نظرية القوة البحرية :

يعد (ماهان ١٨٣٠-١٩١٤) من أوائل وأبرز من وجهوا الأنظار نحو البحر، فقد كان الأمريكي «ألفرد ماهان » صحفيا وبحارا وأستاذا لتاريخ البحرية بالإضافة إلى كونه جغرافيا. وكان ماهان يعد بوليتيكيا من حيث الفكر قبل أن تظهر هذه التسمية، وقد استوحى «هوسهوفر» مبدأ ألمانيا من حيث المجال الحيوي من ماهان الأمريكي الذى كان يعتقد بأن الدولة قد تتسع أو تضمحل، فليس هناك دولة يمكنها الاحتفاظ بمساحتها إذا بقيت ساكنة بدون حراك.

ونظرية ماهان مستمدة من تجاربه وخبرته كرجل بحر، ولذلك كانت القوة الحقيقية في نظره هي القوة البحرية، كما لاحظ ماهان أن الثورة الصناعية في أوربا دفعت الدول الأوربية إلى الاستعمار فيما وراء البحار للحصول على المواد الخام اللازمة لصناعاتها، ولتصريف فائض إنتاجها.

ومن الطبيعي أن يتطلب ذلك إنشاء الأساطيل الضخمة لنقل التجارة والركاب بين الشرق والغرب من ناحية، ثم لحماية طرق التجارة من ناحية أخرى. كما أصبح من الضروري إنشاء مواقع إستراتيجية لحماية طرق الملاحة. وقد ساعد على ذلك استخدام البخار بدلا من الشراع في تسيير السفن، واستخدام الحديد بدلا من الخشب في صناعة هذه السفن، ولذلك أصبحت البحار والمحيطات تعد عامل الربط بين المستعمرات وبين الدول صاحبة السيادة عليها.

وقد عاش ماهان في فترة كانت فيها بريطانيا تملك أسطولا بحريا تجاريا وحربيا قويا استطاعت بواسطته تكوين إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، ثم السيادة على البحار والمحيطات التي تربطها بأجزاء هذه الإمبراطورية، ولم تكن

تنافسها أى دولة أخرى وقتها، وقد ساعدها على ذلك موقعها البحرى، ولذلك لم يكن غريبا على ماهان تصوره أن بريطانيا يمكنها الاحتفاظ بالزعامة العالمية لفترة طويلة بفضل ما لديها من إمكانات.

ولذلك رأى ماهان أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكنها أن تصبح قوة عالمية في المستقبل وعليها أن تسعى إلى ذلك. ولذلك كان يدعو لزيادة قوتها البحرية بالشكل الذى يتفق مع طموحاتها، فوجود أسطول بحرى يستطيع القيام بالهجوم يمكنه ضمان سيادة الولايات المتحدة في البحر الكاريبي والمحيط الهادي، كما يتيح لها الوصول إلى الشرق الأقصى. فقد كان البحر في نظره يعد طريقا متسعا يمكن للإنسان أن يسير فيه في جميع الاتجاهات، ويمكن أن يقف الأسطول البحرى دون أى حصار على الدولة وبالتالي يمكنها أن تبقى على الموانئ مفتوحة لاستقبال السفن، وإبعاد الخطر بعيدا عن اليابس المكتظ بالسكان عادة.

وقد وجه ماهان بذلك نظر الولايات المتحدة للتوسع في قارة أمريكا الشمالية، وبذلك يطبقون مفهوم المجال الحيوي الذى تدعو إليه ألمانيا، فأصبحوا يدعون للتوسع شرقا وغربا وجنوبا بحجة الوحدة الجغرافية .

وقد وجد هذا الاتجاه من يشجعه في الولايات المتحدة أمثال((وليم سيوارد)) الذى كان يشغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس لنكولن الذى ادعى بأن هذا التوسع يعبر عن إرادة إلهية، وقد تزايد هذا الاتجاه إلى أن بدأت تظهر عقب الحروب الأهلية بعض الأفكار التي تدعو إلى إنشاء إمبراطورية أمريكية تضم الجزر الهامة في البحر الكاريبي، وبعض الجزر في المحيطين الأطلسي والهادي، ثم التفكير في إنشاء قناة في نيكاراجوا أو بنما للربط بين هذين المحيطين.

