أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-10-2020
1269
التاريخ: 28-10-2020
1103
التاريخ: 28-10-2020
918
التاريخ: 28-10-2020
951
|
الجواب :
«البِدعة» في اللغة تعني العَمَل الجديد والذي لا سابق له، الذي يبيّن نوعاً من الحُسن والكمال في الفاعل، فلفظ «البديع» من صفات الله كما نعلم كما، قال تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [البقرة: 117].
وأمّا المفهومُ الاِصطلاحيّ للبدعة، فهو أيضاً نسبةُ ما ليس من الشريعة إلى الشريعة، وأكثر التعاريف اختصاراً للبدعة الاِصطلاحيّة هو: «إدخالُ ما ليسَ مِنَ الدّيِنِ في الدينِ».
إنَّ الابتداع في الدين من الذُنوب الكبيرة، وهو مما لا شك قط في حرمته فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كلُّ مُحدَثَةٍ بِدعَة وكلُّ ضَلالةٍ في النّار»(1).
والنقطةُ المهمّة الوحيدةُ في مسألة البِدعة هي أن يُحدَّدَ مفهومُ «البِدعة» بصورةٍ جامِعةٍ ومانِعةٍ ليمكن تمييزُ ما هو بدعةٌ عمّا ليس ببدعةٍ.
وفي هذا الصَّعيد، ولإزالة الاِبهام عن حقيقة «البدعة» يجب الالتفات والانتباه إلى نقطتين:
1. إنّ البِدعة نوعٌ من التصرّف في الدِين، وذَلك بإحداث الزيادة أو النقص فيه.
وعلى هذا الاَساس إذا لم يَكُن إحداثُ شيءٍ، مما يرتبطُ بالدِّين والشريعة، بل كان أمراً عاديّاً أو عُرفيّاً لم يكن بدعةً (وإن كانت مشروعيّته مشروطة بأن لا يكونَ الابتداع والاِبتكار المذكور محرَّماً أو ممنُوعاً في الشرع بدليلٍ خاصٍ).
وللمثال: إن البشريّة تبتكرُ باستمرار أساليب جديدة في مجال المسكن والمَلبس وغير ذلك من وسائل العيش وخاصّة في عصرنا الحاضر الذي تتطور فيه الاَساليب والاَدوات المستخدَمة في المعيشَة باستمرار، وبشكلٍ متواصلٍ ونضربُ على ذلك مثلاً أنواع النزهة والرياضة الجديدة، بل والمتجدّدة على الدوام.
إنّ من البديهي أنّ كلَّ هذه الاَشياء والاُمور نوعٌ من البدعة والاُمور البديعة (بمعنى ما لم يكن له سابق) ولكنها لا صلة لها بالبدعة المصطلَح عليها شرعاً.
إنّما تتوقَّفُ حليّتُها وحليّةُ الاستفادةِ منها ـ كما قلنا ـ على أن لا تكونَ مخالِفةً لاَحكام الشَرع وموازينه.
فمثلاً اختلاط الرجلِ والمرأة من دون حجابٍ في المجالس، والمحافل ـ الذي هو من مستورَدات الغرب الفاسد، ومعطيات ثقافته المنحرفة ـ حرامٌ، إلاّ أنّه ليس ببدعَة، لاَنّ الذين يشتركونَ في هذه المحافل لا يأتونَ بهذا العمل باعتباره عملاً أقرّ الشرعُ الاِسلاميُ صحَّته وقرَّره، بل ربما أتَوا به من بابِ اللاّمبالاة مع الاِعتقاد بأنّه مخالفٌ للشرع ولهذا ربما تنبَّهوا وعادوا لرشْدهِمْ فقرّرُوا بجديّةٍ تركَه، وعدم الاِشتراك فيه.
وإنطلاقاً من التوضيح السابقِ إذا عيَّنَ شعبٌ مّا يوماً، أو بعض الاَيّام للفَرحَ والاِبتهاج والاجتماع، ولكن لا بقصد أنّ الشَرع أمرَ بهذا لم يكن مثل هذا العمل (بدعة) وإن كانت حليّةُ أو حرمة هذا العمل من جهاتٍ أُخرى يجب أن تقع محطّاً للبحث والدراسة.
من هنا اتّضح أنَّ الكثيرَ من مبتكرات البشر، وبدائعه، في مجال الفنّ والرياضة، والصناعة وغير ذلك خارجٌ عن نطاق البدعة الاصطلاحية، وما يقالُ حول حرمَتها، أو حليّتها، إنّما هو ناشىَ من جهات أُخرى ولهما ملاكٌ ومقياسٌ خاص.
2. إنّ أساس «البدعة» في الشرع يرجع إلى نقطةٍ واحدة وهي الاِتيان بعملٍ بزعم أنّه أمرٌ شرعيٌّ أمَرَ به الدين في حين لا يوجد لمشروعيته أيُّ أصل ولا ضابطة، ولكن اذا أَتى بعمل على أنّه أمر شرعي ويدل على مشروعيته دليل شرعي (بشكلٍ خاصٍ، أو بصورةٍ كليّةٍ وعامّة) لم يكن ذلك العملُ بدعةً.
ولهذا قالَ العالِمُ الشيعيُّ الكبيرُ العلاّمةُ المجلسي: «البدعة في الشرع ما حَدَثَ بعد الرَسول ولم يكن فيه نصٌّ على الخصوصِ ولا يكونُ داخلاً في بعضِ العمومات».(2) وقال ابن حجر العسقلانيّ: «البِدعة ما أُحدِثَ وليسَ لهُ أصلٌ في الشَرعَ. وما كان له أصلٌ يدل عليه الشرع فليس بِبِدعة»(3).
فإذا كان العملُ الذي نَسَبْناه إلى الشرع يستندُ إلى دَليلٍ خاصّ، أو ضابطةٍ كليّةٍ في الشرع لم يكن بدعةً حتماً.
والصورةُ الاُولى (أيْ وجود الدليل الخاص) لا يحتاج إلى بيانٍ.
إنّما المهم هو القِسم الثاني لاَنّه ربَّ عَمَلٍ كانَ في ظاهرهِ عَملاً مبتدَعاً جديداً ومبتكراً، ولم تكن له سابقةٌ في الاِسلام، ولكنّه في معناه وحقيقتهِ يدخُلُ تحت ضابطةٍ أقرَّها الشرعُ الاِسلاميُّ بصورةٍ كليّةٍ.
ولِلمثال: يمكنُ الاِشارة إلى التجنيدِ الاِجباريّ العامّ المتداوَلِ اليوم في أكثر بُلدانِ العالم.
فإنَّ دعوةَ الشباب إلى خدمة العَلَم كوظيفةٍ دينيةٍ، وإن كانت في ظاهرها عَمَلاً مبتكراً ومبتدعاً إلاّ أنّها حيث تنخرطُ تحت أصلٍ أو قاعدةٍ دينيّة لا تُعدّ بِدعة، وذلك لاَنّ القرآنَ الكريمَ يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
ومن البديهيّ أنّ التربية العَسكرِيّة العامة للشباب ـ تُعدُّ في ظلّ التحوُّلات والتَطَوّرات والاَجواء العالميّة ـ سبباً للتهَيّؤ الاَكثر في مقابلِ العدوّ المتربّص، والعملُ بروح الآية المذكورة في عصرنا الراهنِ يقتضي هذا الاَمر.
في ضوء البيان السابق يمكن حلّ ومعالجة الكثير من الشُبهات التي تقيّد البعضَ وتعيقهم عن الحركة.
ونضرب لذلك مثلاً: ما يقومُ به جماهيرُ المسلمين العظمى من الاِحتفالِ بمولدِ النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويراهُ البَعض أو يسمّونه بِدعة، في حين لا ينطبق عليه عنوان البدعة وملاكُها، في ضوء ما قلناه، لاَنّه على فرضِ أنّ هذا النمطَ من التكريم وإظهار المحبّة والتكريم لم يَردْ في الشرع بخصوصهِ. ولكنَّ موَدّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحُبَّه وحبَّ أهل بيته المطهَّرين سلام الله عليهم أجمعين يُعتبر أحد أُصول الاِسلام الضروريّة وتُعتَبَر هذه الاِحتفالات والاِجتماعات الدينية البهيجة مِن مظاهر ذلك الاَصل الكليّ ونعني المحبة والمودة للنبي وآله.
فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يؤمِنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه مِن مالِهِ وأهْلِهِ والناسِ أجمعين»(4).
ولا يخفى أن الذين يُظهِرُون البَهجة والفرح في مواليد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين، ويقيمون لاَجل هذه الغاية، الاحتفالات والمجالس لا يهدفون من إقامة الاِحتفال في هذه الاَيام إلى أنّ هذه الاَعمال منصوصٌ عليها ومأمُور بهِا شرعاً بعينها وشكلها الراهن، بل يفعلون هذه الاَعمال باعتقاد أنّ حُبَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمودّة لرسول الله وأهل بيته أصلٌ كلّيٌ وَرَدَ التأكيد عليه في الكتاب والسُّنة بتعابير مختلِفةٍ ومتنوّعةٍ.
إنّ القرآنَ الكريم يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
وهذا الاَصلُ يمكن أن تكونَ له تجلياتٌ ومظاهرُ مختلِفة ومتنوّعة، منها إقامة هذه الاحتفالات البهيجة على حياة المسلمين الفرديّة والاِجتماعية، فأنّ إقامة الاِحتفالات، في الحقيقة مما يذكّرِ بنزول الرحمةِ والبركةِ الاِلَهيّة في هذه الاَيّام، وهي نوعٌ من أنواع الشُكر لله تعالى أو عملٌ باعث عليه، وهذا المطلب (إي اقامة الاحتفال في يوم نزول الرحمة والفيضِ الربانيّ) كان في حياة الاُمم السابقة أيضاً كما يصرّحُ بذلك القرآنُ الكريمُ.
فقد طلَبَ النبيُّ عيسى ابنُ مريم عليه السلام مائدةً سماويّة تنزلُ عليه وعلى حواريّيه ليكونَ يومُ نزول تلك المائدة عيداً للجيل الذي كان يعيش بينهم، وللأجيال اللاحقة كما يقولُ تعالى:
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ} [المائدة: 114].
أضف إلى ذلك انّ الله تعالى يقول في آية أُخرى في مجال تكريم النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157].
فإنّ الله تعالى يأمر الناسَ في هذه الآية بأربعة أُمور:
1. الاِيمان بالنبيّ {آمَنُوا بهِ}.
2. تكريم النبيّ وتعظيمه {عَزّرُوهُ}.
3. نصرته {نَصَرُوه}.
4. إتّباع القرآن {واتَّبَعُوا النُّور الذي أُنزِل مَعَهُ...}.
فلزومُ التكريم والتعظيم للنبيّ كما هو واضح أصلٌ دينيٌّ وقرآنيّ، وله في كل زمان مصاديق ومجالي خاصّة: فالصلاةُ والسلام على النبيّ وأهلِ بيته عند ذكر اسمِهِ، وإظهارُ الفرح والابتهاج يومَ ولادته وبعثته، وكذا إعلانُ الحزنِ والاَسى في مأتمه ومأْتم أهل بيته، وحفظُ آثارِ النبيّ وتعمير مرقده الطاهر وحفظُ آثار أهل بيته، وتعميرُ مراقدهم الطاهرة، كلّها وكلُّها مصاديقُ لإظهار المودّة والمحبّة للنبيّ الاَكرم وعترتِهِ الطاهرة صلواتُ الله عليهم أجمعين.
على أنّه يجب أن لا يتصوَّر أحَدٌ بأنّ محبّة النبيّ وأهل بيته ومودّتَهم تنحصرُ في هذه الاُمور فقط، بل يجب الاِنتباه إلى أنّ اتّباعَهم في أقوالهم وأفعالهم، والذي جاءَت الاَشارة إليه في الآية أدناه أيضاً هو من أظهر مصاديق محبّتهم ومودّتهم، كما انّه سببٌ لنيلِ العِناية الاِلَهيّة واللطفِ الربانيّ كما قال:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] والبِدعَة ـ كما أسلَفْنا ـ عبارةٌ عن نوعٍ من التصرّف في الدّين من دون أن يكون له مستندٌ صحيحٌ (خاصٌّ أو كلِّيٌ عامٌّ) في الشرع ، ويجب التنويه بأنّ روايات أئمةّ أهلِ البيت: ـ بحكم حديث الثقلين المتواتر ـ تُعَدُّ من مصادر الشريعة، وأدلّةِ الاَحكام الدينيّة وعلى هذا الاَساس إذا صرَّحَ الاَئمةُ المعصومُون: بجواز أو عدم جواز شيءٍ كان اتّباعهم في ذلك اتّباعاً للدِين ولم ينطبق عليه عنوانُ الاِبتداع والاِحداث في الدّين.
وفي الخاتمة نُذَكّر بأنّ «البدعة» بمعنى التَصَرُّف في الدين من دون إذن الله سبحانه كان ولا يزال عَمَلاً قبيحاً وحراماً وقد أشار إليه القرآن بقوله:{آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59].
وعلى هذا الاَساس لا يصحُّ تقسيم البِدعة (بهذا المعنى) إلى القبيح والحَسَن والحرامِ والجائزِ، بل كلُّها (بهذا المعنى) حرامٌ غير جائز.
نعم البِدعة بمعناها اللغويّ العامّ (أي الاِتيان بأشياء حديثة في أُمور المعيشة من دون نسبة ذلك إلى الشرع) يمكن أن تكون له صُوَرٌ مختلفة ومتنوّعة، وتكون مشمولةً لاَحد الاَحكام التكلِيفيّة الخمسة: (الوجوب والحرمة والكراهة والاِستحباب والاِباحة).
__________________
(1) بحار الاَنوار: 2 | 263، مسند أحمد: 4 | 126، 127 .
(2) بحار الاَنوار: 74 | 202 .
(3) فتح الباري: 5 | 156، و 17 | 9.
(4) جامع الاُصول 1 | 238.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|