أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-4-2018
4973
التاريخ: 26-4-2018
588
التاريخ: 26-4-2018
594
التاريخ: 24-05-2015
2362
|
هناك دائرة تقع خلف الحجاب المواجه للنور وتقابل مركزه ، تسمّى دائرة الظلّ التامّ ، تحيط بها على تماس بينهما دائرة أقلّ خضوعاً لتأثير الحجاب ، تسمّى دائرة شبه الظلّ .. وفي دائرة شبه الظلّ وقع الكثير من الأعلام وسواد الناس الذين نظروا إلى الخلافة الاُولى نظرة تقديس ، فاعتقدوا بتأخير أهل البيت : عن منزلتهم الحقّ ، وقدّموا عليهم آخرين بتفاضل موهوم صنعه الواقع التاريخي للخلافة لا غير ، دون أن يحملوا في قلوبهم سوءاً وغيضاً وحسداً أو حقداً على أحد من أهل البيت : بل أظهروا حبّهم والدفاع عنهم بالكلمة أو بالإشارة ولو إلى خاصّة أصحابهم ، فلم يقعوا تحت دائرة التأثير التامّ لنظام الغَلَبة ، والمنهج الثقافي الذي تبنّاه ..
فالشافعى لا يتحفّظ من المجتمع في إظهار حبّه لأهل البيت : ، حتّى يصفوه ب ( الرفض ) وليس التشيّع فقط !! فأنشد في ذلك شعراً كثيراً يؤكّد ما هو عليه من حبّ ، وأنّ ما يقال فيه لا يزيده إلا إصراراً عليه :
ان كان حبُّ الوليّ رفضاً *** فإنّني أرفَضُ العبادِ (1).
ويقول :
إذا في مجلس نذكُرْ عليّاً *** وسبطيهِ وفاطمة الزكيهٌ
يقال : تجاوزوا يا قوم هذا *** فهذا من حديث الرافضيهْ
برئتُ إلى الميهمن من اُناسٍ *** يرونَ الرفضَ حُبَّ الفاطميهْ (2).
أمّا أبو حنيفة فقد خرج من ولاء الاُمويين إلى ولاء الثورات العلويّة منذ ثورة زيد الشهيد ، وبعده محمّد وإبراهيم أولاد عبدالله بن الحسن ، حتّى مات على ذلك في سجن أبي جعفر المنصور (3).
وحتّى من كان فيه مداراة وتقيّة ، كالحسن البصري ، فقد أظهر في متنفّساته ما يبعده عن تلك الدائرة ، وكلمته في معاوية هي من أشهر ما قيل فيه : « أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسيف .. واستخدامه بعده ابنه سكّيراً خمّيراً .. وادّعاؤه زياداً .. وقتله حُجراً وأصحاب حُجر ، فيا ويلاً له من حُجر ! ويا ويلاً له من حُجر » !! (4)
فقال للسائل : يابن أخي قد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ، ولو لا منزلتك منّي ما أخبرتك ؛ إنّي في زمانٍ كما ترى ، فكلّ شيءٍ سمعتني أقول : قال رسول الله صلى اله عليه واله ، فهو عن عليّ بن أبي طالب غير أنّي في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً ! (5)
وكان الأعمش ، وأبو إسحاق السبيعي ، والنسائي ، والحاكم النيسابوري أظهر حبّاً لأهل البيت : من الحسن البصري.
وهذا الاتجاه هو الذي غلب في ما بعد على ثقافة الجمهور من « أهل السنّة والجماعة » وظهر بشكل أكثر وضوحاً وتركيزاً لدى أصحاب الاتّجاه الصوفي.
لكنّ الذين وقعوا في دائرة الظلّ التام من أهل الأثر العلمي ، بعد عصر الهيمنة الاُموية والعباسية ، كانوا أفراداً أصبح لهم بعد ذلك أتباع أخذوا بمناهجهم واقتفوا آثار هم ، وأهم هؤلاء الأفراد ثمّ الجماعات :
1 ـ ابن حزم : الفارسي الأصل ، الاُموي الولاء ، كان جدّه مولى يزيد بن أبي سفيان الاُموي أمير دمشق قبل أخيه معاوية .. الظاهري المذهب ، القُرطبي المولد ، المولود سنة 384 ه ، والمتوفّى سنة 456 ه ، الذي قُرِن لسانه بسيف الحجّاج ، فقيل : « كان لسانُ ابن حزم وسيفُ الحجّاج شقيقين » ! وقيل في لسانه أيضاً : « لم يتأدّب مع الأئمّة في الخطاب ، العبارة ، بل فجَّجَ وسبَّ وجدَّع ، فكان جزاؤه من جنس فعله » ! (6)
2 ـ أبوبكر ابن العربي : العربيّ الأصل ، الأندلسي الإشبيليّ المولد ، المالكي المذهب ، المولود سنة 468 ه والمتوفّى سنة 543 ه ، الذي عمل قاضياً بإشبيلية فحُمدت سيرته أولاً ، ثمّ عُزل لأجل شدّته وسطوته !
ومع ما كان عليه من شدّة وسطوة فقد « تعلّق بأذيال المُلك ، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم ، بل داهن » ! وكان منافراً لابن حزم ، متحاملاً عليه ، سلّط عليه لسانه وقلمه ، فممّا قاله فيه ممهّداً بذكر الظاهرية ، فيصفهم بأنّهم « اُمّة سخيفة » وأن مبدأهم إنّما هو من سنخ مبدأ « الخوارج » حين قالوا : لا حكم إلا لله .. لينتقل إلى ابن حزم ، فيقول : « وجدتُ القول بالظاهر قد ملأ به المغربَ سخيفُ كان من بادية إشبيلية يُعرَف بابن حزم ... وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سمّاه ( نكت الاسلام ) فيه دواهي ، فجرّدت عليه نواهي ! وجاءني آخر برسالة في الاعتقاد (7) ، فنقضتها برسالة ( الغُرّة ) والأمر أفحش من أن يُنقض » (8).
3 ـ ابن تيمية : غير المعروف الأصل ، الشامي الحرّاني المولد ، الحنبليّ المذاهب ، المولود سنة 661 ه ، والمتوفى سنة 728 ه ، الفقيه المعروف بالحدّة والتطّرف ، والذي واخا الشقيقين : سيف الحجّاج ، ولسان ابن حزم ! والذي شذّ في مسائل كثيرة في الفقه وفي العقيدة ، فوصفه كثير من العلماء بالنفاق وبالضلال والزندقة بسبب ذلك (9) ! فيما اتّخذه بعض المتأخّرين إماماً في الفقه والفكر والعقيدة !!
4 ـ « السلفية » و « الوهابية » : إنّ هذا المنهج الخاطئ قد أصبح في ما بعد مذهباً لفرقة ، بعد أن كان موقفاً لأفراد .. لقد اتخذت منه الفرقة الوهّابيّة ـ الحادثة في القرن الثاني عشر الهجري على يد محمّد بن عبدالوهّاب النجدي ، المولود سنة 1111 ه والذي ابتدأ دعوته سنة 1143 ه ، وتوفي سنة 1206 ـ اتّخذت منه ، جملةً وتفصيلاً ، مذهباّ تدين به في تحديد الرؤية إزاء نظرية الخلافة ونظام الحكم في الإسلام ، وإزاء الموقف من الصحابة ومجمل الاعتقاد فيهم ، وإزاء التاريخ قراءةً ونقداً وتقويماً .. ذلك حين اتّخذت من تراث ابن تيميه وكتاب (العواصم من القواصم ) لابن العربي مصدراً معرفياً أساسياً تستلهم منه الفكر والمعتقد والمنهج.
وغير ( الوهّابية ) كثير من دعاة ( السلفية ) أيضاً قد تبنّوا هذا المنهج حين منحوا تلك المصادر ذاتها الموقع ذاته.
ويبقى الفارق بين الفريقين أكبر من مجرّد الانتساب إلى دعوة محمّد بن عبدالوهاب أو عدمه ، فدعاة ( السلفية ) ما زالوا أقرب إلى تلك المصادر مادّةً وروحاً ، وربّما تغافلوا عن بعض صفحاتها المنكرة فلم يردّدوا أصداءها ، بل ربّما مسّوا ببعضها مسّاً خفيفاً أو غمزوها غمزاً لطيفاً (10) ، فيما يعدّ هذا في نظر ( الوهابية ) أمراً منكراً في غاية النكارة .. ولقد جاوز الوهابيون الحدّ في التطرّف حتّى أكفروا كافّة المسلمين ولم يستثنوا أحداً وراء دائرتهم الضيّقة دائرة الظلّ التامّ ، واستباحوا الدماء والأعراض والأموال ، وجاوزوا في ذلك القولَ إلى العمل في سلسلة من الحروب خاضوها مع المدائن الإسلامية المحيطة بهم في الحجاز وجنوب العراق (11).
والاتجاهان معاً : السلفية ، ابتداءً من القاضي أبي يعلى الحنبلي المتوفّى سنة 458 ه ، وابن الزاغوني المتوفّى سنة 527 ه ، مروراً بابن تيميه المتوفى سنة 728 ه ، وابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751 ه ، وانتهاءً برجالهم المعاصرين .. والوهابية ، ابتداءً بمؤسسها محمّد بن عبدالوهاب المتوفّى سنة 1206 ه ، وانتهاءً برجالهم المعاصرين ، امتازوا جميعاً بعقائد مشتركة نسبوها إلى السَلَف مجازفةً ، ولم يكن لهم فيها سَلَف صدق ، حتّى كثر النقد عليهم في ذلك ، ويكفي ما قاله ابن التميم الحنبلي في أول رجالهم أبي يعلى : وعقيدته في الصفات « لقد خَرَّى أبو يعلى الفرّاء على الحنابلة خَرْيةً لا يغسلها الماء » ! (12).
قال ذلك فقهاء الحنابلة أنفسهم ، وفي ابن الزاغوني قالوا : « إنّ في قوله من غرائب التشبيه ما يخار فيه النبيه » ! (13) وقولهم وقول غيرهم في ابن تيمية أكثر وأشهر ! (14) أمّا محمّد بن عبدالوهاب فهو الأوفر حظّاً في الطعن والتجريح من فقهاء الحنابلة أنفسهم ، وأولهم أخوه الفقيه سليمان بن عبدالوهاب (15) ، ومن غيرهم ، لأنّه كان مفتقراً إلى الكثير مما توفّر عليه سابقوه من مادة العلم وأسباب الاجتهاد.
كان هذا هو الأثر الأول من آثار نظريه الخلافة ونظام الغَلَبة ، وقد أصبح المحور الأساس الذي تتمحور من حوله أكبر فرق المسلمين وأولها نشوءاً ، ثمّ يتفاوت أتباع هذه الفرقة في ما بينهم في درجة القرب أو البعد من هذا المحور.
__________________
(1) ديوان الشافعي : 38 ـ دار كرم ـ دمشق ، وعجزه في الديوان مضطرب المعنى لم يبذل المصحّح جهداً في تقويمه ، ففيه « فإنّ رَفضي إلى العباد » علماً أن مصادر اُخرى روت في صدره « حبّ الوصي » بدل « حبّ الولي ».
(2) ديوان الشافعي : 92 ، واُنظر له في الديوان أيضاً : 58 ، 74.
(3) الملل والنحل 1 : 140 ، تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي 13 : 398 ـ مطبعة السعادة ـ 1931 م.
(4) الأخبار الموفّقيات / الزبير بن بكّار : 574 ت / 372 ، وقد سقطت منه الخصلة الرابعة دون أن يتنبّه محقّقه الدكتور سامي مكّي العاني إلى ذلك رغم أنّه أثبت في أول الحديث « أربع خصال كنّ في معاوية ... » ! والحديث بنصّه الكامل مشهور جدّاً اُنظر ، : المنتظم 5 : 243 الكامل في التاريخ 3 : 487 ، تهذيب تاريخ دمشق / عبدالقادر بدران 2 : 384 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1987 م.
(5) تهذيب الكمال 6 : 124.
(6) اُنظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 18 : 184 ـ 186 ، 199.
(7) وهي رسالة ( الدرّة في الاعتقاد ).
(8) اُنظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 20 : 198 ، 200 ، 202 ، وترجمة ابن حزم في المصدر نفسه 18 : 188ـ 190.
(9) اُنظر ترجمته في : الدرر الكامنة / ابن حجر 1 : 155 ـ دار إحياء التراث العربي ، الفتاوى الحديثية / الهيتمي : 86 ـ مصطفى البابي الحلبي ـ مصر ـ ط 3 ـ 1409 ه.
(10) اُنظر مثلاً : سلسلة الأحاديث الصحيحة / ناصر الدين الألباني 4 : 344 ، 400 ـ المكتب الإسلامي ـ 1985 م.
(11) اُنظر : صفحات من تاريخ الجزيرة العربية / محمد عوض الخطيب : 167 ـ 203 ط 1 ، مركز الغدير ، بيروت / 1995 م.
(12) تاريخ أبي الفداء الدمشقي 1 : 544 في حوادث سنة / 458 ه ، وهذه العبارة حرّفها أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية : 324 ، فأوردها بلفظ : « لقد شان أبو يعلى الحنابلة شيناً لا يغسله ماء البحر » !
(13) المذاهب الإسلامية / محمّد أبو زهرة : 324.
(14) اُنظر : ترجمته في الدرر الكامنة 1 : 155 ، الفتاوى الحديثية : 86.
(15) راجع كتابه / الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية ، وكتابه الآخر / فصل الخطاب في الرّد على محمّد بن عبدالوهاب.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|