الناحية العلمية لمكة في زمن الدولة العباسية
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج1، ص 175-176
12-10-2020
1656
الناحية العلمية :
تركنا مكة تزدهي بمدرسة ابن عباس في أواسط العهد الأموي وكنا قد رأينا مجالسه تنتج لنا مجاهدا بن جبر وعطاء بن أبي رباح وطاووسا وعكرمة وأمثالهم فاذا انتقلنا الى ما يلي ذلك نحو العهد العباسي الأول بدت لنا مجالس عمرو بن دينار وعبد الله بن أبي نجيح ومحمد الأوقص ثم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يغص بها المسجد الحرام وتزدحم أفنيته بأقران هذه الطبقة من الفقهاء والمحدثين مما يطول سرد أسمائهم.
ويحدثنا التاريخ ان عمرا بن دينار كان ثقة كثير الحديث وانه كان يفتي في مكة وأنه مات سنة ١٢٦ فخلفه في افتاء الناس عبد الله بن أبي نجيح ، كما يحدثنا أن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج كان علما من أعلام مدرسة مكة وأنه من أول من ألف في الحديث إن لم يكن أولهم وأنه عندما توفي سنة ١٥٠ كان قد تلقى عنه جمهور من الفقهاء أشهرهم الأوزاعي وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ، وأن سفيان بن عيينة كان من أبرزهم ، وقد أخذ عنه الشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن اسحق ويحي بن أكثم القاضي وغيرهم ، وكان الشافعي رحمه الله يقول لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز ، وأخذ عن الشافعي عبد العزيز الكناني (١) وهو من ألمع رجال الفقه والتفسير.
ولم يقتصر نشاط مكة العلمي على حلقات الدرس فيها ، فقد رحل كثير من فقهائها الى أمصار الاسلام فنشروا علومهم ورووا أحاديثهم علاوة على كونها كانت مفتحة الأبواب لجميع الرواد يقصدونها من سائر الأقطار لينهلوا من علومها ويغترفوا ، وكانت مجامعها في مواسم الحج غاصة بالمسترشدين والمستفتين والمناقشين ، وكانت مجالس المناظرات تعقد في بيوت فقهائها وفي حلقاتهم من المسجد فتجد من غزارتهم العلمية ما يروي غلة السائلين والمناظرين.
وكان التشريع في هذا العهد الذي ندرسه قد تطور شأنه في بعض أمصار الإسلام كالعراق وأخذ يتسع لقياس الفقهاء الا أن أمره في مكة والمدينة ظل على حاله لا يحفل الا بالنص الوارد بالسند المتصل الى المشرع الأعظم صلوات الله عليه ، وبذلك تميز النشاط العلمي في مكة والمدينة يومها بعنايته بالمأثور من أقوال النبي صلىاللهعليهوسلم وأفعاله في الوقت الذي شاعت فيه شتى المذاهب القائلة بالرأي والآخذة بالقياس والضاربة في آفاق الاجتهاد والتأويل.
__________________
(١) ينسبون اليه كتابا اسمه «الحيدة» أملى فيه قصة امتحانه في مجلس المأمون بخلق القرآن ، وجاء في ذلك أن المريسي رئيس المعتزلة قال للكناني أن كلمة جعل في قوله تعالى (جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) وفي سائر القرآن تؤدي معنى خلق فرد الكناني يقول ان قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) وقوله (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) ليس فيهما معنى خلق فافحم المريسي وسجلها المأمون انكسارا.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة