أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2021
3264
التاريخ: 2-1-2021
3901
التاريخ: 3-12-2020
5006
التاريخ:
2509
|
محطات تاريخية في استعمال النباتات الطبية
سعى الإنسان منذ القديم خلف النبات لتوفير مصادر طعامه وغذائه ودوائه ، معتمداً على استعمال ما يحيط به من النباتات باختلاف أجناسها وأنواعها، متعرفا على منافعها واستخداماتها في الغذاء والدواء والعطور. لقد دلت الكثير من المكتشفات الأثرية للعديد من الحضارات القديمة على استعمال النباتات الطبية ، وذكرت المخطوطات القدمية وصدفات دوائية نباتية ، وعمليات نقل وتبادل للمعارف النباتية بين الغرب والشرق. لقد أضحى التعرف على الخبرات والمعارف والتقاليد والمعتقدات لتلك الحضارات في مجال النباتات الطبية وتوثيقها جانبا هاما من جوانب حفظ الإرث التاريخي لشعوب تلك الحضارات القديمة. ويمكن القول ان لجوء الإنسان الى التعرف على النباتات وخصائصها العلاجية قد أرسى اللبنة الأولى في فهم الطبيعة والاستفادة منها. بالرغم من التقدم الحالي الهائل في مجال الكيمياء وصناعة العقاقير، فان المداواة بالاعشااب الطبية ما زالت مفضلة في كثير من البلدان ، وذلك بعد ان كشف العلماء النقاب عن النتائج الكارثية احيانا ، والناجمة عن سدوء استعمال العقاقير الكيميائية.
المعرفة النباتية في التاريخ القديم :
بهدف القاء نظرة تاريخية على رحلة الإنسان الطويلة في تعرفه على النباتات الطبية واستخدامه لها ، اثرنا ذكر المحطات (حضارات) التاريخية الرئيسدية التي تراكم مرن خلالها الكثير من المعارف والخبرات ، والتي ورثتها وتناقلتها الحضارات المختلفة الى يومنا هذا ، وهي :
الحضارة السومرية في جنوب الرافدين (ما بين النهرين ) :
تشمل هذه المرحلة أيضا حضارة البابلييي والآشوريين والحضارات القدمية الأخرى في تلك البقعة من الأرض. تذكر المراجع أن علماء الآثار اكتشفوا قبراً يعود الى حوالي 50 ألف عام ، أي في العصر الحجري القديم في أرض شانيدار Shanidar من بلاد الرافدين حيث وجد المدفون ممدداً فوق سرير من الأزهار ، والتي تشير الى أنها اقتطفت واختيرت بكل عناية. وفي حضارة سومر ، التي تعود جذورها إلى ما قبل عام 4500 ق.م ، شاع استعمال الرقى والتعاويذ في علاج الأمراض حيث كان السومريون والبابليون يعتقدون أنه الكثير من الأمراض تعود الى وجود الشياطين والأرواح الشريرة في جسم المريض.
قام طبيب سومري في نهاية الألف الثالث ق.م ، بتدوين وصفاته الطبية على رقم طيني كتبه بالخط المسماري. وهذه الوثيقة التي تعد أقدم (( كتاب موجز )) في الطب عرفه الإنسان ، بقت مطمورة في مدينة Nippur (نفر) أكثر من أربعة ألف عام ، حتى اأظهرتها التنقيبات الأثرية الأمريكية ، وهي موجودة الآن في متحف جامعة فيلادلفيا بمثابة كنز طبي ، كونها تعد أول دستور للادوية عرفه الإنسان. وكانت معظم المفردات الواردة في تلك الوثيقة ، من عامل النبات مثل القثاء الهندي ((القاسيا)) ، والآس ، والزعتر ، وشجر الصفصاف ، والكمثري ، والشوح ، والتين ، والنخيل. عرف السومريون المنومات ، فقد اكتشف العامل ((وولي)) عام 1929، في إحدى المدافن الملكية في مدينة ((أور)) ، قبرا يعود الى حوالي خمسة آلاف سنة ، وجدت فيه هياكل الأضاحي البشرية التي دفنت حية مع الملك ، بغية اللحاق به الى الحياة الآخرة ، وكانت هذه الهياكل ممددة ، في صفوف مرتبة ، دون ظهور علامات الخوف أو العنف. وكان تقدير الخبراء أن هذه الأضاحي ، اختارت الموت مع الملك طوعا وأنهم شربوا شراباً منوما شديد التأثير ، أغلب الظن أنه كان شرابا لنبات الماندراغورا أو ما يسمى حاليا نبات اللفاح (تفاح الجن) Mandragora automnals. ومما ورد ذكره في المراجع أيضا أن حمورابي (2067 - 2025 ق.م) قد شجع الناسى على زراعة النباتات الطبية التي ازدهرت في عهده ، حيث وجدت لوحة طينية في بلاد الرافدين تعود لتلك الحقبة كتب فيها " يوخذ نصف مسحوق من الخردل الاسود ويعجن بماء الورد ويوضع كلبخة فوق الرأس".
كما وجدت قوائم خاصة باستعمال النبات والحيوان ، على الرقم (الالواح الطينية) الاثرية التي عثر عليها في مدينة لارسا Larsa السومرية ، ويرجع تاريخها الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وقد صنفت تلك الكائنات تصنيفاً نفعيا ، فقسم عامل الحيوان الى أسماك ومفصليات وأفاع وطيور وذوات اربع. كما قسم عامل النبات الى أشجار وبقول وبهارات وعقاقير وحبوب. وجعلت الاشجار المثمرة كالتين والتفاح والرمان في مجموعة واحدة. تشرح هذه الرقم الأعمال الزراعية المعتمدة في ذلك العهد من بلاد الرافدين. كما عثرت البعثات الأثرية على نحو 600 ُرقيم دون فيها الكثير من المعلومات الطبية. وقد تمكن الدكتور " تومبسدون " المدير المساعد للمتحف البريطاني عام 1924 ، من معرفة وتحديد هوية 250 نباتا ومعدنا ، وعناصر مختلفة اخرى استعملها اطباء بابل في وصدقاتهم ، وأفادوا من خصائصها العلاجية ، وقد ورد ذكر القنب الهندي في الواح بلاد الرافدين ، وكان البابليون يعرفون خصائصه المسكنة للامل، ويصدقونه لمعاجلة الارق والروماتزم.
