المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

مشاكل التجارة الخارجية في الدول النامية والمتخلفة
10-5-2016
الكفاح
7-11-2017
ملف حارف deflecting coil
2-8-2018
Sound change in progress
2024-04-20
تكوين علائق دجاج اللحم
19-4-2016
البنوة الناجحة في مراعاة حقوق الوالدين
12-1-2016


العقول المجرّدة  
  
2442   10:52 صباحاً   التاريخ: 1-07-2015
المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار)
الكتاب أو المصدر : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة
الجزء والصفحة : ص333-342/ج1
القسم : العقائد الاسلامية / مقالات عقائدية /

الموضوع : العقول المجرّدة.

المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار).

الكتاب : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة.ص333-342/ج1.

________________________________________________

 قال : ( ... في الجواهر المجرّدة.  أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ).

أقول : في العقول المجرّدة.

اعلم أنّ جماعة من المتكلّمين نفوا هذه الجواهر ، واحتجّوا بأنّه لو كان هاهنا موجود ليس بجسم ولا جسماني لكان مشاركا لواجب الوجود في هذا الوصف ، فيكون مشاركا له في ذاته (1).

وهذا كلام سخيف ؛ لأنّ الاشتراك في الصفات السلبيّة لا يقتضي الاشتراك في الذات ؛ فإنّ كلّ بسيطين يشتركان في سلب ما عداهما عنهما مع انتفاء الشركة بينهما في الذات. بل الاشتراك في الصفات الثبوتيّة لا يقتضي اشتراك الذوات ؛ لأنّ الأشياء المختلفة قد يلزمها لازم واحد كالشمس والنار والحركة بالنسبة إلى الحرارة ، فإذا ثبت ذلك لم يلزم من كون هذه الجواهر المجرّدة مشاركة للواجب تعالى في وصف التجرّد ـ وهو سلبيّ ـ مشاركتها له في الحقيقة ، فلهذا لم يجزم المصنّف بنفي هذه الجواهر المجرّدة.

قال : ( وأدلّة وجوده مدخولة كقولهم : « الواحد لا يصدر عنه أمران » ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده ، وإلاّ لما انتفت صلاحية التأثير عنه ؛ لأنّ المؤثّر هنا مختار ).

أقول : لمّا بيّن انتفاء الجزم بعدم الجوهر المجرّد الذي هو العقل ، شرع في بيان انتفاء الجزم بثبوته ، وذلك ببيان ضعف أدلّة المثبتين.

اعلم أنّ أكثر الفلاسفة (2) ذهبوا إلى أنّ المعلول الأوّل هو العقل الأوّل ، وهو موجود مجرّد عن الأجسام والموادّ في ذاته وتأثيره معا ، ثمّ إنّ ذلك العقل يصدر منه عقل وفلك ؛ لتكثّره باعتبار كثرة الجهات الحاصلة عن ذاته باعتبار التجرّد والإمكان الموجب إلى افتقاره إلى فاعله، فباعتبار التجرّد يؤثّر في العقل الثاني ، وباعتبار الإمكان [ يؤثّر ] في الفلك الأعظم ، ثمّ يصدر عن العقل الثاني عقل ثالث وفلك ثان ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى العقل الأخير ، وهو المسمّى بالعقل الفعّال والعقل العاشر ، وإلى الفلك الأخير التاسع وهو فلك القمر ، فيكون تعيين العدد بملاحظة الأفلاك التي هي من الآثار.

واستدلّوا على إثبات الجواهر المجرّدة ـ التي هي العقول ـ بوجوه (3) :

الأوّل : أنّ الله تعالى واحد من جميع الجهات ذاتا وصفة ، فلا يكون علّة للمتكثّر ، فيكون الصادر عنه واحدا ، فلا يخلو إمّا أن يكون جسما أو مادّة أو صورة أو نفسا أو عرضا أو عقلا، والأقسام كلّها باطلة سوى الأخير.

أمّا الأوّل : فلأنّ كل جسم مركّب من المادّة والصورة ، وقد بيّنّا أنّ المعلول الأوّل يكون واحدا.

وإلى هذا القسم أشار بقوله : « الواحد لا يصدر عنه أمران ».

وامّا الثاني : فلأنّ المادّة هي الجوهر القابل ، فلا تصلح للفاعليّة ؛ لأنّ نسبة القبول نسبة الإمكان، ونسبة الفاعليّة نسبة الوجوب ، ويستحيل أن تكون نسبة الشيء الواحد إلى الواحد نسبة إمكان ووجوب. وإذا لم تصلح المادّة للفاعليّة لم تكن هي المعلول الأوّل والسابق على غيره ؛ لأنّ المعلول الأوّل يجب أن يكون علّة فاعليّة لما بعده.

وإلى هذا القسم أشار بقوله : « وإلاّ لما انتفت صلاحية التأثير عنه » أي لا يكون المعلول الأوّل هو المادّة التي لا تصلح أن تكون فاعلا ، وإلاّ لم تكن سابقة على غيرها ؛ لعدم صلاحية الفاعليّة ، فلم تكن هي المعلول الأوّل ؛ لما بيّنّا أنّ المعلول سابق على غيره من المعلولات.

وأمّا الثالث : فلأنّ الصورة مفتقرة في فاعليّتها وتأثيرها إلى المادّة ؛ لأنّها إنّما تؤثّر إذا كانت موجودة شخصيّة ، وإنّما تكون كذلك إذا كانت مقارنة للمادّة ، فلو كانت الصورة هي المعلول الأوّل السابق على غيره ، لكانت مستغنية علّيّتها عن المادّة ، وهو محال.

فالحاصل : أنّ الصورة محتاجة في وجودها الشخصي إلى المادّة ، فلا تكون سابقة عليها وعلى غيرها من الممكنات ؛ لاستحالة اشتراط السابق باللواحق.

وإلى هذا أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط » أي الصورة المشروطة « باللاحق » أي بالمادّة « في وجوده ».

وأمّا الرابع : فلأنّ النفس إنّما تفعل بواسطة البدن ، فلو كانت هي المعلول الأوّل لكانت علّة لما بعدها من الأجسام فتكون مستغنية في فعلها عن البدن ، فلا تكون نفسا بل عقلا ، وهو محال ؛ لأنّها مشروط تأثيرها بالأجسام ، فلو كانت سابقة عليها لكان السابق مشروطا باللاحق في تأثيره المستند إليه ، وهو محال ؛ لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه.

وإلى هذا أيضا أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط » أي النفس المشروطة « باللاحق » أي الجسم « في تأثيره ».

وأمّا الخامس : فلأنّ العرض محتاج في وجوده إلى الجوهر ، فلو كان المعلول الأوّل عرضا لكان علّة للجواهر كلّها ، فيكون السابق مشروطا في وجوده باللاحق ، وهو باطل بالضرورة.

وإليه أشار بقوله : « ولا سبق لمشروط باللاحق في وجوده ».

فالحاصل : أنّ الصورة والعرض مشروطان بالمادّة والجوهر ، فلا يكونان سابقين عليهما. والنفس إنّما تؤثّر بواسطة الجسم ، فلا تكون متقدّمة عليه تقدّم العلّة على المعلول ، وإلاّ لاستغنت في تأثيرها عنه. فتعيّن أن يكون المعلول الأوّل هو العقل ، وهو المطلوب.

إذا عرفت هذا الدليل ، فنقول ـ بعد تسليم أصوله ـ : إنّه إنّما يتمّ لو كان المؤثّر موجبا ، أمّا إذا كان مختارا فلا ؛ فإنّ المختار تتعدّد آثاره وأفعاله بتعدّد إرادته أو تعلّقاتها أو تعدّد متعلّقها كما ورد أنّه تعالى « خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها » (4). وسيأتي الدليل على أنّه مختار.

قال : ( وقولهم : استدارة الحركة توجب الإرادة المستلزمة للتشبّه بالكامل ؛ إذ طلب الحاصل فعلا أو قوّة يوجب الانقطاع ، وغير الممكن محال ؛ لتوقّفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه ، وعلى حصر أقسام الطلب ، مع المنازعة في امتناع طلب المحال ).

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه التي استدلّوا بها على إثبات العقول المجرّدة مع الجواب عنه.

وتقرير الدليل : أن نقول : حركات السماوات إراديّة ؛ لأنّها مستديرة ، لأنّ الحركة إمّا طبيعيّة أو قسريّة ، والمستديرة لا تكون طبيعيّة ؛ لأنّ المطلوب بالطبع لا يكون متروكا بالطبع ، وكلّ جزء من المسافة في الحركة المستديرة فإنّ تركه بعينه هو التوجّه إليه ، وإذا انتفت الطبيعيّة انتفت القسريّة ؛ لأنّ القسر على خلاف الطبع ، وحيث لا طبع فلا قسر ، فثبت أنّها إراديّة. وكلّ حركة إراديّة فإنّها تستدعي مطلوبا ؛ لأنّ العبث لا يدوم ، وذلك المطلوب يجب أن يستكمل الطالب به ، وإلاّ لم يتوجّه بالطلب نحوه.

