أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-05-2015
836
التاريخ: 28-05-2015
584
التاريخ: 28-05-2015
840
التاريخ: 28-05-2015
778
|
إنّ حركة محمّد بن عبد الوهّاب هي امتداد لحركة أُستاذه ابن تيميّة الحرّاني الدمشقي الّذي خرج من (حرّان) دمشق في القرن الثامن الهجري، وقد تبنّى عقائد منحرفة وآراء شاذّة بلبلت أذهان المسلمين، ومزّقت وحدتهم، وفرّقت جماعتهم، وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم، ونظراً لآرائه السقيمة وأفكاره المنحرفة فقد تصدّى علماء عصره لنقد آرائه والحكم بانحرافه، وخاصّة بعد ما كتب عقائده الباطلة ونشَرها بين الناس.
وقد تلخّصت الحرب الدينيّة ضدّ ابن تيميّة في نقطتين:
الأُولى: تأليف الكتب وكتابة الردود على أفكاره الباطلة، وتزييفها على ضوء القرآن والسنَّة الشريفة.
وكنموذج من ذلك نُشير إلى بعض ما صدر ضدّه من الكتب:
1 ـ شفاء السقام في زيارة قبر الإمام: بقلم تقيّ الدين السبكي.
2 ـ الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة: بقلم المؤلّف السابق.
3 ـ المقالة المرضيّة: تأليف قاضي قضاة المالكيّة تقيّ الدين أبي عبد الله الأخنائي.
4 ـ نجم المهتدي ورجم المقتدي: بقلم فخر بن محمّد القرشي.
5 ـ دفع الشبهة: بقلم تقيّ الدين الحصني.
6 ـ التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة: بقلم تاج الدين.
هذه بعض الردود الّتي كُتبت ضدّ عقائد ابن تيميّة وآرائه السقيمة، وكشفتْ عن سفاهتها وقشريَّتها.
الثانية: هجوم العلماء والفقهاء عليه، وإصدار الحكم والفتوى بفسقه تارةً، وبكفره تارةً أُخرى، والتحذير من البدَع الّتي أحدثها في الدين الحنيف.
ومنهم قاضي القضاة في مصر (البدر بن جماعة)، فقد كتبوا إليه رأي ابن تيميّة في زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فكتب قاضي القضاة:
(إنّ زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سُنَّة مستحبّة، وقد اتّفق العلماء على ذلك، وكلّ من يرى حرمة زيارته يجب على العلماء زجره ونهيه عن مثل هذه الآراء، فإن لم يردعه ذلك لزم حبسُه وفضحه بين الناس حتّى لا يقتدوا به).
وليس هذا القاضي الشافعي في مصر وحيداً في فتواه هذه، بل أصدر قضاة المالكيّة والحنبليّة فتاوى مماثلة في تفسيق ابن تيميّة والحكم بضلاله وانحرافه.(1)
وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فقد كتب الذهبي الَّذي يُعتبر من علماء القرن الثامن الهجري، وله تأليفات قيّمة في الحديث والرجال ـ وكان مُعاصراً لابن تيميّة ـ كتب رسالة ودّية إليه ينهاه فيها عن منكراته، وشبَّهه فيها بالحجّاج الثقفي في ضلاله وفساده.(2)
إلى أن أهْلك الله ابنَ تيميّة في عام 728هـ في سجن الشام، فحاول تلميذه ابن القيّم أن يواصل نهج أُستاذه، لكنّه لم يفلح في ذلك، فماتت أفكار ابن تيميّة بموته، وفنيتْ بفنائه، وزالت بزواله، واستراح المؤمنون من بدعه وضلالاته.
إلى أن ألقى الشيطان حبائله من جديد، فجاء محمّد بن عبد الوهّاب حاملاً أفكار ابن تيميّة البائدة واتفق مع آل سعود ليقوم كلّ منهما بتأييد الآخر، هذا في الحكم وذاك في التشريع، فعاد الضلال يَنشر خيوطه في (نجد) وانتشرت الوهّابيّة في بلاد نجد انتشار السرطان الأثيم في الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، وتحزَّبوا ـ ومع كلّ أسف ـ باسم التوحيد للقضاء على أهل التوحيد، وأراقوا دماء المسلمين باسم الجهاد مع المشركين، وراح الأُلوف من الناس ـ رجالاً ونساءً وصغاراً وكباراً ـ ضحيَّة لهذه البِدَع والأباطيل، وتوسَّعت شُقّة الخلاف بين المسلمين، وأُضيف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جديد.
وقد بلغت المصيبةُ ذروتَها عندما سقط الحَرَمان الشريفان ـ مكّة والمدينة ـ في قبضة هذه الزمرة المنحرفة، وعَمد النجديّون الوهّابيّون ـ وبالتعاون مع بريطانيا الحاقدة الّتي كانت تهدف إلى تقسيم الدولة الإسلاميّة إلى دويلات صغيرة تحدُّها الحدود الجغرافيّة ـ عمدوا إلى محو الآثار الإسلاميّة في مكّة والمدينة، وهدْم قبور أولياء الله وهتك حرمة آل رسول الله، وغير ذلك من الجرائم والمنكرات الّتي يهتزّ لها ضمير المسلم.
يقول بعض المؤرّخين:
(بادر الوهّابيّون ـ لمّا استولوا على مكّة ـ بالمساحي فهدموا ـ أوّلاً ـ ما في (المعلّى)[من] مقابر قريش من اِلقباب، وهي كثيرة، منها قُبَّة سيّدنا عبد المطّلب جدّ النّبيّ(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقُبَّة سيّدنا أبي طالب (رضوان الله عليه)، وقبَّة السيدة خديجة (رضوان الله عليها)، كما هدموا قبَّة مولد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومولد أبي بكر ومولد الإمام عليّ (عليه السّلام)، وهدموا قبَّة زمزم والقباب التي حول الكعبة، وتتبّعوا جميع المواضع الّتي فيها آثار الصالحين فهدموها، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون بالطبول ويُغنُّون ويُبالغُون في شتم القبور... حتّى قيل إنّ بعضهم بال على قبر السيّد المحجوب!!...).(3)
قال العلاّمة المغفور له السيّد صدر الدين الصدر:
لعمري إنّ فاجِعةَ البقيع = يُشيبُ لهولها فؤود الرضيع
وسوف تكون فاتحة الرزايا = إذا لم يُصحَ من هذا الهجوع
أما مِن مسلم لله يرعى = حقوق نبيِّه الهادي الشفيع
وقال آخر:
تبّاً لأحفاد اليهود بما جَنَوا = لم يكسبوا من ذاك إلاّ العارا
هتكوا حريم محمّدٍ في آلِه = ياويلهم قد خالفوا الجبّارا
هَدموا قبور الصالحين بحقدهم = بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
وانطلاقاً من قول النّبي ـ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ـ :((إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه، وإلاّ فعليه لعنة الله)) فقد تصدّى علماء الشيعة ـ وعلماء السنّة أيضاً كما ذكرنا ـ لهذا الغزو الوهّابي الحاقد، وكتبوا الكتب ونشروا المنشورات، في فضح هذا الرجل ـ الَّذي جاء يُحقق أهداف بريطانيا في ثوب جديد ـ وكشف القناع عن حقيقته والردّ على آرائه الشاذّة.
وأوّل كتاب صدر في الردّ على ابن عبد الوهّاب هو كتاب (الصواعق الإلهيّة في الردّ على الوهّابيّة) بقلم أخيه الشيخ سليمان. كما أنّ أوّل كتاب صدر ضدَّه من علماء الشيعة هو كتاب (منهج الرشاد) للشيخ الكبير المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفّى سنة 1228هـ)؛ وقد كتب كتابه هذا جواباً على رسالة بعثها إليه الأمير عبد العزيز بن سعود ـ أحد الأُمراء السعوديّين في وقته ـ وقد زيَّف في كتابه أفكار محمّد بن عبد الوهّاب وأثبت بطلانها على ضوء القرآن والسنّة. وقد طبع الكتاب في عام 1343هـ في النجف الأشرف في العراق.
ثُمَّ تتابَع الردّ والنقد في ظروف مختلفة، وصدرت الكُتب تترى واحدة تلو الأُخرى، حتّى زماننا هذا.
وفي عصرنا الحاضر صعَّد الوهّابيّون حَملاتهم المسعورة ضدّ مخالفيهم من المسلمين، بفضل الثروة الطائلة الّتي يجنيها آل سعود من أرباح البترول العائدة إليهم فقط.
لقد خصّصت السلطة السعوديّة جزءاً كبيراً من أرباح البترول لترويج هذا المذهب المفرِّق ونشره بين المسلمين، ولولا هذه الأموال الطائلة لمَا عاش هذا المذهب الواهي إلى هذا الوقت.
لقد وَجد الاستعمار ضالَّته في هذا المذهب، واتّخذه خير وسيلة لإلقاء التفرقة بين المسلمين وتشتيت صفوفهم، وضرْب بعضهم البعض.
وقد حقّق هذا المذهب أهداف الاستعمار الغاشم الأثيم، فتراه قد أوجد الفتنة بين المسلمين، هذا يُفسّق ذاك وذاك يُكفّر هذا... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للتفصيل راجع: دفع الشبهة، تأليف: تقي الدين الحصني.
(2) نُشرت هذه الرسالة في كتاب تكملة السيف الصقيل، ص190، كما نَشر نَصّها الشيخ الأميني في كتاب الغدير: 5/87 ـ 89، فراجع.
(3) كشف الارتياب: 22، نقلاً عن تاريخ الجبرتي.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|