المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

مفهوم الأمانة
29-3-2016
نهاية السؤال البرلماني بسقوطه
23-4-2022
الهدروجين الثقيل heavy hydrogen
5-1-2020
Current in Wire and Poynting Vector
8-8-2016
الماء وهبة الحياة
5-2-2018
زكريا أخو المستهل
3-9-2017


تفسير الآية (24) من سورة الأنفال  
  
6931   07:57 مساءً   التاريخ: 2-9-2021
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة ...
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنفال /

قال تعالى  :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال :  24] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآية (1)  :

 

أمر سبحانه بطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}  ، أي :  أجيبوا الله والرسول فيما يأمرانكم به ، فإجابة الله والرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} قيل فيه أقوال :  أحدها : إن معناه :  إذا دعاكم إلى الجهاد ، واللام في معنى إلى . قال القتيبي ، هو الشهادة ، فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى . وقال الجبائي :  أي دعاكم إلى إحياء أمركم ، وإعزاز دينكم ، بجهاد عدوكم ، مع نصر الله إياكم ، وهو معنى قول الفراء وثانيها : إن معناه :  إذا دعاكم إلى الإيمان ، فإنه حياة القلب ، والكفر :  موته ، عن السدي .

وقيل :  إلى الحق ، عن مجاهد وثالثها :  إن معناه :  إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين ، لأن الجهل موت ، والعلم حياة ، والقرآن سبب الحياة بالعلم ، وفيه النجاة والعصمة ، عن قتادة ورابعها :  إن معناه :  إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة ، ونعيم الأبد ، عن أبي مسلم .

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} أي :  يحول بين المرء ، وبين الانتفاع بقلبه ، بالموت ، فلا يمكنه استدراك ما فات ، فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة ، ودعوا التسويف ، عن الجبائي ، قال :  وفيه حث على الطاعة قبل حلول المانع .

وقيل معناه :  إنه سبحانه أقرب إليه من قلبه . وهو نظير قوله :  {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق : 16] فإن الحائل بين الشئ وغيره ، أقرب إلى ذلك الشئ من ذلك الغير ، عن الحسن وقتادة قالا :  وفيه تحذير شديد . وقيل معناه :  إنه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال ، كما جاء في الدعاء :  (يا مقلب القلوب والأبصار) فكأنهم خافوا من الفتال ، فأعلمهم سبحانه أنه يبدل خوفهم أمنا ، بأن يحول بينهم وبين ما يتفكرون فيه من أسباب الخوف .

وروى يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :  إنه يحول بين المرء وقلبه معناه :  لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبدا ، ولا يستيقن القلب أن الباطل حق أبدا .

وروى هشام بن سالم عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال :  معناه يحوك بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق ، أوردهما العياشي في تفسيره . وقال محمد بن إسحاق :  معناه لا يستطيع القلب أن يكتم الله شيئا ، وهذا في معنى قول الحسن . {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} معناه :  واعلموا أنكم تحشرون أي :  تجمعون للجزاء على أعمالكم يوم القيامة ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

__________________

1- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ، ج4 ، ص 450 - 451 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآية (1)  :

 

إذا في قوله تعالى  :  {إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} ليست للشرط ، وانما هي لبيان موضوع دعوة اللَّه والرسول ، وتقريرها وحصرها بالدعوة إلى الحياة بأكمل معانيها .

ومن أحاط بالإسلام علما يجد ان كل أصل من عقيدته ، وكل فرع من شريعته يرتكز على الدعوة صراحة أو ضمنا إلى العمل من أجل الحياة . . فالإيمان باللَّه يستدعي الإيمان بالتحرر من العبودية إلا للَّه وحده ، وبأنه لا سلطان للمال ولا للجاه ولا للجنس ولا لشيء إلا للحق والعدل ، وبديهة ان الحياة الطيبة القوية لا توجد ، ومحال ان توجد إلا مع الالتزام بهذا المبدأ وتطبيقه . أما الإيمان برسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) فهو عين الإيمان بشريعة الإخاء والمساواة ، وبحرية الإنسان وحمايته ، وبكل مبدأ يعود على الإنسانية بالخير الصلاح . . ذلك بأن رسالة محمد تهدف إلى هدي البشر وإسعاده ، وبث العدل بين أفراده ، أما الإيمان باليوم الآخر فهو الإيمان بأن الإنسان لا يترك سدى ، وانه مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة من أعماله يحاسب عليها ويكافأ ، ان خيرا فخير ، وان شرا فشر . . وهذا الإيمان - كما ترى - أشبه بالقوة التنفيذية ، أو بالحافز على العمل بما يوجبه الإيمان باللَّه والرسول .

