المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

Sir James Hopwood Jeans
15-5-2017
الأيام الأخيرة لأمير المؤمنين (عليه السلام)
18-01-2015
الكريز Prunus avium
9-11-2017
ملعون من طلب الرئاسة
7-11-2021
رؤيا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والشّجرة الملعونة
12-10-2014
 الليبيدات (الدهون)  Lipids
18-5-2016


تفسير الآية (30-36) من سورة فصلت  
  
17856   04:13 مساءً   التاريخ: 2-10-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الفاء / سورة فصلت /

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [فصلت : 30 - 36]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

لما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقبه بذكر الوعد للمؤمنين الأبرار فقال {إن الذين قالوا ربنا الله} أي وحدوا الله تعالى بلسانهم واعترفوا به وصدقوا أنبياءه {ثم استقاموا} أي استمروا على أن الله ربهم وحده لم يشركوا به شيئا عن مجاهد وقيل معناه ثم استقاموا على طاعته وأداء فرائضه عن ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد وقيل ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم وقيل ثم استقاموا على ما توجبه الربوبية من عبادته عن ابن مسلم وروي عن أنس قال قرأ علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية ثم قال ((قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها)) . وروى محمد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الاستقامة فقال هي والله ما أنتم عليه .

{تتنزل عليهم الملائكة} يعني عند الموت عن مجاهد والسدي وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل تستقبلهم الملائكة إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة من الله عن الحسن وثابت وقتادة وقيل في القيامة عن الجبائي وأبي مسلم وقيل أن البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث عن وكيع بن الجراح .

{ألا تخافوا ولا تحزنوا} أي تقولون لهم لا تخافوا عقاب الله ولا تحزنوا لفوات الثواب وقيل لا تخافوا مما أمامكم من أمور الآخرة ولا تحزنوا على ما وراءكم وعلى ما خلفتم من أهل وولد عن عكرمة ومجاهد وقيل لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم عن عطاء بن أبي رياح وقيل أن الخوف يتناول المستقبل والحزن يتناول الماضي وكان المعنى لا تخافوا فيما يستقبل من الأوقات ولا تحزنوا على ما مضى وهذا نهاية المطلوب {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} بها في دار الدنيا على ألسنة الأنبياء .

ثم حكى سبحانه أن الملائكة تقول للمؤمنين الذين استقاموا بعد البشارة {نحن أولياؤكم} أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم وأحباؤكم {في الحياة الدنيا} نتولى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى {وفي الآخرة} فلا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة عن مجاهد وقيل كنا نتولى حفظكم في الدنيا بأنواع المعونة وفي الآخرة نتولاكم بأنواع الإكرام والمثوبة وقيل نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا أي نحرسكم في الدنيا وعند الموت وفي الآخرة عن أبي جعفر (عليه السلام) {ولكم فيها} أي في الآخرة {ما تشتهي أنفسكم} من الملاذ وتتمنونه من المنافع {ولكم فيها ما تدعون} أنه لكم فإن الله سبحانه يحكم لكم بذلك وقيل أن المراد بقوله {ما تشتهي أنفسكم} البقاء لأنهم كانوا يشتهون البقاء في الدنيا أي لكم فيها ما كنتم تشتهون من البقاء ولكم فيها ما كنتم تتمنونه من النعيم عن ابن زيد .

{نزلا من غفور رحيم} معناه أن هذا الموعود به مع جلالته في نفسه له جلالة بمعطيه إذ هو عطاء لكم ورزق يجري عليكم ممن يغفر الذنوب ويستر العيوب رحمة منه لعباده فهو أهنأ لكم وأكمل لسروركم قال الحسن أرادوا أن جميع ذلك من الله وليس منا وفي هذه الآية بشارة للمؤمنين بمودة الملائكة لهم وفيها بشارة بنيل مشتهياتهم في الجنة وفيها دلالة على أن الملائكة تتردد إلى من كان مستقيما على الطاعات وعلى شرف الاستقامة أيضا تتولى الملائكة صاحبها من أجلها .

{ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا} صورته صورة الاستفهام والمراد به النفي تقديره وليس أحد أحسن قولا ممن دعا إلى طاعة الله وأضاف إلى ذلك أن يعمل الأعمال الصالحة {وقال إنني من المسلمين} أي ويقول مع ذلك أنني من المستسلمين لأمر الله المنقادين إلى طاعته وقيل : معناه ويقول إنني من جملة المسلمين كما قال إبراهيم وأنا أول المسلمين وهذا الداعي هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن وابن زيد والسدي وقيل هو وجميع الأئمة الدعاة الهداة إلى الحق عن مقاتل وجماعة من المفسرين وقيل هم المؤذنون عن عائشة وعكرمة وفي هذه الآية رد على من قال أنا مؤمن إن شاء الله لأنه مدح من قال إنني من المسلمين من غير أن يقرنه بالمشيئة وفي هذه الآية دلالة على أن الدعاء إلى الدين من أعظم الطاعات وأجل الواجبات وفيها دلالة على أن الداعي يجب أن يكون عاملا بعلمه ليكون الناس إلى القبول منه أقرب وإليه أسكن .

ثم قال سبحانه {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} قيل معناه لا تستوي الملة الحسنة التي هي الإسلام والملة السيئة التي هي الكفر وقيل معناه لا تستوي الأعمال الحسنة ولا الأعمال القبيحة وقيل : لا تستوي الخصلة الحسنة والسيئة فلا يستوي الصبر والغضب والحلم والجهل والمداراة والغلظة والعفو والإساءة ثم بين سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعو فقال {ادفع بالتي هي أحسن} ] خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ادفع بالتي هي أحسن] (2) .

خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ادفع بحقك باطلهم وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} معناه فإنك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة صار عدوك الذي يعاديك في الدين بصورة وليك القريب فكأنه وليك في الدين وحميمك في النسب وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن الحسنة التقية والسيئة الإذاعة .

{وما يلقيها} أي وما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة التي هي دفع السيئة بالحسنة {إلا الذين صبروا} على كظم الغيظ واحتمال المكروه وقيل إلا الذين صبروا في الدنيا على الأذى عن أبي عبد الله (عليه السلام) {وما يلقاها} أي وما يلقى هذه الخصلة المذكورة ولا يؤتاها {إلا ذو حظ عظيم} أي ذو نصيب وافر من الرأي والعقل وقيل إلا ذو نصيب عظيم من الثواب والخير وقيل : الحظ العظيم الجنة عن قتادة وما يلقاها إلا من وجبت له الجنة وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وما يلقاها إلا كل ذي حظ عظيم .

ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يستعيذ بالله إذا صرفه الشيطان عن الاحتمال فقال {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} (3) أن ما يدعونك نزغ من الشيطان بالوسوسة {فاستعذ بالله} أي فاطلب الاعتصام من شره بالله {إنه هو السميع العليم} الآية مفسرة في آخر سورة الأعراف .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9 ، ص2025 .

2- ما بين المعقفين زائد .

3- [معناه] .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

اللَّه والإنسان والعمل :

من تتبع آي الذكر الحكيم يجد انها تدل بمنطوقها ومفهومها على أن العمل مع الايمان هو كل شيء بالنسبة إلى الإنسان . واليك الدليل .

1 - الآيات الناطقة بأن الغاية الأولى والحكمة الكبرى من وجود الإنسان هي العمل الصالح . ومن هذه الآيات قوله تعالى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [تبارك - 2] وقوله : {وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .

أي ليعملوا . أنظر فقرة لما ذا خلق اللَّه الإنسان عند تفسير الآية 33 من سورة لقمان .

2 - الآيات التي دلت على أن العمل هو الميزان الذي يقيّم الإنسان على أساسه ، مثل قوله تعالى : {كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور - 21] وقوله : {وما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} - 39 الصافات وقوله : {ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام - 132] إلى غير ذلك .

