أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-14
129
التاريخ: 1-11-2016
5513
التاريخ: 1-11-2016
4246
التاريخ: 2024-09-10
200
|
إن فهم موضوع الجغرافية الإقليمية يتطلب استعراضاً سريعاً وموجزاً لعلم الجغرافية بصورة عامة . إذ يعد اليونانيون القدامى أول من أعطى لعلم الجغرافية بنيته (1) ، ويعدّ العالم اليوناني (ايراتوستين) أول من استخدم كلمة جغرافية (Geography )والتي تتكون من كلمتين Geo)) وتعني الأرض و(Graphy) وتعني الوصف أو الكتابة (2) .
طرحت آراء مختلفة حول إعطاء تعريف معين وموحد لعلم الجغرافية ، واختلف الجغرافيون فيما بينهم في ذلك ، ومع ذلك يمكن إيراد تعريف يتفق عليه عموم الجغرافيين هو (أن الجغرافية هي علم المكان) ، أي أنها العلم الذي يركز على التوزيع المكاني والترابط المكاني بين الظواهر على سطح الأرض (3) ، كما يمكن تقديم تعريف أخر للجغرافية على أنها دراسة التباين المكاني في كيفية ولماذا تختلف الأشياء من مكان لآخر على سطح الأرض ، أي أذا لم يوجد تفاوت بين الأماكن فلن يكون هناك ما نسميه (جغرافية )(4) .
فالجغرافية هي العلم الذي يُعنى بدراسة العلاقات المكانية المتبادلة بين مظاهر سطح الأرض من جهة ونشاطات الإنسان المتعددة من جهة أخرى ، ومما لا يختلف عليه الجغرافيون هو أهمية العنصر البشري في المكان ، إذ إن إهماله يدخل مباحث الجغرافية في نطاق العلوم الطبيعية، كما أن إهمال العنصر الطبيعي يدخل مباحث الجغرافية في نطاق العلوم الإنسانية(5).
لابد ونحن نتطرق لعلم الجغرافية أن نتعرف على موقعه بين فروع العلوم المختلفة ، فعلم الجغرافية كما موضح في الشكل (1) يقع في موقع بيني بين فروع العلوم المختلفة ، فهو يضع قدماً في العلوم الطبيعية وأخرى في العلوم الإنسانية ، كما أنه يمثل حلقة الوصل بين الظاهرات الطبيعية والظاهرات البشرية ، ويدرس العلاقات القائمة بينها ، ومن ثم فإن نتاج التفاعل والتكامل والترابط بين هذه الظاهرات المختلفة في إطار المكان هو موضوع الجغرافية(6)، وإن علم الجغرافية لا يهتم بالظواهر ذاتها بقدر ما يهتم بالعلاقات القائمة بينها ، لأن ذلك يُمَّكن الجغرافي من عمل التعميمات وبناء الفرضيات وفهمها ومن ثم القيام بالتوقعات المفيدة.
وقد فهِم علم الجغرافية فهماً خاطئاً ، فالكثير ما يزال يعتقد بالفكرة القديمة التي كانت سائدة في عصر اليونان عن علم الجغرافية في أنه العلم الذي يقتصر على وصف الأرض من حيث وصف الظواهر الطبيعية والبشرية لسطح الأرض من الجبال والسهول وعدد السكان وتكوينهم وعاداتهم وتقاليدهم وحِرفهم (7).
الشكل (1)موقع الجغرافية بين العلوم المختلفة
المصدر: صفوح خير، (الجغرافية موضوعها ومناهجها وأهدافها) ، دمشق ، دار الفكر، 2002, ص24.
غير أن علم الجغرافية قد تطور وبدأ يؤدي دوراً فاعلاً في حياتنا المعاصرة ، فلم يعد علم الجغرافية بفروعه التخصصية يعتمد على الوصف المجرد للظواهر الطبيعية والبشرية ، بل أخذ يبحث في تكوينها ونشأتها وأسباب اختلاف توزيعها وعلاقاتها بالإنسان وتأثيرها على ما يقوم به من فعاليات اقتصادية واجتماعية وسياسية في المكان وعبر الزمان معاً ، أي إن علم الجغرافية اليوم يبحث في العلاقات المكانية القائمة بين عناصر البيئة الطبيعية من جهة والإنسان و فعالياته من جهة أخرى ، ويعتمد في هذا على المشاهدة والوصف والربط والتحليل والتعليل العلمي الدقيق وإيجاد العلاقة بين الأسباب والمسببات التي أوجدت الظواهر الجغرافية الطبيعية والبشرية في هذه الجهة من سطح الأرض أو تلك (8) .
عاصرت فكرة تقسيم العالم إلى أقاليم الحضارات العديدة التي مرت على الأرض منذ الحضارة الإغريقية والحضارة العربية وصولاً إلى الحضارة الحديثة ، وإن أول دراسة جغرافية إقليمية ظهرت على يد العاّلم (Strabo) الذي ولد سنة (63) ق.م وتوفي سنة (36) ميلادية ، وساح في الأرض ولاحظ الشعوب والبلدان حول البحر المتوسط ودَوَّن ملاحظاته في (47) كتاباً ، والتي تعدّ أول قاموس جغرافي (9) ، أما عند العرب المسلمون فإن فكرة الإقليمية أخذت تتركز على أيدي علماء معينين هم (البلخي ، الاصطخري ، أبن حوقل ، المقدسي ، والإدريسي ) وغيرهم ، ومن أهم الكتب التي انجزوها هي ( أشكال البلاد ، صورة الأرض ، المسالك والممالك ، أحسن التقاسيم في معرفة الإقليم ، الربع المعمور للإدريسي ) وغيرها (10).
وقد استمرت هذه الجغرافية الوصفية إلى القرن الثامن عشر ، وبقيت علماً مغموراً مساعداً للتاريخ ، وتغير هذا المفهوم عندما آلف الجغرافي الألماني (Bushing) كتابه الموسوم بـ (وصف الأرض الحديث ) سنة 1754 وانتهى ذلك الدور وأصبحت الجغرافية علماً مستقلاً(11).
وفي الجغرافية الحديثة كان أول من وضع أساس الجغرافية الإقليمية هو العالم الألماني كارل ريتر (Karl Ritter) الذي أسس (الجمعية الجغرافية الألمانية ) عام 1828 ، والذي تبنى فكرة الإقليمية وكان من أهم المدافعين عنها ، إذ قال " كما أن التسلسل الزمني هو الإطار الذي تترتب فيه الحقائق التاريخية الوفيرة فأن الجغرافية كذلك لها إطارها الذي يمثله الإقليم ، فكلا المادتين تتعلقان بأنواع مختلفة من الظاهرات التي يكمل بعضها البعض الأخر ، ولكن كلا في إطاره الخاص" (12).
إن المدرسة الجغرافية الإقليمية التي كادت تتهاوى أركانها وتتلاشى أصولها أمام مد السبعينيات الكمي وغيرها من التيارات الجغرافية المستحدثة ، والتي كادت أن تأتي على ما لدى الإقليمية من أخضر ويابس ، إلا إن عودة الجغرافية المعاصرة إلى أصولها الإقليمية القديمة ، من خلال مؤتمر اتحاد الجغرافيين الأمريكيين الثامن والثمانين ، الذي انعقد في ساندييجو بكاليفورنيا في نيسان (أبريل) 1992م ، إذ وجد أنصار المدرسة الإقليمية فرصة سانحة لإعادة الثقة والأمان إلى مفاهيمهم التقليدية العريقة ، وكانت الصيحة التي رفعوها عالياً في أجواء المؤتمر ، هي دعواهم القوية لإحياء المدرسة الجغرافية الإقليمية بمفهومها السلفي الأصولي القديم وضرورة التركيز عليه في المناهج والبرامج الجغرافية في التعليم العالي (13).
يمثل المنهج الإقليمي المنهج الرئيس في دراسة الجغرافية الإقليمية ، فهو يمثل دراسة الظواهر الجغرافية لإقليم معين من سطح الأرض ، وإبراز الخصائص الجغرافية التي تشكل سطح هذا الإقليم ، وتفسير توزيعها الجغرافي والعوامل التي أعطت الإقليم شخصية خاصة بارزة تجعله يختلف عن غيره من الأقاليم الجغرافية الأخرى (14).
ومن أبرز أهداف المنهج الإقليمي هو إن الجغرافية الإقليمية تساهم في جمع معلومات متنوعة يهتم بها المختصون بشؤون التخطيط والتنظيم الإقليمي وإيضاح أهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في إقليم ما ، واقتراح كيفية حل هذه المشاكل بأبسط الطرق وبصورة اقتصادية وفقاً للموارد الطبيعية بالإقليم وامكانياته ومتطلباته في المستقبلين القريب والبعيد (15).
ومن هنا يظهر بـأن الجغرافية الإقليمية تقوم بوظيفة على درجة كبيرة من الأهمية فهي في نظر (همبولت) تحافظ على وحدة الجغرافية وتماسك فروعها المتعددة ، وهي تركيبه جغرافية مميزة يصنعها الجغرافي من خلال المعلومات والبيانات المختلفة التي تخص الأقاليم ويحقق بها هدفه في فهم الاختلافات المكانية وتنسيق فروعها الجغرافية المختلفة (16).
ومن خلال ما تقدم يمكن أن نصل إلى تعريف للجغرافية الإقليمية وهو ، أنها عبارة عن تجميع ظاهرات الجغرافية الأصولية في دراسة مركبة أو متكاملة داخل وحدة مكانية تسمى إقليم ، وقد تقوم الدراسة الإقليمية على مستوى قارة أو على مستوى وحدات سياسية ، أو على مستوى أي نوع من أنواع الأقاليم الجغرافية (مناخية ، طبيعية ، سكانية ، حضارية.....الخ) (17).
______________
(1) فوزي سهاونه وآخرون ، مدخل إلى الجغرافيا ، ط2 ، الجامعة الأردنية ، دار وائل للنشر ، 2004 ، ص15 .
(2) فايز محمد العيسوي ، أسس الجغرافيا البشرية ، القاهرة ، دار المعرفة الجامعية ، 2006 ، ص17.
(3) جمال الدين الدناصوري وآخرون ، جغرافية العالم (دراسة إقليمية) ، ج1 ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1976 ، ص1.
(4) فوزي سهاونه وآخرون ، مصدر سابق ، ص37 .
(5) صفوح خير وآخرون ، الجغرافية (موضوعها ومناهجها وأهدافها )، دمشق ، دار الفكر المعاصر،2002، ص37 .
(6) صفوح خير وآخرون ، المصدر نفسه ، ص25 .
(7) محمد محمود مصطفى ، جغرافيا الوطن العربي ، ط1 ،عمان ،مكتبة المجتمع العربي للطباعة والنشر ، 2006 ، ص7.
(8)علي حسين الشلش ، جغرافية أمريكا الشمالية الإقليمية ، البصرة ، مطبعة جامعة البصرة ، 1980 ، ص2-3 .
(9) ناجي عباس،" تطور الفكر الجغرافي الحديث"، مجلة كلية الآداب ، العدد (4) ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1961 ، ص296.
(10) شاكر خصباك ،علي محمد المياح الفكر الجغرافي تطوره وطرق بحثه، بغداد،مطبعة جامعة بغداد،1983 ،ص85-87.
(11) ناجي عباس ، مصدر سابق ، ص297 .
(12) ت.و.فريمان ، الجغرافية في مائة عام ، ترجمة عبد العزيز طريح شرف ،بغداد ، دار الشؤون الثقافية ،(بدون تاريخ ) ، ص31.
(13) صفوح خير ، مصدر سابق ، ص60-61 .
(14) حسن سيد احمد أبو العينين ، جغرافية العالم الإقليمية (اسيا الموسمية وعالم المحيط الهادي) ، ج1 ، ط8 ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1979 ، ص15 .
(15) محمد إبراهيم حسن ، المدخل لعلم الجغرافيا ( دراسة المظاهر الجغرافية الطبيعية والبشرية ) ، القاهرة ، المكتبة المصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، 2004 ، ص11-17 .
(16) حنان علي شكير العتابي ، قضاء الزبير (دراسة تطبيقية في الخرائط الإقليمية ) ، رسالة ماجستير (غير منشورة) ، كلية التربية ، جامعة البصرة ، 1991 ،ص10 .
(17) محمد محمد سطيحة ، الجغرافيا الإقليمية (دراسة لمناطق العالم الكبرى ) ، بيروت ، دار النهضة العربية ، 1974 ، ص18 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|