المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

المستنقعات Bogs
2024-08-13
Chemical Shift
11-8-2018
الإنتاج وإشكالية المصطلح
28-5-2022
Optical Kerr Effect
23-1-2021
أهم الآثار البيئية لظاهرة الاحتباس الحراري- التأثير على الزراعية
4/9/2022
منهج الثقلين
2023-08-28


الطفل بين التوجيه الأسري والتوجيه التلفزيوني  
  
2552   11:31 صباحاً   التاريخ: 4-12-2021
المؤلف : الاستاذ فاضل الكعبي
الكتاب أو المصدر : الطفل بين التربية والثقافة
الجزء والصفحة : ص91 ـ 101
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-9-2020 2373
التاريخ: 19-4-2022 1737
التاريخ: 14/12/2022 1160
التاريخ: 18-1-2016 2327

إزاء هذا التشابك الـقـيمي، والصراع الفكري، وهذا الاختلال الحاصل لثوابت التوجيه وضوابطه القيمية داخل الأسرة العربية نتيجة البث التلفزيوني المفتوح أصبحت هناك أكثر من مشكلة، وأكثر من مجابهة بين الأسرة والتلفزيون، وبين القيم المحافظة والقيم المفتوحة، يرجع سببها الأساس في عدم السيطرة على أوجه التوجيه، بعد سيطرة التلفزيون على عقل الطفل واهتمامه، فقد غير التلفزيون من وظائف الأسرة وبيئتها، واحدث اختلالات على مستوى السلطة داخلها، وجعل من مفهوم الصراع بين الأجيال مفهوماً يتخذ عدة أبعاد وجبهات، وأدخل قيمها في صراع مع تلك القيم التي يستمدها الطفل من برامجه خاصة تلك التي تنتمي لمجتمعات بعيدة عن مجتمعه، وقلص من العلاقات العائلية والعلاقات مع الأقارب وقضى على العديد من العادات العائلية والتقاليد الأسرية التي كان الأطفال يحتفون بها قبل مجيء التلفزيون وشيوع مفاهيمه الخاصة في المجتمع ..

وبذلك تصبح هناك خشية من ان يحل التلفزيون محل الأب في التوجيه والإرشاد، وذلك لتأثيره الكبير على وعي الطفل وحواسه وسلوكه وأنماطه التفكيرية والثقافية.. ويقف الآباء إزاء ذلك في حيرة كبيرة بين أنماطهم التقليدية في التوجيه والتربية المستمدة من أصالة الهوية الثقافية والحضارية وسماتها الدينية والاجتماعية والثقافية وبين التوجيه والإرشاد الغريب عن ذلك والمتناقض معه، والذي تقوم به البرامج التلفزيونية الوافدة دون قيود عبر الفضاء.. وأمام هذه الحالة يفقد الطفل السيطرة على مكامن التوجيه الصحيح في سلوكه لحيرته بين التوجيهين المتضادين، بين توجيه الأسرة وتوجيه التلفزيون، لذلك (بدأ طفل اليوم يفقد الكثير الضروري لتكوين الرؤية السليمة لكل ما يحيط به من مواقف وقيم واتجاهات ومعايير معقدة وغريبة بل ومتناقضة أحيانا، الأمر الذي جعله يفتقر إلى إمكانات احتواء عناصر التوافق الاجتماعي المطلوب، كما بدأ الآباء والأمهات يستصرخون ضمير العلماء والمصلحين ورجال القانون والدين لمساعدتهم على مواجهة آثار خيبتهم مما يعانيه أبناؤهم من قلق وضياع ورفض وتمرد)(۱) نتيجة متاهتهم بين التوجيه الأسري والتوجيه التلفزيوني خاصة في بثه المفتوح على مصراعيه عبر القنوات الفضائية العالمية التي يغلب على برامجها في التوجيه والتنشئة طابع الإثارة الذي يسعى إلى إثارة غرائز الأطفال وإشباع رغباتهم بالتسلية الفارغة والمتعة المصورة والحركة المثيرة وغير ذلك مما تبثه هذه القنوات في برامجها ..

وإذا كانت وسائل الإعلام، وعلى رأسها التلفزيون تؤلف قوة مهمة وفعالة ومؤثرة في المجتمع الحديث، بفضل ما تقدمه لنا من معلومات، وما توفره من أسباب الترفيه والتوجيه، فأنها بذلك قد احتلت مكان الوالدين والمدرسين في التربية، ونقل المعلومات والمعرفة إلى الأفراد، وهكذا يمكن للتلفزيون ان يبث ما يشاء من القيم العدوانية والاستهلاكية وتحقير الذات والسلوكيات الشاذة التي لا تمت لقيم المجتمع بصلة، دون مقاومة كبيرة من طرف الفاعلين التربويين والآباء داخل الأسرة بالأساس، فالقدوة التي كان الآباء يمثلونها في التوجيه التربوي السليم تأسيساً على الهوية الحضارية العربية الإسلامية، قد تضاءلت (نجوميتها) واصبح البطل والمذيع ولاعب كرة القدم وغيرهم كثر هم القدوة(2).

ان اختيار القدوة والتشبه بها بين الأب وأبطال التلفزيون والامتثال لتوجيهات هذه القدوة أينما كانت، أصبحت من المشكلات الكبيرة التي تحير الآباء وتقلق العلماء والمربين، ليس في المجتمعات العربية والإسلامية فحسب، إنما في أغلب المجتمعات العالمية، مما دعا هؤلاء العلماء إلى إجراء العديد من الدراسات والبحوث التي تناقش هذه القضية من كل جوانبها وتضع لها الحلول المناسبة..

ففي دراسة قام بها العالم (جيمس هالوران) أظهر: (ان ٩٧٪ من الأطفال في سن الحادية عشرة الذين شملتهم الدراسة، أعلنوا ثقتهم في التلفزيون كمصدر إعلامي توجيهي أكثر من ثقتهم بأي مصدر آخر)(3).

وفي بحث آخر قام به الباحث المغربي عبد الرحمن الغريب حول الأحداث الجانحين بالمغرب وعلاقتهم بالبرامج التلفزيونية، اختلف الأمر بالنسبة كمصدر الثقة، حيث أكد الباحث على ان نتائج بحثه أظهرت نسبة كبيرة من وحدات العينة جواباً على السؤال نفسه، بأن ثقتهم بوالديهم أكثر من التلفزيون، وقد يرجع هذا الاستنتاج إلى الاختلاف في طبيعة المجتمع ومدى تماسك أعضائه والتقاليد والمعتقد الديني الذي يؤمن به)(4).

لذلك تبرز في هذا الاتجاه في المجتمعات العربية حالة ايجابية متقدمة، تعبر عن قوة التماسك الاجتماعي داخل الأسرة وداخل المجتمع، تبعاً لتقاليد هذه المجتمعات وإيمانها العميق بالتعاليم الإسلامية التي تشدد على ضرورة وحدة العائلة وقيمها من خلال احترام الأبوة والأمومة والأخوة وصلة الرحم، إضافة إلى احترام الجيرة وإطاعة الكبير من قبل الصغير وعطف الكبير على الصغير وغير ذلك الكثير من القيم والمثل والتعاليم التي سنتها الشريعة الإسلامية السمحاء، الداعية إلى الترابط الأسري وإلى تعميق دعائمه داخل المجتمع.. وهذه العوامل هي التي ميزت المجتمعات العربية والإسلامية عن غيرها من المجتمعات بخاصية الترابط الأسري على الرغم من النفوذ القوي لتأثيرات التلفزيون في قطاعات واسعة من المجتمع.. فليس غريباً ان تظهر نتائج الدراسة الثانية للمجتمع المغربي – وهو نموذج للمجتمع العربي الإسلامي - لتؤكد ان النسبة الأكبر من أطفال العينة – وهم اطفال المجتمع ـ ما زالت تضع ثقتها بالوالدين أكثر من التلفزيون.. أما الدراسة الأولى للباحث الأجنبي - وهو نموذج للمجتمعات الغربية – بنتائجها الخطيرة التي أظهرت ان (۹۷%) من الأطفال تضع ثقتها بالتلفزيون أكثر من أي مصدر آخر.. فهي دليل على فقدان وحدة العائلة وعدم تقيد المجتمعات الغربية بأصول الترابط الأسري والتماسك الاجتماعي وغياب سلطة الأبوة وقيمتها العليا بالنسبة للابن، وتحرر هذا الابن نوعاً ما من هذه السلطة، كلها عوامل أساسية رجحت الثقة بالتلفزيون أكثر من غيره، في المجتمعات الغربية على عكس حال الابن في المجتمعات العربية الإسلامية..

من هنا يأتي التأكيد على أهمية وحدة العائلة والحفاظ على قيم الترابط الأسري مقابل أخطار التلفزيون وتوجهاته السلبية، وأهمية الحذر والتنبه لتحدياته الراهنة والمستقبلية لقيم الأسرة واختراقها في المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة الحذر من (منزلقات) الإنتاج التلفزيوني الوافد، وما يحمله من توجهات غربية لا تتناسب وطبيعة أطفالنا وقيمهم التي نشأوا عليها وتربوا على هديها..

ومع وجود ثقة الأطفال العالية بـوالـديـهـم أكثر من الـتـلـفـزيـون في مجتمعاتنا ، ومع وجود قيم الترابط الأسري والاجتماعي ووحدة العائلة، وقوة تأثيرها وسلطتها على الأطفال تبعاً لقيم وتقاليد المجتمعات العربية والإسلامية، إلا ان ذلك - على مرور الزمن - لا يمنع من الإصابة بالعدوى من أمراض التلفزيون، خاصة في بثه الفضائي المفتوح المتواصل ليل نهار، وعلى كافة الاتجاهات، ولربما ذلك لا يجعلنا بمأمن عن أخطار التلفزيون القادمة، ولربما تكون تقنياته الأكثر تطوراً في المستقبل تجبر أطفالنا على تقليد أطفال الغرب، مثلما يحصل الآن في بعض مناطق المجتمعات العربية والإسلامية التي وقعت تحت تأثير الثقافات الوافدة.. فهناك نسبة كبيرة من أطفالنا راحوا يقلدون أبطال الغرب الذين يقدمهم التلفزيون، ويتصرفون على وفق (تقليعاتهم) في التصرف والملبس ومستوى التفكير وغير ذلك الكثير الذي ينذر باستفحال تأثيرات التلفزيون السلبية على أنماط السلوك والوعي والثقافة..

إضافة إلى ذلك فما زال تخوف الأسرة من سيطرة التلفزيون على عقل الطفل وثقافته وتحكمه بسلوكه، آخذاً بالاتساع ويثير القلق والمخاوف الكبيرة لدى هذه الأسرة، فقد لعب التلفزيون بقنواته الفضائية المتعددة دوراً كبيراً باختراق الجو الأسري ونظامه، وبات – في برامجه السلبية وأفكاره المغايرة – يشكل خطراً واضحا على تقاليد هذا الجو الأسري ونظامه وقيمه وأعرافه المستمدة من رسوخ ثقافة مجتمعة وأصالته الحضارية، إذ أصبحت هذه الأسر - خاصة الأسر الفقيرة - تواجه أكثر من مشكلة، وعلى أكثر من جانب في الحياة العامة، إضافة إلى المشاكل السابقة التي واجهتها في الجوانب التربوية والسلوكية والثقافية جراء سيطرة التلفزيون وتأثيراته السلبية على أطفال هذه الأسر...

ففي الجانب الاقتصادي تواجه هذه الأسر مشكلة توفير الحاجات لأبنائها، بعد استفحال العنصر الدعائي على العناصر الأساسية الأخرى للتلفزيون، الذي راح يروج لمئات البضائع والحاجات والسلع كل يوم، ليصبح بذلك واجهة مهمة من واجهات السوق التجارية، وهذا بدوره يفتح الشهية الاستهلاكية المثيرة لدى الأطفال، عبر إعلاناته التجارية المتواصلة على مدار ساعات البث اليومي، والتي تضج بكل ما هو جديد ومغري، من نتاجات التكنولوجيا الجديدة وابتكاراتها السلعية، والذي تعجز الأسرة في الغالب عن الاستجابة له، وعن توفيره ولو بجزء يسير منه لأبنائها، كونه يفوق مستوى دخل الأسرة وطاقتها المادية، ويتعدى قيمها بالقناعة والكفاف التي نشأت عليها.. ولاشك (ان ذلك سيؤدي إلى تقويض صورة الأب، باعتباره الـمـسـؤول الأول عـن تـلـبـيـة الـحـاجـيـات الـضـروريـة لأطفاله)(5)، الذين تدفعهم عادة إغراءات التلفزيون في إعلاناته التجارية والدعائية ودعواته إلى الرفاهية الزائدة، وتوفير ما ينقصهم، دون النظر إلى مستوى دخل العائلة المادي، وعدم الاستجابة لذلك من قبل الأب أو الأسرة بشكل عام، يشعر الأطفال بالحرمان والتفكير السلبي لسد النقص بطرق مشروعة وأخرى غير مشروعة، فالمهم لديهم هو إشباع رغباتهم وتوفير احتياجاتهم سواء الضرورية وغير الضرورية، مهما كانت النتائج والانعكاسات السلبية، وتعد هذه الظاهرة من المشكلات الكبيرة التي قد تؤدي بهؤلاء الأطفال إلى الانحراف والسلوك الجانح وبالتالي يصل بهم الحال إلى تجاوز قيم الأسرة وتربيتها بشكل واضح..

ان إدانتنا هذه للتلفزيون في بثه المفتوح والمتعدد في جانبه السلبي وارجاع العديد من الانحرافات والأخطاء السلوكية للأطفال إلى برامجه وتأثيراته السلبية على خلفيتهم السلوكية والثقافية والاجتماعية، لا يعني بأي حال الأحوال تبرئة الأسرة من مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية والثقافية في التنشئة الصحيحة، التي يفترض بها ان تؤدي دورها الفاعل في إعداد الطفل وتحصينه، وان تقف بمواجهة الأخطار المحتملة من المشاهدة التلفزيونية السلبية أو تقلل من تأثيراتها السلبية على الأطفال، فقد بينت الدراسات المختلفة ان للتنشئة الأسرية ونوعياتها دور كبير في تحديد ماهية التأثيرات التلفزيونية ومداها وحجم الأخطار المحتملة.. وبلوغ التأثيرات السلبية للمشاهدة التلفزيونية إلى صميم الطفل لا يمكن ان يكون فاعلاً دون ان تكون هناك استعدادات أولية لذلك في شخصية الطفل، وفي وعي الأسرة ومستواها الثقافي الذي يستطيع ان يحدد التأثير السلبي من عدمه في المشاهدة التلفزيونية ونوعيتها ومصدرها، لذلك أظهرت الدراسات أهمية التنشئة الأسرية ودور الوالدين في تحصين الطفل بالمناعة الشخصية وتكوين الرؤية النقدية والتحليلية الصائبة للمشاهدة التلفزيونية الايجابية ، والوصول بوعي الطفل إلى مستوى متقدم يستطيع من خلاله التمييز بين ما هو سلبي وما هو ايجابي في برامج التلفزيون، وإدراك ما يفيد الطفل مما لا يفيده في المشاهدة وغير ذلك مما يتصل بالتلفزيون وضبط آليات المشاهدة وزمنها..

ان وعي الاب ومستوى نضجه الثقافي هو الذي سيحدد مستوى التنشئة الاسرية ودورها في شخصية الطفل، اما الاب الذي يفتقر الى المقومات الثقافية وضعف الإدراك لماهية المؤثر التلفزيوني، سينعكس مستواه الثقافي الضعيف على بنية التنشئة الأسرية وتربيتها ايجابياً أو سلبياً، أي ان سلوك الأبوين داخل الأسرة ينعكس مباشرة على سلوك الطفل (وملاحظة الطفل لسلوك أبويه يكون أكثر تأثيراً من مجرد إعلام أبويه له بالسلوك الملائم، فعندما يستمع إلى أبويه وهما يوجهانه فهو يتعلم فقط، ما الذي يريدانه منه، ومن خلال ملاحظة سلوكهم فهو يتعلم كيف يصدر السلوك)(6)، وكيف يتصرف إزاء هذا السلوك الذي يحدد قيم الوالدين ومستوى ثقافتهما.. فالطفل هنا لا يندم على تصرفه الخاطئ لوعيه ان منشأ هذا التصرف قد ترسخ في سلوكه بناء على سلوك والديه وتربيتهما الخاطئة له.. فالقدوة الحسنة في السلوك والتنشئة تعطي مثلها في سلوك ونشأة الطفل، كذلك القدوة السيئة في السلوك والتنشئة تعكس نتائجها السلبية في بنية الطفل السلوكية والثقافية، لذلك فمنشأ الأسرة وبيئتها ونظمها الثقافية والتربوية والسلوكية هي التي تحدد منشأ الطفل وسلوكه (فإذا كانت البيئة الأسرية تعيش حالة صراعات وفقر مادي وثقافي وسوء تربية، فان ذلك لن يعطي للطفل إلا نماذج سيئة، تكون بحكم وضعها المزري ناقمة على المجتمع، ولا تولي كبير اهتمام للحاجات النفسية والاجتماعية للطفل، مما يعرض هذا الأخير إلى البحث عن نماذج أكثر (إشباعاً) وتعويضاً في بيئات أخرى أكثر إستلاباً وتوهيماً، غالباً ما تكون القيم المستقاة منها مضادة للأسرة، ومقوضة للهوية الحضارية للمجتمع كما هو الحال في التلفزيون)(7)..

وفي الغالب يفتقر الطفل - خاصة في مجتمعاتنا العربية – إلى المقومات الأساسية التي تجنبه مخاطر التلفزيون، ومن هذه المقومات المرجعية الثقافية للأسرة وغياب دورها أو ضعفه في إفهام الطفل وفتح مداركه واستعداداته للتمييز بين البرامج المختلفة، والابتعاد عن الوقوع في مهاوي التقليد واتخاذ القدوة والإرشاد من نماذج التلفزيون، حيث يمثل ضعف هذه المرجعية، ضعفاً في إدراك الطفـل لـمـقـوماته الذاتية في المشاهدة الايجابية، كذلك ضمن المقومات الأساسية التي يفتقرها الطفل فقدانه لمرجعيته الثقافية التي تعني (ثقافة الأطفال)، فهي الأخرى يشكل غيابها فراغاً فكرياً ومعرفياً في شخصية الطفل، مما يجعله سهل التأثير والانقياد للنماذج التي يعرضها التلفزيون، وفقدان هذا المقوم في شخصية الطفل يجعله شخصية هشة، تتأثر سلبياً ولا تؤثر ايجابياً في محيطها، بحيث تصبح هذه الشخصية شخصية فارغة من المحتوى الثقافي والفكري، وذات سلوك سلبي أكثر مما هي سوية في محيطها.. وافتقارها إلى المقوم الثقافي يفقدها الكثير من المزايا السلوكية المنضبطة، ومنها صمام الأمان تجاه القيم السلبية، والمشاهدة الخاطئة للتلفزيون، ومؤثراته السلبية..

من هنا تأتي أهمية (ثقافة الأطفال) ودورها في التنشئة الأسرية، التي لا تتكامل وتأخذ آلياتها الصحيحة وعناصرها الفاعلة (ايجابياً) في شخصية الطفل، دون المنشأ الثقافي، وجوه الصحي، الذي ينمو عادة بتأثير كبير من مغذيات (ثقافة الأطفال) وخصائصها الموضوعية والفنية والأسلوبية والعمرية في عوالم الطفل وشخصيته.. غير إننا في واقعنا العربي نجد ضعفاً في هذه الثقافة، وتغيباً لدورها في آليات التنشئة الأسرية، مما جعل الطفل العربي (يفتقر إلى الإطار المرجعي الذي توفره ثقافة الأطفال والتي تمد جذورها في الواقع العربي، والذي من شأنه ان يؤمن حداً أدنى من المناعة تجاه عملية التأثير، وفقدان هذا الإطار المرجعي يجعل وضعية الطفل العربي وضعية نموذجية للتأثير الاجتماعي)(8) لانعكاسات المشاهدة التلفزيونية ونماذجها المتعددة التي تفرض سلوكياتها وثقافاتها بطبيعة الحال على سلوكيات الطفل وثقافته..

فلو اننا أعنا الطفل بالاستدلال على المرجعية الثقافية التي توفرها له (ثقافة الأطفال) على وفق خصائصها وفاعليتها في التنشئة الأسرية، لما تحملنا وزر المشاكل المتعددة التي تفرزها المشاهدة التلفزيونية وتأثيراتها السلبية، ولما أصبحت شخصية الطفل بؤرة للصراعات النفسية الداخلية والإفرازات السلوكية السلبية التي تدفعها مؤثرات التلفزيون.

وبالنتيجة يبقى دور الأسرة وخاصة الأب دوراً فاعلاً في توجيه المشاهدة التلفزيونية لطفله ومراقبة التأثيرات السلبية للبرامج التلفزيونية على سلوكه السوي وعدم تبني السلوكيات الخاطئة، والتدخل الايجابي في تحييد المشاهدة بتحديد ساعات بثها وخلق الوعي الثقافي للمشاهدة الايجابية، عبر اختيار البرامج، ومصاحبة الأطفال ومحاورتهم أثناء المشاهدة، وطرح الأسئلة والإجابة عليها لخلق نوع من التحاور المعرفي بين الأب والطفل.. وهذا من شأنه ان يحرك ذهنية الطفل وفاعليته في تكوين المواقف الايجابية في التحليل والنقد وإدراك الجوانب السلبية في البرامج التلفزيونية..

وضمن هذا الإطار يحدد العالم الدكتور (دافيد انجلاند) بعض النقاط الأساسية كقواعد علمية للمشاهدة الايجابية للتلفزيون ويدعو الآباء إلى إتباعها مع أطفالهم في المشاهدة التلفزيونية المشتركة، حيث أكد عليهم وخاطبهم بقوله : (كونوا متأكدين دوماً أن أطفالكـم لـديـهـم سبب جيد ومحدد لمشاهدة ما يرغبون مشاهدته، وإذا لم يكن لديهم هذا السبب، فبادروا فوراً إلى إغلاق الجهاز. كذلك ينبغي أن تصروا على أن يشاهد أطـفـالـكـم بـرنـامـجاً واحداً في الجلسة الواحدة، وتدخـلـوا لـلـحـد من «المشاهدة التلقائية، وخططوا لجلسات مشاهدة لكل أفراد العائلة مسبقاً، ويجب أن يكون هناك واحد من أولياء الأمور ليتقاسم المشاهدة مع أطفاله، إن هذه القاعدة وحدها يمكن أن تكون ثورة في عالم مشاهدة الأطفال للتلفزيون، كذلك راقبوا جيداً ما يشاهده أبناؤكم، وكونوا إيجابيين بالتدخل إذا تطلب الأمر ذلك، لا تستعملوا التلفزيون عقاباً أو ثواباً، كونوا نماذج طيبة لأبنائكم، وراقبوا أنفسكم فيما تشاهدون وشجعوا غيركم على فكرة تدريس التلفزيون في مدارس مجتمعاتكم المحلية)(9) ..

إن هذه النقاط التي جاءت متسمة مع الواقع المتطور لآليات التلفزيون ومشاهدته تضع المشاهدة التلفزيونية في الإطار العلمي الصحيح، وتضع الأب والطفل في الصورة الصحيحة التي ينبغي ان يعرفانها أثناء المشاهدة التلفزيونية، وكذلك لخلق نوع من التقاليد الصحيحة للانجذاب إلى نوعية البرامج وموضوعيتها في المشاهدة التي لا تترك أثرها السلبي في المشاهد وتأخذ مجالها الطبيعي في الفائدة، ولربما بذلك تخلق جواً صحياً وصحيحاً للمشاهدة التلفزيونية الايجابية التي نريدها ان تسود في جو الأسرة وهي تتعامل مع التلفزيون وبرامجه في حياته اليومية، ومن خلال ذلك أيضاً يمكن ان نؤسس لقواعد جيدة للمشاهدة التلفزيونية، ولربما بذلك نوقف أخطار التلفزيون، أو نقلل من التاثيرات السلبية لبعض البرامج التلفزيونية على الطفل.. ونضمن التأثير الايجابي من المشاهدة التلفزيونية الصحيحة..

___________________________

(1) عدنان الدوري، اتجاهات معاصرة في معاملة الاحداث الجانحين ص 68.

(2) عبد الرحمن الغريب - اشكالية الهوية بين الاعلام التلفزي والتنشئة الاسرية للطفل العربية.

(3) جيمس هالوران - الاتصال الجماهيري، التوجهات والمسؤوليات، مجلة البحوث العدد (۱۰) ص 167، ۱۹۸۳.

(4) عبد الرحمن الغريب - اشكالية الهوية بين الاعلام التلفزي والتنشئة الاسرية للطفل العربية.

(5) فاضل الكعبي ـ دعوة للاهتمام بثقافة الأطفال.

(6) حسين محيي الدين أحمد - التنشئة الأسرية للأبناء الصغار، ص ٥٤.

(7) عبد الرحمن الغريب – مرجع سابق.

(8) زق الله رالف - التلفزيون والأطفال، التسرب الايديولوجي من خلال الصورة ص ٢٥.

(9) جلاند ديفيد – التلفزيون وتربية الأطفال، ص (۱۰۳). 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.