هذا فيما يعود إلى أصول العقيدة ، أما الفروع ، وأعني بها ما يجوز من الأفعال ، وما لا يجوز في الشريعة الاسلامية فإنها تقوم على مبدأ انساني أشار إليه الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بقوله  :  كل ما فيه صلاح للناس بجهة من الجهات فهو جائز ، وكل ما فيه فساد بجهة من الجهات فهو غير جائز . . هذه هي دعوة اللَّه والرسول التي نص عليها القرآن بصراحة ووضوح  :  {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} . وإذا عطفنا على هذا النص الآية 32 من آل عمران  :  {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}  إذا عطفنا هذه الآية على تلك ، وجمعنا بينهما تشكل معنا هذا القياس المنطقي  :  لقد دعا اللَّه والرسول إلى العمل من أجل الحياة ، وحكم سبحانه بكفر من أعرض وتولى عن هذه الدعوة . فالنتيجة الحتمية ان الذي لا يعمل من أجل الحياة فهو كافر (2) .

وبهذا يتبين معنا ان الإسلام يسير مع الحياة جنبا إلى جنب ، وان كل ما هو بعيد عن الحياة فما هو من الإسلام في شيء ، وان أي انسان - كائنا من كان - يدعو إلى حياة لا استغلال فيها ولا ظلم ولا مشكلات فان دعوته هذه تلتقي مع دعوة اللَّه والرسول ، سواء أراد ذلك ، أم لم يرد ، وان من يقف في طريق الحياة وتقدمها فهو عدو للَّه وللرسول ، وان قام الليل ، وصام النهار . .

أما تلك الزمرة التي ظهرت في عصرنا ، وباعت دينها للصهيونية والاستعمار ، وتسترت باسم الدين ، اما هذه الزمرة العميلة فقد أشرنا إليها في ج 2 ص 166 عند تفسير الآية 142 من سورة آل عمران .

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} . القلب محل الايمان والكفر ، والإخلاص والنفاق ، والحب والبغض ، وعنه تصدر الأعمال خيرها وشرها ، ولولا القلب لم يكن الإنسان إنسانا ، وكفى به عظمة قوله تعالى  :  ما وسعتني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن ، وما من شك ان الذي يتسع لما ضاقت عنه السماوات والأرضين فهو أعظم منها .

وتسأل ، كيف اتسع هذا العضو الصغير لمن ضاقت عنه السماوات والأرضون ، ثم لما ذا خص تعالى قلب المؤمن دون قلب الكافر ؟ .

الجواب  :  ليس المراد بالسعة في هذا الحديث القدسي السعة المكانية ، لأن اللَّه لامكان له ، وانما المراد بها سعة الإدراك والفهم عن اللَّه ، وان قلب المؤمن يفهم عنه تعالى ما لا تفهمه السماوات والأرض ، وكذلك قلب الكافر لا يفهم عن اللَّه شيئا ، لأنه في كنّ من الضلال والفساد  :  {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت :  5] .

وبهذا يتضح ان المراد بالمرء الذي يحول اللَّه بينه وبين قلبه هو الذي أعماه الهوى والضلال ، وعليه تكون هذه الآية بمعنى الآية 7 من سورة البقرة  :

{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}  أي انهم لا ينتفعون بقلوبهم بسبب ما ران عليها من الضلال ، حتى كأن اللَّه قد ختم عليها أو حال بين أصحابها وبينها . . وعلى هذا تكون نسبة الختم والمنع إليه تعالى مجازا ، لا حقيقة .

وذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى قوله تعالى  :  {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وقَلْبِهِ} ان القلب في قبضة اللَّه يقلبه كيف يشاء ، فيفسخ عزائمه ، ويبدله بالذكر نسيانا ، وبالنسيان ذكرا ، وبالخوف أمنا ، وبالأمن خوفا . . وكل من التفسيرين محتمل .

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج3 ، ص465 -467 .

2-  عند تفسير الآية 47 من المائدة ذكرنا ان الكفر إذا أضيف إلى العمل فالمراد به الفسق ، وان الفسق إذا أضيف إلى العقيدة فالمراد به الكفر ، وعليه يكون المراد بكفر تارك العمل من أجل الحياة الكفر العملي ، لا الكفر العقائدي .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1)  :

 

قوله تعالى :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} لما دعاهم في قوله :  {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الخ إلى إطاعة الدعوة الحقة وعدم التولي عنها بعد استماعها أكده ثانيا بالدعوة إلى استجابة الله والرسول في دعوة الرسول ، ببيان حقيقة الامر والركن الواقعي الذي تعتمد عليه هذه الدعوة وهو ان هذه الدعوة دعوة إلى ما يحيى الانسان بإخراجه من مهبط الفناء والبوار ، وموقفه في الوجود ، ان الله سبحانه أقرب إليه من قلبه وانه سيحشر إليه فليأخذ حذره وليجمع همه ويعزم عزمه .

الحياة أنعم نعمة وأعلى سلعة يعتقدها الموجود الحي لنفسه كيف لا ؟ وهو لا يرى وراءه الا العدم والبطلان ، وأثرها الذي هو الشعور والإرادة هو الذي ترام لأجله الحياة ويرتاح إليه الانسان ولا يزال يفر من الجهل وافتقاد حرية الإرادة والاختيار وقد جهز الانسان وهو أحد الموجودات الحية بما يحفظ به حياته الروحية التي هي حقيقة وجوده كما جهز كل نوع من أنواع الخليقة بما يحفظ به وجوده وبقاءه .

وهذا الجهاز الانساني يشخص له خيراته ومنافعه ، ويحذره من مواطن الشر والضر .

وإذ كان هذه الهداية الإلهية التي يسوق النوع الانسان إلى نحو سعادته وخيره ويندبه نحو منافع وجوده هداية بحسب التكوين وفي طور الخلقة ، ومن المحال ان يقع خطأ في التكوين ، كان من الحتم الضروري ان يدرك الانسان سعادة وجوده إدراكا لا يقع فيه شك كما أن سائر الأنواع المخلوقة تسير إلى ما فيه خير وجوده ومنافع شخصه من غير أن يسهو فيه من حيث فطرته ، وإنما يقع الخبط فيما يقع من جهة تأثير عوامل وأسباب أخر مضادة تؤثر فيه اثرا مخالفا ينحرف فيه الشئ عما هو خير له إلى ما هو شر ، وعما فيه نفعه إلى ما فيه ضرر يعود إليه ، وذلك كالجسم الثقيل الأرضي الذي يستقر بحسب الطبيعة الأرضية على بسيط الأرض ثم انه يبتعد عن الأرض بالحركة إلى جهة العلو بدفع دافع يجبره على خلاف الطبع فإذا بطل أثر الدفع عاد إلى مستقره بالحركة نحو الأرض على الاستقامة إلا ان يمنعه مانع فيخرجه عن السير الاستقامي إلى انحراف واعوجاع .

وهذا هو الذي يصر عليه القرآن الكريم ان الانسان لا يخفى عليه ما فيه سعادته في الحياة من علم وعمل ، وأنه يدرك بفطرته ما هو حق الاعتقاد والعمل قال تعالى :  {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم :  30] ، وقال تعالى :  {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى - إلى أن قال - فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} [الأعلى :  2 ، 11] ، وقال تعالى :  {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس :  7 - 10] .

نعم ربما أخطأ الانسان طريق الحق في اعتقاد أو عمل وخبط في مشيته لكن لا لان الفطرة الانسانية والهداية الإلهية أوقعته في ضلالة وأوردته في تهلكة بل لأنه أغفل عقله ونسى رشده واتبع هوى نفسه وما زينه جنود الشياطين في عينه ، قال تعالى :  {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم :  23] وقال :  {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية :  23] .

فهذه الأمور التي تدعو إليها الفطرة الانسانية من حق العلم والعمل لوازم الحياة السعيدة الانسانية وهى الحياة الحقيقية التي بالحرى ان تختص باسم الحياة ، والحياة السعيدة تستتبعها كما انها تستلزم الحياة وتستتبعها ، وتعيدها إلى محلها لو ضعفت الحياة في محلها بورود ما يضادها ويبطل رشد فعلها .

فإذا انحرف الانسان عن سوى الصراط الذي تهديه إليه الفطرة الانسانية وتسوقه إليه الهداية الإلهية ، فقد فقد لوازم الحياة السعيدة من العلم النافع والعمل الصالح ، ولحق بحلول الجهل وفساد الإرادة الحرة والعمل النافع بالأموات ولا يحييه إلا علم حق وعمل حق ، وهما اللذان تندب إليهما الفطرة وهذا هو الذي تشير إليه الآية التي نبحث عنها :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

واللام في قوله :  {لِمَا يُحْيِيكُمْ} بمعنى إلى ، وهو شائع في الاستعمال ، والذي يدعو إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الدين الحق وهو الاسلام الذي يفسره القرآن الكريم باتباع الفطرة فيما تندب إليه من علم نافع وعمل صالح .

وللحياة بحسب ما يراه القرآن الكريم معنى آخر أدق مما نراه بحسب النظر السطحي الساذج فإنا إنما نعرف من الحياة في بادئ النظر ما يعيش به الانسان في نشأته الدنيوية إلى أن يحل به الموت ، وهى التي تصاحب الشعور والفعل الارادي ، ويوجد مثلها أو ما يقرب منها في غير الانسان أيضا من سائر الأنواع الحيوانية لكن الله سبحانه يقول :  {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت :  64] ويفيد ذلك أن الانسان متمتع بهذه الحياة غير مشتغل الا بالأوهام ، وأنه مشغول بها عما هو أهم وأوجب من غايات وجوده وأغراض روحه فهو في حجاب مضروب عليه يفصل بينه وبين حقيقة ما يطلبه ويبتغيه من الحياة .

وهذا هو الذي يشير إليه قوله تعالى وهو من خطابات يوم القيامة :  {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق :  22] .

فللانسان حياة أخرى أعلى كعبا وأغلى قيمة من هذه الحياة الدنيوية التي يعدها الله سبحانه لعبا ولهوا ، وهى الحياة الأخروية التي سينكشف عن وجهها الغطاء ، وهى الحياة التي لا يشوبها اللعب واللهو ، ولا يدانيها اللغو و التأثيم ، لا يسير فيها الانسان الا بنور الايمان وروح العبودية قال تعالى :  {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة :  22] وقال تعالى :  {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام :  122] .

فهذه حياة أخرى ارفع قدرا وأعلى منزلة من الحياة الدنيوية العامة التي ربما شارك فيها الحيوان العجم الانسان ، ويظهر من أمثال قوله تعالى :  {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة :  253] وقوله :  {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى :  52] ان هناك حياة أخرى فوق هاتين الحياتين المذكورتين سيوافيك البحث عنها فيما يناسبها من المورد إن شاء الله .

وبالجملة فللإنسان حياة حقيقية أشرف وأكمل من حياته الدينية الدنيوية يتلبس بها إذا تم استعداده بالتحلي بحلية الدين والدخول في زمرة الأولياء الصالحين كما تلبس بالحياة الدنيوية حين تم استعداده للتلبس بها وهو جنين انساني .

وعلى ذلك ينطبق قوله تعالى في الآية المبحوث عنها :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فالتلبس بما تندب إليه الدعوة الحقة من الاسلام يجر إلى الانسان هذه الحياة الحقيقية كما أن هذه الحياة منبع ينبع منه الاسلام وينشأ منه العلم النافع والعمل الصالح ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :  {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل :  97] .

والآية أعني قوله فيها :  {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} مطلق لا يأبى الشمول لجميع دعوته صلى الله عليه وآله وسلم المحيية للقلوب ، أو بعضها الذي فيه طبيعة الاحياء أو لنتائجها التي هي أنواع الحياة السعيدة الحقيقية كالحياة السعيدة في جوار الله سبحانه في الآخرة .

ومن هنا يظهر أن لا وجه لتقييد الآية بما قيدها به أكثر المفسرين فقد قال بعضهم :  ان المراد بقوله :  {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} بالنظر إلى مورد النزول :  إذا دعاكم إلى الجهاد إذ فيه احياء امركم واعزاز دينكم .

وقيل :  المعنى إذا دعاكم إلى الشهادة في سبيل الله في جهاد عدوكم فإن الله سبحانه عد الشهداء احياء كما في قوله :  {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران :  169] .

