أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2014
754
التاريخ: 6-08-2015
853
التاريخ: 6-08-2015
847
التاريخ: 20-11-2014
1010
|
الله تعالى خلق العباد مع القدرة والاختيار من غير تفويض وإجبار في أفعالهم الاختياريّة، بمعنى أنّ الله تعالى أوجد العباد على وجه الاعتدال وكونهم قادرين على الفعل والترك على وجه الأمر بين الأمرين بجعلهم قادرين ومختارين بالاختيار المستند إلى اختياره تعالى ، واحتياجهم في اختيارهم ـ حين اختيارهم ـ إليه تعالى ، فهو عادل في إيجادهم كسائر أفعاله تعالى ، فأمرهم في أفعالهم الاختياريّة ليس على وجه الجبر ولا التفويض ، بل يكون الأمر بين الأمرين. وتكون العلّة مركّبة في البين من العلّة البعيدة والقريبة ، بمعنى أنّ إعطاء الأسباب وإبقاءها من الربّ ، ومباشرة العبد بالاختيار المستند إلى اختياره تعالى علّة تامّة لحصول الأفعال الاختياريّة للعباد.
وحيث كان
التركيب اعتباريّا في مقام الفعل التكوينيّ لا التكليفيّ لا يلزم الحلول والاتّحاد
وتعذيب الشريك القويّ للشريك الضعيف ؛ لأنّ التعذيب باعتبار الاختيار والمباشرة ممنوعة
في مقام التكليف ، لا التكوين ، ولا نحو ذلك. وحيث كان العلّيّة في مقام الفعل
بجعل مسبّب الأسباب ، لا يكون كونها ناقصة مستلزما للنقص في الواجب كما لا يخفى ،
فيصحّ كون الأمر بين الأمرين.
اعلم أنّ
في الأفعال الاختياريّة للعباد ثلاثة مذاهب :
الأوّل :
مذهب الأشاعرة ، وهو القول بالجبر.
والثاني : مذهب المعتزلة ، وهو القول بالتفويض.
والثالث :
مذهب الإماميّة ، وهو نفي الجبر والتفويض ، والقول بالأمر بين الأمرين ، وهذا أيضا
مذهب الحكماء على ما حكي عنهم.
فالأشاعرة
يقولون : إنّ فعل العبد ليس باختياره ، بل هو مخلوق لله وحاصل من إرادته بلا واسطة
إرادة العبد ، بل إرادة العبد مقارنة للفعل من غير أن يكون لها مدخليّة في صدوره ،
وتلك المقارنة تسمّى كسبا عندهم ، ويفرّقون بين الاختياريّ والاضطراريّ ـ كحركة
المرتعش ـ بمجرّد المقارنة في الأوّل دون الثاني ، فعلى هذا يكون العبد مجبورا في
أفعاله عندهم ؛ تمسّكا بظاهر قوله تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ
وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] ونحو ذلك.
وفساد هذا
المذهب في غاية الظهور ؛ لاستلزامه كون التكليف عبثا ، بل قبيحا ، وبطلان الثواب
والعقاب ، بل قبح العقاب سيّما عذابه الذي يقول في وصفه في كلامه : {كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:
56] إلى غير ذلك من
الآيات والأخبار ، بل لو كان له شركة ما ، لكان ذلك قبيحا أيضا ؛ لكون ذلك ظلما
وهو تعالى لا يظلم أحدا مثقال ذرّة كما نطقت به الآيات والأخبار ، وانعقد عليه
الإجماع ، وكون الزاني واللائط والسارق والمفسد والمكذّب للرسل وقاتل الأنبياء
والأوصياء والأولياء وغير ذلك من الفواحش والقبائح هو الله ، تعالى عن ذلك علوّا
كبيرا ، فينسدّ إثبات باب النبوّة والشرع.
فإن قلت :
استحالة صدور ما ذكر عنه تعالى بلا واسطة مسلّمة ، وبواسطة الآلة ممنوعة.
قلت :
منشأ الاستحالة إن كان هو القبح العقليّ فهو عامّ مع أنّهم لا يقولون به ، وإن كان
الذات فهو أيضا عامّ ، وإن كان هو العلم بعادة الله ، ففيه أنّه إذا كان عادته
المستمرّة هي الفواحش كالخديعة والكذب ، فكيف يمكن دعوى العلم بخلافه ، وأنّه هو
عادته؟! هذا مضافا إلى أنّه لا شبهة في أنّ الأشاعرة محسّنون ومادحون لمن أحسن
إليهم ، وذامّون لمن أساء بهم ، فإن كان فاعل الإحسان والإساءة هو الله فلا وجه
للذّمّ والتوبيخ والعتاب ، بل لا يقبلون اعتذار فاعل السيّئة بأنّي ما فعلته ،
ولهذا لو سبّ أحد الشيخين ، أو وجد فيه علامة الرافضة يضربونه ، بل يقتلونه
ويأسرونه ويحكمون بكفره وجواز أسره وبيعه وشرائه كسائر الوثاق ، فلو كان فاعل ذلك
هو الله لما كان لذلك وجه.
وبالجملة
، فالمواضع التي لا محيص لهم عن الإنكار في إسناد الفعل إلى العبد ومذمّته أكثر من
أن تحصى ، كمن قصّر في حفظ ماله ، أو أتلفه عبثا ، أو نحو ذلك.
وأيضا
نعلم بالوجدان ـ بل الضرورة والعيان ـ أنّا نقدر أن نضرب أحدا ، وأن لا نضربه ونحو
ذلك بحيث إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل ، وإنكار ذلك تكذيب الوجدان والضرورة.
وبالجملة
، فالقول بالجبر مناف لبعث الرسل وإتمام الحجّة وبسط التكاليف والوعد والوعيد
والمبالغة فيهما وفي التبليغ والاهتمام التامّ في الإرشاد والهداية والموعظة
والنصيحة والجدّ والجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود والقصاص
والديات ونحو ذلك ممّا لا يحصى.
وكذا
البناء على التقصير وعدمه ، والتفرقة بين المعذور وغيره ، والفرق بين العمد
والنسيان ، والخطأ والغفلة ، والغرور والجهل ، والاختيار والاضطرار ونحو ذلك.
وكذا كون
المباشر في أكثر الصور أقوى ، والسبب في بعضها أقوى وأمثاله.
وكذا لا
يكون لقوله تعالى : {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُونَ} [النحل: 118]
وقوله
تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] و {َلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }
[النجم: 39] ونحو ذلك
معنى وهي لكثرتها تأبى عن وصول يد التأويل إليها.
فإن قلت :
قد ورد في الآيات والأخبار ما يقتضي القول بالجبر كالآية المذكورة ونحوها من
الآيات والأخبار والأدعية.
قلت أوّلا
: إنّها لا تدلّ إلاّ على إسناد (1) أفعال العباد إلى الله تعالى في الجملة ، وهي
أعمّ من الاستناد على وجه التأثير بلا واسطة ، والاستناد على وجه التأثير بواسطة ،
والمرجعيّة والمفيد هو الأوّل لا الثاني ، والعامّ لا دلالة له على خصوص بعض
الأفراد.
وثانيا :
إنّها ـ لمعارضتها الأدلّة العقليّة والنقليّة الكثيرة التي لا حصر لها ـ لا بدّ
من تأويلها بخلاف ما ذكرنا ؛ فإنّها ـ مع عدم وجود الداعي على تأويلها ، بل وجود
الداعي على إبقائها على ظواهرها ـ لا يصل إلى أكثرها يد التأويل ، مضافا إلى أنّ
قدرته تعالى عامّة ، فيقدر على خلق مخلوق قادر وإن كان قدرته مستندة إليه تعالى ،
فالمقتضي ـ وهو عموم قدرته ـ موجود ، والمانع مفقود ، فلا بدّ من خلق مخلوق قادر.
فإن قلت :
إنّه تعالى لمّا كان في الأزل عالما بفعل العبد ، فلو كان العبد قادرا بحيث إن شاء
فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، لزم كون علمه تعالى جهلا في صورة عدم الفعل ، فهو المانع
عن كون العبد مختارا.
قلت : هذا
مردود بالنقض والحلّ.
أمّا
النقض فبأفعاله تعالى ؛ لأنّه تعالى عالم بأنّه يفعل في الاستقبال فعلا خاصّا ،
فلو كان في ذلك الفعل عند إيجاده مختارا قادرا على الفعل والترك ، لزم صيرورة علمه
جهلا في صورة الترك ، وكذا العلم الحاصل من عادة الله الذي يستدلّون به ، ولا
يجوّزون التخلّف فيه ، فما هو جوابك فهو جوابنا.
وأمّا
الحلّ فبأنّ علمه تعالى في الأزل حاصل بأنّ المعلوم الفلانيّ فيما لا يزال يتحقّق
، فالعلم يطابق المعلوم ، بمعنى أنّ العبد لمّا يكون فيما لا يزال فاعلا للفعل
الخاصّ بالاختيار ، علم تعالى في الأزل ذلك ، لا أنّه لمّا علمه ، صار كذا ، بل
لمّا كان كذا ، علمه ، مضافا إلى أنّه تعالى يكون في الأزل عالما بفاعليّة الفاعل
واختياره معا ، فلو لم يكن مختارا ، لزم كون علمه تعالى جهلا.
فإن قلت :
لعلّ المانع أمر آخر وهو أنّ فعل العبد إن كان لازم الصدور ، فلا يكون اختياريّا ،
وإن كان ممّا يجوز صدوره وعدمه ، فإن افتقر إلى مرجّح ، فمع المرجّح يعود التقسيم
بأنّه إن كان لازما فاضطراريّ ، وإلاّ احتاج إلى مرجّح آخر ، ولزم التسلسل ، وإن
لم يفتقر إلى مرجّح، بل يصدر منه تارة ولا يصدر أخرى من دون مرجّح في الحالين
وصدور أمر من الفاعل ، فهو اتّفاقي ، فلا يكون اختياريّا أيضا.
قلت : هذا
أيضا مردود بالنقض والحلّ.
أمّا
النقض فبأفعال الواجب.
وأمّا
الحلّ فباختيار الشقّ الثاني من الترديد الأوّل ، والشقّ الأوّل من الترديد
الثاني.
ودفع
الإيراد بأنّ المرجّح هو الإرادة المسبّبة عن وجود المصلحة ونحوها ، وحينئذ يكون
لازما، ولكنّ الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار.
على أنّ
هاتين الشبهتين على تقدير تماميّتهما لا تنفعان الأشاعرة ؛ لأنّ مقتضاهما كون
العبد غير مختار ، لا أنّ فعله فعله تعالى ، وأنّه ليس له فعل.
فإن قلت :
لعلّهم يقولون : للعبد قدرة كاسبة.
قلت : إن
لم يقولوا بتأثيرها فلا فائدة فيها ، وإن قالوا به ، يلزم بطلان مذهبهم ، مع أنّ
الشنائع السابقة بحالها ؛ لأنّه تعالى هو الشريك الأقوى ، بل الفعل فعله تعالى على
سبيل الاختيار لا الاضطرار ؛ إذ بمجرّد كسب العبد لا يصير ملجأ ومضطرّا إلى الفعل
قطعا.
وبالجملة
فما ذكرنا ممّا لا خفاء فيه على العاقل فضلا عن الفاضل.
__________________
(1) في « أ » : « استناد ».
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|