدي الأوسط، عمره عمر الحرب الأهلية في لبنان تجاوز بنجاح وشفاء تام، الخوف الطبيعي من أصوات الرصاص والمتفجرات الذي فرضته ظروف قاهرة ظالمة، بعد أن شرحت له من واقع ديني إيماني معنى الموت، ومصيره بعد الموت، وكيف أن طاعة الله والصلاة تنجيه وتحميه من كل ما يخيف، فأصبح لدى سماع أية انفجارات وما أكثر ما سمعها، يصرخ ««الله أكبر».. {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وكأن هذه الكلمات هي السحر العجيب لكل ما كان يعانيه من آثار الخوف، من اضطراب ورجفة واصفرار في الوجه وتسارع في ضربات القلب، وفقدان الوعي، على حين أن الكبار ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، تراهم يتسارعون إلى الملاجئ خوفاً ورعباً، بينما ولدي كان يضحك بعفوية وطيبة صائحاً بهم: صلوا، ما بتعودوا تخافوا!!.

أجل لقد تخلصت وبفضل الإيمان وأنا على أعتاب الخمسينات من العمر، مما هو برأيي منغص في كل دقيقة أو ثانية لحياة الفرد العادي، عنيت بذلك حرقة الطلب في طلب الحصول على (الأشياء) أو التعلق بها. فلا المال ولا اللذات ولا الجاه ولا المركز ولا الأولاد يسعدوني، كل ذلك متاع زائل، ولكن التسليم لله والإيمان به وبكل ما قضى وشرع، جعلني سعيداً راضياً في دنياي الحاضرة، قرير البال بالنسبة لغدي ومماتي وما بعده.

لقد أوصلني إلى الطمأنينة (أي السعادة) سلوكي لطريق الإسلام الصحيح ودراستي علمياً لتعاليمه وتطبيقها، فوجدت بعد الممارسة أني في الطريق الذي يسعد، فبدأت منذ سنوات بإرشاد أصدقائي ومرضاي المتعبين نفسياً وجسدياً إليه، إلى طريق الإيمان الصحيح، طريق السعادة. وآمل في هذا الكتاب أن أعمم التجربة لمن أراد أن يؤمن: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(10).

حقاً إن الأمر كما يقول الإمام علي عليه السلام: «بالإيمان يرتقى إلى ذروة السعادة، ونهاية الحبور»(11).

لأن «الإيمان أمان»(12) ،فـ «ما من شيء يحصل به الأمان أبلغ من إيمان وإحسان»(13).

ثم إن هناك جانبا آخر في الإيمان لا يقل أهمية مما سبق، وإن كان ذلك مما يختص به بعض المؤمنين وليس كلهم.

وأعني به ما يلمسه المؤمن من سعادة القرب إلى الله تعالى، والشعور برضاه.

يقول الأخ العلامة السيد محمد تقي المدرسي :

«حين تسأل المؤمنين لم تصلون؟ ولماذا تزكون؟ وما هي غايتكم من التقوى.. والالتزام بسائر شرائع الدين؟ فإن أغلبهم يقولون لكي نسعد في الحياة، ونبلغ الفلاح في الآخرة. أوليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتبعث في النفس السكينة. وفي المجتمع الحب والأمل والحيوية ؟ أوليست الزكاة تردم الفجوة بين الطبقات، وتنمي الثروة، وتعالج مشكلة الفقر، وتخلق المجتمع الفاضل؟.

وهكذا شرائع الله تهدف إلى إنشاء ملكة العدل والحرية والرخاء والسعادة في هذه الدنيا، وفي الآخرة حيث اعد الله للمتقين جنات تجري من تحتها الأنهار، فيها كل ما تشتهي النفس ويتنعم البدن وتلتذ الروح».

ولكم من المؤمنين رجال بلغوا درجة سامية من المعرفة، لذلك تختلف إجاباتهم كلياً.

إنهم لا يهدفون من وراء الصلاة حياة سعيدة أو جنة خلد ونعيم فيها مقيم. إنما يبتغون بها رضوان الله وذلك عندهم أكبر وأسمى. إنهم يتلون عليك آية من القرآن الكريم تبين أهداف الصلاة بما يلي:

{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].

بلى ذكر الله، والتقرب إليه سبحانه وتعالى هو الأكبر.

وإذا سألتهم عن الإنفاق في سبيل الله يقرأون عليك الآية الكريمة:

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:103].

فالزكاة تزكية النفس؛ وتزكية النفس قربة إلى الله تعالى، وصلاة الرسول إنها هي الغاية.

وكذلك سائر العبادات ليست وسيلة إلى السعادة في الدنيا وفي الآخرة وحسب، وانما هي قبل ذلك زلفى من الله وابتغاء رضوانه.

ويجسد لنا هذه الحالة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في بعض أدعيته إذ قال:

«ولقاؤك قرة عيني، ووصلك منى نفسي، وإليك شوقي، وفي محبتك ولهي، وإلى هواك صبابتي، ورضاك بغيتي، ورؤيتك حاجتي، وجوارك طلبي، وقربك غاية سؤلي، وفي مناجاتك روحي وراحتي، وعندك دواء علتي، وشفاء غلتي وبرد لوعتي وكشف كربتي، فكن انيسي في وحشتي، ومقيل عثرتي، وغافر زلني، وقابل توبتي، ومجيب دعوتي، وولي عصمتي، ومغني فاقتي، ولا تقطعني عنك ولا تبعدني منك يا نعيمي وجنتي ويا دنياي وآخرتي، يا أرحم الراحمين»(14).

وقال الإمام في دعائه الذي أشتهر باسم راويه أبي حمزة الثمالي قال: «إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد، ودللت على فضائحي عيون العباد، وأمرت بي إلى النار، وحلت بيني وبين الأبرار، ما قطعت رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبك من قلبي»(15).

وقال الإمام الحسين عليه السلام في دعائه المعروف بدعاء عرفة:

«أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك، ولم يلجئوا إلى غيرك.. أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم، ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك»(16).

فيا ترى كيف سمى هؤلاء القلة من العارفين بربهم إلى هذا الأفق الأعلى؟.

بالتأكيد ليس بالتفكر وحده تساموا إلى هذه الذروة، وإنما بمجابهة النفس، ورياضة الروح وإخلاص العمل في سبيل الله وبتوفيق الله سبحانه.

إن الجسد لباس الروح والروح ذات الحياة والعقل. وإن اللذة والألم ينتهيان إلى الروح، وإنما يلتذ أو يتألم الجسد لأنه ذو روح، والروح تتخذ من الجسد نافذة تطل منها على عالم الدنيا، وإنما مثلها ومثل الجسد كالمصباح والمشكاة، فالإشعاع للمصباح وإنما المشكاة ظرفه، ونافذة إطلاله.

وكذلك نوافذ المعرفة التي زود بها الجسد ما هي إلا وسائل تتطلع بها على الكائنات.

فليست العين إلا عدسة دقيقة زودت بها أعصاب المخ، والمخ مركز نشاط الروح، والروح هي التي ترى عبر المخ وأعصابه والعين.

كذلك السمع واللمس والشم والذوق.

وإذا كان الجسد وسيلة الروح، وقد أنشأ من أجلها، فمن أجل ماذا خلقت الروح؟ ألكي تسعد وتصل إلى ذروة الكمال؟ .

بلى ولكن هذه الكلمات ألفاظ متشابهة، لأن للسعادة في أذهاننا أكثر من معنى. فالإنسان الذي يعيش في أمن وعافية ورخاء ورغد نعتبره سعيداً. وهو كذلك ولكن ليس ذلك كل السعادة، بل هو مجرد خطوة إلى السعادة، إنما السعادة أن تعيش الروح الرضا والسكينة، فلو افترضنا ابتلاء الروح بمرض الحرص والحسد والأنانية فهل تسعد بذلك المستوى من العيش؟.

إذا لا تستطيع أن تعتبر السعادة - بوجه مطلق - كهدف أسمى لخلقة الروح.. بل السعادة بهذا المفهوم وسيلة للهدف، فمن دون إشباع حاجات الجسد لا تتطلع الروح إلى ذرى الكمال، ولكنها لن تكتفي بإشباع هذه الحاجات وحدها.. أرأيت الذي بلغ أعلى درجات السعادة المادية لماذا يبقى يتطلع إلى ما هو أسمى؟.

لماذا تجد الإنسان - أي إنسان - دائب الكدح، ترى عما يبحث؟ وما هي ضالته، وعلى أي شاطئ تستريح سفينته؟.

إن عقدة المشاكل عند البشر هي تحول الوسائل عندهم إلى أهداف، وضياع الهدف الأسمى لذلك كلما حقق وسيلة منها حرص على تحقيق وسيلة اسمى لأنه لا يشبع بها، ويظل يتقلب بين الوسائل إلى ما لا نهاية.

وإذا كانت كل حقائق الدنيا وسائل فأين الهدف؟.

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

بلى، عبادة الله في أسمى معانيها هي الهدف.

ويقول سبحانه في محكم كتابه:

{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6].

الكدح حتى لقاء الله {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42].

ولكن يصعب علينا نحن الضالون في متاهات الوسائل أن نخوض هذه الحقيقة، إن الغاية هو الله جل جلاله، أما بقية الأمور فما هي إلا وسائل.

أما أولئك الذين بلغوا الذروة واطمأنوا إليها، وتحققت طموحاتهم فلم تعد نفوسهم تشتهي شيئا آخر فالأمر مختلف جداً، إذ أنهم - حتى في الجنة حيث النعيم المقيم الذي لا يرقى إليه الوصف - لا يبتغون غير الله والزلفى منه، وذكره والمناجاة معه شيئاً.

إنهم يعيشون مع أنوار الله، مع نور العلم، ونور الحياة، نور الوجود، نور العظمة، ولكنهم لا يجدون مبتغاهم ولا تستكين نفوسهم عند ذلك، ولا يروي ظمأ قلوبهم إلا لقاء ربهم العلي الأعلى. .»(17).

وأخيراً فإن هنالك حقيقة هامة وهي أن لا سعادة لأحد بدون تقدير من الله تعالى، سواء آمن أحدنا بذلك أم لم يؤمن، فليست السعادة ممكنة، إلا إذا أراد الله لنا ذلك.

وهذا ما يفسر لماذا يسعد البعض في الحياة بأسباب معينة، بينما يشقي آخرون بالرغم من توفر تلك الأسباب لهم. وربما بسبب نفس الأسباب أيضاً.

ودور الإيمان هنا هو في أن نطلب من رب العزة والجلال أن يجعلنا سعداء ، ويوفر لنا أسباب النجاح، ويرشدنا إلى سبل خير الدنيا والآخرة.. فمن دون إرادته لن ينفع كل ما في الحياة في توفير ذرة من السعادة.

وهكذا فإن السعادة هبة من الله تعالى يمنحها لمن يشاء، ساعة يشاء، وكما يشاء. ويسلبها ممن يشاء، ساعة يشاء، وكيف يشاء. ولله في خلقه شؤون.. ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.

غير أن ذلك لا يعني أن السعي وراء السعادة باطل، بل يعني أنها كالرزق وكالنجاح، بحاجة إلى توفيق الله تعالى، بالإضافة إلى السعي، والعمل والنشاط.

__________________________________

(١) كلمة الرسول الأعظم: للشهيد الشيرازي.

(٢) غرر الحكم ودرر الكلم: 6/91.

(٣) المصدر: 2/87.

(٤) مقتل الحسين عليه السلام: للشيخ عبد الزهراء الكعبي.

(٥) غرر الحكم ودرر الكلم: 4/144.

(٦) مستدرك الوسائل: ج١١، ص٢٠١.

(7) غرر الحكم ودرر الكلم: 4/548.

(8) مستدرك الوسائل :ج ١١، ص201.

(9) كنز العمال: 6/442. 

(10) راجع كتاب: (من علم النفس القرآني) ص133ـ135.

(11) غرر الحكم ودرر الكلم: 3/234.

(12) المصدر: 1/260.

(13) المصدر: 6/112.

(14) الصحيفة السجادية.

(15) مفاتيح الجنان.

(16) المصدر.

(17) موضوع: (طريق الإنسان إلى اليقين) مجلة (البصائر) العدد ٩، السنة الخامسة الصفحات: ٥٩ إلى٦١.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.