وقيل :  المعنى إذا دعاكم إلى الايمان ، فإنه حياة القلب والكفر موته ، أو إذا دعاكم إلى الحق .

وقيل :  المعنى إذا دعاكم إلى القرآن والعلم في الدين لان العلم حياة والجهل موت والقرآن نور وحياة وعلم .

وقيل :  المعنى إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة والنعمة الباقية الأبدية .

وهذه الوجوه المذكورة يقبل كل واحد منها انطباق الآية عليه غير أن الآية كما عرفت مطلقة لا موجب لصرفها عما لها من المعنى الوسيع .

قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الحيلولة هي التخلل وسطا ، والقلب العضو المعروف . ويستعمل كثيرا في القرآن الكريم في الامر الذي يدرك به الانسان ويظهر به أحكام عواطفه الباطنة كالحب والبغض والخوف والرجاء والتمني والقلق ونحو ذلك فالقلب هو الذي يقضى ويحكم ، وهو الذي يحب شيئا ويبغض آخر ، وهو الذي يخاف ويرجو ويتمنى ويسر ويحزن ، وهو في الحقيقة النفس الانسانية تفعل بما جهزت به من القوى والعواطف الباطنة .

والانسان كسائر ما أبدعه الله من الأنواع التي هي أبعاض عالم الخلقة مركب من اجزاء شتى مجهز بقوى وأدوات تابعة لوجوده يملكها ويستخدمها في مقاصد وجوده ، والجميع مربوطة به ربطا يجعل شتات الاجزاء والابعاض على كثرتها وتفاريق القوى والأدوات على تعددها ، واحدا تاما يفعل ويترك ، ويتحرك ويسكن ، بوحدته وفردانيته .

غير أن الله سبحانه لما كان هو المبدع للانسان وهو الموجد لكل واحد واحد من اجزاء وجوده وتفاريق قواه وأدواته كان هو الذي يحيط به وبكل واحد من اجزاء وجوده وتوابعه ، ويملك كلا منها بحقيقة معنى الملك يتصرف فيه كيف يشاء ، ويملك الانسان ما شاء منها كيف شاء فهو المتوسط الحائل بين الانسان وبين كل جزء من اجزاء وجوده وكل تابع من توابع شخصه :  بينه وبين قلبه ، بينه وبين سمعه ، بينه وبين بصره ، بينه ومن بدنه ، بينه وبين نفسه . يتصرف فيها بإيجادها ، ويتصرف فيها بتمليك الأسنان ما شاء منها كيف شاء ، واعطائه ما اعطى ، وحرمانه ما حرم .

ونظير الانسان في ذلك سائر الموجودات فما من شئ في الكون وله ذات وتوابع ذات من قوى وآثار وأفعال إلا والله سبحانه هو المالك بحقيقة معنى الكلمة لذاته ولتوابع ذاته ، وهو المملك إياه كلا من ذاته وتوابع ذاته فهو الحائل المتوسط بينه وبين ذاته وبينه وبين توابع ذاته من قواه وآثاره وأفعاله .

فالله سبحانه هو الحائل المتوسط بين الانسان وبين قلبه وكل ما يملكه الانسان ويرتبط ويتصل هو به نوعا من الارتباط والاتصال وهو أقرب إليه من كل شئ كما قال تعالى :  {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق :  16] .

والى هذه الحقيقة يشير قوله :  {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فهو تعالى لكونه مالكا لكل شئ ومن جملتها الانسان ملكا حقيقيا لا مالك حقيقة سواه ، أقرب إليه حتى من نفسه وقوى نفسه التي يملكها لأنه سبحانه هو الذي يملكه إياها فهو حائل متوسط بينه وبينها يملكه إياها ويربطها به فافهم ذلك .

ولذلك عقب الجملة بقوله :  {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فإن الحشر والبعث هو الذي ينجلى عنده ان الملك الحق لله وحده لا شريك له ، ويبطل عند ذلك كل ملك صوري وسلطنة ظاهرية الا ملكه الحق جل ثناؤه كما قال سبحانه :  {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر :  16] ، وقال :  {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار :  19] .

فكان الآية تقول :  واعلموا ان الله هو المالك بالحقيقة لكم ولقلوبكم وهو أقرب إليكم من كل شئ ، وانه ستحشرون إليه فيظهر حقيقة ملكه لكم وسلطانه عليكم يومئذ فلا يغنى عنكم منه شئ .

وأما اتصال الكلام أعني ارتباط قوله :  {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} الخ بقوله :  {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فلان حيلولته سبحانه بين المرء وقلبه ، يقطع منبت كل عذر في عدم استجابته لله والرسول إذا دعاه لما يحييه ، وهو التوحيد الذي هو حقيقة الدعوة الحقة فإن الله سبحانه لما كان أقرب إليه من كل شئ حتى من قلبه الذي يعرفه بوجدانه قبل كل شئ فهو تعالى وحده لا شريك له أعرف إليه من قلبه الذي هو وسيلة ادراكه وسبب أصل معرفته وعلمه .

فهو يعرف الله إلها واحدا لا شريك له قبل معرفته قلبه وكل ما يعرفه بقلبه ، فمهما شك في شئ أو ارتاب في أمر فلن يشك في إلهه الواحد الذي هو رب كل شئ ولن يضل في تشخيص هذه الكلمة الحقة .

فإذا دعاه داعى الحق إلى كلمة الحق ودين التوحيد الذي يحييه لو استجاب له ، كان عليه ان يستجيب داعى الله فإنه لا عذر له في ترك الاستجابة معللا بأنه لم يعرف حقية ما دعى إليه ، أو اختلط عليه ، أو أعيته المذاهب في الاقبال على الحق الصريح فإن الله سبحانه هو الحق الصريح الذي لا يحجبه حاجب ، ولا يستره ساتر إذ كل حجاب مفروض فالله سبحانه أقرب منه إلى الانسان ، وكل ما يختلج في القلب من شبهة أو وسوسة فالله سبحانه متوسط متخلل بينه مع ما له من ظرف وهو القلب - وبين الانسان فلا سبيل للإنسان إلى الجهل بالله والشك في توحده .

وأيضا فان الله سبحانه لما كان حائلا بين المرء وقلبه فهو أقرب إلى قلبه منه كما أنه أقرب إليه من قلبه فان الحائل المتوسط أقرب إلى كل من الطرفين من الطرف الآخر ، وإذا كان تعالى أقرب إلى قلب الانسان منه فهو اعلم بما في قلبه منه .

فعلى الانسان إذا دعاه داعى الحق إلى ما يحييه من الحق ان يستجيب دعاءه بقلبه كما يستجيبه بلسانه ، ولا يضمر في قلبه ما لا يوافق ما لباه بلسانه وهو النفاق فان الله اعلم بما في قلبه منه وسيحشر إليه فينبؤه بحقيقة عمله ويخبره بما طواه في قلبه قال تعالى :  {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [غافر :  16] ، وقال  :  {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء :  42] .

وأيضا فان الله سبحانه لما كان هو الحائل بين الانسان وقلبه وهو المالك للقلب بحقيقة معنى الملك كان هو المتصرف في القلب قبل الانسان وله ان يتصرف فيه بما شاء فما يجده الانسان في قلبه من إيمان أو شك أو خوف أو رجاء أو طمأنينة أو قلق واضطراب أو غير ذلك مما ينسب إليه باختيار أو اضطرار ، فله انتساب إليه تعالى بتصرفه فيما هو أقرب إليه من كل شئ تصرفا بالتوفيق أو الخذلان أو أي نوع من أنواع التربية الإلهية ، يتصرف بما شاء ويحكم بما أراد من غيران يمنعه مانع أو يهدده ذم أو لوم كما قال تعالى :  {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد :  41] ، وقال تعالى :  {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن :  1] .

فمن الجهل ان يثق الانسان بما يجد في قلبه من الايمان بالحق أو التلبس بنيه حسنة أو عزيمة على خير اوهم بصلاح وتقوى ، بمعنى ان يرى استقلاله بملك قلبه وقدرته المطلقة على ما يهم به فان القلب بين أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء وهو المالك له بحقيقة معنى الملك والمحيط به بتمام معنى الكلمة ، قال تعالى :  {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام :  110] ، فمن الواجب عليه ان يؤمن بالحق ويعزم على الخير على مخافة من الله تعالى ان يقلبه من السعادة إلى الشقاء ويحول قلبه من حال الاستقامة إلى حال الانتكاس والانحراف ، ولا يأمن مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون .

وكذلك الانسان إذا وجد قلبه غير مقبل على كلمة الحق والعزم على الخير وصالح العمل ، عليه ان يبادر إلى استجابة الله ورسوله فيما يدعوه إلى ما يحييه ، ولا ينهزم عما يهجم عليه من أسباب اليأس وعوامل القنوط من ناحية قلبه فان الله سبحانه يحول بين المرء وقلبه ، وهو القادر على أن يصلح سره ويحول قلبه إلى أحسن حال ويشمله بروح منه ورحمه فإنما الامر إليه ، وقد قال :  {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف :  87] ، وقال :  {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر :  56] .

فالآية الكريمة - كما ترى - من أجمع الآيات القرآنية تشتمل على معرفة حقيقية من المعارف الإلهية - مسألة الحيلولة - وهى تقطع عذر المتجاهلين في معرفة الله سبحانه من الكفار والمشركين ، وتقلع غرة النفاق من أصلها بتوجيه نفوس المنافقين إلى مقام ربهم وأنه اعلم بما في قلوبهم منهم ، ويلقى إلى المسلمين والذين هم في طريق الايمان بالله وآياته مسألة نفسية تعلمهم انهم غير مستقلين في ملك قلوبهم ولا منقطعون في ذلك من ربهم فيزول بذلك رذيلة الكبر عمن يرى لنفسه استقلالا وسلطنة فيما يملكه فلا يغره ما يشاهده من تقوى القلب وايمان السر ، ورذيله اليأس والقنوط عمن يحيط بقلبه دواهي الهوى ودواعي اعراض الدنيا فيتثاقل عن الايمان بالحق والاقبال على الخير ، ويورثه ذلك اليأس والقنوط .

ومما تقدم يظهران قوله :  {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} الخ تعليل لقوله تعالى :  {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} على جميع التقادير من وجوه معناه .

وبذلك يظهر أيضا ان الآية أوسع معنى مما اورده المفسرون من تفسيرها :

كقول من قال :  ان المراد ان الله سبحانه أقرب إلى المرء من قلبه نظير قوله :  ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، وفيه تحذير شديد .

وقول من قال :  ان المراد ان القلب لا يستطيع ان يكتم الله حديثا فان الله أقرب إلى قلب الانسان من نفسه ، فما يعلمه الانسان من قلبه يعلمه الله قبله .

وقول من قال :  إن المراد انه يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه استدراك ما فات فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة ودعوا التسويف ، وفيه حث على الطاعة قبل حلول المانع .

وقول من قال :  معناه ان الله سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال فكأنهم خافوا من القتال فأعلمهم الله سبحانه انه يبدل خوفهم أمنا بأن يحول بينهم وبين ما يتفكرون فيه من أسباب الخوف .

وقد ورد في الحديث عن أئمة أهل البيت عليه السلام ان المراد بذلك ان الله سبحانه يحول بين الانسان وبين ان يعلم أن الحق باطل أو ان الباطل حق ، وسيجئ في البحث الروائي إن شاء الله تعالى .

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي ، ج9 ، ص34-41 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1)  :

 

دعوة للحياة :

تتابع هذه الآيات دعوة المسلمين المتقدمة للعلم والعمل والطاعة والتسليم لكنّها تتابع الهدف ذاته عن طريق آخر ، فتقول إبتداءاً :  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

فهذه الآية تقول بصراحة :  إنّ دعوة الإِسلام هي دعوة للعيش والحياة ، الحياة المعنوية ، الحياة المادية ، الحياة الثقافية ، الحياة الإِقتصادية ، الحياة السياسية ، الحياة الأخلاقية والإِجتماعية ، وأخيراً الحياة والعيش بالمعنى الصحيح على جميع الأصعدة ، وهذه أقصر وأجمع عبارة عن الإِسلام ورسالته الخالدة ، إذا سأل أحد عن أهداف الإِسلام ، وما يمكن أن يقدمه ، فنقول جملة قصيرة :  إنّ هدفه هو الحياة على جميع الأصعدة ، هذا ما يقدمه لنا الإسلام .

ترى هل كان الناس موتى قبل بزوغ الإِسلام ونزول القرآن ليدعوهم القرآن إِلى الحياة . . .؟

وجواب هذا التساؤل :  نعم ، فقد كانوا موتى وفاقدي الحياة بمعناها القرآني ، لأنّ الحياة ذات مراحل مختلفة أشار إِلى جميعها القرآن الكريم .

فتارةً تأتي بمعنى (الحياة النباتية) كما يقول القرآن :  {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد :  17] .

وتارةً تأتي بمعنى (الحياة الحيوانية) مثل :  {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت :  39] .

وتارةً بمعنى (الحياة الفكرية والعقلية) مثل :  {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام :  122]

وتارة بمعنى «الحياة الخالدة في العالم الآخر) مثل {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر :  24] .

وتارة بمعنى (العالم والقادر بلا حد ولا نهاية) كما نقول عن الله :  (هو الحي الذي لا يموت) .

وبالنظر إِلى هذه الأقسام التي ذكرناها نعرف أنّ الناس في الجاهلية كانوا يعيشون الحياة الحيوانية والمادية ، وكانوا بعيدين عن الحياة الإِنسانية والمعنوية والعقلية ، فجاء القرآن ليدعوهم إِلى الحياة .

ومن هنا نعلم أنّ من يضع الدين في قوالب جامدة لا روح فيها بعيداً عن مجالات الحياة ، ويختزله في مسائل فكرية واجتماعية صرفة فقد جانب الصواب كثيراً ، لأنّ الدين الصحيح هو الذي يبعث الحركة في كل جوانب الحياة ، ويحيي الفكر والثقافة والإِحساس بالمسؤولية ، ويوجد التكامل والرّقي والوحدة والتألف ، فهو إذاً يبعث الحياة في البشرية بكل معنى الكلمة .

وبذلك تتّضح هذه الحقيقة أيضاً وهي أن الذين فسّروا الآية بمعنى واحد هو الجهاد أو الإيمان أو القرآن أو الجنّة ، واعتبروا كل واحد من هذه الأُمور هو العامل الوحيد للحياة في الآية المباركة ، هؤلاء في الحقيقة حددوا مفهوم الآية ، لأنّه يشتمل على كل ذلك وأكثر حيث يندرج ، ـ ضمن مفهوم الآية ـ كل شيء ، وكل فكر ، وكل قانون يبعث الروح في جانب من جوانب الحياة .

ثمّ يقول تعالى :  {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} .

إنّ المقصود بالقلب هنا ـ كما ذكرنا سابقاً ـ الروح والعقل ، أمّا كيف يحول الله بين المرء وقلبه؟ فقد ذكروا لذلك احتمالات مختلفة . . . .

فتارةً قيل :  إنّه إشارة لشدّة قرب الله من عباده ، فكأنّ الله في داخل روح العبد وجسمه ، وكما يقول القرآن الكريم :  {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} .

وقيل :  إشارة إِلى أنّ تقلب القلوب والأفكار هو بيد الله ، كما نقرأ في الدعاء :  (يا مقلب القلوب والأبصار) .

وقيل :  إنّ المقصود هو أنّ الانسان لولا اللطف الإلهي غير قادر على معرفة الحق من الباطل .

وقيل أيضاً :  إنّ المقصود هو أنّه ما دام للناس فرصة فينبغي عليهم أداء الطاعات وأعمال الخير ، لأنّ الله قد يحول بواسطة الموت بين المرء وقلبه .

ويمكن بنظرة شاملة جمع كل التفاسير في تفسير واحد ، هو أنّ الله عزّ وجلّ حاضر وناظر ومهيمن على كل المخلوقات . فإنّ الموت والحياة والعلم والقدرة والأمن والسكينة والتوفيق والسعادة ، كلّها بيديه وتحت قدرته ، فلا يمكن للإِنسان كتمان أمر ما عنه ، أو أن يعمل أمراً بدون توفيقه ، وليس من اللائق التوجه لغيره وسؤال من سواه . لأنّه مالك كل شيء والمحيط بجميع وجود الإِنسان . وإرتباط هذه الجُمل مع سابقتها من جهة أنّه لو دعا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إِلى الحياة ، فذلك لأنّ الذي أرسله هو مالك الحياة والموت والعقل والهداية ومالك كل شي .

وللتأكيد على هذا الموضوع فإنّ الآية تريد أن تقول :  إنّكم لستم اليوم في دائرة قدرته فحسب ، بل ستذهبون إليه في العالم الآخر ، فأنتم في محضره وتحت قدرته هنا وهناك .

________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5 ، ص42-44 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .