المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الامطار في الوطن العربي
2024-11-05
ماشية اللحم في استراليا
2024-11-05
اقليم حشائش السافانا
2024-11-05
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05

الحسين بن معاذ بن مسلم الأنصاري
4-7-2017
تفكك الخشب Lignin Degradation
26-11-2018
مصطلحات تستعمل في وصف المجلة
27/12/2022
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن علي
26-5-2017
Griewank Function
20-7-2019
سيرورات حيوية مكروية متقدمة (Advanced microbiological processes)
2024-01-07


تفسير الآية (5-8) من سورة الأنفال  
  
5798   06:45 مساءً   التاريخ: 7-2-2021
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة ...
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنفال /

قال تعالى : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال : 5 - 8] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 

قال تعالى : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ} يا محمد على التقدير الأول ، قل الأنفال لله ينزعها عنكم مع كراهتكم ومشقة ذلك عليكم ، لأنه أصلح لكم ، كما أخرجك ربك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ، ذلك لأن الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم ، والمراد بالبيت هنا : المدينة ، يعني خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها إلى بدر ، ويكون معنى {أخرجك ربك} : دعاك إلى الخروج ، وأمرك به ، وحملك عليه ، كما يقال أضربت زيدا عمروا فضربه .

وأما على التقدير الثاني ، وهو أن يكون اتصاله بما بعده ، فيكون معناه يجادلونك في الحق ، كارهين له ، كما جادلوك يا محمد حين أخرجك ربك ، كارهين للخروج . كرهوه كراهية طباع ، فقال بعضهم : كيف نخرج ونحن قليل والعدو كثير؟

وقال بعضهم : كيف نخرج على عمياء لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال؟ فشبه جدالهم بخروجهم ، لأن القوم جادلوه بعد خروجهم ، كما جادلوه عند الخروج ، فقالوا : هلا أخبرتنا بالقتال فكنا نستعد لذلك؟ فهذا هو جدالهم على تأويل مجاهد .

وأما على التقدير الثالث فمعناه : إن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم ، وقريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي : فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك . وقوله : {بالحق} أي : بالوحي وذلك أن جبرائيل عليه السلام أتاه وأمره بالخروج . وقيل معناه : أخرجك ومعك الحق . وقيل معناه : أخرجك بالحق الذي وجب عليك ، وهو الجهاد .

{وإن فريقا من المؤمنين} أي : طائفة منهم {لكارهون} لذلك ، للمشقة التي لحقتهم {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} معناه : يجادلونك فيما دعوتهم إليه ، بعدما عرفوا صحته ، وصدقك بما ظهر عليك من المعجزات ، ومجادلتهم قولهم:

هلا أخبرتنا بذلك؟ وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق وصواب ، وكانوا يجادلونك فيه لشدته عليهم ، يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه ، أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر ، وقيل معناه : يجادلونك في القتال يوم بدر ، بعد ما تبين صوابه ، وأنه مأمور به ، عن ابن عباس . وقيل : بعدما تبين أنك يا محمد لا تصنع إلا ما أمرك الله به .

{كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} معناه : كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم ، حيث لم يكونوا مستعدين له ، ولكراهتهم له من حيث الطبع ، كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت ، وهم يرونه عيانا ، وينظرون إليه وإلى أسبابه {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} يعني : واذكروا واشكروا الله إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم إما العير وإما النفير {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} أي : تودون أن يكون لكم العير وصاحبها أبو سفيان بن حرب ، لئلا تلحقكم مشقة دون النفير وهو الجيش من قريش . قال الحسن : كان المسلمون يريدون العير ، ورسول الله يريد ذات الشوكة ، كنى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة ، عن قطرب ، وقيل : ذات الشوكة : ذات السلاح .

{ويريد الله أن يحق الحق بكلماته} معناه : والله أعلم بالمصالح منكم ، فأراد أن يظهر الحق بلطفه ، ويعز الاسلام ، ويظفركم على وجوه قريش ، ويهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة ، وعداته في قوله : {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون} وقوله : {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} وقيل : بكلماته أي : بأمره لكم بالقتال {ويقطع دابر الكافرين} أي :

يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا ، يعني كفار العرب {ليحق الحق} أي : إنما يفعل ذلك ليظهر الاسلام {ويبطل الباطل} أي : الكفر بإهلاك أهله {ولو كره المجرمون} أي : الكافرون . وذكر البلخي ، عن الحسن : ان قوله {وإذ يعدكم الله} الآية ، نزلت قبل قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} وهي في القراءة بعدها .

قصة غزاة بدر : قال أصحاب السير ، وذكر أبو حمزة ، وعلي بن إبراهيم ، في تفسيرهما ، دخل حديث بعضهم في بعض : أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام ، وفيها أموالهم وهي اللطيمة (2) ، وفيها أربعون راكبا من قريش . فندب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه للخروج إليها ليأخذوها ، وقال لعل الله أن ينفلكموها . فانتدب الناس ، فخف بعضهم ، وثقل بعضهم ، ولم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلقي كيدا ، ولا حربا . فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان ، والركب لا يرونها إلا غنيمة لهم .

فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا ، فيستنفرهم ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد تعرض لعيرهم في أصحابه . فخرج ضمضم سريعا إلى مكة .

وكانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت فيما يرى النائم ، قبل مقدم ضمضم بن عمرو ، بثلاث ليال ، أن رجلا أقبل على بعير له ينادي : يا آل غالب! اغدوا إلى مصارعكم . ثم وافى بجمله على أبي قبيس ، فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل ، فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة ، فانتبهت فزعة من ذلك ، وأخبرت العباس بذلك ، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش ! وفشت الرؤيا فيهم ، وبلغ ذلك أبا جهل ، فقال . هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب ، واللات والعزى لننطرن ثلاثة أيام ، فإن كان ما رأت حقا ، وإلا لنكتبن كتابا بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم!

فلما كان اليوم الثالث ، أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت : يا آل غالب! يا آل غالب! اللطيمة اللطيمة! العير العير! أدركوا وما أراكم تدركون ، إن محمدا ، والصباة من أهل يثرب ، قد خرجوا يتعرضون لعيركم! فتهيأوا للخروج وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش ، ، قالوا : من لم يخرج نهدم داره ، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب ، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان يضربون الدفوف ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا .

فلما كان بقرب بدر ، أخذ عينا للقوم ، فأخبره بهم وفي حديث أبي حمزة :

بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا عينا له على العير اسمه عدي ، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبره أين فارق العير ، نزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبره بنفير المشركين من مكة ، فاستشار أصحابه في طلب العير ، وحرب النفير ، فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله! إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلت منذ عزت ، ولم تخرج على هيئة الحرب . وفي حديث أبي حمزة ، قال أبو بكر : أنا عالم بهذا الطريق ، فارق عدي العير بكذا وكذا ، وساروا وسرنا فنحن والقوم على ماء بدر ، يوم كذا وكذا ، كأنا فرسا رهان .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : اجلس فجلس ، ثم قام عمر بن الخطاب ، فقال مثل ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : اجلس فجلس ، ثم قام المقداد ، فقال : يا رسول الله! إنها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنا بك وصدقنا ، وشهدنا أن ما جئت به حق ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا ، وشوك الهراس (3) ، لخضناه معك . والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : {إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكنا نقول :

إمض لأمر ربك ، فإنا معك مقاتلون! فجزاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرا على قوله ذاك ثم قال : أشيروا علي أيها الناس ، وإنما يريد الأنصار لأن أكثر الناس منهم ، ولأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ، ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا ونساءنا . فكان صلى الله عليه وآله وسلم يتخوف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو أن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة .

فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، كأنك أردتنا؟ فقال :

نعم . قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إنا قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت ، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ، ولعل الله عز وجل ، أن يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله . ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : سيروا على بركة الله ، فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله وعده ، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وفلان ، وفلان ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرحيل ، وخرج إلى بدر ، وهو بئر ، وفي حديث أبي حمزة الثمالي : بدر رجل من جهينة ، والماء ماؤه ، فإنما سمي الماء باسمه .

وأقبلت قريش ، وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء ، فأخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن عبيد قريش . قالوا : فأين العير؟

قالوا : لا علم لنا بالعير . فأقبلوا يضربونهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي ، فانفتل من صلاته وقال : إن صدقوكم ضربتموهم ، وإن كذبوكم تركتموهم! فأتوه بهم ، فقال لهم : من أنتم؟ قالوا : يا محمد! نحن عبيد قريش . قال : كم القوم؟ قالوا :

لا علم لنا بعددهم . قال : كم ينحرون في كل يوم من جزور؟ قالوا : تسعة إلى عشرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : القوم تسعمائة إلى ألف رجل وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بهم فحبسوا .

وبلغ ذلك قريشا ، ففزعوا وندموا على مسيرهم ، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام ، فقال : أما ترى هذا البغي ، والله ما أبصر موضع قدمي ، خرجنا لنمنع عيرنا ، وقد أفلتت ، فجئنا بغيا وعدوانا ، والله ما أفلح قوم بغوا قط ، ولوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ، ذهبت ولم نسر هذا المسير! فقال له أبو البختري : إنك سيد من سادات قريش ، فسر في الناس ، وتحمل العير التي أصابها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي ، فإنه حليفك . فقال له : علي ذلك وما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فصر إليه وأعلمه أني حملت العير ودم ابن الحضرمي ، وهو حليفي ، وعلي عقله .

قال فقصدت خباءه ، وأبلغته ذلك فقال : إن عتبة يتعصب لمحمد ، فإنه من بني عبد مناف ، وابنه معه ، يريد أن يخذل بين الناس ، ولا واللات والعزى ، حتى نقحم عليهم يثرب ، أو نأخذهم أسارى ، فندخلهم مكة ، وتتسامع العرب بذلك .

وكان أبو حذيفة بن عتبة ، مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان أبو سفيان لما جاز بالعير ، بعث إلى قريش : قد نجى الله عيركم ، فارجعوا ودعوا محمدا والعرب ، وادفعوه بالراح ما اندفع ، وإن لم ترجعوا ، فردوا القيان ، فلحقهم الرسول في الجحفة فأراد عتبة أن يرجع ، فأبى أبو جهل وبنو مخزوم ، وردوا القيان من الجحفة قال:

وفزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بلغهم كثرة قريش ، واستغاثوا وتضرعوا ، فأنزل الله سبحانه : {إذ تستغيثون ربكم} وما بعده .

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج4،ص428-434 .

2- اللطيمة : المسك . ونافجة المسك . وقيل : العير التي تحمل الطيب وبز التجار .

3- الجمر : النار المتقدة . والغضا : شجر عظيم من الإثل واحدته غضاة ، وخشبه من أصلب الخشب ، ولهذا يكون قي فحمه صلابة ، وهو حسن النار ، وجمره يبقى زمانا طويلا لا ينطفئ . والهراس - كسحاب - : شجر شائك .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

المراد بالبيت المدينة . . حين أراد النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) الخروج من المدينة لمصادرة العير تثاقل جماعة من المؤمنين ، وقالوا : لا طاقة لنا بقريش ، ثم خرجوا على كره مع من خرج على حب ، وفي أثناء الطريق أخبرهم النبي بخروج قريش من مكة ، واستشارهم : أيمضون للقتال ، أو يعودون إلى المدينة ، فكره البعض القتال ، وقالوا : ما كان خروجنا إلا للعير ، وقال الأكثر : نمضي معك للقتال . ثم مضوا جميعا إلى المعركة على بركة اللَّه . وهذه الآية تشير إلى موقفين لبعض الصحابة : الأول كراهية الخروج من المدينة إلى العير . والثاني كراهية المضي لقتال النفير بعد أن خرجوا من المدينة قاصدين العير ، وانهم كما كرهوا الخروج إلى العير فقد كرهوا أيضا المضي لقتال النفير . . هذا هو معنى الآية ، وهو واضح وبسيط ، ولكن المفسرين حاروا في تفسيرها ، وذكر صاحب البحر المحيط خمسة عشر قولا .

ومن الطريف ما قاله هذا المفسر في كتاب آخر : انه ذكر في البحر المحيط 15 قولا للآية ، ولم يقتنع بشيء منها ، حتى رأى في النوم انه يمشي في رصيف ومعه رجل يباحثه في قوله تعالى : { كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ } فقال له : ما {اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ويَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ } . المراد بالحق هنا ظفر المسلمين بالمشركين ، والمراد بكلماته وعده بأن تكون إحدى الطائفتين للمسلمين ، والمعنى انكم أيها المسلمون أردتم الحطام الزائل ، وأراد اللَّه أن ينصركم على صناديد قريش أعداء اللَّه وأعدائكم ، ويهلكهم بأيديكم ، ويستأصل الكافرين منهم ، ويحقق وعده بالنصر لكم ، فأيهما خير وأفضل : هذه العزة والكرامة ، أو الأباعر وحمولتها ؟ .

{ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ويُبْطِلَ الْباطِلَ ولَوْ كَرِهً الْمُجْرِمُونَ } . المراد بالحق في الآية السابقة أي قوله تعالى : { أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ } انتصار المسلمين على قريش ، والمراد بالحق هنا الإسلام ، والمجرمون أعداؤه ، والمراد بالباطل الشرك ، وإحقاق الحق يكون بإظهاره وإعلانه على الملأ ، أو بانتصار أهله ، أو بهما معا ، وإبطال الباطل يكون باعلانه ، أو خذلان المبطلين ، أو بهما معا ، وأوضح تفسير لهذه الآية قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33] .

____________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج3 ، ص435-455 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} إلى آخر الآيتين ظاهر السياق أن قوله : {كما أخرجك} متعلق بما يدل عليه قوله تعالى : {قل الأنفال لله والرسول} والتقدير : أن الله حكم بكون الأنفال له ولرسوله بالحق مع كراهتهم له كما أخرجك من بيتك بالحق مع كراهة فريق منهم له فللجميع حق يترتب عليه من مصلحة دينهم ودنياهم ما هم غافلون عنه .

وقيل إنه متعلق بقوله : {يجادلونك في الحق} وقيل : إن العامل فيه معنى الحق والتقدير : هذا الذكر من الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق والمعنيان - كما ترى - بعيدان عن سياق الآية .

والمراد بالحق ما يقابل الباطل وهو الامر الثابت الذي يترتب عليه آثاره الواقعية المطلوبة وكون الفعل - وهو الاخراج - بالحق هو أن يكون هو المتعين الواجب بحسب الواقع وقيل : المراد به الوحي وقيل : المراد به الجهاد وقيل غير ذلك وهي معان بعيدة .

والأصل في معنى الجدل شدة الفتل يقال : زمام جديل أي شديد الفتل وسمي الجدال جدالا لان فيه نزاعا بالفتل عن مذهب إلى مذهب كما ذكره في المجمع .

ومعنى الآيتين : ان الله تعالى حكم في أمر الأنفال بالحق مع كراهتهم لحكمه كما أخرجك من بيتك بالمدينة إخراجا يصاحب الحق والحال ان فريقا من المؤمنين لكارهون لذلك ينازعونك في الحق بعد ما تبين لهم اجمالا والحال انهم يشبهون جماعة يساقون إلى الموت و هم ينظرون إلى ما أعد لهم من أسبابه وادواته .

{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} .

تشير الآيات إلى قصة بدر وهي أول غزوة في الاسلام وظاهر سياق الآيات أنها نزلت بعد انقضائها على ما سيتضح .

قوله تعالى : {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ، أي واذكروا إذ يعدكم الله ، وهو بيان منن الله وعد نعمه عليهم ليكونوا على بصيرة من أن الله سبحانه لا يستقبلهم بأمر ولا يأتيهم بحكم إلا بالحق وفيه حفظ مصالحهم وإسعاد جدهم فلا يختلفوا فيما بينهم ولا يكرهوا ما يختاره لهم ويكلوا أمرهم إليه فيطيعوه ورسوله .

والمراد بالطائفتين العير والنفير والعير قافلة قريش وفيها تجارتهم وأموالهم وكان عليها أربعون رجلا منهم أبو سفيان بن حرب ، والنفير جيش قريش وهم زهاء الف رجل .

وقوله {إحدى الطائفتين} مفعول ثان لقوله : {يعدكم} وقوله : {أنها لكم} بدل منه وقوله {وتودون} الآية في موضع الحال ، والمراد بغير ذات الشوكة:

الطائفة غير ذات الشوكة وهي العير الذي كان أقل عدة وعدة من النفير ، والشوكة الحدة ، استعارة من الشوك .

وقوله : و {يريد الله أن يحق الحق بكلماته} في موضع الحال والمراد بإحقاق الحق إظهاره وإثباته بترتيب آثاره عليه ، وكلمات الله هي ما قضى به من نصرة أنبيائه وإظهار دينه الحق ، قال تعالى : {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} الصافات 173 وقال تعالى : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [الصف : 8 ، 9] .

وقرئ : {بكلمته} : وهو أوجه وأقرب والدابر ما يأتي بعد الشئ مما يتعلق به ويتصل إليه وقطع دابر الشئ ، كناية عن إفنائه واستئصاله بحيث لا يبقى بعده شئ من آثاره المتفرعة عليه المرتبطة به .

ومعنى الآية : واذكروا إذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم تستعلون عليها بنصر الله إما العير وإما النفير وأنتم تودون أن تكون تلك الطائفة هي العير لما تعلمون من شوكة النفير ، وقوتهم وشدتهم مع ما لكم من الضعف والهوان ، والحال ان الله يريد خلاف ذلك وهو أن تلاقوا النفير فيظهركم عليهم ويظهر ما قضى ظهوره من الحق ، ويستأصل الكافرين ويقطع دابرهم .

قوله تعالى : {ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} ظاهر السياق ان اللام للغاية ، وقوله : {ليحق} الآية متعلق بقوله : {يعدكم الله} أي إنما وعدكم الله ذلك وهو لا يخلف الميعاد ليحق بذلك الحق ويبطل الباطل ولو كان المجرمون يكرهونه ولا يريدونه .

وبذلك يظهر ان قوله : {ليحق الحق} الآية ليس تكرارا لقوله : {ويريد الله ان يحق الحق بكلماته وإن كان في معناه .

__________________

1- تفسير الميزان  الطباطبائي ، ج9 ، ص11-16 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قرأنا في الآية الأُولى من هذه السورة أنّ بعض المسلمين من جديدي العهد بالإِسلام ، كانوا غير راضين عن كيفية تقسيم غنائم معركة بدر (إلى حد ما) .

ففي الآيتين محل البحث يقول الله سبحانه لأُولئك : هذه ليست أوّل مرّة تكرهون شيئاً مع أنّه فيه صلاحكم كما كان الأمر في أساس غزوة بدر وكانوا غير راضين باديء الأمر ، إلاّ أنّهم رأوا كيف تمت هذه المعركة لصالح الإسلام والمسلمين .

فإذن لا ينبغي أن تقوّم أحكام الله بالنظرات الضيقة المحدودة ، بل ينبغي الإِنصياع والتسليم لها ليستفاد من نتائجها النهائية .

تقول الآية الأُولى من الآيتين محل البحث : إنّ عدم رضا بعض المسلمين في شأن تقسيم الغنائم يشبه عملية إخراجك من مكّة وعدم رضى بعض المؤمنين بذلك : {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون} .

والتعبير بالحق إشارة إلى أنّ أمر الخروج كان طبقاً لوحي الإِلهي ودستور سماوي ، وكانت نتيجته الوصول إلى الحق واستقرار المجتمع الإسلامي ، إلاّ أنّ هؤلاء الأفراد لا يرون إلاّ ظواهر الأُمور ، ولهذا : {يجادلونك في الحق بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} .

إلاّ أنّ الحوادث التالية كشفت لهم عن خطئهم في حساباتهم ، وأنّ خوفهم وقلقهم دونما أساس ، وأنّ هذه المعركة (معركة بدر) حققت للمسلمين انتصارات مشرقة ، فمع رؤية مثل هذه النتائج علام يجادلون في الحق وتمتد ألسنتهم بالإِعتراض؟!

والتعبير بـ{فريقاً من المؤمنين} يكشف ضمناً ـ أوّلا ـ أن هذا التشاجر أو المحاورة لم تكن عن نفاق أو عدم إيمان ، بل عن ضعف الإيمان وعدم إمتلاك النظرة الثاقبة في المسائل الإِسلامية .

وثانياً : إنّ الذين جادلوا في شأن الغنائم كانوا قلّة وفريقاً من المؤمنين ، غير أنّ بقيتهم وغالبيتهم أذعنوا لأمر رسول الله واستجابوا له .

 

{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} .

أوّل مواجهة مسلحة بين الإِسلام والكفر . . .

لما كانت الآيات السابقة قد أشارت إلى معركة بدر ، فإنّ الآيتين أعلاه وما بعدهما من الآيات قد أماطت اللثام عن جوانب مهمّة وحساسة في تلك المعركة ليستلهم المسلمون من هذه الآيات الحقائق التي مرّت بهم في الماضي القريب ، ويجعلوها أمام أعينهم للعبرة والإِتعاظ .

ولإِيضاح الآيتين محل البحث والآيات التّالية ، من المناسب أن نلقي الضوء على ما جرى في هذه المعركة الحاسمة ، وكيف كانت هذه المواجهة المسلحة الأُولى وهذا الجهاد الإِسلامي بوجه العدوّ اللدود؟ لتتجلى لنا دقائق الأُمور ولطائف ما أشارت إليه الآيات الكريمة في شأن معركة بدر الكبرى .

بدأت معركة بدر ـ طبقاً لما يقول المؤرخون والمحدّثون والمفسّرون ـ حين كان أبو سفيان كبير مكّة عائداً بقافلة تجارية مهمّة مؤلفة من أربعين شخصاً ، وتحوي على ثروة تجاربة تقدّر بخمسين ألف دينار من الشام نحو المدينة .

فأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه أن يتعبأوا ويتهيأوا لمواجهة هذه القافلة الكبيرة التي تحمل جل رأس مال العدوّ معها ، وبمصادرة أموال القافلة لتوجيه ضربة إقتصادية نحو العدوّ وتعقبها ضربة عسكرية قاصمة .

وكان للنّبي وأصحابه الحق في مثل هذه الحملة أو الهجوم ، لأنّه ـ أوّلا ـ عندما هاجر المسلمون من مكّة نحو المدينة استولى أهل مكّة على كثير من أموالهم ، ونزلت بهم خسارة كبيرة . فكان لهم الحق أن يجبروا مثل هذه الخسارة .

ثمّ بعد هذا كلّه برهن أهل مكّة طيلة الثلاثة عشر عاماً التي أقام النّبي وأصحابه بمكّة خلالها أنّهم لا يألون جهداً في إيذاء النّبي وأصحابه ، بل أرادوا به الوقيعة والمكيدة ، فإنّ عدوّاً كهذا لن يسكت عن النّبي ودعوته بمجرّد هجرته إلى المدينة ، ومن المسلم به أنّه سيعبىءُ قواه في المستقبل لمواجهة النّبي والإيقاع به .

إذن فالعقل والمنطق يوجبان أن يسارع المسلمون بمبادرة عاجلة لمصادرة أموال أهل مكّة لتدمير دعامتهم الإِقتصادية ، وليوفروا على أنفسهم إمكانية التهيؤ العكسري والإِقتصادي لمواجهة العدو مستقبلا .

وهذه المبادرة كانت ولا تزال في جميع الخطط العسكرية قديمها وحديثها وأمّا من يرى أن توجّه النّبي نحو قافلة أبي سفيان ـ ودون الأخذ بنظر الإِعتبار هذه الجهات المشار إليها آنفاً ـ نوعاً من الإغارة ، فإمّا أن يكون جاهلا لا يعرف جذور المسائل التأريخية في الإِسلام أو أنّه مغرض يريد تحوير الواقعيات والثوابت التاريخية .

وعلى كل حال ، فإنّ أبا سفيان عرف عن طريق أتباعه وأصدقائه تصميم النّبي على مواجهة قافلته ، هذا من جهة ، كما أنّ القافلة حينما كانت متجهة نحو الشام للإِتيان بمال التجارة تعرضت لتحركات من هذا القبيل . لهذا فإنّ أبا سفيان أرسل من يمضي إلى مكّة بسرعة ليخبر أهلها بما سيؤول إليه أمر القافلة .

فمضى رسول أبي سفيان بحالة مثيرة كما أوصاه أبو سفيان ، إذ خرم أنف بعيره وبتر أذنيه والدماء تسيل على وجه البعير لهيجانه ، وقد شقّ ثوبه ـ أو طمريه ـ وركب بعيره على خلاف ما يركب الناس «إذ ظهره كان إلى رقبة البعير ووجهه إلى عجزه» ليلفت الناس إليه من كل مكان . فلما دخل مكّة أخذ يصرخ قائلا : أيّها الناس الأعزة ، أدركوا قافلتكم ، أدركوا قافلتكم وأسرعوا وتعجلوا إليها ، وإن كنت لا أعتقد أنّكم ستدركونها في الوقت المناسب ، فإنّ محمّداً ورجالا مارقين من دينكم قد خرجوا من المدينة ليتعرضوا لقافلتكم .

وكانت عاتكة بنت عبدالمطلب عمّة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) آنئذ قد رأت رؤيا موحشة عجيبة ، وقد تناقلت الأفواه رؤياها فيزداد الناس هيجاناً .

وكانت عاتكة قد رأت قبل ثلاثة أيّام من مجيء رسول أبي سفيان إلى مكّة ، أنّ شخصاً يصرخ : أيّها الناس تعجّلوا إلى قتلاكم ، ثمّ صعد هذا المنادي إلى أعلى جبل أبي قيس وأخذ حجراً كبيراً فرماه فتلاشى الحجر في الهواء ، ولم يبق بيت في مكّة لقريش إلاّ نزل فيه منه شيء ، كما أن وادي مكّة يجري دماً عبيطاً .

فلمّا استيقظت فزعة مرعوبة من نومها وقصّت رؤياها على أخيها العباس ، ذهل الناس لهول هذه الرؤيا .

لكن أبا جهل لما بلغه ذلك قال : ما رأت عاتكة رؤيا ، هذه نبيّة ثانية في بني عبدالمطلب ، وباللات والعزّى لننظرن ثلاثة أيّام ، فإن كان ما رأت حقّاً فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبنّ بيننا كتاباً : أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً ونساءً من بني هاشم .

ولكن لم يكد يمضي اليوم الثّالث حتى كان ما كان من أمر ذلك الرجل الذي هزّ مكّة وأهلها .

ولما كان أكثر أهل مكّة شركاء في هذه القافلة فقد تعبئوا بسرعة وتحركوا نحو القافلة بحوالي 950 مقاتلا و 700 بعير ومئة فرس ، وكان أبو جهل يقود هذا الجيش . ومن جهة أُخرى ولكي يسلم أبو سفيان من تعرض النّبي وأصحابه لقافلته ، فقد غير مسيره واتجه نحو مكّة بسرعة .

وكان النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد قارب بدراً في نحو من ثلائمائة وثلاث عشر رجلا كانوا يمثلون رجال الإِسلام آنئذ «وبدر منطقة ما بين مكّة والمدينة» وقد بلغه خبر تهيؤ أبي جهل ومن معه لمواجهتِه .

فتشاور النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه : هل يلحقون القافلة ويصادرون أموالها ، أو أن عليهم أن يتهيأوا لمواجهة جيش العدوّ؟ فقالت طائفة من أصحابه : نقاتل عدوّنا ، وكرهت طائفة أُخرى ذلك وقالت : إنّما خرجنا لمصادرة أموال القافلة .

ودليلها معها ، إذ أنّها لم تخرج إلاّ لهذا السبب (من المدينة) ولم يكن النّبي وأصحابه عازمين على مواجهة جيش أبي جهل ولم يتعبأوا لذلك ، في حين أن أبا جهل قد تعبأ لهم ويريد قتالهم .

وقد ازداد هذا التردد بين الطائفتين ، خاصّة بعد أن عرف أصحاب النّبي أنّ جيش العدوّ ثلاثة أضعافهم وتجهيزاته أضعاف تجهيزاتهم ، إلاّ أنّ النّبي بالرغم من كل ذلك قبل بالقول الأوّل «أي قتال العدوّ» فلما التقى الجيشان لم يصدق العدوّ أن المسلمين قد وردوا الميدان بهذه القلّة ، بل ظن العدوّ أنّهم مختبئون وأنّهم سيحدقون به عند المواجهة ، لذلك فقد أرسل شخصاً ليرصد الأُمور فرجع وأخبرهم بأنّ المسلمين ليسوا أكثر ممّا رأوهم .

ومن جهة أُخرى ـ كما أشرنا آنفاً ـ فإنّ طائفة من المسلمين كانت في قلق وإضطراب وكانت تصرّ على عدم مواجهة هذا الجيش اللجب ، إذ لا موازنة بين أصحاب النّبي وأصحاب أبي جهل! لكن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) طمأنهم بوعد الله وقال : «إنّ اللّه وعدني إحدى الطائفتين ولن يخلف اللّه الميعاد» قافلة قريش أو جيش قريش ، ولن يخلف الله وعده ، فوالله لكأنّي أرى مصرع أبي جهل وجماعة من أصحابه بعينيّ .

ثمّ أمر النّبي أن ينزل أصحابه إلى بئر بدر «وبدر في الأصل اسم رجل من قبيلة جُهينة حفر بئراً في ذلك الموضوع فسُميّت باسمه ، وسمّيت الأرض بأرض بدر أيضاً» .

وفي هذه الأثناء استطاع أبو سفيان أن يفرّ بقافلته من الخطر المحدق به ، واتّجه نحو مكّة عن طريق ساحل البحر الأحمر غير المطروق ، وأرسل رسولا إلى قريش : إنّ الله نجيّ قافلتكم ، ولا أظن أنّ مواجهة محمّد في هذا الظرف مناسبة ، لأنّ له أعداءً يكفونكم أمره . إلاّ أنّ أبا جهل لم يرض باقتراح أبي سفيان وأقسم باللات والعزّى أنّه سيواجه محمّداً ، بل سيدخل المدينة لتعقيب أصحابه أو سيأسرهم جميعاً ويمضي بهم لمكّة ، حتى يبلغ خبر هذا الإِنتصار آذان العرب .

وأخيراً ورد جيش قريش أرض بدر وأرسلوا غلمانهم للإِستقاء من ماء بدر ، فأسرهم أصحاب النّبي وأخذوهم للتحقيق إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فسألهم النّبي : من أنتم؟ فقالوا : يا محمّد نحن عبيد قريش ، قال : كم القوم ؟! فقالوا : لا علم لنا بعددهم ، قال : كم ينحرون في كل يوم جزوراً؟ فقالوا : تسعة إلى عشرة .

فقال النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : القوم تسعمائة الى ألف (كل مئة يأكلون بعيراً واحداً) .

كان الجوّ مكفهراً بالرعب والوحشة ، إذ كان جيش قريش معبّأ مدججاً بالسلاح ، ولديه المؤونة والعُدّدِ ، حتى النساء اللائي ينشدن الأشعار والمغنيات اللائي يثرن الحماسة . وكان جيش أبي جهل يرى نفسه أمام طائفة صغيرة أو قليلة من الناس ، ولا يصدّق أنّهم سينزلون الميدان .

فلمّا رأي النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن أصحابه قلقون وربّما لا ينامون الليل من الخوف فيواجهون العدو غداً بمعنويات مهزورة قال لهم كما وعده الله : لا تحزنوا فإنّ كان عددكم قليلا فإنّ الله سيمدكم بالملائكة ، وسرّى عن قلوبهم حتى ناموا ليلتهم مطمئنين راجين النصر على عدوّهم .

المشكلة الأُخرى التي كان أصحاب النّبي يواجهونها ، هي أن أرض بدر كانت غير صالحة للنزال لما فيها من الرمال ، فنزل المطر تلك الليلة ، فأفاد منه أصحاب النّبي فاغتسلوا منه وتوضأوا وأصبحت الأرض صُلبة صالحة للنزال ، العجيب في ذلك أنّ المطر كان في جهة العدوّ شديداً بحيث أربكهم وأزعجهم .

والخبر الجديد الذي حصل عليه أصحاب النّبي من جواسيسهم الذين تحسسوا ليلا حالة العدو أنّ جيش قريش مع كل تلك الإمكانات العسكرية في حالة من الرعب بمكانة لا توصف ، فكأنّ الله أنزل عليها جيشاً من الرعب والوحشة .

وعند الصباح اصطفّ جيش المسلمين الصغير بمعنويات عالية ليواجهوا عدوّهم ، ولكن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إتماماً للحجّة ولئلا يبقى مجال للتذرع بالذرائع الواهية ـ أرسل إلى قريش ممثلا عنه ليقول لهم : إنّ النّبي لا يرغب في قتالكم لا يحبّ أن تكونوا أوّل جماعة تحاربه . فوافق بعض قادة قريش على هذا الإِقتراح ورغبوا في الصلح ، إلاّ أنّ أبا جهل امتنع وأبى بشدّة .

وأخيراً اشتعلت نار الحرب ، فالتقى أبطال الإِسلام بجيش الشرك والكفر ، ووقف حمزة عمّ النّبي وعلي ابن عمّ النّبي الذي كان أصغر المقاتلين سنّاً وجها لوجه مع صناديد قريش وقتلوا من بارزهم فإنهار ما تبقى من معنويات العدوّ ، فأصدر أبو جهل أمراً عاماً بالحملة ، وكان قد أمر بقتل أصحاب النّبي من أهل المدينة «الأنصار» وأن يؤسر المهاجرون من أهل مكّة . فقال النّبي لأصحابه : «غضّوا أبصاركم وعضو على نواجذ ولا تستلوا سيفاً حتى آذن لكم» .

ثمّ مدّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يديه إلى الدعاء ، ورفع بهما نحو السماء فقال : «يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لم تعبد وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد . . .»

فهبت ريح عاصف على العدوّ ، وكان المسلمون يحملون على عدوّهم والرياح تهب من خلفهم بوجه العدو ، وأثبت المسلمون جدارة فائقة وصمدوا للقتال حتى قتلوا منهم سبعين «وأبوجهل من القتلى» وأسروا سبعين ، وانهزم الجمع وولّوا الدُبُر ، ولم يُقتل من المسلمين إلاّ نفر قليل ، وكانت هذه المعركة أوّل مواجهة مسلحة بين المسلمين وعدوّهم من قريش ، وإنتهت بالنصر الساحق للمسلمين على عدوّهم(2) .

التّفسير

والآن وبعد أن عرفنا باختصار كيف كانت غزوة بدر ، نعود ثانية إلى تفسير الآيتين .

في الآية الأُولى ـ من الآي محل البحث ـ إشارة إلى وعد الله بالنصر في معركة بدر إجمالا ، إذ تقول الآية : {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنّها لكم} .

لكنكم لخوفكم من الخسائر واخطار وبلايا الحرب لم تكونوا راغبين فيها {وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} .

وقد جاء في بعض الرّوايات الإِسلامية أن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم : «إحدى الطائفتين لكم ، إمّا العير وإمّا النفير» .

وكلمة العير تعني القافلة ، والنفير يعني الجيش .

إلاّ أنّه ـ كما يلاحظ في الآية الكريمة ، أنّ التعبير جاء بذات الشوكة مكان الجيش والنفير ، وبغير ذات الشوكة مكان القافلة أو العير .

وهذا التعبير يحمل في نفسه معنى لطيفاً ، لأن الشوكة ترمز إلى القدرة وتعني الشدّة ، وأصلها مأخوذ من الشوك ، ثمّ استعملت هذه الكلمة «الشوكة» في نصول الرماح ، ثمّ أطلق هذا الإِستعمال توسعاً على كل نوح من الأسلحة ، ولما كان السلاح يمثل القوّة والقدرة ، والشدّة فقد عُبر عنه بالشوكة .

فبناءً على هذا فإنّ ذات الشوكة تعني الجماعة المسلحة ، وغير ذات الشوكة تعني الجماعة غيرالمسلحة ، ولو إتفق أن يوجد فيها رجال مسلحون فهم معدودون لا يكترث بهم . أي أن فيكم من يرغب في مواجهة العدو غير مسلحة ، وذلك بمصادرة أموال تجارته ، وذلك ابتغاء الراحة أو حبّاً منه للمنافع المادية ، في حين أن الحرب اثبتت بعد تمامها أن الصلاح يكمن في تحطيم قوى العدو العسكرية ، لتكون الطريق لاحبةً لإِنتصارات كبيرة في المستقبل ، ولهذا فإنّ الآية تعقب بالقول {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } (3) .

فعلى هذا ، كانت واقعة بدر درساً كبير للمسلمين للإفادة منه في الحوادث الآتية ، ويؤكّد لهم أن يتدبروا عواقب الأمور ، ولا يكونوا سطحيين يأخذون بالمصالح الآنية ، وبالرغم من أنّ بعد النظر يقترن بالمصاعب عادة ، وقصر النظر على العكس من ذلك يقترن بالمنافع المادية والراحة المؤقتة ، إلاّ أنّ النصر في الحالة الأُولى يكون شاملا ومتجذّراً ، أمّا في الحالة الثّانية فهو انتصار سطحي موقت .

ولم يكن هذا درساً لمسلمي ذلك اليوم فحسب ، بل ينبغي لمسلمي اليوم أن يستلهموا من ذلك التعليم السماوي ، فعليهم ألاّ يغضوا أبصارهم عن المناهج الأصولية بسبب المشاكل والأتعاب ويستبدلوها بمناهج غير الأُصولية قليلة الأتعاب .

وفي آخر آية يماط اللثام عن الأمر بصورة أجلى ، إذ تقول الآية الكريمة {ليحق الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} .

ترى هل الآية هذه تأكيد لما ورد في الآية السابقة ، كما يبدو لأوّل وهلة ، أم هو موضوع جديد تتضمنه الآية؟!

________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5،ص17-25 .

2 ـ لمزيد من الإيضاح يراجع تفسير نور الثقلين ، ج2 ، ص 121 إلى 136 و مجمع البيان ج 4 ، ص 521 ، 523 ، وما ذكرناه بتصرف واختصار .

3 ـ الدابر بمعنى ذيل الشيء وعقبه ، فبناءً على هذا يكون معنى «ويقطع دابر الكافرين» هو استئصال جذورهم .

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .