أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
1714
التاريخ: 24-5-2021
1932
التاريخ: 4-2-2016
2245
التاريخ: 18-11-2014
1977
|
لقد رسم النص القصصي شخصية أيوب ـ عليه السلام ـ بملامح ثلاثة هي :
{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ
الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص : 44]
ومثلما قلنا ، فان سمة (أواب) ظلت طابعا
مشتركا للشخصيات الثلاث : داود ، سليمان ، أيوب.
أما السمة الثانية ، فهي (نعم العبد). وهذه
السمة خلعها النص على شخصية سليمان ـ عليه السلام ـ أيضا.
وأما السمة الثالثة ، فقد خص النص بها
(أيوب) ، ونعني بها سمة (الصبر).
إذن : ثمة سمة خص بها أيوب. وسمة شاركه فيها
سليمان. وسمة شاركه فيها سليمان وداود..
ومثل هذا التوزيع للسمات ، ينبغي ألا نغفل
عن موقعه الهندسي الجميل في بناء القصة من حيث صلة هذا البناء ، بأبنية القصص
المتقدمة عليها ،… ومن حيث استقلاله في هذا الصدد أيضا.
ومثلما رأينا في قصتي داود وسليمان من ان
السمات الخاصة بما ، قد فصلت في تضاعيف القصة بنحو أكبر حجما من السمات المشتركة
هنا في قصة أيوب نلحظ الطابع ذاته حيث تجيء سمة (الصبر) طابعا مستقلا لشخصية أيوب
ـ عليه السلام ـ مما يعني (من حيث المبنى الفني) ان تفصيلات القصة ستبقى حائمة على
مفهوم (الصبر) أكثر من السمتين الاخريين : وفعلا نجد ذلك متجسدا في (الواقعة) ،
وفي (الموقف) الذي استجاب له سليمان في هذا الصدد.
ولنقرأ من جديد :
{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى
رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص : 41]
ان قراءة هذه الفقرة ، بعيدا عن النصوص
المفسرة ، توحي للمتلقي بأن (أيوب) قد ابتلي وعذب ، وإلى انه دعا الله أن يرحمه
برحمته ، وأن ينصره على الشيطان.
بيد ان المتلقي يظل في تطلع وتشوق لمعرفة
نمط البلاء والعذاب النازلين على أيوب. كما انه يتطلع لمعرفة أسباب ذلك.
ومع ان النص القصصي لم يتحدث مباشرة عن
أسباب البلاء والعذاب ،… إلا ان الطريقة الفنية في صياغة هذه القصة وصلتها
بالقصتين السابقتين ، تكشفان للمتلقي أسباب البلاء والعذاب.
ترى : كيف يتم كشف السبب عن المحنة ، فنيا؟؟
ان القارئ أو السامع على إحاطة تامة من ان
داود وسليمان في القصتين السابقتين قد تعرضا للفتنة… ، للاختبار… ، للامتحان… في قضية
الحكم وموت الابن ، وإلى انهما قد اجتازا هذا الامتحان بنجاح فاستغفرا ، وغفر
لهما.
هنا في قصة أيوب لم تسرد القصة قضية
الاختبار أو الفتنة ، بل اكتفت بسرد العذاب والبلاء الواقعين على أيوب ان القصة
تركت السامع أو القارئ يستكشف بنفسه أسباب البلاء والعذاب : بحيث يتداعى ذهنه إلى
(الاختبار) الذي تجريه السماء على عبادها المخلصين.
وواضح ان هذا المنحى الفني من صياغة القصة ،
ينطوي على جملة من الأسرار ، منها :
1 ـ الاقتصاد في السرد.
2 ـ إتاحة الفرصة للمتلقي بأن يمارس عملية
الكشف بنفسه.
3 ـ تركه ، بأن يستخلص أكثر من دلالة بحسب
خبراته في الحياة.
وهذا بأجمعه : يواجه المتلقي فعلا حينما
يربط سريعا بين الفتنة التي تعرض لها داود وسليمان وبين الاختبار الذي تعرض له
أيوب ثم يظل : في تطلع وتشوق لمعرفة المزيد من تفصيلات المحنة ، وطريقة الدعاء
التي مارسها أيوب :
ان المتلقي يتساءل بتشوق : ما هو نمط البلاء
النازل على أيوب؟
كم استمر البلاء : أياما أم أشهرا أم سنوات؟
هل صبر عليه أيوب مشفوعا بالدعاء لإزالته؟ أم صبر عليه ، شاكرا الله عليه؟؟
ثم : لماذا جاء رسم (الشيطان) في نطاق
الاختبار الذي تعرض له أيوب؟
كل هذه الأسئلة يطرحها المتلقي في خضم
معرفته الإجمالية بأن (أيوب) يعاني محنة من المحن.
وطبيعي فانه سيصل إلى جملة من الاستخلاصات ،
دون أن يركن إلى يقين تام بأحدها… وهذا التأرجح نفسه لدى المتلقي ، ينطوي على
معطيات جمالية وفكرية ، تثري من تذوقه الفني ، وتعمق من عنصر التفكير لديه.
ولكن ، خارجا عن ذلك : فإن حقيقة فنية أخرى
لابد من توضيحها في هذا الصدد ، وهي : ان حذف التفصيلات المتصلة بنمط البلاء ،
وطريقة استجابة أيوب حيال البلاء ، والمدة التي استغرقها البلاء… هذه التفصيلات
تظل ثانوية ما دامت الفكرة الأساسية قد تحددت بوضوح ، وهي : (الاختبار). وما عداه
يظل من نصيب المتلقي الذي ينبغي أن يقطع رحلة طويلة من عمليات التذوق ، واستخلاص
الدلالات ، وتقليب وجوه الاحتمال ، حتى يثري ذهنه ، ويستمتع بالمزيد من تذوق
الجمال الفني للنصوص.
والآن : ما دمنا قد أوضحنا أهمية الطريقة
الفنية التي اتبعتها القصة في عرض (المحنة) التي واجهت (أيوب) عليه السلام ،… يجدر
بنا ـ حينئذ ـ أن نتجه إلى النصوص المفسرة… ، حتى نتعرف على مدى تقارب أو تباعد
النتائج التي حصل المتلقي عليها عبر تذوقه الخالص.
إن النصوص المفسرة ، تقدم لنا تفصيلات
متنوعة ، حافلة بالإثارة والدهشة والانبهار حيال عملية (الصبر) التي جعلها النص
طابعا لشخصية أيوب عليه السلام.
والمتلقي ، يتوقع تماما ان تكون (المحنة)
التي تعرض لها أيوب بالغة الشدة بحيث تتناسب مع مستوى (الأنبياء) ، وبحيث تتناسب
مع طابع (الصبر) الذي رسمه النص سمة لأيوب.
ومن الواضح ، ان القصة عندما تقرر عن أيوب
بهذه الفقرة :
{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص : 44]
يعني ، ان (الصبر) الذي اتسم به أيوب هو
(صبر) يتجاوز المألوف من (الصبر) قطعا ، وإلا : لم خلع النص هذه السمة عليه دون
سواه؟
ان هذا يعني ـ للمرة الجديدة ـ إن أيوب قد
واجه (محنة) بالغة الشدة ، وإلى انه استجاب لها استجابة (صابرة) تدعوا إلى الدهشة
والانبهار.
طبيعي ، لا يعني هذا ان (الصبر) هو سمة
لأيوب وحده. بقدر ما يعني ان القصة تستهدف التركيز على ظاهرة سلوكية ، أو ظاهرة
عطاء معين تمنحه السماء لعبادها المصطفين : ثم تختار واحدا من الشخوص المصطفاة ،
وترسم لنا تلك الظاهرة المستهدفة ، لتبين لنا : كيف ان هذه الشخصية أو تلك قد
استجابت مخلصة لهذه الظاهرة السلوكية أو تلكم الظاهرة ذات العطاء المعين مثلا.
على أية حال ، يعنينا أن نتقدم إلى النصوص
المفسرة ، لنقف على نمط (المحنة) التي تعرض لها (أيوب) ، ونمط الاستجابة حيالها :
بغية أن يفيد المتلقي منها في تعديل سلوكه وضبط انفعالاته حيال الشدائد التي
يواجهها : تأسيا بالأنبياء الكرام الذين اصطفتهم السماء نماذج رفيعة في سلوكهم
العبادي على الأرض.
تتفاوت النصوص المفسرة في تحديد نمط البلاء
والعذاب النازلين على أيوب ـ عليه السلام ـ : بعضه يتصل بذهاب أهله وولده ، وبعضه
يتصل بذهاب ممتلكاته ، وبعضه يتصل بمختلف الأمراض التي لحقت به. وهذا يعني : أن
البلاء والعذاب شملا الحاجات أو الدوافع الرئيسية التي لابد من اشباعها لتحقيق
التوازن الداخلي للشخصية.
فالمرض بمفرده كاف في إحداث التوتر الذي لا
إزاحة له إلا بذهابه : وبخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار تلك الأمراض التي يصاحبها
الألم من جانب ، واستجابة الآخرين السلبية حياله من جانب آخر.
ومع اننا لا نطمئن إلى تلك النصوص التي تشي
بسرد أعراض جسمية تنفر الآخرين من المريض ، إلا اننا في الآن ذاته نملك يقينا تاما
بأن المرض كان من الشدة ، أو أن أعراضه كانت من النوع الذي يصحبه عرض خارجي ـ على
الأقل ـ مما يستدعي مثلا أن تزاح أعراضه بالاغتسال من عيون الأرض. وهذا مما سردته
القصة ذاتها حينما طالبت أيوب ـ عليه السلام ـ بالممارسة التالية :
{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ
بَارِدٌ وَشَرَابٌ }
وهذا يعني ان السماء طالبت أيوب بأن يغتسل
من ماء معين ، لذهاب العرض الجسمي الذي ألم به. كما طالبته بأن يشرب منه ، لسبب
داخلي أو آخر سكتت حتى النصوص المفسرة عنه.
ومع ذلك ، فان المتيقن من ذلك كله ، ان
البلاء كان من النوع الذي جعل الآخرين (يجتنبون) صحبة أيوب.
ولعل النص الذاهب إلى ان الناس قد اجتنبوه
لفقره وضعفه ، وجهلهم لتأييد السماء لأيوب… وليس لوجود أعراض منفرة أو مشوهة ،
وهذا النص لعله أشد النصوص المفسرة صحة ، ما دام يأتلف مع واقع الشخصيات النبوية
من جانب ، وما دام ينفي بصراحة ، كل النصوص التي تتحدث عن التشويه الجسمي ،
والاستيحاش منه ، من جانب آخر.
والمهم ، ان هذا النص يشير إلى هزال الجسم
فحسب : لكنه بنحو يتطلب اجتناب الآخرين عنه : مما يعني في الحالين ان ثمة ألما
عضويا يتصل بالحالة الجسمية لأيوب عليه السلام ، وثمة ألما نفسيا يتصل باستجابة
الآخرين حيال مرضه وهو : الاجتناب.
والمهم أيضا : ان الألم النفسي حينما يضاف
إلى الألم العضوي ، حينئذ فإن الاستجابة المؤلمة يتضاعف حجمها دون أدنى شك :
وتبعا لذلك فان (الصبر) عليه يتطلب قابلية
ضخمة لا يمارسه إلا العباد الذين اصطفتهم السماء ، ومنه : أيوب عليه السلام.
وفعلا : مثلما تذكر النصوص المفسرة ، فان
(أيوب) كان يزداد شكرا لله كلما تضاعف حجم المرض لديه ، حتى انتهى إلى إزالته ،
بالنحو الذي سردته القصة في واقعة الاغتسال من الماء الذي نبعت به الأرض ، حينما
دفعها برجله ، فاغتسل به ، وشرب منه ، وانتهى الأمر.
هذا كله فيما يتصل بالمرض.
وأما فيما يتصل بذهاب الأهل ، والممتلكات ،
فإن النص المفسر الذي سبق أن قلنا بأشدية وثاقته ، قد أشار إلى (الفقر) وتسبيبه
اجتناب الآخرين عنه ، مما يعني ان (ممتلكاته) قد أبيدت فعلا.
والنصوص المفسرة ، تذكر أرقاما ضخمة من
(الممتلكات) المتنوعة ، لا يعنينا سرد تفصيلاتها… ولكن يكفي أن يظل (الفقر) سمة
تحسم كل أمر ، مما يتطلب بدوره (صبرا) لا يمارسه إلا المصطفون من العباد ، ومنهم :
أيوب عليه السلام.
وأخيرا ، يظل ذهاب (الأهل) واحدا ، من أنماط
(البلاء) الذي واجه (أيوب) : بصريح النص القصصي ذاته ، حينما قرر :
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
مَعَهُمْ } [ص : 43]
والنصوص المفسرة تذكر بأن الله سبحانه رد
على أيوب أهله الذين هلكوا ، وأعطاه بمثلهم بنين وبنات.
والمهم ، ان (الصبر) على ذهاب الأولاد يظل
متصلا بدافع (الأبوة) الذي يشكل أقوى الدوافع إلحاحا في تركيبة الفرد ، وبخاصة أن
هلاكهم كان جملة كما هو لسان النصوص المفسرة.
إذن : يظل البلاء والعذاب ، فيما واجههما
أيوب بالغ الشدة ، نظرا لتنوعه من جانب ، واتصاله بأشد الدوافع إلحاحا من جانب ثان
، واقترانه بالشدة النفسية المترتبة على استجابة الآخرين حياله ، من جانب ثالث.
يقابل ذلك : ان (أيوب) عليه السلام ، قد
استجاب للبلاء المذكور ، استجابة (صابرة) تتناسب مع شدة البلاء.
ثم : يترتب على ذلك : أن يظل (الفرج) بعد
(الشدة) هو النتيجة الحتمية التي واجهها أيوب فعلا : حينما أزيلت أوجاعه وأمراضه ،
وحينما ردت إليه ممتلكاته ، وحينما رد إليه أهله.
هذه هي الوقائع والمواقف التي واكبت قضية
أيوب عليه السلام ، بما يرافقها من استخلاص (الأفكار المستهدفة) من سرد الوقائع
والمواقف المتقدمة ، وفي طليعتها : قضية الاختبار ، وضرورة الصبر على الشدة ،
وانفراجها في نهاية المطاف.
بقي أن نشير إلى واقعة جزئية وردت في نطاق
المحنة التي ألمت بأيوب عليه السلام ، ألا وهي :
(خذ بيدك ضغثا ، فاضرب به ، ولا تحنث).
وهذه الواقعة ، تتصل ـ كما تذكر النصوص
المفسرة ـ بيمين على امرأته أن يضربها مائة جلدة لمفارقة ارتكبتها. فأمرته السماء
بأن يضربها دفعة واحدة ، وطالبته بعدم اليمين في الممارسات بعامة.
ولعل المتلقي يتساءل عن الموقع الهندسي لهذه
الواقعة ، وصلتها بمحنة أيوب.
ونحن لا نحتاج إلى تأمل كبير في استخلاص
السر الفني لسرد هذه الحادثة في سياق المحنة المذكورة : طالما ندرك بوضوح ان النص
القرآني الكريم حينما يستهدف التشدد ولفت الانتباه إلى خطورة بعض الممارسات ،
حينئذ يصوغها في سياق أحداث متسلسلة ، بقطع تسلسلها : بغية أن يلفت الانتباه إلى
تلك الممارسة التي تتسم بالخطورة.
والحلف ـ كما هو واضح من أشد الممارسات التي
ينهى المشرع عنها : نظرا لصلتها بقدسية السماء التي ينبغي ألا تظل موضع تعامل مألوف
في ممارسات الآدميين.
من هنا طالب النص بعدم اليمين تأكيدا
للحقيقة المتقدمة ، مبينا من خلال إيرادها خارجا عن سلسلة الاحداث والمواقف
الحائمة على مفهوم معين ، خطورة الحلف ، وضرورة عدم ممارسته.
وأخيرا ، ينبغي أن نلفت الانتباه أيضا إلى
المنحى الفني الذي سلكه النص في تقرير الحقائق المتصلة بمحنة أيوب عليه السلام.
فالنص لم يقرر مباشرة أن أيوب قد واجه محنة في الجسم والأهل ، بل رسم نتائج المحنة
، أي : تفريجها. تاركا للمتلقي أن يستنتج ذلك بنفسه من خلال تفريج المحنة ، وأن
يتعرف على نمطها الذي بينه النص من انه متصل بالمرض وبذهاب الأهل.
وبهذه الطريقة الفنية الممتعة ، يكون النص
قد حقق جملة من الإمتاع الجمالي للمتذوق. فهو برسمه [التفريج عن المحنة] بدلا من
ذكر المحنة ، يحسسنا بأن التفريج للصابر هو النتيجة الحتمية : أي : انه يستهدف لفت
انتباهنا إلى (الفرج) ، حينما يبدأ برسم الفرج بدلا من رسم المحنة… ويكون بهذا قد
حقق امتاعا فنيا جديدا ، مضافا إلى الإمتاع الفني الذي حققه المتلقي ، حينما
استخلص بنفسه نمط المحنة بدلا من أن يبينها النص مباشرة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|