أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-16
698
التاريخ: 2024-08-04
555
التاريخ: 18-11-2014
1637
التاريخ: 5-2-2021
2713
|
قال تعالى : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 35] .
تدل الآية الشريفة على أنه سبحانه أمر آدم بسكنى الجنة ، والأكل من ثمرات أشجارها حيثما شاءا ، ولكن نهاهما عن الاقتراب من شجرة معينة ، لئلا يكونا من الظالمين.
وفي الوقت نفسه حذره من الشيطان ومن الانصياع إلى تغريره ، قال تعالى : {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117] .
لكن الشيطان تقرب منهما بهيئة الناصح الراجي لهما الخير ، زاعماً ان الإنسان غب الأكل من هذه الشجرة يصير ملكاً ويكتب له الخلد في الجنة ، واتهما نهيا عن تلك الشجرة لئلاً يبلغا هذا المقام الكريم ، يقول سبحانه : {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف : 20] .
ولم يكتف اللعين بهذا المقدار من التغرير والفرية على الله سبحانه بل حلف أنه لهما ناصح ، كما حكاه عنه سبحانه بقوله : {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : 21] .
هذا ما يقف عليه القارئ من التدبر في هذه الآيات.
وهنا نكات يجب التنبيه عليها :
١. مكان آدم قبل سكناه الجنة
لا شك أنه سبحانه أمر آدم بسكنى الجنة ، عقب سجود الملائكة له ، وإباء إبليس عن ذلك وعندئذ يطرح السؤال التالي نفسه : أين كان مثوى آدم قبل أن يؤمر بالسكن في الجنة ؟
والجواب : أنه سبحانه خلقه في الجنة وأمر الملائكة بالسجود له غير أن بقاءه فيها لم يكن قطعياً ، فعندما تمت حادثة السجود ، أمره سبحانه بسكنى الجنة ، و التنعم بكل ما فيها ، إلا شجرة واحدة نهاه سبحانه عنها. ويؤيد هذه النظرية أنه سبحانه يقول : {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} دون أن يقول : ادخل.
وهناك نظرية أخرى ترى أنه خلق في غير الجنة وجرى عليه ما جرى ، إذ لو كان أصله وخلقته في الجنة لعاد الأمر بالسكن فيها أمراً زائداً. (1)
يلاحظ عليه : بأن آدم وإن خلق في الجنة ، ولكن استقراره فيها لم يكن أمراً حتمياً ، فلما انقضى تكريمه وإجلاله بسجود الملائكة له وتقريع عدوه ، أمنه سبحانه وفضله باتخاذ الجنة سكنا.
٢. ماهي الجنة التي سكن فيها آدم ؟
هل الجنة التي سكن فيها آدم وزوجته هي جنة المأوى أو جنة من جنان الدنيا ؟ وهل كانت من جنات الأرض أو من جنات السماء ؟ فيه قولان :
المنقول عن الجمهور أنها جنة المأوى أخذاً بظواهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة : 35] . واستغربه ابن كبر في «البداية والنهاية» وقال مستدلاً بحديث مسلم عن أبي هريرة : يجمع الله الناس ويقوم المؤمنون حين تزدلف لهم الجنة فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة ، فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم ؟ فقال ابن كثير بعد نقل هذا الحديث : وفي هذا قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى . (٢)
ولكن هذا القول بعيد ، لأن أوصاف جنة المأوى المذكورة في القرآن الكريم لا تنطبق على الجنة التي سكن فيها آدم ، فمن صفاتها الخلود لمن دخلها يقول سبحا نه : {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر : 48] .
وقال : {لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة : 21] .
فلو كان آدم من سكانها ، لما أخرج منها أبداً .
وأما الرواية التي ذكرها مسلم عن أبي هريرة فإنها أشبه بالإسرائيليات ، لأن ظاهر الآيات هو أن المؤمنين إذا اقتربوا من الجنة وجدوها مفتوحة أبوابها ، لا مقفلة حتى يتوسلوا بآدم لفتحها؛ يقول سبحانه : {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص : 50] ، {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر : 73]
فالواو في قوله : {وَفُتِحَتْ} للحال ، (٣) ومعنى الآية أنهم يصلون إلى الجنة في حال كونها مفتوحة . فالاعتماد على الرواية في تعيين الجنة التي سكنها آدم ، غير صحيح .
ويؤيده ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث سئل عن جنة آدم ؟ فقال : «من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنات ا لآخرة ما خرج منها أبد". (٤)
وأما أنها هل كانت في الأرض أو في مكان آخر ؟
الظاهر هو الثاني ، لأن الصفات التي يذكرها القرآن للجنة التي سكن فيها آدم لا تنطبق على جنات الأرض حيث يصفها سبحانه عند خطابه لآدم بقوله : {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه : 118 ، 119]
وفي آية خرى يصف الجنة التي سكن فيها آدم بخلوها من الشقاء والعناء فيها ، يقول سبحانه : {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117] .
وكل ذلك لا ينطبق على جنات الارض .
ويؤيد أنها لم تكن في الأرض ، أنه سبحانه خاطب آدم و زوجته - بعد خالفتهما أمره - بقوله : {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة : 36] . بناء على أن الإهباط كان مكانياً لا معنوياً .
وحصيلة الكلام : أنه سبحانه أسكن آدم وزوجه في جنة من جنان الدنيا ، في مكان غير الأرض ، كانت دار سعادة وهناء ونعيم ، لا جوع فيها ولا عري ولا ظمأ ، فمكثا فيها إلى أن أغراهما الشيطان بالعصيان ، فأخرجا منها وأهبطا إلى الأرض. هذا ما يظهر من الآيات ، وبذلك يعلم سر قوله سبحانه و(اني جاعل في الأرض خليفة) ، فالغاية من خلق آدم هي جعله خليفة في الأرض لا في جنة المأوى ولا في جنة أخرى من جنان الدنيا ، ولكن اقتضت حكمته تعالى أن يمر بحوادث ويتعرض لابتلاء قبل أن يهبط إلى مقر خلافته .
وهنا يثار هذا التساؤل لماذا لم يخلقه الله تعالى في الأرض منذ بداية الأمر إذا كان مآله إليها؟ ولعل الجواب يكمن في السر الذي اكتنف خلقته في الجنة إذ ثبتت خلافته ، وتجلت مكانته العظيمة بسجود الملائكة له ، كما انتفع خلال مسيرته بتجربة هامة أتاحت له معرفة عدوه الذي لم يفتأ يغريه ويغري ذريته من بعده بركوب الشر ونبذ الخير ، وذاق مرارة المحنة ، وعرف سبيل تجاوزها بالرجوع إلى ربه تائباً مستغفرا ، إلى غير ذلك من الأسرار التي تعلمها أبونا آدم (عليه السلام) في تلك المسيرة الطويلة .
٣. ماهية الشجرة المحرمة
اختلفت كلمات المفسرين في ماهية الشجرة التي نهي آدم وزوجته عن أكل ثمرتها إلى أقوال ربما تناهز 16 قولاً . غير أن تعيين واحد منها يحتاج إلى دليل قاطع. ولكن القدر المتيقن أن الشجرة المنهي عنها لم تكن شجرة المعرفة... كما عليه التوراة إذ جاء فيها : «وأمر الرب الإله الإنسان قائلا من جميع أشجار الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها فإنك يوم تأكل منها تموت موتاً)) . (5) وذلك أته تبارك وتعالىعلمآدم الأسماء كلها ، وقد مر أن المراد ليس تعليم ألفاظها بل الأسرار لمكنونة في الأشياء والمسميات بما فيها هذه المعرفة التي ذكرت في التوراة .
نعم ورد في بعض الروايات أنها كانت «شجرة العنب» أو «التمر» أو «الليمون» أو «سنابل القمح» . ولكن ما ذكر هو أشجار مباركة ، فكيف يكون أكل ثمرتها مورثاً للشقاء الذي أصاب آدم وزوجته ؟ ! واللازم أن نقول : «لله العالم» .
٤ . كيف غر إبليس آدم ؟
قد مر في الآيات السابقة أن الشيطان بعد أنطرد من الجنة أخذ يكن العداء لآدم وحواء ويسعى لإخراجهما من الجنة. وقد حذرهما سبحانه وتعالى منه بقوله : {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117]
وقد اكتشف الشيطان الثغرة التي تيسر له الدخول منها إلى نفس آدم وهي حبه الخلود بالجنة ، فجعل ذلك ذريعة لإغوائهما .
فدخل من تلك الثغرة وقال : {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه : 120] ، فصار هذا سبباً لإصغاء آدم لكلام الشيطان ، ولم يكتف بذلك بل عزز ذلك بكلام آخر وقال : {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف : 20] .
وبما أن هذا الكلام كان يهز مشاعر آدم وزوجته وأنه كيف نهاهما ربهما عن أكل هذه الشجرة لتلك الغايتين الكريمتين ، عاد الشيطان لرفع حيرته بالحلف على أنه من الناصحين ، كما حكى سبحانه ذلك بقوله : {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف : 21] .
وعلى ضوء ذلك فقد غر الشيطان آدم بأمرين :
١. تذكيره بأن الأكل من الشجرة يورث الملك الخالد والسكنى في الجنة .
٢. حلفه وإظهار كلامه بلهجة الناصح الأمين .
وربما يشير الله سبحانه إلى هذه الكيفية بقوله : {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف : 22] ففي تلك الأجواء اغترا بكلامه ونصحه وحلفه ، ونسي آدم ما عهد الله سبحانه إليه حيث يقول : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه : 115] .
وأما العهد الوارد في هذه ا لآية فهو عهد يختص بهما كما أشار إليه بقوله سبحانه : {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117] .
وأما العهد العام لعامة أبنائه ، الوارد في قوله : {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس : 60] فهو راجع إلى أولاده لا إلى نفسه .
ويستفاد مما تقدم : أن العدو ربما يظهر بلباس الصداقة فيغر الإنسان من الطرق التي تهوى إليها النفس وتميل ، وعندئذ يبدو المخادع وكأنه ناصح مشفق خصوصاً إذا كان حلو الكلام مازجاً كلامه بالحلف والقسم وهنا مكمن الخطر ، وهنا «مزلقة أقدام الإنسان» التي لا نجاة منها إلا بالتوكل على الله في أن يحفظه من ريب الزمان وأهله ، ورحم الله الشاعر الفحل أبو فراس الحمداني الذي يقول :
بمن يثق الإنسان فيما ينوبُهُ ومن أين للحر الكريم صحاب ؟
وقد صار هذا الناس إلا أقلّهم ذئاباً على أجسادهن ثياب
هذا هو ما يقصه علينا القرآن الكريم من إغراء الشيطان لآدم بعيداً عن كل اسطورة ، وأما ما ورد في التوراة فشيء عجيب لا تطمئن إليه النفس ، إذ جاء فيها : وكانت الحية أحيل جميع حيوانات الحقول التي صنعها الرب الإله. فقالت للمرأة : أيقينا قال الله : لا تأكلا من جميع أشجار الجنة».
فقالت المرأة للحية : من ثمر أشجار الجنة نأكل ، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة ، فقال الله : لا تأكلا منها ولا تمساه كيلا تموتا».
فقالت الحية للمرأة : (موتاً لا تموتان ، فالله عالم أنكما في يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة تعرفان الخير والشر). (6)
فأنت إذا قارنت بين نصوص القرآن الكريم وبين ما جاء في التوراة حول
هذا الموضوع ، لوقفت على سر قوله سبحانه : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة : 48] أي رقيباً على سائر الكتب يشهد بصحتها ويصونها من التبديل .
_________________
1. تفسير الفرقان : ٣١٣/١.
2. البداية والنهاية : ٦٩/١.
3. تفسير الجلالين : ٤٦٦.
4. البرهان : ٨٠/١.
5. التوراة ، سفر التكوين - الإصحاح الثاني ، الآية ١٦-١٧ .
6. التوراة سفر التكوين : ١/٣-١٦.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|