الكتابة عن النصيريّة، وكسائر الفِرق الشيعيّة، أمر صعب، لا سيّما وأنّهم اضطرّوا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم، وعاشوا في ظلِّ التقيّة، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم، فمعاجم الفِرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم، وقد أخذ بعضهم عن بعض، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم، إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفِرقة أو العيش معهم في أوطانهم حتّى يتجلّى الحقّ، ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم وخفايا أُصولهم.
وهي فِرقة أحدثها محمّد بن نصير النميري؛ وكان من أصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)، فلمّا توفّي الإمام العسكري ادّعى الوكالة للحجّة، ولم يكتف بذلك؛ بل ادّعى أنّه رسول ونبيّ من قبل الله تعالى، وربّما ادّعى الربوبيّة وإباحة المحارم.
وقال الشيخ الأشعري في أصناف الغالية: إنّ فِرقة من الرافضة يقال لهم النميريّة أصحاب النميري، يقولون إنّ الباري كان حالاً في النميري.(1)
وقد أوضح حاله الشيخ الطوسي حيث عقد فصلاً لمدّعي البابيّة عدّ منها: الشُّريعي، ومحمّد بن نصير النميري.
قال: كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السّلام)، فلمّا تُوفّي أبو محمّد، ادّعى مقام أبي جعفر محمّد بن عثمان أنّه صاحب إمام الزمان، وادّعى له البابيّة، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعْنَ أبي جعفر محمّد بن عثمان له وتبرّأه منه، واحتجابه عنه، وادّعى ذلك الأمر بعد الشُّريعي.(2)
والنصيريّة بهذا المعنى قد بادت ولا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً، وربّما تكون بعض هذه النِّسب ممّا لا أصل له في الواقع، وإنّما اتُّهمت بها بعض فِرق الشيعة من قبل أعدائهم.
والحق يقال إنّ محمد بن نصير النميري شخصيّة قلقة يكتنفها كثير من الغموض.
فتارة يعدّونه من أفاضل أهل البصرة علماً وأنّه ضعيف.(3)
وأُخرى من أصحاب الإمام الجواد (عليه السّلام).(4)
وأُخرى أنّه من أصحاب الإمام العسكري (عليه السّلام) وأنّه غال.(5)
وطوراً عدّوه فهريّاً بصريّاً مع أنّ هذين لا يجتمعان.(6)
وأخيراً تحيّروا في أمر هذا الرجل ووضعوا اسمه في قائمة المشتركات.(7)
العلويّون وأصل التسميّة بالنصيريّة:
إنّ هناك أقلاماً مغرضة حاولت أن تَنسب العلويّين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فِرقة النصيريّة البائدة اعتماداً على أُمور ينكرها العلويّون اليوم قاطبة.
وأظنّ أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة الّتي أخذت تشوّه صحيفة العلويّين وتسّودها، فأقامت فيهم السيف والقتل والفتك والتشريد، ولم تكتف بذلك، بل أخذت بالافتراء عليهم لتنفّر الناس من الاختلاط بهم، وأنّهم زمرة وحشيّة همجيّة، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.
أمّا سبب تسمية العلويّين بالنصيريّة؛ فلأنّه لمّا فتحت جهات بعلبك وحمص استمد أبو عبيدة الجراح نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع عليّ (عليه السّلام)؛ وهم من الأنصار ممّن حضروا بيعة غدير خم، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيريّة، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأرض الّتي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه، فقد سمّيت الأراضي الّتي امتلكها جماعة النصيريّة جبل النصيريّة، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانيّة المعروف الآن، ثُمَّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكلّ جبال العلويّين من جبل لبنان إلى أنطاكية.(8)
وهذا الرأي أقرب إلى الصواب؛ ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم (النصيرة)، ويبدو أنّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيريّة، والّذي يُعزّز القناعة بصحّة هذا الرأي هو أنّ إطلاق اسم نصيريّة على هذا الجبل لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبيّة؛ أي بعد عام 498هـ.
أهم عقائدهم:
حسب المصادر المطّلعة على حالهم، فإنّ عقائد العلويّين لا تختلف عن عقائد الشيعة الاثنا عشريّة الإماميّة، وهي معروفة مسجّلة، وتتلخّص في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقالات الإسلاميين: 1/15.
(2) غيبة الطوسي: 398 ـ 399.
(3) تنقيح المقال: 3/195.
(4) رجال الطوسي: أصحاب الإمام الجواد، رقم 10 و26.
(5) رجال الطوسي: أصحاب الإمام العسكري، رقم 20.
(6) رجال الكشّي، رقم 383.
(7) تنقيح المقال: 3/196.
(8) محمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويّين: 87 ـ 88.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|