ولا شك أن ذلك كان يتطلب إنشاء قوة بحرية يمكنها تنفيذ هذه الطموحات التي كان يدعو إليها ماهان والتي وجدت آذانا صاغية في الولايات المتحدة.

وقد أتت نظرية وأفكار ماهان في كتب ثلاثة ألفها، أحدها بعنوان «أثر القوة البحرية على التاريخ» عام١٨٩٠، والثاني بعنوان «أثر القوة البحرية على الثورة والإمبراطورية الفرنسية» عام ١٨٩٢، وآخرها الثالث فيعام ١٩١٢ بعنوان «القوة البحرية وعلاقتها بالحرب" .

وقد لاقت نظرية ماهان وآراؤه عن أهمية الأسطول البحرى قبولا وحماسا لدى الألمان باعتبار أن الأسطول البحرى يعد القاعدة التي يمكن عن طريقها الحصول على إمبراطورية واسعة كما فعلت بريطانيا، ثم لإمكان السيادة العالمية، ولذلك اندفعت ألمانيا لبناء أسطول بحرى قومي مما هدد بريطانيا ودفعها للدخول في سباق مع ألمانيا، وأسهم في اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وقد تأثر راتزل بآراء ماهان فألف كتابا بعنوان «البحر كمصدر للعظمة القومية» عبر فيه عن عنايته بأفكار ماهان عن السيادة البحرية، كما تأثر هوسهوفر بآراء ماهان، فدعا طلاب الجيوبوليتيك لقراءة ما كتبه ماهان، واعتبر أن ماهان قد عمل أكثر من أى أمريكي لوضع الولايات المتحدة على طريق القوة العظمى.

ومن الذين يؤكدون على أهمية القوة البحرية كما يرى ماهان كان ((ريتشارد هينج)) وهو من أقدم العاملين مع هوسهوفر، حيث يقول : «إن الإمبراطوريات التي ظهرت قديما وفي العصور الوسطى فيما عدا الإمبراطورية الرومانية كانت جميعها تعتمد في حركة جيوشها على اليابس، بينما تغير الوضع حديثا فأصبحت جميع القوى العظمى تستمد قوتها من أساطيلها القوية ومن سيطرتها على الطرق البحرية، وفي هذا تأكيد لآراء ماهان.

ويعطى ماهان عدة حقائق لها أثرها في تطور القوة البحرية للدولة وعلى ضوئها يمكن تقدير قوة الدولة ومدى إمكاناتها في هذا المضمار وهي :

(١) الموقع الجغرافي للدولة : وذلك من حيث سواحلها وعدد الجبهات التي تطل بها على البحر، ومدى توافر الطرق السهلة التي تربط بين هذه الجبهات ومدى تحكمها في الطرق التجارية والقواعد الاستراتيجية وقدرتها على تهديد العدو بأسطولها البحرى.

(٢) شكل الساحل: ويقصد به مدى تعرجه، ومدى توافر المرافئ، لأن كثرتها تعد مصدر قوة للدولة، وخصوصا إذا كانت عند مصبات الأنهار الصالحة للملاحة لأن في ذلك مساعدة على تيسير الحركة التجارية داخل الدولة، رغم أن ذلك يعد مصدر خطر وقت الحروب إذا لم تتوافر الحماية الكافية. كما تلعب خطوط الأعماق في المنطقة الساحلية دورا هاما. وتزداد أهمية السواحل عندما توجد بعض الجزر أمامها لتسهيل عملية الانتقال وتقديم الخدمات والصيانة للسفن، ولتكون خطا أماميا في حالة الحروب كما في الجزر البريطانية.

(٣) امتداد السواحل: إن أطوال السواحل البحرية وسهولة الدفاع عنها وحمايتها أو عدم القدرة على ذلك له دوره الهام في قوة الدولة البحرية.

(٤) مساحة الدولة : تلعب مساحة الدولة دورا كبيرا في قوة الدولة، فهي تمثل الظهير القاري، وعندما يكون الظهير القاري كبير المساحة، وغنيا بموارده، وقليل السكان، فإنه يصبح عامل جذب للسكان مما يصرف الانتباه عن التوجه للبحر مثل فرنسا، ولكن عندما يكون الظهير فقيرا ويفتقد عوامل الجذب فإن ذلك يكون مشجعا للاتجاه نحو البحر مثل النرويج ومثل اليونان.

(٥) حجم السكان وطبيعتهم : وذلك من حيث الكم والكيف، فعلى السكان تتوقف قدرة الدولة على بناء السفن، وإعدادها بالرجال وخصوصا هؤلاء الذين يتجهون صوب البحر، ويتمتعون بالصفات التي تؤهلهم لذلك، وأن يكونوا ممن يتقبلون العمل فيه برغبة ذاتية بالإضافة إلى السياسة العامة للدولة.

(٦) خصائص النظام الحكومي المطبق في الدولة: وهذا يلعب دورا كبيرا في توجيه إمكانات الدولة الطبيعية والبشرية نحو البحر، وعلى نوع العلاقات القائمة بين الدول البحرية المتجاورة.

وفي ضوء هذه الاعتبارات رأى ماهان أن الولايات المتحدة تتمتع بموقع جغرافي ممتاز، ولها سواحل طويلة تطل على ثلاثة مسطحات مائية (المحيط الهادي والأطلنطي وخليج المكسيك)، كما أنها تبعد عن العالم القديم بشرقه (في أوربا وأفريقيا)، وبغربه (في آسيا وأستراليا)، مما يؤهلها لأن تكون دولة بحرية، ومما جعل الأسطول البحرى سواء الحربى أو التجاري أمرا ضروريا لربطها بدول العالم القديم، وفي نفس الوقت حماية الأسطول التجاري وسواحلها من أى تهديد خارجي تتعرض له.

كما كان لتمتع الولايات المتحدة بسواحل طويلة تتميز بتعرجاتها، وبالمرافئ الطبيعية الكبيرة ما يساعد على إنشاء قواعد للأسطول البحرى. كما أن شق قناة بنما يجعل الربط بين شرق وغرب الولايات المتحدة وحماية هذا الطريق عن طريق أسطول بحرى أمرا ضروريا.

كما تتمتع الولايات المتحدة بظهير قاري واسع يضم ثروات كبيرة مما يجعله جاذبا نحو اليابس، ولكن في نفس الوقت إن هذا الظهير بالإضافة إلى طول السواحل قد يكون مجالا للمطامع ولذلك فهو يحتاج للدفاع لإبعاد هذا الخطر، وهذا يحتاج إلى أسطول بحرى يقوم بهذا الدور.

وكان ماهان يرى أن الولايات المتحدة وبريطانيا يمكنهما السيطرة على العالم عن طريق القواعد الأرضية المنتشرة على هوامش أوراسيا، نظرا لسهولة الحركة البحرية بالمقارنة بالحركة على اليابس، كما توقع أن أى تحالف بين الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وبريطانيا يمكن أن يكون رادعا في المستقبل للصين وروسيا.

وكان ماهان يرى أن روسيا تتمتع بالسيادة القارية في قلب آسيا، وبالتالي يصعب اقتحامها بخلاف الدول الساحلية. ولكن رغم ما لهذا الموقع من مزايا فإن له عيوبه التي تتمثل في عدم الاستفادة من المسطحات المائية الواسعة في العالم، وفي حركة التبادل التجاري. وهذا الذى جعل روسيا تسعى للوصول إلى ما يسمى بالمياه الدافئة لترتبط بالبحر، وقد أمكنها فعلا الوصول إلى البحر الأسود الذى ربطها بالبحر الأبيض المتوسط جنوبا، ثم الوصول إلى بحر البلطيق الذى ربطها ببحر الشمال وبالمحيط الأطلنطي غربا.

ومما يؤكد وجهة نظر ماهان في أهمية القوة البحرية ما قامت به إسبانيا والبرتغال من قبل عند سيطرتهما على بحار العالم بفضل الأسطول البحرى، وكذلك دور بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فقد أمكن عن طريق سيطرة بريطانيا على البحار حصار قوى المحور، كما أمكن نقل الإمدادات والرجال من المناطق البعيدة لتنزل في فرنسا وبريطانيا والبلقان لمواجهة قوات ألمانيا البرية، وكانت القوة البحرية في هذا الصراع هي العامل الحاسم في الانتصار.

كما قضت القوة البحرية البريطانية على طموحات فرنسا بعد أن احتل نابليون مصر في نهاية القرن الثامن عشر عندما هاجمت بريطانيا القوات الفرنسية بأسطولها البحرى في الإسكندرية، كما قطعت عنها الإمدادات التي تأتيها من فرنسا عبر البحر المتوسط، وبذلك كان الأسطول البحرى هو العامل الأساسي في الانتصار على فرنسا وإرغامها على مغادرة مصر تحت هذه الضغوط.

كما انتصرت بريطانيا في موقعة الطرف الأغر لما كان لها من سيطرة على المحيط بفضل أسطولها البحرى الذى حرم أعداءها من الاستفادة من قواتهم لمواجهة بريطانيا، كما كان للقوة البحرية أثرها الفعال في انتصار بريطانيا في حربها مع الأرجنتين وفي صراعهما معا على جزر فوكلاند لم141101، فقد كان حسم المعركة بفضل الأسطول البحرى البريطاني.

وقد استفادت الولايات المتحدة من آراء ماهان إلى حد كبير لإدراكها لأهمية القوة البحرية فعملت بها، وأسفر ذلك عن استيلاء الولايات المتحدة على قواعد إستراتيجية ممتدة من جزر أولشيان إلى هاواي وإلى بنما وجزر الهند الغربية ونيوفو ندلاند، ثم إنشاء أقوى أسطول بحرى في العالم ينتشر في البحار والمحيطات، يضم الغواصات حاملات الطائرات والمدمرات وكاسحات الألغام وزوارق الطوربيد وحاملات الجنود بالإضافة إلى أسطول تجارى كبير، مما لعب دورا كبيرا في ربط الولايات المتحدة بالعالم وفي حرية الحركة في أسرع وقت. كما استولت على جزيرة بورتوريكو0ءا101018 عام ١٨٩٨ ، وعلى جزيرة نافاسا ٢4٧4554 جنوب كوبا، وعلى جزيرة مدواى في المحيط الهادي، واشترت ألاسكا من روسيا عام ١٨٦٧ ، وجزيرة فيرجين 11٦ع٢٧1٣ من الدانمرك.

وقد كان لنظرية ماهان عن الاستراتيجية البحرية بقسميها السياسي والعسكري أصداء واسعة في كثير من دول العالم، كما أشرنا إلى اهتمام ألمانيا بهذه النظرية من قبل، وإلى أى مدى استفاد منها هوسهوفر. كما جذبت إليها اهتمام دول أوربية أخرى بالإضافة إلى اليابان والاتحاد السوفيتي، تلك الدول التي سعت لإنشاء أساطيل بحرية لها مما حطم السيادة البريطانية على البحار والمحيطات.

ورغم ما لقيته آراء ماهان من اهتمام، إلا أن هناك من انتقد هذه الآراء مثل «هومرلى الصيني الأصل والأمريكي الجنسية الذى تنبأ بعدم كفاية وسائل الدفاع البريطانية لمواجهة التهديدات المتزايدة لممتلكاتها البعيدة، وأنه لا مفر من هجوم القوى المنافسة لها في هذه المناطق، كما أنه يختلف مع ماهان حول ما يتعلق باستراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهادي، وتوقع المخاطر التي ستتعرض لها ممتلكات الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا في وجه أى هجوم ياباني في هذه المناطق رغم التفوق البحرى لهذه الدول.

كما لقيت نظرية ماهان نقدا من ماكندر الذى رأى أن موقع الجزر البريطانية القريب من القارة الأوربية هو الذى أعطى الأسطول البريطاني تلك القوة التي يسيطر بها على السياسة العالمية، وسنتناول آراء ماكندر ووجهة نظره في القوة البحرية تفصيلا عندما نتناول نظريته البرية فيما بعد.

كما أن «فوست ااعن14٧» الإنجليزي انتقد نظرية ماهان في تناقص مساحة المنطقة التي تسيطر عليها القوات البحرية مقابل اتساع المناطق الخاضعة للقوات البرية، وكان يرى أن تسيطر القوة البرية على الممرات والمضايق البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية أيضا.

ومن بين نقاد نظرية ماهان الجغرافي السياسي هارولد سبروت الذى كتب مقالا في عام ١٩٦٣ أشار فيه إلى الفرضيات الجيوبوليتيكية المتأثرة بالتطورات التكنولوجية الحديثة . فقد أشار إلى أن ماهان لم يراع في وقته التغيرات السريعة والمستمرة في مجال الصناعة والنقل خلال القرن التاسع عشر، ولا سيما تطور وسائل النقل البرية واستخدام الطائرات، ولذلك حكم على الأحداث التي وقعت في نهاية القرن التاسع عشر بعقلية القرن السابع عشر، فهو لم يدخل في تقديره تزايد القوة الجوية في فرض الحصار والهجوم على الأقطار الجزرية، وأن النقل البرى سينافس النقل البحرى، وبذلك ترجح الكفة لغير صالح القوة البحرية المتمثلة في بريطانيا وقتها.

كما انتقد ولتر ملز نظرية القوة البحرية لماهان من خلال تجارب الحرب الكورية ومظاهر التسابق في التسلح بين الدول. فقد أشار في مقال له في عام ١٩٥١ إلى أن ماهان أعطى للقوة البحرية درجة أكثر فاعلية في إحداث التأثيرات، فقد أعطاها-صفة الاستقلال في إحراز النصر، بينما يرى ملز تعادل القدرة المؤثرة لكل من القوة البحرية والقوة البرية في الهجوم والحصار، فكما تستطيع القوة البحرية ممارسة قوتها في الحصار والتدمير وإغلاق الطرق المائية، فإن القوة البرية يمكنها عمل كل هذه المهام أيضا.

كما استخدم ماهان مصطلح «القوة البحرية" وهذا غير واقعى لأن البحار والمحيطات تكتسب أهميتها من خلال ارتباطها بالقوة البرية أيضا؛ وذلك لأن ما تهدف إليه الحرب هو احتلال الأرض والسيطرة على مواردها وسكانها.

ومما لاحظه ملز على ماهان الادعاء بإمكانية السيطرة على البحر بصورة كاملة بفضل القوة البحرية، وهذا غير واقعى، لأن من الصعب السيطرة على البحار كما يصعب السيطرة على الجو بكامله أيضا، فقد ثبت صعوبة إصابة الأهداف في كثير من الحالات من قبل القوات الجوية أو البحرية نظرا لزيادة القدرة على المقاومة في السنوات الأخيرة.

وليس هناك شك في أن التقدم التكنولوجي في السنوات الأخيرة التي أعقبت عصر ماهان قد غير الكثير من وجهات النظر في آراء ماهان، فقد بدأت القوات الجوية تفرض نفسها وحلت محل القوات البحرية في الخطورة إلى حد كبير، ففي السيطرة البحرية كان الخطر يأتي إلى السواحل، أما في السيطرة الجوية فإن الخطر ينال من كل مكان في الدولة. كما ظهرت الصواريخ العابرة للقارات التي لا يقف أمامها أى موقع، والقوة النووية التي غيرت الكثير من مفاهيم ماهان. والواقع أن الحروب وأبرزها الحرب العالمية الثانية قد أثبتت ضرورة تلاحم وتعاون القوات الثلاثة البرية والبحرية والجوية لإحراز النصر والهيمنة على اليابس الذى يعد الهدف الأساسي لجميع القوى.