مضمون جغرافيا الخدمات:

عدت المدينة اليوم البيئة الأفضل التي يعتمد عليها الإنسان في عيشه واستقراره ونموه وتطوير قدراته ومهارته وأساليب حياته، كونها البيئة التي تعكس صورة التطور في مفهوم الفكر الإنساني لمختلف أشكاله وأنماطه، فهي المكان الذي يجمع الإنسان وحضارته وثقافته وفنونه وعلومه وتقنياته ومختلف حاجاته ومتطلباته التي يجدها فيها ويستطيع أن يوظفها ويزداد الأمر تطورا وتعقيدا بمستوى التنوع والتعدد في الخدمات ومدى الاستفادة منها وانعكاس ذلك على توفير الإمكانيات التي تؤهله لان يبدع فيها ويتطور.

استطاع الإنسان فيها التعايش والتفاعل والانصهار في بوتقة المدينة الذي أصبح هو جزءا منها لا يستطيع أن ينسلخ إلى بيئة أخرى اقل مستوى ثم أنها البيئة ا لأفضل والأكثر نضجا عن بقية البيئات الأخرى في التعامل مع إمكانيات الإنسان والتفهم لإمكانياته والتعامل معها بشكل ايجابي والأمر يعزى إلى قطاعاتها الخدمية القابلة للنهوض بواقع ا لإنسان نحو النمو والتطور والرقي، فكيف يستطيع الإنسان العيش في بيئة المدينة الجديدة التي اعتاد فيها توفر الخدمات مثل الكهرباء والماء الصافي والبيئة النظيفة والإدارة القوية واهتمامات اجتماعية واقتصادية وترفيهية إلى أن يتعرض الإنسان للحرمان والضعف والقصور في مفاصلها وميادينها أو إلى انعدامها وعدم توفرها ليتحول إلى كائن في زمن قديم وبيئة تحتفظ ببعض أثار التحضر والتمدن ولهذه الأهمية الفاعلة برز البحث في جغرافيا الخدمات بشكل جلي وواضح لما لها من دور فعال في الحياة الحضرية الجديدة، ليجد طريقا له للارتقاء بخدمات المدينة ووظائفها إلى جانب التخصص العلمي الدقيق المستند على مفاهيم وأسس ومبادئ ومعايير واتجاهات وأصول بحث وعوامل مؤثرة وعناصر توزيع وخرائط مستقلة وعلاقات متبادلة بين علوم وأخرى متخذا من الربع الأخير من القرن الماضي بدايات اهتمام وبذور نمو وتطور وخاصة في الدراسات التي أصبحت قيد التطبيق للاستفادة منها في مجتمع المدينة المعقد المتعدد النشاطات والفعاليات والمتنوع في الاحتياجات والطلب على الخدمات لساكنيها.

فالخدمات رغم تباين أنواعها واختلاف تصنيفها وتسميتها لا تتعدى أن تكون ضمن المجموعة الحضرية، الأمر الذي جعل من فرع جغرافيا الخدمات فرعا مهما خصبا يستحق الدراسة والبحث فيه ويحقق نتائج فعلية تساهم بالتوصل إلى حلول جذرية لمشاكل تعترض الإنسان فضلا عن الاتجاهات الحديثة والمناهج المتطورة في البحث جعلت منه تخصصا بارزات جذب الانتباه واسترقت الأسماع في الندوات والمؤتمرات لمختلف الاختصاصات والفروع ليخرج من عزلة الانطواء في إحدى زوايا العلوم المهتمة بالمدينة ليأخذ مكانا مستقلا وينحى منحى ويتخذ منهجا لظواهر مهمة في الحياة الحضرية ضمن فروع الجغرافيا البشرية وضمن رؤى الجغرافيين المهتمين بدراسة الإنسان والارض أصل التخصص.