[ومن ذلك حلف الأوس وقريش ولم يتم]

قال: خرجت الأوس جالية من الخزرج حتى نزلت على قريش بمكة فحالفتها فلما حالفتها قال الوليد بن المغيرة: والله! ما نزل قوم قط على قوم إلا أخذوا شرفهم وورثوا ديارهم فاقطعوا حلف الأوس، فقالوا: بأي شيء؟

قالوا: إن في القوم حشمة، فقولوا: إنا قد نسينا شيئا لم نذكره لكم، إنا قوم إذا طاف النساء بالبيت فرأى الرجل امرأة تعجبه قبلها ولمسها بيده، فلما قالوا ذلك للأوس نفروا وقالوا: اقطعوا الحلف بيننا وبينكم، فقطعوه، ثم انقطع هذا الحلف بين قريش والأوس إلا ما كان بين عتبة بن أبي وقاص الزهري وبين عتبة بن المنذر بن أحيحة [1] بن الجلاح [2] فإنه ثبت ذلك الحلف، فاتخذ عتبة بن أبي وقاص دارا بقبا [3] فكان ينزلها ويكون فيها وهي الدار التي خلف بئر غرس [4] على اليمين المبنية [5] بالقصة [6] . قال: وقال ابن أبي عبيدة:

خرجت بنو عبد الأشهل وظفر [7] وبنو معاوية وأهل راتج [8] إلى مكة ليحالفوا [9] قريشا وأظهروا أنهم يريدون العمرة وكان من أراد حجا أو عمرة لم يتعرض [10] له وكانوا إذا أحرموا علقوا الحبال برؤوس الآطام وعلقوا فيها الكرانيف [11]، فإذا رؤيت قال الناس: قد أحرم بنو فلان، فربطوا في رؤوس آطامهم الحبال وعلقوا فيها الكرانيف، فقال الناس: قد أحرمت بنو عبد الأشهل بالعمرة، وأجار [12] لهم أموالهم بعد خروجهم [13] عبد الله بن معرور [14] أخو بني سلمة [15] ثم أحد بني عبيد [16] وكانت أمه امرأة من بني عبد الأشهل، فقال قيس بن الخطيم [17] هذه القصيدة حين ساروا إلى مكة: (الوافر)

ألمّ خيال ليلى أم عمرو ... ولم يلمم [18] بنا إلّا لأمر

زجرنا النخل والآطام حتى ... إذا هي لم تطاوعنا [19] لزجر

همننا بالإقامة ثم سرنا ... كسير حذيفة [20] الخير بن بدر

بذم الكاهنين وذم عمرو [21] ... بآية ما تناسوا كل وقر [22]

تقول ظعينتي لما استقلت ... أتترك ما جمعت صريم [23] سحر

فقلت لها دعيني إن مالي ... يروح إذا غلبتهم ويسري

فلست [24] بحاضر [25] إن لم ترونا ... نجالدكم كأنا شرب خمر

وتحمل جمعكم [26] عنا قريش ... كأن بنانهم تفريك بسر [27]

تلاقوا عشرة الأحلاف طرا ... فشدوا كسر عزمهم بجبر

ملكنا العز قد علمت معد ... فلم نذلل بيثرب غير شهر

خذلناهم [28] وأسلمنا الموالي ... وفارقنا الصريخ لغير فقر

فإن نلحق بأبرهة اليماني ... ونعمان [29] يوجهنا [30] وعمرو

فلما حالفوهم مكثوا أياما، ثم قدم أبو جهل بن هشام من سفر له فبلغه شأنهم، فقال لقريش: ما أصبتم حين حالفتموهم إنهم أهل غدر وجلب [31] ، ولقلما دخل قوم على قوم إلا أخرجوهم من بلدهم وغلبوهم على دارهم، فقالوا له: فما المخرج من حلفهم؟ قال: أنا أكفيكم ذلك إنهم لمن أشد العرب غيرة وقزازة [32] فلعلي آتيهم من قبل ذلك، ثم خرج حتى جاءهم فقال: إنكم حالفتم قومي وأنا غائب عنكم فجئتكم لأحالفكم وأذكر لكم من أمرنا أمرا تكونون منه على رؤوس [33] أموركم، إنا قوم نخرج نساءنا إلى أسواقنا فيبعن [34] وابتعن [35] ولا يزال الرجل منا يدرك المرأة منهن إذا أعجبته فيضرب عجيزتها فإن كنتم [36] طيبي الأنفس [37] أن تفعل نساؤكم كما تفعل نساؤنا حالفناكم وإن كرهتم ذلك فردوا إلينا حلفنا، قالوا: إنا لا نقر بهذا وقد رددنا إليكم حلفكم، فانقطع ذلك الحلف وكان هذا سبب انقطاعه.

________________

[1] أحيحة كجهينة.

[2] في الأصل: الجلّاح- بتشديد اللام، وهو خطأ، والجلاح بضم الجيم وتخفيف اللام.

[3] قبا كربى ألفه واو يمد ويقصر: قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة- معجم البلدان 7/ 21.

[4] بئر غرس بفتح الغين المعجمة ثم السكون وآخره السين المهملة: بئر بالمدينة عند قبا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستطيب ماءها ويبارك فيه- معجم البلدان 2/ 6 و 6/ 276 و 277.

[5] في الأصل: المبني.

[6] في الأصل: بالفضة- بالفاء والضاد المعجمة، والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة:

الجصة.

[7] بنو ظفر بطن من بطون الأوس مثل بني عبد الأشهل.

[8] راتج كقاتل: أطم من آطام اليهود بالمدينة والأطم بضم الهمزة والطاء: الحصن- معجم البلدان 4/ 303.

[9] في الأصل: ليحالف.

[10] في الأصل: يعرض.

[11] الكرانيف جمع الكرناف بكسر الكاف وضمها أيضا وهي أصول سعف النخل تبقى في الجذع بعد قطع السعف من النخلة.

[12] في الأصل: أجاز- بالزاي المعجمة.

[13] في الأصل: بعدهم من الخروج.

[14] في الأصل: مغرور- بالغين المعجمة.

[15] بنو سلمة بطن من بطون الخزرج.

[16] في الأصل: عبيدة- بالهاء، وبنو عبيد بن عدي بطن من الأنصار.

[17] الخطيم كعظيم- بالخاء المعجمة وكان قيس أوسيا قتل قبل الهجرة وكان اسم أخته ليلى وكان خلفها بيثرب- انظر الأغاني 2/ 159- 164.

[18] في الأصل: يلم- بتشديد الميم.

[19] في ديوان قيس بن الخطيم ص 60: لم تشيعنا (مدير) .

[20] كان حذيفة بن بدر سيدا جوادا شجاعا من سادات فزارة بن ذبيان، وفي عهد النبوّة من المؤلفة القلوب.

[21] في الأصل: عمر، وعمرو ابن أخته ليلى.

[22] الوقر كقبر: الصدع في الساق والعظم وغيرهما، ويأتي بمعنى الخطب والمصيبة أيضا كالاستعارة ويقال في صدره وقر أي حقد.

[23] في الأصل: هريم، والتصحيح من ديوان قيس بن الخطيم ص 60 (مدير) .

[24] في الأصل: فليست.

[25] في الأصل: لحاضر، [وفي ديوانه: لحاصن- مدير] .

[26] في الأصل: جميعكم، [وفي ديوانه ص 60: حربهم- مدير] .

[27] في الأصل: كأن بنا فهم تقريب بسر، والتصحيح من ديوانه ص 60 (مدير) .

[28] في ديوانه: خذلناه (مدير) .

[29] [في الأصل: أو النعمان، والتصحيح من ديوانه ص 61- مدير] يعني النعمان بن المنذر ملك الحيرة.

[30] يوجهنا: يشرفنا والواو للقسم.

[31] الجلب كقتل: الجناية والذنب.

[32] في الأصل: فزازه- بالفاء يقال قزت عنه نفسي قزا وقزازة أي أبته وعافته وقزت من الدنس أي تجنبته.

[33] في الأصل: رؤس.

[34] في الأصل: فيبعنا.

[35] في الأصل: واتبعنا.

[36] في الأصل: فانكنتم.

[37] في الأصل: أنفس.