أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-02
1120
التاريخ: 2023-06-01
1216
التاريخ: 2023-04-26
1638
التاريخ: 12-10-2014
2640
|
كلما طال الزمن وبعدت بنا المسافات عن زمن النزول ، كلما احتجنا إلى الكنز الإلهي اكثر، واصبح ما وصل إلينا من نوره بصيصا ضئيلا من إشراقة الأمل ، التي يجب أن تنير قلوبنا، وأن تثمر بها نفوسنا من الحب والخير، وتتوج مجتمعاتنا وأجيالنا القادمة بذلك النور الإلهي الوهاج .
فحاجتنا إليه لا تقتصر في أن نودع القرآن الكريم في بيوتنا لحفظنا من الشر وجلب الخير لنا، أو نقرأه على موتانا لينوّر قبورهم، ويجلب لهم الحظ السعيد في الآخرة فقط، بل إن هذا ما هو إلا قطرة من فيض النور الإلهي.
فاحتياج البشر إليه كحاجته إلى الطعام والشراب لديمومة حياته، بل أشد من ذلك، فالبشر إذا كانت حاجتهم إلى الطعام المادي دون الفكري الذي يغذي العقل والروح فهم طبقا للمثال الذي يضربه سبحانه وتعالى في كتابه { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } [الفرقان : 44] حيث لا فرق بيننا وبينهم والسبب هو الإنسان نفسه وطريقة تفكيره ومنهجه في الحياة لعدم الاستفادة من القرآن.
وهنا سؤال يطرح نفسه، ما هي نوع الحاجة؟
وإذا كنا فعلا نحتاج للقرآن. فهل القرآن يقوّم ممارساتنا الحياتية ويضبطها؟! للإجابة على هذا السؤال نقول :
أولا :
منذ أن خلق اللّه سبحانه وتعالى أبانا آدم وأمنا حواء، أعطى لهم الحرية في تناول ما لذ وطاب باستثناء شجرة واحدة، وهذا يعني، ينبغي عليهم الالتزام بالقانون الإلهي، ولم يفرض عليهم مجموعة من القوانين، بل اكتفى بقانون واحد {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } [البقرة : 35]. ولكن بعد خطيئته ونزوله إلى الأرض، وبتوالد البشر وتكاثرهم عبر الدهور، تعقّدت حياتهم، واصبح لزاما على الإنسان أن يكون جماعات ومن ثم مجتمعات وأمم، ولا بد من وجود ضوابط وقوانين، تحمي حقوقهم، وترتب عليهم واجبات تجاه أنفسهم وتجاه المجتمعات الأخرى.
ولهذا لم يترك اللّه عز وجل البشر يتخبطون فيما بينهم بالنظم الوضعية، بل توالت الكتب السماوية عليهم، وانزل الأنبياء والرسل (عليه السلام)، وكان آخرهم القرآن الكريم على خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
لأنه مهما حاول الإنسان أن يستخدم كل طاقاته الفكرية وإمكانياته المادية فلن يستطيع أن يتوصل إلى ذرة من الفيض الإلهي.
فلقد مرّت البشرية بمراحل متعددة وهي في كل يوم تطالعنا بقانون جديد، الهدف من ذلك هو ضبط الإنسان، سلوكا ومنهجا، فردا ومجتمعا في قنوات معينة، وعبر قوانين محدودة، ولم تكن تنجح إلا في حدود ما وافق الشريعة السماوية، أو ما كان مستلهما من رؤى الدين وبصائره، وموافقا لهدى العقل.
فعلا الدين رسالة السماء، لا تلغي كل قانون يضعه الإنسان فيما إذا كان موافقا للعقل، والشرائع السماوية، ولا يجوز تشريع قانون إن لم يكن موافقا لشريعة اللّه.
إذا لا بد من قانون ولن يكون إلا من القرآن الكريم. وهل هناك أفضل من قانون اللّه وبرنامجه؟! أ ليس خالق البشر اعرف بما يصلح للبشر؟! «ثم أن كل قانون عدا قوانين اللّه سبحانه ليس صالحا، إذ القانون يجب أن يكون ملائما للإنسان، ولا يتمكن من وضع القوانين الملائمة للإنسان، إلا من عرف الإنسان والبشر، ومن لم يعرف الإنسان لا يتمكن أن يضع قانونا ملائما له» (1).
خالق الإنسان هو اللّه سبحانه وتعالى، وقد أودعه فطرة، وأعطاه عقلا، ومنحه إرادة، ثم جعله خليفة على الأرض بدلا من الملائكة التي اعترضت عليه، وهل يعقل أن يكون هذا القلق على الأرض من قبل الملائكة دون أن يبعث اللّه قانونا يتمثل في الرسول والكتاب.
كما انه لا يعقل لهذا المخلوق الضعيف {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم : 54] أن يصنع من ضعفه قانونا لضعيف مثله ذا ميول وهوى ورغبات.
لأن الإنسان المقنن مهما كان عالما، وذا خبرة ونزيها، وحرا في تصرفاته، فانه لا يستطيع أن يخرج من الظروف المحيطة به، والتقاليد الموروثة، والعادات المتعارفة، والأهواء التي تضغط عليه من الداخل، فقانونه قد يكون خاص به فقط.
وكيف يمكن أن يجبر الإنسان أخاه الإنسان على الالتزام بما يرتضيه هو لغيره، باعتبار انه مخلوق مثله؟
إذا لا يستطيع هذا الإنسان أن يلزم غيره بالمواثيق، والعهود التي يأخذها على نفسه بهذا الاعتبار، فلا تنتظم الحياة ، وبالتالي لا يرتقي المجتمع لفقدان الضوابط، والقوانين الملزمة له.
ثانيا :
لقد اختلف البشر في الحاجة إلى القانون، وأهمية تطبيقه فيما بينهم، فمنهم من تشدد في فرضه عنوة على الناس، ومثال ذلك الملك حمورابي المتمثل قانونه في شريعته المسماة بشريعة حمورابي. ومنهم من تجاهل دور القانون إلى درجة اصبح قانون الغاب هو الحاكم بينهم، كما في عرب الجاهلية قبل الإسلام، حيث كانت لديهم حروب كثيرة تأكل أبناءهم، كما في حرب داحس والغبراء وحرب البسوس و... الخ. فلو كانوا يعرفون القانون السليم لما نسف بعضهم بعضا.
«ولقد اهتم العلماء في تعريف القانون، بأنه انعكاس من التجارب منطلقين من مدرسة التجربة.
ومنهم من قال : إن مستند القانون شيء من العدالة والتجربة.
أما القسم الآخر عرّف القوانين انعكاس عن العرف والعادة منطلقين من مدرسة الاجتماع» (2) و نحن نعرّفه بأسلوب ابسط واشمل، بأنه نوع من الإلزام. والإلزام وحده لا يكفي دون أن تكون له خلفية وبرنامج وخطة، ترشد الإنسان وتوجهه في الحياة، وتبين له الهدف من وجوده، وما هو مصيره، وذلك ما تكفلت به برامج السماء عبر الكتاب كتاب اللّه المجيد.
قوانين الدين والشريعة التي جاء بها القرآن، وشرحتها روايات أهل البيت، هي ليست قوانين مجردة جوفاء لا روح فيها، فهي تتحرك مع الفرد حينما ينقاد لها ويتبع القرآن، فلا يكون كالأعمى حيث يقاد إلى أمر دون أن يبصره، وقد يكون فيه حتفه.
فهناك ثقافة خاصة للقانون قد تكفل القرآن بها. فعلى المسلم أن يؤمن بكتاب اللّه حتى يستطيع أن يطبق ما فيه، وأن يتعرف على مدى أهمية الالتزام به كي لا يتهرب منه.
فالدين حينما يضع قانونا للجريمة، فهو إنما يمنع الجريمة قبل وقوعها ببرنامج معد سلفا، فلا يتفاجأ الإنسان حين تنفيذ القانون. ولذا نلاحظ أن كثير من الحدود تدرأ بالشبهات، التي تأسست عليها قاعدة يعمل بها في القضاء الإسلامي، وهي قاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات». فبمجرد الشّبه يتوقف التنفيذ للقانون، فكيف إذا لم يكن لديه معرفة بالقانون، أو بالحكم، ولم يستطع أن يطلع عليه إما قاصرا أو مقصرا، على تفصيل عند الفقهاء في ذلك لسنا بصدده (تراجع في ذلك الكتب المختصة بالموضوع)، ولكن يمكن أن ندلل على ما نقول بالرواية التالية :
عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال : «شرب رجل على عهد أبي بكر خمرا فرفع إلى أبي بكر فقال : له أشربت خمرا؟
قال : نعم قال : لم وهي محرمة ؟
قال : فقال له الرجل إني أسلمت وحسن إسلامي ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون ولو علمت إنها حرام اجتنبتها. فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال : ما تقول في أمر هذا الرجل؟
قال عمر : معضلة ليس لها إلا أبو الحسن.
فقال أبو بكر : ادع لنا عليا.
فقال عمر : يؤتى الحكم في بيته فقاما، والرجل معهما، ومن حضرهما من الناس، حتى أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فاخبراه بقصة الرجل وقص الرجل قصته.
فقال (عليه السلام) : ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه.
ففعلوا ذلك فلم يشهد عليه أحد قرا عليه آية التحريم.
فخلى عنه وقال له : إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد (3).
العقوبات وأحكامها هي جزء من النظام الاجتماعي الذي يسود الناس، حتى يأمنوا من خلاله على أنفسهم وأرواحهم، وتتوفر لهم الحرية والاستقرار من جرّاء تطبيقه، فهي ليست مجرد قوانين للردع فقط، بل هي أوامر الشريعة جاءت لتهذيب النفوس ، وصقل الشخصيات، لتتوافق مع تعاليم القرآن.
ومرتكب المعصية أيضا أو الجريمة لا يجوز عقابه ، ولا حكم على من لا يعرف الحكم، هذا ما كان
يقوله الإمام علي (عليه السلام) : فقد رفعت امرأة إلى عمر بن الخطاب قد زنت ، فسألها عن ذلك ، فقالت في يسر : «نعم يا أمير المؤمنين وأعادت ذلك وأيدته كأنها لم تقترف ذنبا، وعلي يسمع ويتأمل ، فقال علي عليه السلام : إنها لتستهل به استهلال من لا يعلم انه حرام .
فأعلمها بحرمة الزنا ودرأ عنها الحد» (4).
ثالثا :
لتوجيه البشر إلى طريق الصلاح والخير، فقد يضيع الإنسان في خضم هذه الحياة فيحتاج إلى المرشد والموجه، وخير مرشد هو القرآن.
يقول ربنا {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 138]
في بعض الأحيان يفقد الإنسان صوابه، ولا يعرف أين الطريق السليم، فيكون القرآن هو الموجه والوسيلة التي يسلكها، وينتهجها في حياته، لتحقيق السعادة والنجاح.
فهو أقرب طريق موصل إلى اللّه سبحانه في معرفة التزاماته، وقوانينه، وهو وسيلة، لأنه طريق موصل إلى أهداف سامية، يريد الإنسان من الوصول إليها أن ينال رضا اللّه في الدنيا من خلال تحقيقها، والفوز بالجنة في دار البقاء.
إذا معرفة الخير من الشر، والحسن من القبيح، هي إحدى اهتمامات البشر، للوصول بمعرفتها إلى الغايات النبيلة، والمعارف السامية ، والحقيقة القرآنية قد كملت في هذا المجال، لتكون بمثابة العطاء التام والكامل لهم، فما على الإنسان المسلم إلا أن يتوجه إلى مصدر الخير وهو القرآن، فيرتشف منه معاني العلم والمعرفة والنهضة العملية، بل وكل وسائل الصلاح، التي مصدرها كتاب اللّه، الذي هو خير للإنسانية، ومنبع قوة المسلمين، وعزتهم، وهو حبل اللّه المتين.
فهو عهد من اللّه إلى البشرية وميثاقه إليهم، كما
قال الإمام الصادق (عليه السلام) : «القرآن عهد اللّه إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وان يقرأ منه في كل يوم خمسين آية» (5).
والقرآن ليس عهدا فقط أو مصدرا للخير وإنما هو المقياس الذي تقاس به صحة القوانين، وسلامتها، ومدى توافقها للفطرة الإنسانية والعقل، وكذلك الأحكام والاجتهادات، بل وكل الجهود الفكرية والنشاط العلمي الذي يقرره الإنسان، وتنتجه ممارسات العلماء والمجتهدين والمفكرين والباحثين الإسلاميين.
يقول سبحانه : {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء : 59]
رابعا :
التكاملية ضرورة في الحياة ، لا يستطيع أحد من البشر مهما حاول الوصول إلى التكاملية إلا أن يبقى عاجزا عن تحقيق حلمه الأزلي.
لهذا نرى أن القانون البشري أو ما نسميه بالوضعي رغم كل الجهود المبذولة، فهو خال من الدقة وغير كامل، وما يطرأ عليه من تغيير أو إلغاء أو محاولة ترميم ثغرات النقص المتعفنة فيه، خير دليل على عدم صلاحيته للبشرية.
بينما كتاب اللّه لا نقص فيه، فهو بيان لكل شيء كما في قوله تعالى : {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } [الإسراء : 89] فهو من عند خالق البشر لكل البشر في كل مكان وزمان {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82] .
فوحدة المصدر ووحدة التناسق وشموليته للبشر وصلاحيته للزمان والمكان، دلالة واضحة على انه بيان كامل مفصل فيه كل شيء، قال سبحانه : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود : 1] .
والنظرة إلى القرآن يجب أن تكون نظرة متكاملة أيضا، بملاحظة جميع الأبعاد، دون أن ننظر إلى الآيات منفصلة بعضها عن بعض { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة : 85] .
هناك من يختار الآيات التي تناسب هواه ومستوى تفكيره دون النظر إلى الآيات الأخرى وكأن القرآن مجزأ إلى أقسام كل حسب هواه، يأخذ الآيات التي تتحدث عن الطبيعة دون الإنسان، أو الإنسان دون علاقاته مع المجتمع، أو الآيات التي تتحدث عن الحكومة والاقتصاد والسياسة، ولا يقترب من الآيات التي تتحدث عن القيامة والجنة والنار.
في حين عليه أن يعتبر القرآن وحدة واحدة، ورؤى وبصائر مترابطة مع بعضها البعض ، لأنه أمر غيبي جاء من خالق البشرية، ولكي لا نكون مصداق الآية التي تقول {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ } [الحجر : 91] أي فرقوه وجعلوه أعضاء كأعضاء الجزور فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه عن قتادة قال آمنوا بما وافق دينهم وكفروا بما خالف دينهم. (6)
_____________________
1. الفقه حول القرآن الكريم ( ج 98) ص 110 .
2. راجع الفقه الحقوق للإمام الشيرازي ص 22 .
3. التهذيب ( ج 10) ص 94 .
4. أخلاقيات أمير المؤمنين ص 94 .
5. البيان للخوئي ص 25 .
6. مجمع البيان ( ج 5- 6) ص 531 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|