القلب والنواة فى الدولة:

الدول عادة لا توجد فجأة وإنما تنشأ ثم تنمو ببطء؛ لأن عملية النمو تحتاج إلى وقت طويل لتصل حدودها إلى دول أقوى منها فيتوقف بذلك نموها وتأخذ الشكل والحجم الذى استطاعت الوصول إليه.

وبعض الدول نمت وتوسعت ثم وقف نموها لا لضعف منها الحصول على الأراضي ولكن لرغبتها فى عدم ادخال أقليات كبيرة إلى جسم الدولة، كما أن هناك بعض الدول التى لم تنشأ نتيجة لرغبة من سكانها وإنما نتيجة لرغبة الدول العظمى التى تهدف لتفكيك دولة من الدول كما هو الحال بالنسبة لتمزيق تركيا بعد الحرب العالمية الأولى أو لتقسيم كل من كوريا وفيتنام إلى دولتين، ولذلك تختلف أحجام وأشكال الدول، وكذلك بالنسبة للدول التى انفصلت عن الاتحاد السوفيتي، والدول التى ترتبت على تفكك يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا.

ومعظم الدول فى نشأتها بدأت فى أول أمرها من منطقة صغيرة تعرف (بالنواة) ومن هذه النواة بدأت تنطلق فى جميع الاتجاهات، ولكن بعض الدول لم تبدأ بالنواة مثل بلجيكا وهولندا، وألمانيا فى أوربا، فقد نشأت هذه الدول نتيجة الرغبة فى التوازن بين الدول الأوربية.

وتتميز منطقة النواة عادة عن بقية أجزاء الدولة بكثافة سكانها ووفرة إنتاجها وخصوبة أراضيها وموقعها الجغرافي المتميز وسهولة مواصلاتها. وبتطور منطقة النواة تزدهر ويكثر عدد سكانها فتتحول إلى منطقة صناعية، فيؤدى ذلك بالتالي إلى النمو والازدهار مما يدفع الكثير من السكان إلى ترك قراهم والانتقال إلى منطقة النواة للعيش فى مجتمع صناعي متقدم. وعندما تصبح المنطقة غير قادرة على تحقيق رغبات السكان المتزايدة فإنها تتجه إلى المناطق المجاورة للحصول على المواد الخام والأيدي العاملة وتفتح أسواقا جديدة لمنتجاتها وبذلك يبدأ التوسع نحو المناطق المحيطة بمنطقة النواة، وقد تسعى المناطق الفقيرة للارتباط بمنطقة النواة للاستفادة من إمكاناتها كما حدث في كل من بولندا وسويسرا والولايات المتحدة.

ويعد راتزل أول من تناول منطقة النواة فى الجغرافية السياسية حيث ذكر أن كل دولة تبدأ من خلية أرضية تنمو حولها بما يضاف إليها من سكان وأراض لتصبح دولة، وتقع العاصمة عادة فى منطقة النواة كما فى مصر حيث توجد القاهرة فى منطقة النواة التى تعد القاهرة الكبرى، ومدينة باريس حيث إقليم باريس الذى هو منطقة النواة بالنسبة لفرنسا، وحوض التايمز فى المملكة المتحدة حيث توجد لندن العاصمة .

وتختلف معايير تحديد منطقة النواة من دولة لأخرى، ولذلك يصعب وضع معايير تنطبق على كل دولة فلكل دولة ظروفها الخاصة، وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تضم النواة المدن الكبرى الواقعة على الساحل الشرقي للدولة والمناطق الصناعية المجاورة لها كما يضم أكبر شبكات النقل.

ونظرا لوقوع العاصمة عادة فى منطقة النواة فإنها بذلك تصبح مركزا للحكومة المركزية حيث تؤخذ القرارات المتعلقة بالدولة سواء ما يتعلق منها بالداخل أو ما يتعلق بالدولة على المستوى العالمي، ورغم ذلك فإن بعض النويات قد لا تضم العاصمة مثل برازيليا التى تبعد عن النواة.

ومنطقة النواة قد تنتقل من منطقة إلى أخرى، ورغم ذلك تبقى مناطق نواة مركزية وأخرى ثانوية كما فى فرنسا وروسيا وبولندا ، ففي نيجيريا ثلاث نويات فى جنوبها الشرقي وجنوبها الغربي وشمالها، وفى الولايات المتحدة نويتان، إحداهما الأساسية على الساحل الشرقي والأخرى على الساحل الغربي، وفى مصر توجد نواة واحدة أساسية هى القاهرة الكبرى .

وهناك بعض الدول التى نشأت فجأة دون أن تكون لها نواة حقيقية مثل الباكستان، ومثل الدول التى نشأت نتيجة انقسام أو انشطار دولة أصلية، مثل انقسام ألمانيا أو كوريا، وهناك بعض الدول لم تتح لها فرصة الانتشار والتمدد فاستمرت على حالها فى حدود منطقة النواة مثل المجر وهايتي. و بعض الدول التى تأثرت بالاستعمار تقع مناطق النواة فيها على السواحل ومنها انتشرت إلى الداخل.