أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2022
5713
التاريخ: 16-1-2021
3928
التاريخ: 2023-07-27
3540
التاريخ: 9-5-2017
6164
|
تشمل هذه الطائفة اتخاذ أعمال تحقيقية عديدة ومتنوعة يجمع بينها هدف الكشف عن الحقيقة من خلال جمع الأدلة وبحثها وتمحيصها للوصول في النهاية إلى معرفة مدى ثبوت التهمة المنسوبة إلى المتهم من عدمه.
وهذه الأعمال هي: الانتقال للمعاينة ؛ ندب الخبراء ؛ سماع الشهود؛ ضبط الأشياء؛ التفتيش ؛ الاستجواب .
اولا - الانتقال للمعاينة :
يقصد بالانتقال للمعاينة انتقال قاضي التحقيق إلى مكان وقوع الجريمة لمعاينة واتخاذ ما قد يلزم من بعض الإجراءات كسماع الشهود الحاضرين، والاطلاع على أدلة الجريمة ومعالمها وقد يستتبع ذلك ضبط بعض الأشياء المستخدمة في ارتكاب الجريمة أو المتحصلة عنها كما سنرى فيما بعد.
والانتقال للمعاينة ليس إجراء الازمة في كافة الجرائم. فهو ضروري على سبيل المثال في جرائم القتل والعنف بصفة عامة، وغير ضروري في جرائم الرشوة والتزوير .
والانتقال للمعاينة ذو أهمية بالغة في جرائم القتل والعنف عمومة حيث يلزم رفع البصمات التي قد تفيد كثيرة في التعرف على الفاعل الحقيقي، وتحليل الدماء، وفحص الجثة للكشف عما قد يبين من آثار المقاومة، ومعرفة الآلة المستخدمة في القتل وما إلى ذلك.
وواجب الانتقال إلى مكان وقوع الجريمة يقع على عاتق كل من المدعي العام، وقاضي التحقيق. فالمدعي العام حسبما تنص عليه المادة | 27 أ. م .ج عليه واجب الانتقال في الحال إلى موقع الجريمة إذا وقع جرم مشهود يستجوب عقوبة جنائية، فينظم محضرا بالحادثة وبكيفية ومحل وقوعها وأن يدون أقوال من شهد الواقعة أو كانت لديه معلومات عنها. ويجب على المدعي العام إحاطة قاضي التحقيق علما بانتقاله إلى موقع الجريمة.
وكذلك توجب المادة 57 أ. م . ج اللبناني على قاضي التحقيق حين ينتقل إلى موقع الجريمة أن يصطحب كاتب دائرته أو مستناباً عنه ويعطي المدعي العام علما بانتقاله لمرافقته إذا شاء.
ولم يشترط القانون أن تتم المعاينة في حضور المنهم، وهو أمر منطقي إذ قد يكون هذا الأخير مجهولا حتى هذه اللحظة. وقد يكون معلومة لكن اعتبارات الضرورة والاستعجال تقتضي الانتقال للمعاينة ولو في غيبته خشية العبث بأدلة الجريمة أو طمس معالمها.
ثانيا - ندب الخبراء:
ليس هناك نص عام في قانون أصول المحاكمات الجزائية يعرض الندب الخبراء بوصفه أحد أعمال التحقيق الهادفة إلى كشف الحقيقة. لكن الثابت أن ثمة أنواع من الجرائم تتطلب خبرة فنية في إثباتها قد لا تتوافر في القاضي. إذ لا يمكن لهذا الأخير الإلمام بكافة صنوف الخبرة الفنية في شتى مجالات الحياة .
فبعض جرائم القتل يدق فيها الأمر أحيانا لمعرفة الوسيلة المستخدمة لارتكابها، أو تاريخ حدوثها (ويظهر ذلك على وجه الخصوص في القتل بالسم). كما أن التحقيق في جرائم القتل غير المقصود الناشئ عن قيادة السيارة يتطلب خبرة فنية توضح سرعة السيارة لحظة الاصطدام بالمجني عليه، أو تحليل دم قائد السيارة في الحال لمعرفة نسبة الكحول الذي تعاطاه. كما أن جرائم التزوير قد تستدعي خبيرة في الخطوط لمضاهاة الخطوط والتوقيعات وما إلى ذلك.
وفي سائر الأحوال السابقة، وفي غيرها، يكون للقاضي أن يندب أحد الخبراء ليقدم تقريرا فنيا بما يطلب منه. وقد يكون ندب الخبير استجابة لطلب أحد أطراف الدعوى الجنائية، ولقاضي التحقيق أن يرفض هذا الطلب، وله من تلقاء نفسه أن يندب الخبير . والأمر متروك في كافة الأحوال المطلق سلطة القاضي التقديرية.
ويلاحظ أن قاضي التحقيق، وقاضي الحكم فيما بعد ليسا ملزمین بالأخذ بما ورد في تقرير الخبير . فلهذا الأخير - كما هو معروف . قيمة استشارية فقط. فللقاضي أن يأخذ به، وله أن يهمله وليس من معقب عليه في هذا الخصوص. ويعتبر ذلك تطبيقا لمبدأ حرية القاضي في الاقتناع
ومن الضروري أن يحلف الخبير اليمين. فإن قام بمهمته دون حلف اليمين يكون الإجراء باطلا. وفي هذا المعنى تنص المادة 40 أ.م.ج على أنه «على الأطباء والخبراء المشار إليهم في المادتين 38 و 39 السابقتين أن
يحلفوا اليمين بأنهم يقومون بالمهمة الموكلة إليهم بما يفرضه الضمير والشرف.
ويثور التساؤل حول مدى جواز رد الخبير إذا قامت أسباب تبرر ذلك: كان يكون الخبير قريبة لأحد الخصوم في الدعوى الجنائية أو تكون له مصلحة شخصية قد تجرده مما يجب أن يتوافر فيه من حياد وموضوعية. والرأي الغالب في الفقه هو جواز رد الخبير إذا ما وجدت أسباب تبرر هذا الرد. فرد الخبراء جائز في القضايا المدنية، ويصير جائزة من باب أولى في القضايا الجنائية. كما أنه لا يعقل أن يكون القاضي الجنائي نفسه معرضة للرد، ويمتنع ذلك بالنسبة للخبير(1).
وأخيرة، ليس بلازم أن يتولى الخبير المندوب القيام بمهمة الخبرة بنفسه، وإن كان الأصل أن يحدث ذلك. ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن يستعين بأحد غيره من أهل الخبرة. والأمر متروك في كافة الأحوال لتعقيب قاضي التحقيق. فله أن يأخذ بتقرير الخبرة، كله أو بعضه، وله أن يهمله .
ثالثا - سماع الشهود:
المقصود بسماع الشهود كعمل تحقيقي هدفه كشف الحقيقة .
يقصد بسماع الشهود، أن يسمح قاضي التحقيق أو يطلب من غير أطراف الدعوى الجنائية الإدلاء بما لديهم من معلومات وأخبار تتعلق بالجريمة موضوع التحقيق. ولا يخفى ما للشهادة من قيمة كدليل محتمل من أدلة البراءة أم الإدانة. وليس ثمة ما يمنع من الاستماع لشهادة سائر الأشخاص، بمن فيهم أقارب المتهم أو أصدقائه. وإن كان على قاضي التحقيق في هذه الحالة الأخيرة أن يعتد بما يطمئن إليه من شهاداتهم.
ولقاضي التحقيق سلطة تقديرية في استدعاء من يرى لزوم شهادتهم.
فقد يطلب من تلقاء نفسه سماع شاهد ورد اسمه في محضر التحقيق التمهيدي المقدم من رجال الضبط. وقد يرد اسم الشاهد في الادعاء المقدم من النيابة العامة. وقد يطلب ذلك أحد الخصوم في الدعوى الجنائية فيجيبه قاضي التحقيق إلى طلبه .
القيود والضمانات المتطلبة بشان شهادة الشهود:
نظرا لأهمية، بل وخطورة الشهادة وما قد تلعبه من دور في تكوين قناعة قاضي التحقيق سواء بالبراءة أم بالإدانة، فقد حرص المشرع على إحاطتها ببعض القيود والضمانات حتى تحقق الغاية المرجوة منها. ويمكن إيجاز هذه القيود والضمانات فيما يلي: :
1۔ حلف الشاهد اليمين : فلا يجوز الاستماع للشاهد ما لم يسبق ذلك حلفه اليمين. ويعتبر ذلك شرط ضروري يترتب على عدم استيفائه بطلان الشهادة وعدم التعويل عليها كدليل لثبوت أو نفي التهمة (م79 أ.م.ج)(2). ولا يغني عن ذلك أن يحلف الشاهد اليمين بعد انتهائه من أداء شهادته، أو يكون قد حلف اليمين في جلسة تحقيق سابقة. بل إن حلف اليمين لازم في كل مرة يسمع فيها إلى شهادة الشاهد. .
2. الاستماع إلى شهادة كل من الشهود على حدة، ومؤدى ذلك أنه لا يجوز للمحقق أن يستمع إلى الشهود في حضور بعضهم البعض. بل يجب أن يستمع لكل واحد منهم على حدة. والعلة في ذلك تكمن في تفادي تأثر الشهود بما يدلونه وتأثيرهم المتبادل فيما بينهم. ورغم هذا، فمن حق قاضي التحقيق أن يعقد مواجهة بين المتهم من ناحية وبين كافة الشهود من ناحية أخرى.
ويستخلص لزوم الاستماع إلى شهادة كل شاهد على حدة مما تنص عليه المادة 77 أ. م .ج من أن يستمع قاضي التحقيق بحضور كاتبه إلى كل شاهد على حدة». .
3- ألا تقل سن الشاهد عن خمس عشرة سنة، وأن يكون سليم العقل: ومؤدى ذلك أنه لا يجوز الاستماع إلى كل من تقل أعمارهم عن خمس عشرة سنة. ومع هذا يجوز الاستماع إلى شهادة هؤلاء على سبيل الاستدلال لا أكثر. وكذلك تبطل شهادة من تجاوز سن الخامسة عشر واعتراه الجنون.
4. الاستيثاق من شخصية الشاهد: ويكون ذلك ببيان اسمه، وشهرته، وعمره، ومهنته، وسكنه، والعلاقة التي تربطه بالمتهم. وقد فشلت المادة 79 أ.م.ج اللبناني ذلك بقولها بعد أن يسأل قاضي التحقيق الشاهد عن اسمه وشهرته وعمره ومهنته ومقامه وهل هو متزوج أو خادم الأحد الفريقين أو من ذوي قرباه وعن درجة القرابة يحلفه اليمين بأن يشهد بواقع الحال بدون زيادة أو نقصان وبدون جميع ذلك في المحضر".
5۔ تحرير محضر خاص بالشهادة: يجب على قاضي التحقيق أن بعد محضرة خاصة تدون فيه كافة المعلومات التي أدلى بها الشهود، وأقوالهم. ويتولى كاتب التحقيق تدوين هذا المحضر. ويجب أن يحمل هذا المحضر - في كل صفحة من صفحاته - توقيع المحقق والكاتب والشاهد. ولا يوقع هذا الأخير إلا بعد تلاوة المحضر عليه بذكر ما أدلى به من أقوال. وفي حالة وجود كشط أو إضافة في المحضر، يجب أن يوقع على ذلك المحقق والكاتب والشاهد. والحق أن اشتراط كل ذلك ينبع من أهمية محضر الشهادة وما يترتب عليه من آثار قانونية باعتباره دليلا محتملا للبراءة أو الإدانة .
إجراءات الشهادة :
يجب على كل من طلب منه قاضي التحقيق أن يحضر للإدلاء بشهادته. وقد نظمت المواد 75وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الإجراءات الواجب اتباعها في هذا الصدد. فتبلغ أوراق الجلب الحضور للشهود قبل موعد الجلسة باربع وعشرين ساعة على
الأقل. كما يبرز الشاهد قبل سماعه ورقة الجلب المبلغة إليه ويصرح بذلك في المحضر (المادتان 76 و 78 أ. م. ج).
ويجب أن تدون إفادة كل شاهد في محضر على حدة يتضمن الأسئلة الموجهة إليه وأجوبته عليها وتتلى على الشاهد إفادته ويقوم بالتصديق عليها والتوقيع على كل صفحة منها وإذا امتنع أو تعذر عليه ذلك يثبت هذا في المحضر . ويجب أن يذكر في ذيل المحضر عدد صفحاته ويوقع على كل صفحة منها قاضي التحقيق وكاتبه وينظم جدول بأسماء الأشخاص المستمعين وتاريخ سماعهم وعدد صفحات محاضر إفادتهم (م 8۰ أ. م .ج).
ولا يجوز للشاهد الامتناع عن الإدلاء بشهادته، وإلا جاز لقاضي التحقيق أن يصدر مذكرة بإحضاره. كما يجوز الحكم على الشاهد في هذه الحالة بدفع غرامة بعد استطلاع رأي المدعي العام. وفي هذا المعنى تنص المادة 84 أ. م .ج على أن كل من دعي لأداء الشهادة مجبر على الحضور أمام قاضي التحقيق وأداء شهادته بعد اليمين وإلا استهدف لغرامة يفرضها قاضي التحقيق بعد استطلاع رأي المدعي العام بموجب قرار نافذ في الحال. ولقاضي التحقيق أن يقرر جلب الشاهد بالإحضار. وتردف المادة 85 أنه إذا حضر في الجلسة التالية الشاهد الذي فرضت عليه الغرامة وأبدى لقاضي التحقيق عذرة مشروعة جاز لقاضي التحقيق أن يعفيه من الغرامة بعد استطلاع رأي المدعي العام. وتضيف المادة 86 جواز أن يقرر قاضي التحقيق للشاهد الذي يطلب نفقة انتقاله التعويض الذي يستحقه.
رابعا - ضبط الأشياء:
يقصد بضبط الأشياء أن تقوم سلطة التحقيق بوضع يدها على كافة الأشياء المتعلقة بالجريمة والتي تفيد في كشف حقيقة الجرم الواقع أو في إثبات أو نفي التهمة في مواجهة المتهم. ويستوي أن تكون الأشياء المضبوطة مملوكة للمتهم أو لغيره، كما لا يهم نوعها أو طبيعتها سواء
كانت منقولا أم عقارا. وسواء كانت وسيلة لارتكاب الجريمة أم من متحصلاتها.
وتنص المادة 97 أ.م.ج على أنه إذا اقتضت الحال البحث عن أوراق فلقاضي التحقيق وحده أو لموظف الضابطة العدلية المستناب وفقا للأصول أن يطلع عليها قبل ضبطها. ولا تفض الأختام ولا تفرز الأوراق إلا بحضور المدعى عليه أو وكيله أو بغيابهما إذا دعيا وفقا للأصول ولم يحضرا. ويدعي أيضأ من جرت المعاينة عنده لحضورها .
ويطلع قاضي التحقيق وحده على الرسائل والبرقيات المضبوطة حال تسلمه الأوراق في غلافها المختوم فيحتفظ بالرسائل والبرقيات التي يراها الازمة لإظهار الحقيقة أو التي يكون أمر اتصالها بالغير مضرة بمصلحة التحقيق. ويسلم ما بقي منها إلى المدعى عليه أو إلى الأشخاص الموجهة إليهم.
وينبغي أن ترسل أصول الرسائل والبرقيات المضبوطة جميعها أو بعضها أو صور عنها إلى المدعى عليه (المتهم) أو إلى الشخص الموجهة إليه في أقرب مهلة مستطاعه إلا إذا كان أمر اتصالها بهما مضرة بمصلحة التحقيق.
ويراعى في ضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة ما قد يرتبط بها من حقوق للغير. وفي هذه الحالة فإن لكل من يدعي حقة على الشيء المضبوط . كما تنص المادة 98 أ.م.ج اللبناني - أن يطلب إلى قاضي التحقيق أن پرده إليه فإن رفض طلبه كان للمستدعي أن يطلب ذلك إلى الهيئة الاتهامية التي يمكنها أن تستمع إليه إذا رأت ضرورة لذلك.
خامسا - التفتيش :
المقصود بالتفتيش وتحديد طبيعته :
التفتيش عمل من أعمال التحقيق التي تستهدف كشف الحقيقة بشأن الجرم الواقع ومدى ثبوته في مواجهة المتهم. ولقاضي التحقيق اللجوء
إلى التفتيش إما بنفسه، وإما أن يأذن بذلك لأحد مأموري الضبط من خلال الندب»..
ويشمل التفتيش كعمل تحقيقي تفتيش الأشخاص، وتفتيش المنازل. وإذا كانت المادة 91 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا تذكر إلا تفتيش المنازل، فمن الثابت انصراف حكمها كذلك إلى تفتيش الأشخاص
ولا شك أن التفتيش إجراء خطير من الإجراءات التي تمس بحريات الأشخاص وحرمات منازلهم. ولهذا كان المشرع حريصة على تنظيمه وإحاطته بعديد من الضمانات والقيود التي تكفل صيانة الحرية الفردية وحرمة المسكن. وتنص المادة 91 أ.م.ج على «أن دخول المنازل وتفتيشها من معاملات التحقيق فلا يمكن القيام بها إلا إذا كان الشخص الذي يراد دخول منزله وتفتيشه مظنونا فيه بأنه فاعل جرم أو شريك إلا إذا كان الشخص الذي يراد دخول منزله وتفتيشه مظنونة فيه بأنه فاعل جرم أو شريك أو متدخل فيه أو كان على الأقل مشتبها فيه بأنه يجوز أشياء تتعلق بالجرم». وتضيف الفقرة الثانية من نفس المادة «أن دخول القاضي أحد المنازل بحال عدم توفر الشروط المذكورة آنفا يعتبر تصرفا تعسفيا من شأنه إفساح المجال للشكوى من الحكام».
والتفتيش - على ضوء النص السابق - هو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي. وبهذا فهو يتميز من ناحية عن إجراءات الاستدلال الموكلة إلى رجال الضبط، كما يتميز في ناحية أخرى عن إجراءات التحقيق النهائي التي تتمثل في المحاكمة أمام القضاء بالمعنى الدقيق للكلمة.
والتفتيش كعمل تحقيقي ينطوي على هذه الدرجة من الأهمية، إن لم يكن الجسامة، فلا يجوز اتخاذه إلا من قبل سلطة التحقيق. ولا يكون الرجال الضبط العدلي حق مباشرته إلا في حالتين: الجرم المشهود من ناحية، والإذن الصادر عن سلطة التحقيق ذاتها من ناحية أخرى (حالة الندب). بل إن الضابطة العدلية إذ تقوم بالتفتيش في حالة الجرم المشهود، فإن هذا التفتيش الواقع لا يعتبر من إجراءات التحقيق، وإنما ينظر إليه بوصفه من قبيل إجراءات الاستدلال.
قيود التفتيش وضماناته :
بالنظر لأهمية وخطورة التفتيش (سواء كان تفتيشا للأشخاص أم للمنازل)، فلا بد من توافر مجموعة من القيود والضمانات التي يؤدي تخلفها إلى وصم التفتيش بالبطلان، بكل ما يترتب على هذا البطلان من آثار. ونوجز هذه الضمانات والقيود فيما يلي:
1. تعلق التفتيش بجريمة وقعت بالفعل: ويعتبر ذلك أحد أهم شروط صحة التفتيش. فلا يجوز بحال من الأحوال التفتيش أو الإذن به الضبط جريمة مستقبلة. وحظر التفتيش بالنسبة للجرائم المستقبلة أمر مقرر مهما كان احتمال وقوع هذه الجريمة كبيرة، وعلة ذلك أن التفتيش هو عمل تحقيقي عن جريمة وقعت فعلا؛ وليس وسيلة لاكتشاف الجرائم.
ويكفي أن يتعلق التفتيش بجريمة وقعت بالفعل، بصرف النظر عن نوعها، أو طبيعتها، أو جسامتها ؛ بل وبصرف النظر تماما عن العقوبة التي ينص عليها القانون لهذه الجريمة.
2- توافر اتهام موجه إلى الشخص المراد تفتيشه أو تفتيش سكنه أو وجود قرائن قوية تفيد حيازته الأشياء تتعلق بالجريمة :
وبدون توافر هذا الاتهام، أو وجود هذه القرائن لا يصح التفتيش . ولجهة التحقيق سلطة تقدير كفاية الدلائل على الاتهام أو على حيازة الأشياء المتعلقة بالجريمة. وتخضع جهة التحقيق في تقديرها لذلك إلى رقابة محكمة الموضوع. فيكون على هذه الأخيرة أن تهمل الدليل المستمد من كل تفتيش يخالف هذا القيد وتجرده من قيمته كعمل تحقيقي يمكنه ترجيح البراءة أو الإدانة .
٣- كون الغرض من التفتيش ضبط أشياء تتعلق بالجريمة أو تفيد في كشف الحقيقة:
لا يكفي لصحة التفتيش كعمل تحقيقي توافر الشرطين السابقين من وقوع جريمة بالفعل وتوافر اتهام موجه إلى الشخص محل التفتيش أو وجود قرائن قوية على حيازته الأشياء تتعلق بالجريمة بل ينبغي بالإضافة لذلك أن يكون ثمة غرض من التفتيش هو ضبط أشياء تتعلق بالجريمة أو تفيد في كشف الحقيقة.
ويترتب على ذلك أن جريمة كالقتل على سبيل المثال تبرر تفتيش الشخص أو تفتيش مسكنه للبحث عن السلاح المستخدم في ارتكاب الجريمة، وكذلك جريمة السرقة للبحث عما قد يوجد لدى الشخص من الأموال المسروقة. ولكن على العكس في ذلك فإن هناك من الجرائم ما لا يتصور تعلقها بأشياء أو تخلف عنها أشياء تفيد في كشف الحقيقة . ومثال ذلك جريمة شهادة الزور، أو جريمة الذم أو القدح ... فهذه الجرائم لا تبرر تفتيش الشخص أو مسكنه. وبالتالي يقع باطلا كل تفتيش تجريه سلطة التحقيق .
والحق أن لهذا القيد ما يبرره: فالتفتيش هو دائما إجراء يمس بالحرية الفردية وينتهك حرمات المساكن، ولهذا فلا ينبغي اللجوء إليه كعمل تحقيقي إلا لضرورة تبررها دواعي الكشف عن الحقيقة، تطبيقا للقاعدة الأصولية أن الضرورة تقدر بقدرها.
4 - إجراء التفتيش في حضور المتهم أو من ينيب عنه :
ينبغي لصحة التفتيش أن يتم بحضور المنهم إن كان موقوفة فإن امتنع عن حضور التفتيش أو تعذر عليه ذلك يجب حصول التفتيش بحضور من ينيب عنه إذا تعلق الأمر بجناية . فإن لم يكن هناك من ينيب عن المتهم عين له قاضي التحقيق وكيلا (م93 أ. م. ج).
فإذا لم يكن المنهم موقوفة وكان موجودة في محل التفتيش فيدعي الحضور التفتيش ولا ينبغي إعلامه به مقدما. وإذا لم يكن المتهم موجودة
فيجري التفتيش طبقا لأحكام المادة 93 (م94 أ.م.ج).
أما إذا وجب إجراء التفتيش في غير منزل المتهم، فيدعي هذا الشخص لحضور التفتيش. فإن كان غائبا أو تعذر عليه الحضور فيجري التفتيش أمام اثنين من أفراد عائلته الحاضرين في مكان التفتيش، وإلا فبحضور شاهدين يقوم قاضي التحقيق باستدعائهما (م 95 أ. م. ج).
واخيرة، فعلى قاضي التحقيق عند قيامه بالتفتيش أن يصطحب معه كاتبا للتحقيق ليقوم بتنظيم محضر للتفتيش (م 96/2 أ.م.ج).
بطلان التفتيش:
يترتب على تخلف أحد الشروط السابقة وصم التفتيش بالبطلان. وبالتالي يفقد الدليل المستمد من هذا التفتيش قيمته ولا يجوز التعويل عليه سواء من سلطة التحقيق، أم من قضاء الحكم. ولا يبقى للتفتيش الباطل في هذه الحالة إلا قيمته الاستدلالية بوصفه أحد إجراءات الاستدلال. كما يترتب على بطلان التفتيش عدم جواز التعويل على ما يضبط أثناء هذا التفتيش ولو كان متعلقة بالجريمة. لكن بطلان التفتيش لا يلحق بالدلائل المستمدة من أي عمل تحقيقي آخر بشرط أن يكون مستقلا بذاته .
سادسا - استجواب المتهم:
ماهية استجواب المتهم:
استجواب المتهم عمل تحقيقي لا يجوز لغير سلطة التحقيق مباشرته. فليس لرجال الضابطة العدلية البتة حق استجواب المتهم سواء فيما يتعلق بحالة الجرم المشهود، أو في حالة الندب الصادر من جهة التحقيق ذاتها.
ويقصد بالاستجواب مجابهة المتهم بالأدلة المحشودة ضده ومناقشته فيها مناقشة تفصيلية بهدف استجلاء ظروف وملابسات الجريمة وكشف الحقيقة فيما يتعلق بالجرم الواقع والأدلة التي أمكن لرجال الضبط التوصل إليها. الاستجواب على هذا النحو قد يفضي بالمتهم إلى الاعتراف بجرمه، وقد يحدو به على العكس إلى إنكار الجرم المنسوب إليه.
وبناء على ما تقدم، ينبغي تمييز الاستجواب عن مجرد السؤال المقدم إلى المتهم. فمن ناحية أولي يعتبر الاستجواب عم تحقيقية بالمعنى الدقيق للكلمة لا يجوز لغير سلطة التحقيق القيام به ؛ بل إن سلطة التحقيق ذاتها لا تملك إنابة أحد رجال الضبط المباشرة استجواب المتهم. أما السؤال المقدم للمتهم فهو إجراء عادي من قبيل إجراءات الاستدلال، ومن ثم يحق لرجال الضبط سؤال المتهم دون أن يعتبر هذا تجاوزا لحدود سلطاتهم.
ومن ناحية ثانية يختلف الاستجواب عن سؤال المتهم من حيث مضمون كل منهما: فالاستجواب كما ذكرنا يعني مجابهة المتهم بالأدلة المحشودة ضده، ومناقشته بشأنها مناقشة تفصيلية على نحو قد يؤدي إلى اعترافه بالجريمة أو إنكاره لها. أما السؤال فلا يعني أكثر من ما المتهم بشأن التهمة الموجهة إليه. فرجل الضبط الذي يسأل المتهم ليس من حقه سوى إثبات أقوال هذا الأخير فقط ؛ فلا يحق له مناقشته بشأن تفصيلات الجريمة أو مواجهته بالأدلة. مدى سلطة المحقق في استجواب المتهم
" للمحقق بصفة عامة سلطة تقديرية فيما يتعلق باستجواب المتهم . فقد يبدأ المحقق التحقيق باستجواب المتهم، وقد يجعله آخر إجراءات التحقيق بعد تجميع كافة الأدلة من إجراء المعاينة، وسماع الشهود، وضبط الأشياء، والتفتيش . بل إن للمحقق أن يقوم برفع الدعوى الجنائية أمام المحكمة دون استجواب المتهم .
وإذا كانت تلك هي القاعدة العامة، فثمة إلزام باستجواب المتهم لا يملك المحقق تجاهله وذلك قبل إصدار الأمر بتوقيفه احتياطية في الحالة التي يكون فيها هذا المتهم مقبوض عليه من سلطة التحقيق، أو بأمر من النيابة العامة. وذلك أمر منطقي، إذ أن التوقيف (الحبس الاحتياطي كإجراء يمس الحرية الفردية ويتنافر مع قرينة البراءة لا يكون جائزة إلا بعد
استجواب المتهم. فلربما أدى هذا الاستجواب إلى تخلية سبيل المتهم إطلاق سراحه).
كما يجب على المحقق استجواب المتهم في الحال إذا كان مقبوضة عليه بناء على أمر من سلطة التحقيق. فإذا كان استجوابه متعذرة وجب إيداعه في النظارة حتى يتيسر استجوابه، مع ملاحظة ألا تتجاوز مدة الإيداع عن أربع وعشرين ساعة.
وفي هذا المعنى تؤكد المادة 1۰2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن يستجوب قاضي التحقيق في الحال المدعى عليه المطلوب بمذكرة جلب. أما المدعى عليه الذي جلب بمذكرة إحضار فيستجوبه خلال أربع وعشرين ساعة من وضعه في النظارة .
حال انقضاء الأربع وعشرين ساعة يسوق رئيس النظارة، من تلقاء نفسه، المدعى عليه إلى المدعي العام فيطلب هذا إلى قاضي التحقيق سماع المدعى عليه فإن أبي أو كان غائبا أو حال دون سماعه مانع شرعي فيطلب المدعي العام إلى رئيس المحكمة أن يستجوبه أو أن يعهد إلى أحد قضاته بهذا الأمر. فإن تعذر استجواب المدعى عليه أمر المدعي العام بإطلاق سراحه في الحال». .
قيود وضمانات الاستجواب:
ثمة قيود وضمانات لصيقة بالاستجواب يترتب على الإخلال بها بطلان الاستجواب ؛ ومنها ما يرجع إلى شخص القائم بالاستجواب، ومنها ما يتعلق باحترام الحرية الفردية وكفالة حق الدفاع .
١- القيود الخاصة بالقائم على الاستجواب :
يلزم من ناحية أولى أن يكون القائم بالاستجواب هو المحقق نفسه . وبالتالي فلا يحق لغيره من رجال الضبط مباشرة الاستجواب، حتى ولو في حالتي الندب أو الجرم المشهود كقاعدة عامة(3). والعلة في قصر مباشرة الاستجواب على المحقق أن الاستجواب عمل تحقيقي محض يتيح مناقشة المتهم بالتفصيل، ومواجهته بالأدلة القائمة ضده، وهو ما قد يؤدي به إلى الاعتراف أحيانا. ولهذا ارتأى المشرع استبعاد هذا الإجراء من نطاق سلطات رجال الضبط تفاديا للتأثير على المتهم أو الضغط عليه.
وينبغي من ناحية ثانية أن يلتزم المحقق واجب الحياد والأمانة في تسييره لدفة الاستجواب. فليس له على سبيل المثال التغرير بالمتهم أو
خداعه والإيقاع به (كأن يواجهه بأقوال شهود ضده لا أساس لها من الصحة، أو باعتراف كاذب ، أو يوهمه بوجود إدانة لدفعه للاعتراف).
كما لا يجوز للمحقق أن يحلف المتهم اليمين قبل الاستجواب. فإن طلب منه حلف اليمين ففعل المتهم ذلك يوصم الاستجواب بالبطلان.
2 - القيود المتعلقة بالحرية الفردية وكفالة حق الدفاع :
لا يجوز في مباشرة الاستجواب المساس بالحرية الفردية للمتهم محل الاستجواب. فلهذا المنهم أن يجيب على الأسئلة الموجهة إليه بكامل حريته، ومن حقه الامتناع عن الإجابة عليها دون إجباره على
ذلك.
كما لا يجوز البتة ممارسة أي نوع من أنواع الإكراه المادي أو المعنوي في مواجهة المتهم بهدف التأثير على أقواله، أو دفعه للاعتراف وكل إكراه من قبيل ذلك يصم الاستجواب بأكمله بالبطلان، ولا يعتد بالدليل الصادر عنه. ويندرج تحت المساس بالحرية الفردية تحذير المتهم أو تنويمه مغناطيسية أو ما إلى ذلك من الوسائل الحديثة التي تتعارض مع الحرية الفردية وكرامة الإنسان.
وبالإضافة إلى ذلك، فلا بد من كفالة حق الدفاع للمتهم محل الاستجواب.
ويجب على المحقق أن يضمن للمتهم ويمكنه من الدفاع عن نفسه
في مواجهة الاتهام المنسوب إليه. وقد فضلت المادة 70 من قانون أصول المحاكمات الجزائية حق الدفاع المقرر للمتهم إبان مرحلة التحقيق بقولها
عندما يمثل المدعى عليه أمام قاضي التحقيق يثبت المحقق من هويته ويطلعه على الأفعال المنسوبة إليه ويطلب جوابه عنها منبها إياه أن من حقه أن لا يجيب عنها إلا بحضور محام وبدون هذا التنبيه في محضر التحقيق فإذا رفض المدعى عليه إقامة محام أو لم يحضر محامية في مدة أربع وعشرين ساعة، جرى التحقيق بمعزل عنه .
إذا تعذر على المدعى عليه في دعاوى الجناية إقامة محام وطلب إلى قاضي التحقيق أن يعين له محامية فيعهد في أمر تعيينه إلى نقیب المحامين إذا وجد مجلس نقابة في مركزه وإلا تولى أمر تعيينه .
إذا لم يراع قاضي التحقيق أحكام هذه المادة فلا يؤدي ذلك إلى بطلان التحقيق والمحاكمة وإنما يستلزم مؤاخذة قاضي التحقيق تأديبية.
الأثر المترتب على مخالفة قيود وضمانات الاستجواب:
يختلف هذا الأثر بحسب طبيعة القيود والضمانات المقررة في الاستجواب : فإذا انصبت المخالفة على مباشرة الاستجواب ممن ليست له سلطة مباشرته كأن يتولى رجل الضبط إجراء الاستجواب ولو بناء على ندب من سلطة التحقيق؛ أو تمثلت المخالفة في إخضاع المتهم المستجوب إلى إكراه أعدم إرادته أو عابها ... في مثل هاتين المخالفتين يكون الاستجواب باطلا برمته. والبطلان هنا متعلق بالنظام العام فيكون على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، كما يجوز الدفع به ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز، ولا يجوز للمتهم أخيرة أن يتنازل عنه .
ويترتب على بطلان الاستجواب في هاتين الحالتين بطلان كل ما يلحقه من إجراءات أخرى، وكذلك بطلان الأدلة الناشئة عنه والمستمدة منه كاعتراف المنهم. بل إن البطلان هنا يشمل الأمر بالتوقيف الاحتياطي الذي يصدر عقب الاستجواب ويكون مبنيا عليه.
أما إذا انصبت المخالفة على عدم حضور محام مع المتهم أثناء
استجوابه، فإن هذه المخالفة لا تبطل التحقيق، وإنما تجيز فقط مساءلة قاضي التحقيق تأديبية. وهذا هو الحكم المستخلص من الفقرة الأخيرة من المادة 7۰ أ.م.ج السابق الإشارة إليها.
_______________
1- د. علي جعفر، مبادئ المحاكمات الجزائية، مجد، بيروت، 1994، ص238.
2- ولا يعني بطلان الشهادة كعمل تحقيقي من الاعتداد بها كإجراء من إجراءات الاستدلال .
3- انظر بالتفصيل ما وردة في الصفحة 441-442 من نفس المصدر
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|