وذلك المطلوب إمّا محسوس أو معقول ، لا سبيل إلى الأوّل ؛ لأنّ طلب المحسوس إمّا أن يكون للجذب أو للدفع ، وجذب الملائم شهوة ودفع المنافر غضب ، وهما على الفلك محالان ؛ لأنّهما مختصّان بالجسم الذي ينفعل ويتغيّر من حالة ملائمة إلى غيرها وبالعكس ، والأجرام السماويّة لا تنخرق ولا تلتئم ولا تتغيّر من حالة إلى أخرى ، فتعيّن أن يكون ذلك المطلوب معقولا.

وذلك المعقول إمّا محال أو ممكن حاصل ، أو ممكن الحصول الذي لا ينال أصلا ، وهو المراد من الحاصل قوّة ، أو ينال مستقرّا أو متعاقبا مع الانتهاء أو بدون الانتهاء ، وطلب المحال محال، وطلب ما ينال يوجب انقطاع الحركة ، وكذا ما لا ينال ؛ لحصول اليأس ، وكذا ما ينال مستقرّا أو متعاقبا مع الانتهاء ، كما سيأتي ، فتعيّن الأخير ، فإمّا أن يكون ذلك المطلوب كمالا في نفسه أو لا. والثاني محال ، وإلاّ لجاز انقطاع الحركة ؛ لأنّه لا بدّ وأن يظهر أنّ المطلوب ليس بكمال في ذاته فيترك الطلب ، وإذا كان المطلوب كمالا حقيقيّا فإمّا أن يحصل بالكلّيّة ، وهو محال ، وإلاّ لوقفت الحركة كما مرّ ، فيجب أن يحصل على التعاقب.

ولمّا كانت كمالات الفلك حاضرة بأسرها سوى الوضع ؛ لأنّه كامل في جوهره ،

 

وباقي مقولاته غير الوضع ؛ فإنّ أوضاعه الممكنة ليست حاضرة بأسرها ؛ إذ لا وضع يحصل له إلاّ وهناك أوضاع لا نهاية لها معدومة عنه ، ولا يمكن حصولها دفعة ، فهي إنّما تحصل على التعاقب.

ثمّ إنّ الفلك لمّا تصوّر كمال العقل وأنّه لم يبق فيه شيء بالقوّة إلاّ وقد خرج إلى الفعل ، اشتاق إلى التشبّه به في ذلك ؛ ليستخرج باقيه من القوّة إلى الفعل ، ولمّا تعذّر ذلك دفعة استخرج كماله في أوضاعه على التعاقب.

فقد ظهر من هذا وجود عقل يتشبّه به الفلك في حركته ، فإن كان واحدا لزم تشابه الحركات الفلكيّة في الجهات والسرعة والبطء ، وليس كذلك ، فيجب وجود عقول متكثّرة بحسب تكثّر الحركات في الجهة والسرعة والبطء.

لا يقال : لم لا يتحرّك لأجل نفع السافل؟ أو لم لا تختلف السرعة والبطء والجهة كذلك؟

لأنّا نقول : الفلكيّات أشرف من هذا العالم ، ويستحيل أن يفعل العالي شيئا لأجل السافل ، وإلاّ لكان مستكملا به ، فالكامل مستكمل بالناقص ، وهذا خلف ، فلا يمكن أن تكون الحركة في أصلها ولا في هيئتها لأجل نفع السافل.

وبالجملة ، فهذا تقرير الدليل.

والجواب : أنّ هذا مبنيّ على دوام الحركة ، وقد بيّنّا حدوث العالم فيجب انقطاعها ، فبطل هذا الدليل من أصله.

وأيضا فهذا الدليل يتوقّف على حصر أقسام الطلب ، والأقسام التي ذكروها ليست حاصرة ؛ لاحتمال كون طلب المحسوس لمعرفته أو نحوها.

سلّمنا ، لكن لم لا يجوز أن يكون الطلب لما يستحيل حصوله أو لما هو حاصل ولا شعور للطالب بذلك ، ويمنع وجوب الشعور بذلك؟

ثمّ نقول : لا نسلّم أنّ الحركة الفلكيّة دوريّة فلم لا يتحرّك على الاستقامة؟

سلّمنا أنّها دوريّة ، لكنّ الحركة ليست مقصودة بالذات بل إنّها تراد لغيرها ،

 

فلم حصرتم ذلك الغير في استخراج الأوضاع؟ ولم لا يجوز أن يكون للفلك كمالات غير الأوضاع معدومة كالتعقّلات المتجدّدة؟

وأيضا فلم أوجبتم الحركة في الوضع للتشبيه باستخراج أنواع الأوضاع ، ولم توجبوا استخراج باقي الأعراض من الكمّ والكيف؟ ولم أوجبتم وجود عقل يشبّه به الفلك ولم توجبوا وجود نور غيره؟ ولم لا يقال : إنّ خروج الأوضاع كمال مفقود ، فيتحرّك لطلبه من غير حاجة إلى متشبّه به؟

سلّمنا ، لكن لم أحلتم نفع السافل؟ وحديث الاستفادة ـ مع أنّه خطابيّ ـ غير لازم.

وبالجملة ، فهذا الوجه ضعيف جدّا.

إذا عرفت هذا ، فنرجع إلى تطبيق ألفاظ الكتاب :

فقوله : « وقولهم » يقرأ بالجرّ عطفا على قوله : « قولهم » في قوله : « كقولهم ».

وقوله : « استدارة الحركة توجب الإرادة » إشارة إلى ما نقلناه عنهم من أنّ الحركة المستديرة لا تكون إلاّ إذا أراد بها شيئا.

وقوله : « المستلزمة للتشبّه بالكامل » إشارة إلى أنّ الغاية من الحركة ليس كمالا لا يحصل دفعة ولا ممتنع الحصول ، بل هو التشبّه الحاصل على التعاقب.

وقوله : « إذ طلب الحاصل فعلا أو قوّة يوجب الانقطاع » إشارة إلى أنّ ذلك الكمال ليس حاصلا بالفعل وإلاّ لوقفت الحركة ، ولا بالقوّة التي يمكن حصولها دفعة أو نحو ذلك ؛ لذلك أيضا.

وقوله : « وغير الممكن محال » إشارة إلى أنّ الكمال إذا امتنع استحال طلبه.

وقوله : « لتوقّفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه » إشارة إلى بيان ضعف هذا الدليل ؛ فإنّه مبنيّ على دوام الحركة ، وقد بيّنّا وجوب انقطاعها حيث بيّنّا حدوثها.

وقوله : « على حصر أقسام الطلب » عطف على قوله : « على دوام » وإشارة إلى اعتراض ثان ، وهو أن نمنع حصر أقسام الطلب فيما ذكر.

وقوله : « مع المنازعة في امتناع طلب المحال » إشارة إلى اعتراض آخر ، وهو أنّا نمنع استحالة طلب المحال بجواز الجهل على الطالب.

قال : ( وقولهم (5) : لا علّيّة بين المتضايفين ، وإلاّ لأمكن الممتنع وعلّل الأقوى بالأضعف ؛ لمنع الامتناع الذاتي ).

أقول : هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استدلّوا بها على إثبات العقول.

وتقريره أن يقال : إنّ الأفلاك ممكنة فلها علّة ، فهي إن كانت غير جسم ولا جسمانيّ ثبت المطلوب.

وإن كانت العلّة أمرا جسمانيّا لزم الدور ؛ لتوقّفه على الجسم المتوقّف على علّة الأفلاك.

وإن كانت جسما ، فإمّا أن يكون الحاوي علّة للمحويّ أو بالعكس ، والثاني محال ؛ لأنّ المحويّ أضعف من الحاوي ، فلو كان علّة لزم تعليل الأقوى ـ الذي هو الحاوي ـ بالأضعف الذي هو المحويّ ، وهو محال. والأوّل ـ وهو أن يكون الحاوي علّة في المحويّ ـ محال أيضا.

وبيانه يتوقّف على مقدّمات :

إحداها : أنّ الجسم لا يكون علّة إلاّ بعد صيرورته شخصا معيّنا ، وهو ظاهر ؛ لأنّه إنّما يؤثّر إذا صار موجودا بالفعل ولا وجود لغير الشخص.

الثانية : أنّ المعلول حال فرض العلّة ووجوبها (6).

الثالثة : أنّ الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان.

إذا عرفت هذا ، فنقول : لو كان الحاوي علّة للمحويّ لكان متقدّما بشخصه المعيّن على وجود المحويّ ، فيكون المحويّ حينئذ ممكنا ، فيكون انتفاء الخلاء ممكنا ؛ لأنّه مصاحب لوجود المحويّ ، لكنّ الخلاء ممتنع لذاته.

والجواب ـ بعد تسليم امتناع الخلاء ـ : أنّا لا نسلّم كون الامتناع ذاتيّا.

إذا عرفت هذا ، فنرجع إلى تطبيق ألفاظ الكتاب ، فنقول :

قوله : « لا علّيّة بين المتضايفين » الذي يفهم من هذا الكلام أنّه لا علّيّة بين الحاوي والمحويّ، وسمّاهما المتضايفين ؛ لأنّه أخذهما من حيث هما حاو ومحويّ ، وهذان الوصفان من باب المضاف.

وقوله : « وإلاّ لأمكن الممتنع » إشارة إلى ما مرّ من إمكان الخلاء الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علّة.

وقوله : « أو علّل الأقوى بالأضعف » إشارة إلى ما بيّنّاه من كون الضعيف علّة في القويّ على تقدير كون المحويّ علّة للحاوي.

وقوله : « لمنع الامتناع الذاتي » إشارة إلى ما بيّنّاه في الجواب من المنع من كون الخلاء  ممتنعا لذاته.

واعلم أنّ بعض (7) أهل الإشراق استدلّ بالبرهان الأشرف على ثبوت العقل ، وهو أنّ الواجب تعالى أشرف العلل ، فيجب أن يكون معلوله أشرف المعلولات بكونه مجرّدا عن المادّة ، وصاحب الكمالات الفعليّة من غير أن يكون فيه القوّة ، وعدم اشتماله على جهة النقص إلاّ نقص الإمكان والحدوث والحاجة ، فيكون بالفعل صاحب نحو العلم والقدرة من الكمالات الذاتيّة، وهو المراد بالعقل كما ورد في النقل « أنّ أوّل ما خلق الله العقل » (8) ويطابقه العقل؛ لأنّ المقتضي ـ وهو المبدأ الفيّاض ـ موجود ، والمانع مفقود.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ عدم الإرادة مانع ، مضافا إلى إمكان أن يقال : إنّ أوّل ما خلق الله هو النور الأحمدي صلى الله عليه وآله ، لا العقل ، كما يستفاد من النقل ، كقوله صلى الله عليه وآله: « أوّل ما خلق الله نوري » (9) لإمكان الجمع بإرجاع العقل إلى النقل لتكاثره البالغ إلى حدّ القطع ظاهرا ، فلا بدّ من التخصيص الموضوعي ؛ حذرا عن الاجتهاد في مقابل النصّ فإنّ المراد من العقل هو النور المحمّدي صلى الله عليه وآله الاتّفاق وإلاّ فمجال المنع واسع.

__________________

(1) انظر : « المحصّل » : 230 ـ 231 ؛ « المطالب العالية » 7 : 25 ـ 28 ، وقد نسبه في الأوّل إلى جمهور المتكلّمين ، وفي الثاني إلى أكثر المتكلّمين. ولمزيد المعرفة راجع « شرح المواقف » 6 : 272 ـ 277 و 7 : 247 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 141 ـ 144 و 3 : 5 ـ 8.

(2) انظر : « الشفاء » الإلهيات : 402 ـ 409 ؛ « النجاة » : 273 ـ 280 ؛ « المعتبر في الحكمة » 3 : 145 ـ 168 ؛ « المباحث المشرقية » 2 : 453 ـ 463 ، و 526 ـ 535 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » 3 : 243 ـ 263 ؛ « شرح الهداية الأثيرية » للميبدي : 182 ـ 193.

(3) انظر : المصادر السابقة في الهامش المتقدّم.

(4) « التوحيد » : 148 / 19 باب صفات الذات وصفات الأفعال ، و 339 / 8 باب المشيئة والإرادة.

 

(5) لفظة « وقولهم » ساقطة من بعض نسخ « التجريد » ، والظاهر أنّها من سهو النسّاخ ، ويؤيّد ذلك أنّ الشارح ; قد أسقطها عند تطبيق ألفاظ الكتاب ، كما سيأتي في الصفحة 341.

(6) كذا في الأصل ، والعبارة ـ كما يبدو ـ ناقصة. وفي « كشف المراد » : 181 هكذا وردت: « الثانية : أنّ المعلول حال فرض وجود العلّة يكون ممكنا ، وإنّما يلحقه الوجوب بعد وجود العلّة ووجوبها ».

(7) هذا البعض هو صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي ، انظر كتابه « الأسفار الأربعة » 7 : 263.

(8) « عوالي اللآلئ » 4 : 99 / 141 ؛ « مكارم الأخلاق » 2 : 332 / 2656.

(1) « عوالي اللآلئ » 4 : 99 / 140 ؛ « بحار الأنوار » 15 : 24 / 44 ، و 25 : 22 / 38.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.