كما وجد بين آلاف الالواح الفخارية المكتوبة بالخط المسماري ، والتي كانت تحتويها مكتبة آشور بانيبال في مدينة نينوى وثائق تذكر 150 نباتا طبيا .
الحضارة الكنعانية (الفينيقية) :
انتشرت في حوض البحر المتوسط في الألف الاول قبل الميلاد ، وقد تمثل علم الإتنولوجية النباتية في رسالة في الزراعة دونها عامل قرطاجي يدعى ماغو Mago ، وترجمها الـــــــــــــــــــــى اللاتينية الكاتب الرومانــــــــــــــــي ماركوس فارون 116 - 27 M. Varron ق.م.
الصينيون :
يعد الصينيون من الشعوب القديمة التي اهتمت بالتداوي بالأعشاب وظهر اول كتاب صيني للأعشاب عام 2700 ق.م ، وهو الأساس للمعلومات الصينية ، وكان بعده كتاب الأعشاب الكبري عام 1569 ق.م لمولفه كانغ مو الذي ضم ما يزيد على ألف نوع من النباتات ووصفاتها وجرعاتها وطرق استخدامها ، والتي لا يزال بعضها يستخدم حتى يومنا هذا في الصين. وكان اول دستور للادوية في الصين حوالي 2200 ق.م اطلق عليه اسم (( مخطوطة بن تساو)) ( مجموعة الأعشاب) التي وضعها الإمبراطور شن نونج مؤلف علم الصيدلة الصيني ، وقد ذكر فيه حوالي 365 عقارا منها الايفدرين والراوند .. وفي عام 659 ميلادي صدر دستور الادوية الصيني ، وهو اول وثيقة من نوعها في العامل ، وقد اعلن عنها انذاك بمرسوم امبراطوري.
الفراعنة :
اكتسبت مصر القديمة شهرة واسعة في مجال الطب والمداواة بالاعشاب وتركت لنا اهم الوثائق ، حيث تشهد الكتابات القديمة والصدور على جدران المعابد وبقايا الأعشاب التي وجدت بجانب المحنطات ، على ان قدماء المصريين استعملوا الأعشاب منذ 3000 سنة ق.م. وضمت لفائق البردي في المقابر كنوزا من المعلومات حول استخدام النباتات الطبية في علاج المرضى . وأشهر هذه البرديات بردية كاهون وسميث وهيرست وبردية لندن وبرلين. وتبقى بردية (( ايبرز )) من اهم المخطوطات المصرية التي تبحث في المداواة بالأعشاب ، والتي تعد من اقدم أوراق البردي الطبية على الإطلاق التي عثر عليها حتى الآن حيث تعود إلى عام 1552 ق.م من عهد الملك (دن) من الأسرة المالكة الاولى ، وهذه البردية عبارة عن لفافة ضخمة من أوراق البردي طولها 20 م وعرضها 30 سم اشتراها في البداية (ادوين سميث)) عام 1862 ثم اشتراها (جورج ايبرز)) عامل المصريات الذي سميت البردية باسمه ، وفي عام 1875 نشرت ترجمة لها ، وقد حوت هذه البردية على 877 وصفة طبية لأنواع متعددة من الامراض ، وتبين ان وصفتين طبيتين من وصفات بردية اييرز ، تعودان إلى عهد السلالة الملكية السادسة ، أي الى 2400 عام قبل الميلاد. وفضلا عن التطور الكبير الذي شهده ميدان الطب عند الفراعنة كان لابد للصيدلة ان تتطور أيضا ، ولعل كلمة pharmacist هي كلمة فارماكي الفرعونية. فقد كان للادوية عند المصريين القدماء مكانة خاصة فاهتموا بدراستها ، وكان لهم مدارس خاصة تسمى بيرعنخ أي " بيوت الحياة " ملحقة بالمعابد تدرس فيها العلوم والنباتات الطبية من حيث صفاتها وزراعتها وأنسب الاوقات لجمع العقاقير منها ، وكذلك العقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية وكيفية استخلاصها وفوائدها في علاج الأمراض وكيفية تحضير الادوية منها ، وتجهيزها في اشكال صيدلانية مختلفة للاستعمال من الباطن والظاهر، مما يدل على انهم كانوا على معرفة بينة بتركيب الدواء وكان لهم فيها مهارة خاصة ، وقد تخرج من هذه المدارس أخصائيون في مختلف الفروع الطبية ، كما ورد في البرديات الطبية انهم كانوا يجهزون الادوية على هيئة امزجة سائلة. وكان الكهنة المعروفون باسم " Sinu سنو " هم الذين يحضرون الادوية في اماكن خاصة من المعابد تسمى ( Asit آست ). تذكر المراجع ان نبات المر Commiphoramyrrha لم يكن ينمو في مصر بل كانوا يجلبونه مرن الصومال والسعودية ، حيث وجد في توابيت الموتى مع ادوات التحنيط. لم يكتف تحتمس الثالث بالنباتات المصرية بل جلب نباتات من سورية ليزرعها في مصر ، وأرسلت حتشبسوت بعثة الى الصومال والحبشة لتحضر الورود . كما عثر على الفجل في مقابر الأسرة الثانية عشرة ، اما عصيره فكانوا يستعملونه كنقط للاذان ، وعثر كذلك على نبات السرمق Chenopodium جاء في البرديات انهم استعملوا الحنظل والزعتر والزعفران والزيزفون والثوم والبصل والترمس والحلبة والجميز وزيت الزيتون والسمسم والعرعر والخشخاش والرمان وحبة البركة واليانسون والكمون والصفصاف والنعناع والخروع وحب الهيل والبايونج وغيرها ، كما تاجروا وحاربوا للحصول على خشب وصمغ الارز اللبناني Ceduslbani الذي استخدموه في المعابد وتحنيط الموتى. في الفترة ذاتها تقريبا ، انشأت في معبد ((ادفو)) مدرسة طبية وبستان لزرع النباتات الطبية ، ومن النباتات التي استعملها قدماء المصريين نذكر : العرعر والحنظل والكمون وحب الهال والثوم وبذر الكتان والسنا والشمر والزنبق وغيرها. هناك نقش بارز بني اثار مصر القديمة يعود الى عهد اخناتون ، يمثل نباتا لعب دورا رئيسيا في دستور ادوية القرون الوسطى وهو الماندراغورا (تفاح الجن) الذي يشبه جذره شكل الإنسان ، وقد اعتقد قدامى المصريين ان هذا النبات يستمد قدرته من الالهة ، وانه يملك خصائص حيوانية ، فقالوا انه يزعق اذا ما اقتلع من جذوره ، وان اي انسان يسمع صياحه لابد ان يصاب بالجنون ، كمان له تاثير السحر. وكان الاعتقاد السائد ، انه مقو للرغبة الجنسدية ويشفي من العقم واعتبروه هبة خاصة ، وهبهم اياها رع " اله الشمس )).
واخيرا كان المصريون يعرفون خصائص الخشخاش المسكنة للامل. كل ذلك قبل الفي عام من ظهور اطباء اليونان الاوائل الذين ورثوا الشيء الكثير عن المعارف الطبية المصرية والسومرية والبابلية.
الحضارة الهندية :
كانت الهند القديمة تحتفظ بمعرفة واسعة وقدمية جدا في علم النباتات الطبية ، وكانت مصادر الكتابات تعود الى ما لا يقل عن ألفي سنة قبل الميلاد ، حيث ان اقدم كتاب عرف في تاريخ الحضارة الهندية هو الكتاب المسمى (الفيداس) والمكتوب باللغة السنسكريتية ، والذي ورد فيه شرح مفصل لخصائص بعض النباتات الطبية كالزعفران والكركم والخروع ... ، وكذلك الكتاب الشهير وهو كتاب السوشروتا — سامهيتا ، الذي يشمل 700 نبات طبي تم تأليفه في عهد غوتاما البوذا مؤسس المذهب البوذي ، اي في مطلع القرن السادس قبل الميلاد.
الحضارة اليونانية:
ورث اليونانيون الكثير عن اسلافهم المصريين والسومريين وغيرهم ، ويقول ديورانت " إن الآريين ، لم يشيدوا صرح الحضارة ، بل اخذوها عن بابل ومصر ، وان اليونانيين لم ينشئوا الحضارة إنشاء ، لان ما ورثوه منها اكثر مما ابتدعوه وكانوا الورثة لذخيرة من العلم والفن مضى عليها أكثر من ثلاثة آلاف من السنين ، جاءت الى مدائنهم مع مغانم الحرب والتجارة )). ورغم هذا فقد ظهرت اسماء شهيرة ، بارزة كان لها باع طويل في هذا المجال ، وهنا لابد من ذكر الكاهن ايسكولاب وهو اول من انشأ المشافي على سفوح الجبال المحاطة بالغابات ، وهو من اتخذ من الثعبان الملتف على العصا رمزا للشفاء ، وبقي حتى يومنا هذا رمزا للصيدلة. لقد تمثل علم الإتنولوجية النباتية عند اليونان في قصيدة ((الأعمال والأيام) التي نظمها الشاعر اليوناني هزيودس Hesiodes في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد ، وهي تمثل التقويم الزراعي الذي شاع استعماله في تلك الأيام ، كما ترجم كاسيوس ديونيسيوس Cassius Dionysius كتاب ماغو الى اليونانية في مطلع القرن الأول للميلاد. واستطاع فلاسفة اليونان ومفكروهم وطلابهم اخذ ما صلح من طب المصريين ، وشكل ذلك الجزء الأكبر من طب ابو قراط (طبيب الاسكندر المقدوني) والذي يعد من اعظم اطباء اليونان (460 - 377 ق.م) ، لما قدمه من وسائل علاجية مبنية على أسس علمية تجريبية ، ولذلك حمل لقب " ابو الطب التجريبي " ومعه بدأت تتكون مجوعة المعارف الطبية، من اهم مؤلفاته (المجموعة الأبوقراطية) ، تناول فيها الأمراض والأوبئة وذكر فيها اكثر من 236 عقارا من الأعشاب، كما ورد فيها، ان لكل داء دواء نباتي خاص به. ولقد فرضت (المجموعة الابوقراطية) نفسها زمنا طويلا على الطب الأوربي ، وكذلك كتاب تاريخ النيات DE HISTORIA DES PLANtEs. قام الطبيب اللاتيني ((ديوكليس دوكاريستوس)) في القرن الثالث قيل الميلاد بتصنيف مصادر الحشائش الإغريقية ، بعد ذلك بقرنين من الزمن ، جاء اغريقي اخر يدعى (كراتيوياس) ليكمل تصنيف ديوكليس ، وقد افاد من هذا التصنيف مؤلفان من علماء القرن الأول الميلادي ينسيان للفترة الرومانية هما بلين Pline القديم 79 - 23 ق.م ، والطيب ديسقوريدس Dioscorid. اما ثيوفراتس 317 - 387 Theophraste ق.م فقد جمع بين الطب والفلسفة وعلم النبات واطلق عليه لقب (ابو النبات) و (أبو الأقربازين))، لدراساته وابحاثه في التعريف بخواص الأعشاب الطبية وفوائدها ، كما شرح في مؤلفاته خواص الأشجار والشجيرات والأعشاب والأزهار وفوائدها العلاجية ، وبين من بينها العقاقير المهدئة والمخدرة التي تيسر عملية الولادة وتخفف آلامها.
ظهر طبيب اغريقي اخر ، يدعى جالينوس Galen (201-130) ويعد ابا الصيدلة ، ألف حوالي 98 كتابا في الطب والصيدلة. درس الطب في مدرسة معبد ايسكولاب في بيرغام ، ودون مجوعة تضم كل المعارف العلمية في فن الشفاء ، ذكر فيها اكثر من 450 نوعا مرن النباتات الطبية ، وكان يؤكد على ضرورة ان يكون كل طبيب مزودا بمعرفة قوية عن النباتات ، واقترن اسمه بما يسمى حتى اليوم ، بعلم الصيدلة الغالينية ، والتي تقوم بموجبها المواد الحالة ؛ كالكحول والماء والخلل ، بتكثيف الجواهر المؤثرة للعقار ، تلك الجواهر التي تستعمل في تحضير المراهم واللبخات.
العصر الروماني :
أسهمت روما قليلا في تطوير المعارف الطبية ، كونها كانت تعتمد أساسا على المعارف السابقة الآتية مرن الحضارات الأخرى ، ولاسيما الإغريقية والمصرية. من أشهر مؤلفات ذلك العصر كتاب في علم الأعشاب الطبية او الأدوية المفردة ، ألفه الطبيب اليوناني الأصل ديسقوريدس Dioscorid، وكان يجمع في اثناء تنقله النباتات الطبية ، ويدرس خصائصها الدوائية وصفاتها ، ومكان انتشارها ، ويصنع منها ادوية مركبة ، ثم قام بعدئذ بتصنيف كتاب (الحشائش) ضمنه خمس مقالات ، ذكر فيها انواعا من العطور والتوابل والصموغ والأدهان ، الى جانب حبوب وبقول واعشاب ، والنباتات التي تستعمل جذورها أو بذورها ، واعشاب باردة ، واخرى حارة او مسهلة او مقيئة ، أو مضادة لتأثير السموم. لقد بلغ عدد العقاقير والأدوية التي جاء ذكرها في كتاب الحشائش لديسقوريدس نحو 950 عقارا ، اما النباتات الطبية فبلغ عددها نحو 550 نباتا. يقول سليمان بن حسان ، المعروف بابن جلجل ، في كتابه طبقات الأطباء والحكماء ( ان كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام (بغداد) في ايام الخليفة جعفر المتوكل ، وكان المرجم له اصطفن بن باسيل ، نقله من اللسان اليوناني الى اللسان العربي . وتصفحه حنين بن اسحاق ، فصحح الترجمة واجازها. فما علم اصطفن من تلك الأسماء اليونانية في وقته له اسما في اللسان العربي فسره بالعربية ، وما لم يعلم له اسما تركه في الكتاب على اسمه اليوناني)). وثمة نموذج ثان من كتب الاشياء عنوانه ((التاريخ الطبيعي) وهو موسوعة تقع في 37 مجلدا ، ألفها كايوس بلينيوس الأكبر Plinius Caius ، وتشمل موضوعاتها المفردات والمركبات والطب والسحر والفلك والعقائد والتقاليد والطقوس والتعاويذ والتمائم والأعشاب والأشجار والسموم والحيوانات والأحجار والجواهر والإلهام والشعوذة. والنموذج الثالث من كتب الأشياء التي صنفت في العصر الروماني ما جاء في كتاب هرمس Hermes " مثلث الحكمة Trimegist " ، الذي وصف فيه 36 نباتا شجريا تمثل العلاقة بين السماء والأرض والإنسان.
العصر الإسلامي :
برع العرب في دراسة النبات والتأليف فيه ، وأخذوا أساس هذا العلم من كتب الهند ، ومن مؤلفات الطبيب ديسقوريدس. وتألقت العلوم والآداب والفنون في عهد النهضة. كانت قبائل الجزيرة العربية تعيش على صلة مباشرة بالنباتات والحيوانات التي اعتمدت عليها للحصول على غذائها ودوائها ، وعلى العلف لمواشيها. وكانت خيراتهم في هذا المجال تنتقل وتتطور بالممارسة من جيل الى اخر من غير تدوين. اشتمل القران الكريم والحديث النبوي الشريف ، على الكثير من الإشارات الى فوائد بعض النباتات والمنتجات الحيوانية. وفي القرن الثاني للهجرة بدا بعض علماء العربية يهتمون بتسجيل أسماء الكائنات الحية وضبط صفاتها ، ومن أشهرهم عبد الملك بن قريب ، المشهور بالأصمعي الباهلي 122 - 216 هــ / 740 - 831 م، وهو من مواليد مدينة البصرة ، كان أماما في الأخبار والملح والغرائب. قدم الى بغداد في زمن الرشيد ، ثم عاد الى البصرة ، وتوفي فيها. صنف الأصمعي أكثر من ثلاثين كتابا ، بعضها في علوم العربية ، وبعضها في وصف أحياء البيئة الطبيعية التي عاش فيها. ومن تلك المؤلفات : كتاب النبات والشجر ، وكتاب خلق الانسان ، وكتاب الأجناس ، وكتاب الخيل ، وكتاب الإبل ، وكتاب الوحوش وصفاتها ، وكتاب مياه العرب ، وكتاب الأنواء ، وكتاب الأخبية والبيوت. وقد حقق كتاب النبات والشجر أوغست هفنر A.Haffner والأب لويسى شيخو ، ونشراه في بيروت عام 1908م. وأعاد تحقيقه ودراسته الدكتور عبد الله يوسف الغنيم ، ونشره في القاهرة عام 1947م. تحدث الأصمعي في مقدمة هذا الكتاب عن أسماء الأرض وصفاتها ، وما يصلح للزرع فيها من نبات وشجر. ثم ذكر أدوار النمو التي تمر فيها النباتات ، وقسمها بعد ذلك الى أحرار وذكور. فأحرار البقول ما رق منها وحسن ، وذكورها ما غلظ منها وخشن. ثم قسمها بحسب طعمها الى حمض وخلة ، فالحمض ما كان طعمه مالحاً ، والخلة ما كان طعمها مائلا للحلاوة. وقسمها بحسب الأمكنة التي تنمو فيها الى سهلية ورملية وجبلية ، وبلغ عددها 280 نباتا.
توالي بعد ذلك ظهور عدد مرن المصنفين في علم النبات عند العرب ، وكان من أشهرهم أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري (282هـ /895 م) ، كان تلميذا لابن السكيت ، كما كان ابن السكيت تلميذا للأصمعي. وقد صنف أبو حنيفة ثلاثة علوم مختلفة : علم الأنواء ، علم القران ، وعلم النبات. يعد كتابه في النبات موسوعة جمع فيها أسماء الكثير من الأعشاب والجنيات والأشجار التي تنمو في الجزيرة العربية ، وجعلها في خمسة أجزاء. بقت هذه الموسوعة بكامل أجزائها حتى زمن الطبيب موفق الدين البغدادي (629هـ /1231م) ، الذي كان يملك نسخة مخطوطة منها ، ثم فقدت بعض أجزاء تلك الموسوعة ، ولم يعثر إلا على الجزء الثالث والنصف الأول من الجزء الخامس . قام المستشرق الألماني برنهار دلفين B. Lewin بتحقيق ما بقي من كتاب النبات لأبي حنيفة ، وشرحه (طبع في بيروت 1974م ). ولم يكن أبو حنيفة ، في موسوعته بعلم النبات ، مجرد جامع لمفردات هذا العلم ، أو باحث عنها بين أبيات الشعر وأخبار الرواة ، بل تجاوز التعريف الموجز لكل نبات ، كما سدار عليه من سبقه من علماء اللغة ، وقدم وصفا دقيقا لجميع أعضاء النبات ، وخاصة تلك التي عرفها عن قرب وهو يجوب أنحاء الجزيرة العربية ، ثم قام بتصنيفها بحسب فائدتها العملية ، ذاكرا الجزء المستعمل منها ، وتاثيره الدوائي في الإنسان أو الحيوان أحيانا. لذا يمكن أن يقال أن أبا حنيفة الدينوري هو أول من وضع أساس علم الإتنولوجية النباتية في البلاد العربية ، بالاعتماد على ما ورد في كتابه الذي قسمه إلى اثني عشر بابا من باب للرعي والمراعي ، و باب للصمغ ، و باب للدباغ ، واخر للروائح وباب للعسل والنحل ... الخ.
لقد كانت كتب الهند ، وأهمها موسوعتا ((سوشروتا)) و ((شاراكا)) ، مصدر العرب الاول في العقاقير ، حيث امتاز قدماء الهنود ، بمعرفة الحشائش وبرعوا في معرفة خواصها واثارها في الابدان ، وقد ترجم العرب في القرن الثامن للميلاد ، موسوعتي (سوشروتا)) و ((شاراكا)) الهنديتين ، بعد أن مضى عليهما ألف عام ، واعترف الخليفة هارون الرشيد بالتفوق العلمي والطبي للهنود ، واستدعى أطباءهم لتنظيم المستشفيات ومدارس الطب في بغداد. يقول اللورد آمهل : " ان اوروبا القرون الوسطى والحديثة مدينة بعلمها الطبي للعرب بطريق مباشر ، وللهند عن طريق العرب)). اهتم العرب بكتاب ديسقوريدس في الحشائش والأدوية المفردة ، اكثر من الاهتمام بأي كتاب من كتب النباتات اليونانية ، فقد عكفوا على دراسته وتمحيصه ، فصدرت له عدة ترجمات أشهرها اثنتان ، الاولى في بغداد ، والثانية في قرطبة كما ذكر ابن جلجل.
ازدهر علم النبات والأعشاب عند العرب منذ القرن الرابع الهجري ، وشاع التداوي بالحشائش والأعشاب في الأندلس على ايدي علماء واطباء اندلسيين كالأدريسي والغافقي وابن العباس ، وشملت علومهم واختصاصاتهم مجالات النبات والطب والصيدلة ، فكانوا روادا برعوا في معرفة الادوية النباتية والمعدنية والحيوانية ، وافتتحوا الصيدليات العامة في زمن المنصور ، كما ألحقوا صيدليات خاصة بالبيمارستانات. كان للصيدلية رئيس يسمى شيخ صيدلاني البيمارستان. وجعلوا على الصيادلة رئيسا يسمى رئيس العشابين ، ووضعوا كتبا خاصة بتركيب الادوية اطلقوا عليها اسم الاقربازين.
في حقيقة الامر لم ينتثر كتاب الادوية المفردة لديسقوريدس ، بعد ترجمته في بغداد، انتشارا واسعا في شرقي العامل الإسلامي. ويعود السبب في ذلك الى ان كثيرا من النباتات الطبية التي ورد ذكرها في ذلك الكتاب كانت اسماؤها اعجمية ، لهذا بقيت مجهولة من قبل اكثر الاطباء ، ومل يقم احد بالربط بينها وبين النباتات التي ورد ذكرها في مؤلفات الأصمعي وابي حنيفة وغيرهما ، وعند الرجوع الى مؤلفات الرازي والبيروني وابن سمينا يلاحظ انهم حذفوا في مؤلفاتهم كثيرا من تلك الأسماء الاعجمية. ولكن حينما وصل كتاب ديسمقوريدس الى قرطبة ، وقدم اليها بعده نقولا الراهب ، اهتم بهما بعض الاطباء الاندلسيين المشهورين ، والمتشوقين الى معرفة جميع مفردات ديسقوريدس. وقد استطاع نقولا ، الذي كان يتقن اللغة اليونانية واللاتينية، عن طريق جولات اطلاعية قام بها في أطراف قرطبة في صحبة هؤلاء ، ان يريهم كثرا من نماذج تلك النباتات ، فربطوا بين اسمائها اليونانية كما وردت في كتاب ديسقوريدس ، وأسمائها باللغات اللاتينية والبربرية والعربية المعروفة في بلاد الاندلس آنذاك. وظهر بعد ذلك عدة مؤلفات في تفسير مفردات ديسقوريدس ، قام بوضعها اطباء اندلسيون من اشهرهم :
سليمان بن حسدان المعروف بابن جلجل : الف كتابه في تفسير أسماء العقاقير عام 372هـ / 983م في قرطبة ، ابان حكم هشام بن الحكم المؤمن بالله. كما الف مقالة في ذكر الادوية المفردة التي لم يذكرها ديسمقوريس في كتابه.
أبو جعفر احمد بن محمد بن السيد الغافقي : اشتهر في القرن السادس للهجرة ، وكان أماما فاضلا ، وحكيما عالما. ويعد من الاكابر في الاندلس ، وهو اعرف أهل زمانه بقوى الادوية المفردة ومنافعها وخواصها واعيانها ومعرفة أسمائها. كتابه في الأدوية المفردة لا نظري له في الجودة ولا شبيه له في معناه ، استقصى فيه ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس بأوجز لفظ وأتم معنى ، ثم ذكر بعد قوليهما ما تجدد للمتأخرين من الكلام في الادوية المفردة ، فجاء كتابه جامعا لما قاله الافاضل في الادوية المفردة ، ودستورا يرجع اليه فيما يحتاج الى تصحيحه منها ، ولقد درس الغافقي النباتات الإسبانية والأفريقية ، ووصفها ، ووضع أسماءها بالعربية واللاتينية والبربرية ، ووصف في كتابه النباتات بادق وصف ، مع ذكر أسمائها باللغات الثلاث. وله أيضاً (كتاب الأعشاب) وهو يحتوي على 380 رسماً ملونا وعقاقير متقنة.
الشريف الإدريسي: اعظم جغرافي الإسلام ، ومن علماء النبات والصيدلة المشهورين. صنف كتبا عدة في النباتات والصيدلة ، أكرها في بلاط بالرمو ، وهو من الذين اشتركوا بنقل العلوم العربية إلى أوروبا بحكم إقامته في صقلية ، وله كتاب ((الصيدلة)) ، بداه بمقدمة عامة في النباتات ، تتسم بروح البحث العلمي. ويبدو من خلال كتابه هذا أنه كان كثير الاعتماد على القدماء من الناحية الطبية ، الا انه كان من ناحية علم النبات ، مستقلا في الرأي ، كثير الاعتداء بالنفس. ويدل توصيفه للنباتات على ان معارفه في علم النبات معارف شخصية خاصة وغزيرة. فقد كان عالما بقوى الأدوية المفردة ومناخها ومنابتها واعيانها ، وله من الكتب أيضا كتاب (الأدوية المفردة)) وكتاب ((الجامع لصفات اشتات النبات) وقد ذكر الأسماء المطابقة للنباتات بلغات مختلفة ، بالعربية والفارسية واليونانية واللاتينية والسريانية والعبرية والهندية والكردية والتركية والقشتالية والبربرية والقبطية.
ابو منصور رشيد الدين ابن الصوري : من علماء القرن السابع للهجرة ، ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بمدينة صور في لبنان الجنوبي ، ثم انتقل عنها واشتغل بصناعة الطب وتميز فيها ، اقام في القدس سنتين وكان يطبب في البيمارستان الذي كان فيها ، ولقد اطلع على كثير من خواص الأدوية المفردة ، حتى تميز على كثير من اربابها. وكان قد خدم بصناعة الطب الملك العادل ابا بكر بن أيوب في سنة اثنتي عشرة وستمائة ، لما كان الملك العادل متوجها الى الديار المصرية واستصحبه معه من القدس. ثم خدم بعده ولده الملك المعظم ، وخدم بعده الملك الناصر ، ابن الملك المعظم ، وبقي معه الى أن توجه الملك الى الكرك ، وتوجه هو الى دمشق فأقام فيها. وكان له فيها مجلس يردد إليه المشتغلون بالصناعة الطبية. توفي في دمشق في سنة تسع وثلاثين وستمائة. التقى رشيد الدين ابن الصوري في دمشق بابرز أبي أصيبعة مؤلف كتاب " طبقات الأطباء " ، فأهداه تاليفا له ، يحتوي على فوائد ووصايا طبية ، ولرشيد الدين الصوري من الكتب كتاب (الأدوية المفردة) ، بدأ بتأليفه في أيام الملك المعظم، وجعله بأسمه ، واستقصى فيه ذكر الأدوية المفردة ، وذكر أيضا أدوية اطلع على معرفتها ومنافعها لم يذكرها المتقدمون. وكان عند خروجه لدراسة النباتات ، في منابتها ، يصطحب مصورا ، ومعه الأصباغ على اختلافها وتنوعها. فكان يتوجه إلى المواضع التي بها النبات ، مثل جبل لبنان وغيره من المواضع التي قد اختصر كل منها بشيء من النبات ، يشاهده ويحققه ويريه للمصور فيعتبر لونه ، ومقدار ورقه ، وأغصانه ، وأصوله ، ويصور بحسبها ويجتهد في محاكاتها. لقد سبق هذا العامل الفذ عصره حيث سلك في تصوير النبات مسلكا علميا مفيداً ، وذلك أنه كان يعرض النبات للمصور في أبان نباته وطراوته فيصوره ، ثم يريه أيضا وقت كابه وظهور بذره فيصوره تلو ذلك ، ثم يريه إياه أيضا في وقت ذبوله ويبسه ، فيصوره ، فيكون النبات الواحد ظاهرا للناظر اليه في الكتاب ، وهو على أنحاء مختلفة لا تمكن رويتها في الأرض ، مجتمعة في وقت واحد ، فيكون تحقيقه له أتم ومعرفته له أبين.
أحمد بن محمد بن مفرج ابن الرومية الإشبيلي : المشهور بأبي العباس النباتي والملقب بأبن الرومية النباتي. كان فقيها ، غلب عليه في مباحثه النباتية التخلص من طريقة الرواية والإسناد ، معتمدا على المشاهدة الشخصية. أخذ علم النبات عن أبيه وجده ، وكان قدوة في هذا العلم حيث ألف خمسة كتب في الحشائش والنباتات. طاف بلاد الأندلس باحثا عن النباتات الجديدة التي لم يقع عليها من سبقه ، وموضحا ما اشتبه بأمره من النباتات التي ذكرها ديسقوريدس. ثم اجتاز بعد ذلك مضيق جبل طارق في طريقه إلى شمالي أفريقيا نحو سنة 612هـ / 1215 م ، فزار المغرب وتونس وطرابلس الغرب وبرقة ومصر. كان يجمع في كل مرحلة ما يجده من غرائب النبات ويسجل صفاتها ومنافعها. ولما طلب منه الملك العادل الأيوبي البقاء في مصر اعتذر متعللا برغبته في أداء فريضة الحج. وبعد أن تم له ذلك تابع جولته فزار العراق وبلاد الشام ، ثم عرج على صقلية ، في طريق عودته إلى الأندلس ، التي وصل إليها عام 615هـ / 1218م. استقر بعد ذلك في مدينة أشبيلية ، حيث ألف كتاب (الرحلة الشرقية) ، ودون فيه نتيجة أبحاثه ومشاهداته لنباتات شمالي أفريقيا وأطراف البحر الأحمر ، والكتاب مفقود ، ولكن العامل النباتي المعروف بابن البيطار ، وهو تلميذ أبي العباس النباتي ، نقل في كتابه (( الجامع لمفردات الأغذية والأدوية) مئة وثلاث مواد مقتبسة من كتاب الرحلة ، من بينها 97 مادة تتعلق بالنباتات الطبية. وقد أتى لسدان الدين الخطيب ، على ذكره في كتابه ((الإحاطة في اخبار غرناطة))، قائلا : " إنه دخل غرناطة غير ما مرة لسماع الحديث ، وتحقيق النبات ، وفتش عن عيون النبات بجبالها".
أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي : المشهور بضياء الدين ابن البيطار الملقب بالعشاب ، ولد في مدينة مالقة الساحلية Malaga بالأندلس، في الربع الأخير من القرن السادس الهجري ، عاش بين عامي 593 - 646 هجرية و1197 - 1249 ميلادية ، وذهب بعض المؤرخين الى ان ولادته كانت بالتحديد عام 575 هـ وعاش حقبة من حياته الأولى في مالقة ، ولم يغادرها الا بعد ان قارب العشرين من عمره. كان يقول دائما " ان اعمال القدماء غير كافية وغامضة من أجل تقديمها للطلاب ، لذلك يجب ان تصحح وتكمل حتى يستفيدوا منها اكثر ما يمكن ".
بدا اهتمام ابن البيطار بعلم النبات منذ شبابه ، فعشب في بلاد الأندلس ، وتعرف على محيطها الطبيعي ، وخاصة في صحبة استاذه ابي العباس النباتي. بعد ان تمكن ابن البيطار من دراسة ما صادفه من نباتات الأندلس ، قرر الرحيل الى بلاد المشرق نحو617 هـ / 1219م ، اي عقب رجوع أستاذه ، فسلك الطريق نفسه الذي سار عليه ابو العباس النباتي ، ومر في رحلته بالمغرب الأقصى والأوسط عام 1220م ، وتوقف فيهما بعض الوقت، ثم تابع طريقه الى تونس وطرابلس الغرب وبرقه. ثم اخذ طريق البحر الى سواحل اسيا الصغرى وبعض جزر بحر إيجة. وفي طريق العودة مر بمدينة أضالية عام 1224م ، كما زار مدينة انطاكية. ثم اتجه الى شرقي العالم الإٍسلامي فزار بلاد فارس والعراق وسورية ومصر. وكان يقيم بكل بلد يحل به مدة ينصرف فيها الى التعشيب فاحصا مدققا. كما كان يسعى الى الاجتماع بالأطباء والعشابين في المناطق التي كان يزورها. حين زار ابن البيطار الديار المصرية رحب به الملك الكامل الأيوبي 616 - 635 هـ /1218 - 1238م وألحقه بمعينه ، ونصبه رئيساً للعشابين بمصر في عام 633 هـ /1235م. اصبح الملك الكامل سلطانا على سورية ومصر ، فاحتفظ ابن البيطار بمنصبه وحظوته عنده ، وصار ينتقل معه بين دمشق والقاهرة. واصبح له في هاتين المدينتين طلاب ومريدون. وكان أشهر هؤلاء الطلاب موفق الدين احمد بن القاسم المشهور بابن أبي أصيبعة ، والذي تكلم عنه مادحا أخلاقه وعلمه في كتابه " عيون الأنباء في طبقات الأطباء ". صنف ابن البيطار عدة مؤلفات أشهرها كتاب " الجامع لمفردات الأغذية والأدوية " الذي قال عنه" سميته الجامع لكونه جمع بني الدواء والغذاء ، واحتوى على الغرض المقصود مع الإيجاز والاستقصاء "، وكتاب (تفسير كتاب ديسدقوريدس)، وكتاب " المغني في الأدوية المفردة ". وقد قام الدكتور لوسيان لوكلرك برجمة كتاب الجامع الى اللغة الفرنسية وطبعه في ثلاثة أجزاء ضخمة ، ظهر الجزء الأول منها عام 1877، والثاني 1881 والثالث 1883م. وبين في مقدمة كتابه هذا تاريخ علم الأعشاب في بلاد الاندلس بإيجاز ، موضحا فضل من ألف في علم النبات عامة ، وعلم الأعشاب والنباتات الطبية خاصة. وقال عن ابن البيطار انه أكبر وأهم عامل نباتي ظهر في الشرق. وهنالك ثلاثة أو أربعة أطباء يمكن أن يقارنوا به هم : أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي ( ت560 هــ / 1164م)، والشريف الادريسي (ت560 هـ /1165م) وأبو العباسي النباتي (ت 637هـ / 1239م (، ورشيد الدين الصوري (ت 639 هـ 1241م) وجميعهم قاموا بدراسة النباتات دراسة متعمقة ، واختص الأول والثاني بدراسة نباتات الأندلس والمغرب ، واهتم الثالث والرابع منهم بدراسة نباتات الجزيرة العربية.
يقول ابن أبي أصيبعة ، صاحب كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، وتلميذ ابن البيطار: " كان ابن البيطار أوحد زمانه ، وعلامة وقته ، في معرفة النبات وتحقيقه واختياره مواضع نبته ، ونعت أسمائه على اختلافها وتنوعها. سافر الى بلاد الإغريق وأقصى بلاد الروم ، ولقي جماعة يعانون هذا الفن ، وأخذ عنهم معرفة نبات كثير ، وعاينه في مواضعه. واجتمع أيضا في المغرب وغيره بكثير من الفضلاء في علم النبات ، وعاين منابته ، وتحقيق ماهيته ، وأتقن دراية كتاب ديسدقوريدس اتقانا بلغ فيه الى أن لا يكاد يوجد من يجاريه فيما هو فيه ، وذلك أنني وجدت عنده من الذكاء والفطنة والدراية في النبات وفي نقل ما ذكره ديسقوريدس وجالينوس فيه ، ما يتعجب منه ، وأول اجتماعي به كان بدمشق في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. ورأيت من حسن عشرته ، وكمال مروءته ، وطيب اعراقه ، وجودة أخلاقه، وكرم نفسه ما يفوق الوصف ويتعجب منه )). يقول ابن أبي أصيبعة الذي كان كتابه ((عيون الانباء في طبقات الأطباء" اأعظم الكتب وأوفاها في تراجم الأطباء ، من عرب وأعاجم ، يقول في كتاب إبن البيطار " الجامع في الادوية المفردة " لم يوجد في الادوية المفردة كتاب اجل ولا اجود منه "، وقال ان ابن البيطار صنفه للملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، حين كان مقيما في مصر.
أسمهم ابن البيطار في مجالي النبات والصيدلة إسمهاماً عظيما ، وذلك باكتشافاته العلمية الهامة سواء عن طريق العثور على نباتات جديدة اثناء تجواله ورحلاته ، ذاكرا خواصها وفوائدها الطبية ، او بالشروح والملاحظات التي دونها ، فيما يتعلق بتخزين النباتات وحفظها ، وتأثير ذلك في المواد الفعالة والمكونات الغذائية الموجودة فيها. وتكريما له فقد اقيم له تمثال في مسقط رأسه ملقا.
داود بن عمر الأنطاكي 1542 - 1600م: طبيب سوري كان ضريرا غير انه مهر في صناعة الطب ، وكان رئيسماً لأطباء مصر ، كان لكتابه (تذكرة اولي الألباب)) ، المشهور (( بتذكرة داود " صدى كبيرا للاثر الذي تركه ابن البيطار فيه.
القرن الثامن عشر :
من علماء هذه الفترة جورج ارهاردرمف 1702 -1628( G.E. Rumphم( الذي ألف كتاب " معشب أمبوانة Herbarium Amboinense الذي طبع في هولندا ما بين سنتي 1741 و 1756، ويمثل هذا الكتاب جردا احصائيا للانواع النباتية الموجودة في جزر أمبوانة (أندونيسمية). يتصف رمف بدقة الملاحظة ، ووضوح الوصف ، وباستعمال التسمية النباتية الثنائية. وهو يذكر كثيرا من المعارف النباتية المرتبطة بحضارة تلك الجزر في ذلك العهد ، ساردا أسماء النباتات المحلية مع ذكر مرادفاتها ، ومحددا أسماء النباتات الدخيلة أو المندسة التي جلبها المستعمر الابيض ممثلا بالغزو الاوربي . ولقد أبرز رمف في كتابه ما يعرف اليوم بعلم الإتنولوجية النباتية باسطا الخبرة في نطاق النباتات وطرائق تصنيفها من قبل سكان جزيرة أمبوانة ، مسلطا الضوء على الموارد النباتية ودورها في حياة المجتمع في تلك الجزيرة. وقد أصدر أيضا أوغست كرينوس ريفيرس A. Q. Rivirus المعروف باسم باخمان Bachman كتابا عنوانه (المدخل العالمي للمعشب Introduction Universalis Rem Herbarium) طبع في ليبزغ سنة 1690م. وأعلن باخمان في مؤلفه المذكور ضرورة فصل دراسة النبات النفعي الصيدلي ، أي العقار، عن دراسة النبات عموما ، ونعت الطريقة النفعية لدراسة النبات بالبدائية لانها لا ترى في عامل النبات إلا أنواعا تخدم الإنسان في الحصول على الدواء أو البهار أو العطر. لقيت اراء باخمان صدى كبيرا في نفوس العاملين في دراسة علم النبات في مطلع
القرن الثامن عشر. وتحول نداء باخمان الى منعطف في مسمرة الدراسات النباتية التي اخذت الوجهة اللانفعية، والتي ظهرت بوادرها في العهد اللينيوي، المنسوب الى العامل النباتي السويدي لينيوس Linnaeus ؛170-1778 م، الذي انطلق يجمع نباتات العامل ويسميها تسمية لاتينية ثنائية، ويرتبها خممن نظام طبيعي ، مبتعدا عن استخدام الفوائد النباتية وما يرتبط بها من أمور تطبيقية. واستمر الحال على ذلك حتى القرن التاسع عشر ، مع تركيز الاهتمام على التصنيف النباتي والدراسات الوصفية للنباتات الإقليمية، فظهرت الافلورة Floras في كثير من أقطار العالمين الغربي والشرقي. واشتهر من مؤلفيها بطرس فورسكال p. Forskal الذي زار ممر وأطراف الجزيرة العربية، واطلع على نباتاتها وأعشمابها. ثم ألف " الافلورة المصرية - العربية Flora Aegyptico Arabico "، التي ظهرت بعد وفاته عام 1775. وتتابع بعد ذلك ظهور عدة علماء في التصنيف النباتي، منهم روبر براون في انكلترا 1773، ودو كاندول في سويسرا 1778، وهنري بايون في فرنسما 1827 ، وجورج بوست في سورية ولبنان 1837-1909 ، وكانت مولفات أوائلهم باللاتينية، ولكن في مطلع القرن التاسع عشر أصبحت الافلورة تدون باللغات المحلية، فيما عدا الاسم العلمي الثنائي الذي بقي باللغة اللاتينية الحديثة. وهكذا كان لابد للعلم من أن يبتكر اسما جديدا يودع فيه المعارف التطبيقية الشعبية للنبات فكانت ولادة علم الإتنولوجية النباتية الحديثة.
القرن العشرين :
في مطلع القرن العشرين تمت على يد العالم الأمريكي هرشبرغر Harshberger ، وهو الذي تدين له الإتنولوجية النباتية بكثير من المعلومات القيمة عن أصل الذرة الصفراء الأمريكية ، والمعروفة في الوطن العربي باسم الذرة الشامية. لقد طلب من هرشبرغر أن يحدد بقايا نباتية جمعت من حفريات اثرية عثر عليها في مسكن هندي أمريكي قديم ، الأمر الذي دعاه الى وضع نظام جديد لدراسة النبات ، مستمدا من طرائق استعمال القبائل الهندية للنباتات النافعة. وقد تمكن هرشبرغر من رسم الطرائق القديمة المعتمدة في تبادل المنتجات النباتية ، كما استطاع ان يحدد، بوساطة علم الاتنولوجية النباتية، طريقة لكشف عدد من المواد القابلة للاستعمال الصناعي المعاصر ، او التي يمكن استغلالها تجاريا في الوقت الحاضر. ولاقت هذه الدعوة رواجا لدى رواد امريكا الذين كانوا بحاجة ماسة الى معرفة النباتات النافعة ، ومكنتهم من الاستفادة من المساحات الواسعة التي يذخر بها العامل الجديد.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|