المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

السياحة الاجتماعية
16-4-2022
Heptagonal Pyramidal Number
22-12-2020
زوايا وجهة النظر- اللقطة الموضوعية
28/9/2022
Directions
13-6-2021
أدعية الصحيفة السجّادية: الدعاء الاربعون
24/10/2022
تفاعل الجالكون مع الهيدرازين والفنيل هيدرازين
2024-09-28


طبيعة المجتمع العربي في عصر النبوة  
  
2049   02:56 صباحاً   التاريخ: 5-05-2015
المؤلف : محمد علي الاشيقر
الكتاب أو المصدر : لمحات من تاريخ القران
الجزء والصفحة : ص78-87.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / حضارات / مقالات عامة من التاريخ الإسلامي /

كانت غالبية الناس في الديار الحجازية حين نزول القرآن الكريم على صدر الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كانت أمية وجاهلة ولا تجيد القراءة والكتابة، وإنما قلنا هنا الغالبية فمن اجل أن نخرج منهم فئات قليلة كانت تتقن القراءة والكتابة وهي في مجموعها نسبة لا يستهان بها عند الحساب ..

وسنشير فيما يلي من سطور عن مدى انتشار التعليم (القراءة والكتابة) في المدن الحجازية أولا ثم نعرج من بعد على شئونها وأحوالها الأخرى ثانيا فأقول بعد الاتكال على اللّه :

بصدد نسبة المتعلمين وعددهم عند بدء نزول الوحي فقد ذهب معظم الرواة والمؤرخين السابقين واللاحقين إلى نفي واستبعاد وجود أي لون من ألوان التعليم والثقافة أو وجودهما ولكن بنسبة جد صغيرة حيث لا يتجاوز عدد المتعلمين- لدى هؤلاء عن عدد اصابع اليد الواحدة في كل بلد من بلدان الحجاز وحواضره ..

أما القلة من الرواة والمؤرخين فتنحوا وتشير إلى «وجود فئات قليلة من المتعلمين وبنسب لا يمكن تجاهلها في المدن الحجازية» (1)..

وهذه القلة من الرواة لم تطلق قولها هذا جزافا أو على عواهنه وإنما تورد أدلة وإثباتات قاطعة في دعم قولها وتأييده ..

وإني اذ أضم صوتي إلى هذه الفئة القليلة من الرواة والمؤرخين لأورد في أدناه وبتصرف بعض النقاط والأدلة الواردة في تعزيز هذا الرأي وتأييد هذا الإتجاه فأقول :

ان البيئة الحجازية ولا سيما مكة المكرمة والمدينة المنورة كانت بيئة تجارية قبل كل شي‏ء (وفقا لما أشار إليه القرآن الكريم في سورة قريش)، وكانت هذه البيئة بحكم عملها وطبيعتها على اتصال وثيق ومستمر ماديا مع البلاد المجاورة وهي الشام واليمن والعراق والتي كانت على جانب لا بأس به من العلم والثقافة ..

وكانت البيئة الحجازية أيضا تضم فئات وجاليات كتابية مسيحية ويهودية أصيلة ونازحة من البلاد المجاورة والتي كانت تتداول فيما بينها الكتب الدينية أو غير الدينية قراءة وكتابة ..

فلا يتصور في كل هذه الحالات أن يبقى العرب في مكة والمدينة جامدين وغافلين عن اقتباس أصول القراءة والكتابة من هؤلاء لاستعمالها في معاملاتهم اليومية وحياتهم التجارية والتي لا يمكن تصور قيامها بدون كتابة أو تدوين، ولاستعمالها أيضا في تسجيل معلقاتهم واشعارهم وأيامهم التي ملئت الخافقين وتحدث بها الركبان وسمعها القاصي والداني ..

هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فإن في القرآن آيات عديدة تشير إلى فضل العلم ومنزلة العلماء ودرجتهم وتطلب من سائر الناس تسجيل كافة المعاملات والتصرفات وكتابتها نقدا أو دينا صغيرة أو كبيرة، فكيف تطلب هذه الآيات من الناس تحقيق كل ذلك دون وجود قسم من المتعلمين بين صفوفهم ودون وجود كتاب يكتبون ويدونون لأنفسهم أو عن الآخرين ‏(2)..

هذا بالإضافة إلى أن كتبة الوحي بين يديّ الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) بلغ عددهم أكثر من 40 رجلا - كما سنرى بعد قليل - وان كثيرا منهم كانوا مكيّين وهم الذين كتبوا القسم المكي من القرآن قبل هجرة الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) إلى المدينة، وهذا دليل ساطع على وجود المتعلمين في مكة وان كانوا قليلين سواء من كتب وسجل الوحي كهؤلاء أو ممن لم يسلم بعد ويدخل في رحاب الإيمان والعقيدة.

كما ونشير هنا إلى أن الأسرى الفقراء من قريش الذين وقعوا في قبضة المسلمين في معركة بدر الكبرى عام 2 للهجرة والذين لم يستطيعوا أن يقدّموا فدية نقدية لإطلاق سراحهم كلف كل واحد منهم ممن يجيد القراءة والكتابة تعليم عشرة من أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة لقاء اطلاق سراحهم وعودتهم بالتالي إلى ديارهم وأهليهم (3)..

ويحدثنا التاريخ أن كثيرا من هؤلاء قد قاموا بما كلفوا به من تعليم كل واحد لعشرة من الأطفال في المدينة واصبحوا بعدها أحرارا وعادوا إلى مكة المكرمة، كما واسلم بعضهم عند ما لمسوا بجلاء عدالة الشريعة وسماحتها ورحابة افقها.

فكيف يعقل هنا أن يجيد قسم من الفقراء ومعدمي القرشيين القراءة والكتابة ولا يتقنها اغنياؤهم وتجارهم وأرباب السلطان منهم ..

لذا نرى جازمين مما تقدم أن التعليم كان منتشرا عند بدء الرسالة وانطلاق نداء الوحي في المدن الحجازية بأكثر مما يورده الرواة والمؤرخين في كتبهم وتواريخهم وان نسبتهم العددية وان كانت قليلة بالنسبة إلى عموم الناس وسوادهم إلا أنها نسبة لا يستهان بها وأنها قد لا تكون بأقل من نسبة المتعلمين في هذا العهد في بعض الدول الأفريقية الاستوائية.

هذا وان زيادة وارتفاع نسبة المتعلمين بين الناس عند بعثة الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم)- كما تقدم- وخلافا لما أورده غالبية الرواة والمؤرخين- لا يمكن أن يحمل على غير محمله فظن بأن هذا الأمر يخفف أو يقلل أو يصطدم مع معجزة الإسلام الخالدة - أو أي أصل أو فرع ديني آخر. بل أن العكس هو الصحيح، حيث أرى- جازما- بأن وجود هذه الفئة القليلة من المتعلمين عند نزول القرآن على الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) يعزز من قوة هذه المعجزة التي تحدت القوم وجابهتهم في الميدان الذي يصولون فيه ويجولون وفي نفس السلاح الذي يحملونه في أيديهم وفي اللسان والمنطق الذي يجيدونه ..

بل اضيف إلى كل هذا بالقول بأنه لو لم يكن هناك في البيئة الحجازية أي متعلم أو كاتب أو كان ولكن بقدر أصابع اليد الواحدة- كما يقول البعض- لكان وقع وصدى معجزة القرآن أقل وأدنى مما لو كانت أعداد المتعلمين كبيرة ونسبتهم العددية عالية ..

أما بصدد اجادة الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) نفسه للقراءة والكتابة، فقد ذهبت الغالبية العظمى من المؤرخين والرواة وكتاب السير من تقدم منهم أو تأخر، ذهب كل هؤلاء إلى أن النبي محمد (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان أميا لا يعرف أن يكتب ولا اشتغل بمدارسه ولا بمثاقبه ولم يدخل مدرسة ولم يمارس تعلما (4)..

وإني إذ أضم صوتي إلى أصواتهم لأورد مختصرا بعض النقاط والملاحظات المتعلقة بذلك فأقول :

ان النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان أميا بسبب اتخاذه بعد بعثته كتابا للوحي يسجّلون كلما أوحي إليها- على التفصيل الذي سنشير إليه في فصل قادم- كما ولم نسمع بأن الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كتب شيئا أو دوّن رسالة أو خطا طيلة مدة حياته، بل أن هذا العمل كان منوطا ومفوضا إلى الكتّاب الذين كانوا يدوّنون عنه كلما يطلب الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) منهم ثم يوشّحه من بعد بختمه (مهره) إذا ما كانت هذه رسالة موجهة إلى جهة معلومة أو خطابا لفئة معينة ..

كما وننقل هنا حادثتين طريفتين يتداولها المؤرخون في بطون كتبهم تخصان هذا الموضوع هما :

الأولى وملخصها هو أن العباس بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) وهو بمكة كان قد كتب إلى النبي كتابا يخبره فيه بتجمع ذيول وفئات قريش وخروجهم لمنازلته (في معركة أحد)، وان العباس كان قد أرسل هذا الكتاب رفقة فتى من غفار، وان النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) حين ورده هذا الغفاري استدعى على الفور أبي كعب - وكان أحد كتّابه- ودفع إليه الكتاب ليقرأه عليه، وحين فرغ- أبي- من قراءة الكتاب استكتمه النبي، ولو كان النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) غير أميّ لكفى نفسه مئونة دعوة أبي لقراءة كتاب العباس ولقرأه بنفسه‏ (5)..

أما الحادثة الثانية فمفادها ان الإمام علي بن أبي طالب- عليه السلام - كان‏ كاتبا لرسول اللّه (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) في عقد صلح الحديبية الذي تم عام 6 للهجرة، فكتب الإمام : «هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه» ولكن سهيل رسول القرشيين في مكة أجاب : أنه لو علم بأنه رسول اللّه لما قاتلناه فطلب محوها، فقال رسول اللّه لعلي : أمحها فأمتنع علي عن محو جملة «رسول اللّه» فقال (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) لعلي : أرنيه، فمسها النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) بيده وهذا العمل يدل على أنه (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان لا يقرأ ولا يكتب ..

هذا علما بأن هناك فئة من الذين يذهبون إلى أمية الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) تقصر وتصرف هذه الأمية على الفترة التي سبقت نزول الوحي والقرآن، لأن هذه الفترة في نظرهم هي الموجبة لبقاء النبي اميا وهي التي ترفع الشك والشبهة في نسبة القرآن إلى غير منزله، أما بعد هذه الفترة فلا وجوب ولا حكمة لبقاء النبي اميا، فضلا عن أنه ليس هناك شك أو شبهة حول القرآن بعد ان نزل إلى الأرض وقرأه الناس .. وتحتج هذه الفئة بأن لفظ «من قبله» في الآية الكريمة «و ما كنت تتلو من قبله ...» (6) يقصد به من قبل نزول الوحي والقرآن. كما وتحتج بأدلة ووقائع لا مجال لإيرادها في هذا الموجز ..

وبعد فلا يمكن هنا وبحال من الأحوال أن يتصوّر بأن الأمية هي اساءة للرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) أو منقصة له، بل هي في الحق «من وجوه اعجازه والإعجاب به صدوره من قبل النبي- الأمي- ربيب البادية البعيد عن حظائر الفنون النائي عن حواضر الحكماء ومحاضر العلماء» (7)..

ولو كان النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) غير أمي (جدلا) فلربما ستثور بوجهه التقوّلات والأراجيف بأن هذا القرآن أو بعضه من صنع يده وأن كافة ما جاء فيه من قصص الماضين وأحوال الغابرين هي مما تعلمها وسجّلها وأخذها من أبناء اليهود والمسيحيين في خلال سفراته العديدة إلى ديار الشام وإلى المدينة المنورة، ومما اطلع عليه من كتب اليهود القديمة ومخلّفات القرون الأولى ومن دون أن يبعثه اللّه تعالى إلى العالمين رسولا ونبيا ..

لذا جاء حكم اللّه الصارم في القرآن بنفي اجادة الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) للقراءة والكتابة، وقد جاء حكم اللّه هذا فلأجل أن يقطع الطريق على كل ما قد يتصور أو يشك أو يثار بصدد القرآن ونسبته إلى غير خالقه اجل جاء حكم اللّه تعالى هذا القول : {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت : 48]  ليؤكد كل ما قلناه آنفا من أمية الرسول وعدم اجادته للقراءة والكتابة ..

هذا وقد كان في وسع أي شخص في عصر النبوة أن يتعلم القراءة والكتابة في بحر فترة قصيرة من الزمن، وقد كان- من باب أولى- في مكنة الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) ان يتقنها في فترة قياسية إذا رغب في ذلك ولكن اللّه سبحانه آثر له البقاء بعيدا عن عالم القراءة ودنيا الحروف والأرقام ليكون وقع معجزة القرآن على الناس شديدا واثرها عليهم كبيرا، فضلا عن كشف كافة التقولات والتخرصات التي قد تثار بشأن مصدر القرآن إلى غير منزله وموجده وهو اللّه تعالى ..

ورغم كل البراهين والحجج الآنفة الذكر الخاصة بأمية الرسول وعدم إجادته القراءة والكتابة نجد هناك قلائل يذهبون إلى أن النبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان يقرأ ويكتب بدعوى أن الأمية هي نقص للفرد العادي فكيف الحال بالنسبة للرسول الكريم والذي يلزم- بنظرهم- أن يكون ممن يقرأ ويكتب.

وقد قام هؤلاء بتأويل الآيات الكريمة الخاصة بأمية الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) تأويلا يتفق ووجهة نظرهم كما أشاروا إلى ما حصل له (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) عند قرب‏ وفاته حينما قال (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) «لو آتوني بدواة وقلم اكتب لكم شيئا لن تضلوا بعدي أبدا» حيث أن هذا القول يوحي بإجادة الرسول للكتابة ..

والحقيقة هنا هو ان لفظ- اكتب- هو أمر بالكتابة أي يطلب من أحد الحاضرين كتابة ما يمليه عليه (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) لا أن يكتب (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) بنفسه وهو مسجى على فراش الخلود في انتظار لقاء ربه تعالى ..

هذا وقد حاولت فئة ثالثة- برزت هنا- التوفيق بين الرأيين المتضاربين الآنفين بخصوص امية أو عدم امية الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) حيث خلصت للقول بأن الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان في الحق اميا لا يقرأ ولا يكتب ولكن كان في مكنته ان شاء ان يقرأ ويكتب، أو يقول آخر قريب منه هو : ان الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) كان يعرف أن يقرأ ويكتب ولكنه لم يباشر ذلك أبدا طيلة مدة حياته ...

وليس لدينا ما نقوله تعقيبا على الرأيين الأخيرين غير توجيه القارئ الكريم إلى الأدلة والحجج الواردة آنفا والخاصة بأمية الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) لكونها دلائل وبراهين تتلقى مع المنطق وتتجاوب مع الواقع لذا فقد اعتمدتها الغالبية الساحقة من المؤرخين وكتّاب السير والرواة وعلى اختلاف طوائفهم ومشاربهم.

وقبل أن نترك هذا البحث نشير إلى أن ما ورد في القرآن الكريم من وصف للنبي (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) بالأمي أو بعثه في الأميين فهو إما ان النبي كان أميا- كما تقدم- وإما أن الغالبية من أهل مكة كانوا اميين فنسب النبي إليهم أو أن مكة المكرمة كانت أم القرى فنسب النبي لها، كما وقيل هنا أيضا أنه يراد بالأمي : «ما يقابل أهل الكتاب الذين يحوزون الكتب المقدسة ويعرفونها، فالرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) لم يكن له علم بهذه الكتب المقدسة ولم يتلق منها وإنما جاءه العلم من عند اللّه تعالى وعن طريق الوحي» (8)..

أما في اللغة فأن اللفظ الأمي «فأصله المنسوب لأمه وأريد به من لا يقرأ من كتاب ولا يكتب لأنه كيوم ولدته أمه» (9)..

أما عن الأحوال الاجتماعية والشئون الأخرى التي كان يعيشها الإنسان العربي في أرض الحجاز عند بدء الرسالة ومطلع النور فنشير إلى أن الحالة التي كانت سائدة عند العرب حينذاك لا يمكن أن نعتبرها بسيطة ساذجة كما يقول الكثير من الرواة والمؤرخين حيث «لم يكن في الحقيقة ساذجا وفطريا سوى أحوال البدو في الصحراء» (10) لأن ارتباط كل من مكة والمدينة بسوريا الرومانية وبالعراق الساساني وباليمن في الجنوب وباليهود في أطراف المدينة بل في قلب المدينة نفسها جعلتهما- مكة والمدينة- «متأثرين بالقانون الروماني والقانون الساساني الفارسي والقانون اليهودي فيما كان معمولا به المعاملات المدنية في البلدان» (11) فضلا عن تأثرهم قبل ذلك أو بعده ببعض العادات والطبائع والأعراف الأخرى ..

كما وكان هناك في كل من مكة والمدينة بعض النظم الاجتماعية التي تعود إلى النظام العربي الخالص والنظام القبلي القح وهي الأنظمة والروابط والمواثيق المتعلقة بالأسرة والمواريث والجنايات والقصاص فضلا عن القواعد التي كانت تطبق على العقود وبعض أشكال معينة للشركات والمعاملات المالية والزراعية في المدينة والطائف، وكل هذه «كانت تنمو وتزدهر وتتطور بالعلاقات التجارية التي كانت تغذيها وتنعشها الأشهر الحرم‏ (12) والأسواق الكبرى (13) ورحلات الشتاء والصيف إلى‏ اليمن والشام» (14) ..

وإلى جانب كل هذه كانت هناك أيضا «عادات وتقاليد ظالمة وجائرة لا تتلاءم مع أبسط قواعد العدل والإنصاف ولا تتفق مع أدنى وأبسط حقوق الإنسان» (15) وهذه العادات البالية وإن لم تكن شائعة بين صفوف أبناء كافة القبائل وسكان المدن إلا أنها كانت منتشرة بين بعض أمهات هذه القبائل، ومن هذه التقاليد الغابرة الربا وشرب الخمر والميسر والدعارة ووأد البنات وتمليكها كجزء من تركة المتوفى واشعال نيران الحروب لسبب بسيط أو بدونه كحرب الفجار وداحس والغبراء والبسوس والتي قامت بين قبيلتي تغلب وبكر وامتدت إلى أربعين عاما هلك فيها الآلاف من أبناء القبيلتين، هذا بالإضافة إلى انتشار عبادة الأوثان والأصنام‏ (16) بين كثرتهم الكاثرة إلا من بعض الأفراد ممن يدعى بالحنفاء حيث كانوا يعبدون اللّه سبحانه ويكفرون بما سواه مثل ورقة بن نوفل وغيره من القرشيين ..

هذه هي حالة المجتمع العربي وهذا هو تاريخه واضحا وساطعا وموجزا عند بدء نزول الوحي الأمين على صدر الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) وبدء ساعة الصفر في الثورة الإسلامية المباركة ..

فكيف- يا ترى- سيكون وقع صوت الوحي ونداء الحق على مسامع أفراد هذا المجتمع وكيف سيغدو اثره وانعكاساته على أفكارهم وأحلامهم وكيف ستكون استجابتهم له ..

ان كل الإجابات على التساؤلات الآنفة ستكون مواضيع الفصول التالية بإذن اللّه ..

______________________

(1) القرآن المجيد - محمد عزة دروزة.

(2) القرآن المجيد - محمد عزة دروزة.

(3) يمكن هنا اعتبار هؤلاء الأسرى بتعليم أطفال المسلمين أو غيرهم من الأميين أول مدرسة قامت في العصر الإسلامي إن صح تسميتها مدرسة .. وهناك من عدّ الدار التي كان يختبى‏ء فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المسلمين في مكة المكرمة عند الصفا عند بدأ علنية الدعوة والتي حفظ فيها الصحابة الأوائل الكثير من الآيات الكريمة عد هذه الدار المدرسة الأولى للقرآن الكريم في الإسلام ..

(4) المعجزة الخالدة - هبة الدين الشهرستاني، اعجاز القرآن - أبو بكر الباقلاني، آلاء الرحمن في تفسير القرآن - محمد جواد البلاغي، تاريخ القرآن - إبراهيم الابياري، تفسير شبر- السيد عبد اللّه شبّر، تاريخ التشريع الإسلامي- محمد الخضري، تاريخ القرآن- ابي عبد اللّه الزنجاني، التعبير الفني في القرآن - الدكتور بكري شيخ أمين، الدين والإسلام- الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، دراسات في علوم القرآن- الدكتور عبد القهار العاني، مباحث في علوم القرآن- مناع القطان، موجز علوم القرآن- إبراهيم الأبياري ..

(5) تاريخ القرآن- إبراهيم الابياري.

(6) مجمع البيان في تفسير القرآن- ابي علي الفضل الطبرسي.

(7) المعجزة الخالدة- هبة الدين الشهرستاني.

(8) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي- الدكتور علي حسن عبد القادر.

(9) المصحف الميسر- الشيخ عبد الجليل عيسى.

(10) (11) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي - الدكتور علي حسن عبد القادر.

(12) الأشهر الحرم هي أربعة : ثلاث منها متواليات هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، والرابع هو شهر رجب الذي يقع بين جمادي وشعبان ..

(13) اهم الأسواق عند العرب هي : سوق عكاظ، المربد، ذي المجاز، هجر، مجنة، دومة الجندل وهذه كلها اسواق سنوية « حولية» كما وهناك أسواق أسبوعيه مثل« سوق الخميس والاثنين والثلاثاء».

وكانت الأسواق تزخر بالناس من تجار وصناع وادباء وخطباء وشعراء وساسة وأشراف للبحث والتداول في الشئون التجارية والاقتصادية والخطابية والسياسية .... الخ.

(14) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي - الدكتور علي حسن عبد القادر ..

(15) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي - الدكتور علي حسن عبد القادر ..

(16) قيل في التفريق بين الأصنام والأوثان ان الصنم هو ما عمل من خشب أو ذهب أو فضة على صورة انسان وإذا عمل هذا من حجارة فيصبح وثن ..

وهناك من لا يفرق بينهما : انه إذا كان ما يعبد حجرا على غير صورة فهو نصب وان كان تمثالا سمّي صنما ووثنا ..




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .