القمح والغلاة الزراعية في مكة
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 525- 528
23-11-2020
1074
جراية القمح :
ونحن لا نشك ان سعة الرزق كان من اهم مصادرها جراية القمح التي عين ارسالها السلطان سليم في مبالغ عظيمة وافرة توزع كمخصصات سنوية على سكان الحرمين فقد وصلت الى مكة في عهده الاول ولأول مرة في تاريخ الجريات سبعة الآف أردب ارسلت منها الفان للمدينة ووزعت خمسة آلاف في مكة وقد دعا امير المحمل الرومي مصلح الدين الى اجتماع حضره قاضي مكة صلاح الدين بن ظهيرة الشافعي وقضاة المذاهب الثلاثة بمكة ونائب جدة وبعض الاعيان وقرأ عليهم المرسوم السلطاني الخاص بتوزيع هذه الغلال واستشارتهم في كيفية ذلك فذكروا له ان لا بد من عرض ذلك على شريف مكة بركات وأخذ رأيه فكتب بذلك الى بركات امير مكة فجاءه الجواب بتفويض المجلس فيما يراه فاجتمع المجلس واتفق أعضاؤه على التوزيع بموجب سجلات تدرج فيها اسماء البيوت في كل محلة وعدد ما في البيوت من رجال ونساء واطفال وخدم وان يستثني من ذلك التجار والسوقة والعسكر وقد بلغ تعداد السكان عدا من ذكر اثنى عشر ألف نسمة وقد خص كل فرد اربع كيلات فتسلموا حصصهم في ذلك مضافا الى ذلك دينار من ذهب.
وقد تزايد هذا القمح حتى صار معاش اهل مكة منه.
وأمر السلطان سليمان بشراء بعض القرى في مصر من أمواله ووقف وارداتها على الغلة ترسل من مصر سنويا لتوزع في مكة بموجب الدفاتر السلطانية كما امر بزيادة المبالغ التي كانت ترسل صرا الى الحرمين.
وفي عهد سليم بن سليم بن سليمان زيدت الغلة سبعة آلاف أردب اخرى تحمل من الاوقاف السلطانية في مصر على ظهور الجمال الى السويس ثم تشحن في السفن السلطانية التابعة الى جدة او ينبع.
وهي فضائل قد يكون اجداد العثمانيين أرادوا بها المثوبة والاحسان او مجرد السمعة والدعاية او غيرهما الا اننا لا نشك ان ذلك أساء الى اهالي الحرمين اكثر مما احسن اليهم فقد عودهم قبول الاحسان بما في هذا التعود من خمول وكسل واذا علمنا ان هذه الصدقات ظلت جارية طوال قرون كاملة وانها كانت تتسع باتساع عدد السكان وان مخصصاتها كانت تعول جلة الاسر في مكة من العام الى العام علمنا نوع الاعداد الذي اعد فيه هذا الشعب وبطل تعجبا من تنشئة اجياله بالتعاقب على اقتناص الهبات والصدقات واستغنائه بها عن الخوض في مجال الحياة التي تخوضها امم الارض.
ولو فكر اولئك المحسنون في صرف تلك المبالغ التي لا يوفيها الحصر في احياء الاراضي الموت وحفر الآبار وتعميم المدارس تعميما شاملا وانشاء دور للصناعات لنشأت البلاد غير هذه النشأة التي تعاني مرارتها إلى اليوم.
وبحسبنا ان نعلم انه مر بالبلاد في هذا العهد الذي ندرسه غير قليل من النصب لأن الفتن التي كانت تنشب بين امرائها كثيرا ما تحول دون وصول المخصصات كما تحول دون الاستيراد التجاري فلو انشئت البلاد على الاستغناء بمنتوجاتها لكان موقفها غير ذلك.
وقد حدثنا الدخلان فيما ذك ر عن سني الفتنة فقال : ان قيمة الكيلة من القمح والارز كانت تبلغ مشخصين وان الرطل من السكر والشحم والزيت كانت تبلغ قيمته ريالين ولا نعرف فداحة هذا الغلاء الا اذا قارنا هذه الاسعار بما يورده الدحلان نفسه عن اسعار مثلها في ايام الرخاء فهو يقول ان الكيلة تبلغ قيمتها خمسة ديوانية والكيلة تعادل الصاع تقريبا وقيمة الرطل من العسل والزبيب اربعة ديوانية.
والذي أعرفه في عهد طفولتي أن الهللة الواحدة وهي خمس القرش الحالي كانت تساوي ثلاثين ديوانيا وكانت العملة الدارجة في هذا العهد الذي ندرسه هي النقد العثماني ومن انواعه كما يذكر الدحلان القرش ويساوي أربعين ديوانية وبذلك كانوا يشترون سبع كيلات من القمح بقرش واحد.
والذي يعرفه المعمرون أن القرش نوعان «قرش الصاغ» وهو ١٢٠ ديوانيا «والقرش الشرك» وهو أربعون ديوانيا والريال المجيدي يساوي ٢٠ قرشا صاغا و ٦٠ شركا. ومن أغرب ما يروى عن تكاليف العيش في هذا العهد ـ اذا استثنينا أيام الغلاء ـ ما يذكره الغازي نقلا عن الطبري والسنجاري ان أحد الائمة في المسجد لما حجر عليه وقد كبر سنه رتبوا له نفقته اليومية وهي قرشان وفي هذا ما يدل على متوسط نفقة الشخص في هذا العهد.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة