أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-5-2022
1200
التاريخ: 23-5-2022
2832
التاريخ: 28-5-2022
1108
التاريخ: 22-5-2022
1115
|
المناقشات في المستوى الرسمي
عندما نقول المستوى الرسمي لا نقصد أن الجهات الرسمية أي الحكومية لا تشترك في المناقشات والحوارات التي تدور في المستوى الشعبي. فالجهات الحكومية - في جميع أنظمة الحكم - تشارك في النقاش على المستوى الشعبي، بل وتحاول توجيهه بطرق يمكن تصنيفها في نوعين :
١ - مشاركة رسمية مكشوفة تأخذ صيغة القرارات أو التصريحات الرسمية لبعض المسئولين.
٢- مشاركة بصورة خفية من خلال الوكلاء الذين يلبسون ثياب الحياد مثل بعض المؤسسات الخاصة ومنها الاعلامية أو حتى بعض الأراد في هذه المؤسسات أو الأراد المستقلين.
ولهذا فالمقصود هنا هو أخذ النقاش والجدال في القضية صبغة منظمة، تشرف عليها الجهة ذات السلطة.
ومن المعروف أن الرأي العام عندما يظهر باتفاق معظم أفراد الجمهور العام على رأي واحد أو نوع واحد من الرأي فإن هذا الرأي الذي يشبه السيل أو النهر يأخذ مسارين يختلفان باختلاف البيئات السياسية التي ينشأ فيها هذا الرأي العام :
١ - في البيئة السياسية التي لا تعترف بقيمة الرأي العام، فإن الرأي العام إما أن يكون متسقا مع سياسة الحكومة فتستفيد منه السلطة الحاكمة، أو أن يكون معارضا فتتجاهله أو تكبحه, وقد تنجح الحكومة في تذويبه نهائيا أو يستمر الصراع لفترة بين الرأي العام وبين الحكومة حتى ينتصر أحدهما على الآخر. وفي الغالب لا ينتصر الرأي العام في مثل هذه الحالة بطريقة سلمية ولكن بطريقة دامية، تكون سببا في تحطيم الحكومة، وسببا في تقديم الجمهور العام ضحايا كثيرين. وقد يستمر الصراع الدموي دون أن يغلب أحدهما الآخر فيجلب الدمار والخراب للبلاد.
وهو بهذا يشبه الأمطار التي يتجمع معظمها في مجرى واحد فيصطدم بسد غير نافذ فإما أن يتبخر ويتبعثر فيفقد قوته، أو يستجمع قواه فيحطم السد ويحطم مع السد كثيرا من مظاهر الحياة خلف السد.
٢ - في البيئة السياسية التي تعترف بقيمة الرأي العام، فإن الحكومة في الغالب تعترف به وتخضعه لمجموعة من الاختبارات فإما أن يصمد أو أن يتلاشى أو يضعف. وهو يشبه في مثالنا السابق السيل الذي يواجهه سد له فتحات مقننة تسمح . بمروره فإما أن يكون ضعيفا فيتبدد ويتبخر مع الأيام أو أن يكون قويا أو تزيد قوته فينشأ له مشروع مفيد كمحطة توليد كهرباء أو مشروع زراعي له صفة الديمومة .
ولتوضيح صورة هذا النقاش يمكننا إلقاء نظرة على بعض ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية كنظام يأخذ . بمبدأ الاحتكام إلى الرأي العام عند اختيار كبار المسؤولين في الدولة وفي اتخاذ القرارات الرئيسة، التشريعية والإجرائية.
يجعل دستور الولايات المتحدة الأمريكية الانتخابات الطريقة الوحيدة لاختيار من يمثل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد ونائبه، وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب وهما جناحا السلطة التشريعية في البلاد.
أما على مستوى الولاية فكل المناصب الرئيسة أيضا تخضع للانتخابات. وذلك ابتداء من رئيس الولاية وأعضاء المجالس التشريعية وعمد المدن وأعضاء المجالس البلدية ...
ويلاحظ أن النقاش المنظم يقتصر على نخبة من الشعب منتخبة تتوفر فيها على الأقل الصفات التالية :
١- أن لا يقل سن العضو في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ثلاثين عاما وعضو مجلس النواب لا يقل عن 25 عاماً .
٢- أن لا تقل مواطنة العضو للولايات المتحدة الأمريكية عن تسع سنوات بالنسبة لمجلس الشيوخ، وسبع سنوات بالنسبة لمجلس النواب.
٣- أن يكون من المقيمين في الولاية التي انتخبته بالنسبة للمجلسين التشريعيين (مجلس الشيوخ ومجلس النواب).
ومن الطبيعي أن يتوفر فيمن يصبح عضوا بهذه المجالس القدرة الكافية أو أن تتوفر فيه الصفات الكافية ليقتنع حزبه به ليرشحه لهذا المنصب الذي يتنافس عليه - في العادة - عدد من المرشحين. كما يجب أن تتوفر فيه صفات تجعله قادرا على إقناع الآلاف، بل - أحيانا - الملايين، من الناخبين على تفضيله من بين المرشحين الآخرين. وبعبارة أخرى، فإن من يكون مؤهلا للمناقشة في المستوى الرسمي لأي قرار رئيس يشترط فيه بلوغ درجة من النضج العقلي والثقافة، تجعله شخصية قيادية متميزة. وهذه قدرات لا تتوفر عند الرجل العادي. فهو في الغالب يكون على الأقل من الحاصلين على الشهادة الجامعية، ولديه خبرة في الحياة العملية لا بأس بهل ولديه قدرات خاصة تمكنه من استيعاب القضايا العامة ومناقشتها. ومسألة الكفاءة لا تنتهي بالفوز في الانتخابات، فمعظم مناقشات هذه المجالس مفتوحة لوسائل الإعلام التي تنقلها أحيانا كاملة.
ويلاحظ - كما سبق بيانه - أن أفراد الجمهور العام الرسمي للقضية المحددة لا يصدرون في آرائهم عن المعلومات التي تتوفر لديهم والمبادئ الني يلتزمون بها فحسب، ولكن تخضع آراؤهم أيضا لضغوط البيئة التي يعيشون فيها، ولاسيما الانتماءات التي يتقيدون بها، والالتزامات المرهونة بها، والقيادات التي يثقون فيها.
ولعل المثال الذي يضربه لنا " دارك " يعطي صورة طيبة عن جانب من طبيعة المناقشات على المستوى الرسمي، وذلك من خلال تصويره الصراع بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي، وبين اتحادات العمال ورجال الأعمال، وبين ذوى الاتجاه المحافظ والاتجاه المتحرر. يقول " دارك " بأن المحافظين كانوا يسيطرون على المقاعد في مجلس النواب الأمريكي لفترة طويلة. فصدرت تشريعات تقف مع رجال الأعمال والمحافظين لتحد من قوة اتحادات العمال، مثل شرعية استبدال المضربين بعمال آخرين بصفة دائمة. ثم تغير الوضع بتغير المتحدث الرسمي لمجلس النواب بآخر متحرر، وبنجاح اتحادات العمال وبعض النواب في مجلس النواب الأمريكي أمكن تمرير تشريع يحرم استبدال العمال المغربين بصفة دائمة، في مجلس النواب. وتم تمرير المشروع ب ٢٤٧ صوتا مقابل ١٨٢ صوتا. ولكن الفشل كان مصير المشروع في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي كان لا يزال تحت سيطرة المحافظين. وقد أسهم في هذه الهزيمة خمسة من الحزب الديموقراطي انضموا إلى المحافظين، الذين كانوا جميعا من الولايات الجنوبية ذات الاتجاه المحافظ . وهذا بالرغم من أن الديموقراطيين في الأصل من ذوي الاتجاه المتحرر.
ويلاحظ هنا أن الجمهور الذي يناقش الموضوع على المستوى الرسمي لا يختلف عن الجمهور العام في كفاياته فحسب، بل أيضا في عدد أفراده وطريقة المناقشة. ففي المستوى الرسمي يلتقي المؤيدون والمعارضون في اجتماع رسمي، ويتم النقاش بطريقة منظمة وحول نقاط محددة إلى درجة كبيرة. وهذا بخلاف المناقشات أو المجادلات العفوية التلقائية التي تتم بين بعض المعارضين وبعض المؤيدين، على المستوى الشعبي، في ظروف مكانية وزمانية متنوعة جدا، لا تنسيق فيها بتاتا ولا يحكمها نظام.
ولهذا فإن النقاش في المستوى الرسمي يمكن - نظريا - تقييده بعقيدة معينة أو فلسفة محددة مع اشتراط كون جميع الأعضاء في هذا الجمهور على مستوى متقارب في المعرفة الدينية أو الفلسفية المراد قيد المناقشات لها. وذلك إضافة إلى تعمقهم في مجالات تخصصية أخرى. ولكن يصعب توفر ذلك إلا نادرا.
وقد يمكن ضبط قواعد المناقشة وإجراءاتها، من ثم يمكن - نسبيا - مقارنة المناقشة والمحاورات في هذا المستوى بالمناقشات التي قد تدور بين أعضاء مجلس الشورى، وكذلك مقارنة بيئتها ومواصفات المناقشين فيها ببيئة مناقشات مجلس الشورى ومواصفات أعضائه نسبيا. وإن كانت هناك أوجه اتفاق فإنه هناك أيضا أوجه اختلاف. وعموما هناك شبه استحالة في ضبط محتوى جمع الآراء والأفكار المطروحة في مجلس الشورى بصورة دقيقة إلا بصورة عامة. وذلك لاحتمال تعدد الآراء الفقهية أو تضاربها في كثير من المسائل الجديدة.
وهناك قضايا في النظام الأمريكي لا يحتاج القرار النهائي فيها إلى استشارة القاعدة الشعبية إن يتخذ مجلس الشيوخ ومجلس النواب القرار النهائي فيها، إما بالتأبيد أو بالمعارضة. ولكن هناك قضايا قد تطرحها جهات ذات اهتمامات خاصة. ومثال ذلك أن تثير مؤسسة أو فرد ذو نفوذ قضية ارتفاع نسبة ضريبة الشراء مثلا في ولاية كاليفورنيا. فتقوم هذه الجهة بحملة عبر وسائل الإعلام تنادي فيها بضرورة إعادة النظر في هذه النسبة. وتنجح جهود هذه الجماعة في إيجاد جمهور عام مؤيد لهذه القضية فتضظر حكومة الولاية إلى الاعتراف بالقضية وطرحها للمناقشة في الجالس التي تمثل الشعب (أعضاؤها تم انتخابهم من قبل أفراد الشعب). وقد يعجز نواب الشعب في هذه الجالس عن اتخاذ قرار فيه بالأغلبية فيتم طرح القضية على الشعب نفسه للتصويت عليه. ولكن القضية - في هذه الحالة - تطرح في هيئة صياغة محددة قد قامت نخبة من الخبراء أو من رجال الحكومة بإعدادها، ولا يحتاج الأمر إلا إلى التصويت عليها بالموافقة أو بالمعارضة. وبعد الأصوات المؤيدة والمعارضة ليتم اتخاذ القرار النهائي في ضوئه.
ومع أن المناقشات على المستوى الرسمي رغم كونها محكومة بأنظمة وإجراءات تضبط طريقة عرض الآراء أو تفنيدها فإن المجتمعين سواء أكان عددهم صغيرا أم كان كبيرا يتأثرون بخلفياتهم الخاصة وبالمصالح الني يمثلونها رغبة أو رهبة وتخضع آراؤهم في النهاية للمساومات بين الأطراف المتعارضة. ولهذا ليس من الغرابة أن تتغير القرارات في القضايا المتشابهة بشكل متناقض عبر الزمان.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|