3 - أما قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} فهو دليل واضح وقاطع على أن العمل هو الظاهرة الوحيدة التي تعكس الايمان باللَّه حقا وواقعا ، وان أي إنسان يقول : أنا مؤمن دون أن يترجم إيمانه بالسلوك والعمل في علاقته مع خالقه ومع نفسه ومع مجتمعه فهو مفتر كذاب . ومن نافلة الكلام أن نقول : ان مقصود القرآن من العمل هو العمل البنّاء المثمر ، وان كل قول ينتج هذا العمل فهو في حكمه . وتكلمنا عن الاستقامة مفصلا في ج 1 ص 26 وج 5 ص 273 .

4 - وفوق ذلك كله فإن اللَّه سبحانه استدل على وجوده وعظمته بالعمل ، قال عز من قائل : سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ - 52 فصلت . ثم ذكر سبحانه في كتابه العديد من هذه الآيات ، نكتفي بواحدة منها : {خَلَقَ الإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ الشَّمْسُ والْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرحمن - 4] .

( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} . لكل شيء أجل معلوم ، وإذا جاء أجل الذين استقاموا على الطريقة الإلهية تنزلت عليهم ملائكة الرحمة بالسكينة والبشرى بأن اللَّه قد اطَّلع على عملهم ، ورضي سعيهم ، وأعد لهم مقاعد الكرامات التي وعدهم بها على لسان أنبيائه ورسله {نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الآخِرَةِ ولَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ولَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} . ما زال الكلام لملائكة الرحمة مع الذين استقاموا .

وما تدعون أي ما تتمنون ، والنزل العطاء ، ويتلخص المعنى بأن أهل الطاعة والاستقامة هم عند رب رحيم ، ولهم ما يشاؤن من الرزق الكريم . وقال ابن عربي في الفتوحات المكية حول هذه الآية كلاما نلخصه بأن الملائكة تقول للمخلصين قبل أن ينتقلوا من دار الفناء إلى دار البقاء ، تقول لهم : نحن أولياؤكم في الدنيا لأن الشيطان كان يغريكم بالعدول عن صراط اللَّه المستقيم ، ونحن ننهاكم عنه وكنتم تسمعون لنا من دونه . . وأيضا نحن أولياؤكم في الآخرة لأننا نشهد لكم عند اللَّه بالايمان والاستقامة .

{ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وعَمِلَ صالِحاً وقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

إذا عطفنا هذه الآية على قوله تعالى : {قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} وجمعناهما في كلام واحد - ينتج معنا ان الايمان الحق على ثلاث شعب : الأولى إعلان الايمان باللَّه . الثانية العمل بشريعة اللَّه ، وأهمه وأعظمه الأسهام في خدمة الإنسان .

الثالثة الدعوة إلى اللَّه . ويدل على الأولى {قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} أي أعلنوا ذلك على الملأ ، ويدل على الثانية {ثم استقاموا} وعلى الثالثة {دَعا إِلَى اللَّهِ} . ومن جمع بين هذه الصفات الثلاث فله ان يدعي الإسلام ، ويقول : {انني من المسلمين} ومن قالها دون أن يؤمن باللَّه أو آمن ولم يسهم في خدمة الإنسان ولم يدع إلى اللَّه فما هومن الإسلام ولا المسلمين في شيء وان عومل معاملتهم في الدنيا .

{ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} . الخطاب في ادفع وفي بينك لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) . ويدل السياق على أن المراد بالحسنة هنا حسنة الرسول الداعي إلى اللَّه ، وهي جهاده وصبره على الأذى في سبيل هذه الدعوة ، والمراد بالسيئة سيئة السفيه الجاهل من الدين دعاهم الرسول إلى اللَّه ، والمعنى : فرق بعيد بين عملك يا محمد وأنت تدعو إلى اللَّه وتتحمل الأذى في سبيله صابرا محتسبا وبين عمل الذين أجابوا دعوتك إلى اللَّه بالإعراض والأذى والافتراء . . ان عملك صلوات وحسنات ، وعملهم سيئات ولعنات . . وعلى الرغم من ذلك فعليك أن ترفق بهم وتتسامح معهم وتصبر على سفاهتهم ، فإن منهم من لو قابلته بهذه السماحة لعاد إلى ربه وعقله وانقلبت عداوته لك إلى محبة ، وبغضه إلى مودة .

والإنسان أي إنسان ، يستطيع أن يكسب أصدقاء يقاتلون معه بكلمة طيبة ، وان يخلق له أعداء يقاتلون ضده بكلمة خبيثة ، وقد استطاعت كلمات الأبرار ان تهدي الكثير من الفجار ، وتنهي العديد من المشاكل بين البشر ، ولولاها لجرت الدماء أنهرا .

{وما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} . ضمير يلقاها يعود إلى هذه الصفة ، وهي دفع السيئة بالحسنة ، وذو الحظ العظيم من كان مرضيا عند اللَّه ، والمعنى ان دفع السيئة بالحسنة منقبة عظمى لا يتحلى بها إلا من صبر عند الشدائد ، وكان وجيها عند اللَّه . وفي نهج البلاغة : الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في ايمان لا صبر معه . وفيه أيضا : احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك .

{وإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . الخطاب لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وتدل الآية بالفحوى على أن الإنسان معرّض للخطأ ، وان عليه أن يحتاط لنفسه ، ولا يزكيها بالغا ما بلغ من الدين والعلم والعقل . وتقدمت هذه الآية بالحرف الواحد في الآية 200 من سورة الأعراف ج 3 ص 439 .

_______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، 490491 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة} إلخ قال الراغب : الاستقامة تقال في الطريق الذي يكون على خط مستو ، وبه شبه طريق الحق نحو{اهدنا الصراط المستقيم} .

قال : واستقامة الإنسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله : {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} . انتهى .

وفي الصحاح ، : الاستقامة الاعتدال يقال : استقام له الأمر . انتهى .

فالمراد بقوله : {ثم استقاموا} لزوم وسط الطريق من غير ميل وانحراف والثبات على القول الذي قالوه ، قال تعالى : { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة : 7] وقال : {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } [الشورى : 15] وما ورد فيها من مختلف التفاسير يرجع إلى ما ذكر .

والآية وما يتلوها بيان حسن حال المؤمنين كما كانت الآيات قبلها بيان سوء حال الكافرين .

وقوله : {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} إخبار عما سيستقبلهم به الملائكة من تقوية قلوبهم وتطييب نفوسهم والبشرى بالكرامة .

فالملائكة يؤمنونهم من الخوف والحزن ، والخوف إنما يكون من مكروه متوقع كالعذاب الذي يخافونه والحرمان من الجنة الذي يخشونه ، والحزن إنما يكون من مكروه واقع وشر لازم كالسيئات التي يحزنون من اكتسابها والخيرات التي يحزنون لفوتها عنهم فيطيب الملائكة أنفسهم أنهم في أمن من أن يخافوا شيئا أو يحزنوا لشيء فالذنوب مغفورة لهم والعذاب مصروف عنهم .

ثم يبشرونهم بالجنة الموعودة بقولهم : {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} وفي قولهم : {كنتم توعدون} دلالة على أن تنزلهم بهذه البشرى عليهم إنما هو بعد الحياة الدنيا .

قوله تعالى : {نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة} إلخ من تتمة البشارة ، وعلى هذا فذكر ولايتهم لهم في الحياة الدنيا مع انقضاء وقتها كما تقدم من باب التوطئة والتمهيد إلى ذكر الآخرة للإشارة إلى أن ولاية الآخرة مترتبة على ولاية الدنيا فكأنه قيل نحن أولياؤكم في الآخرة كما كنا - لما كنا - أولياءكم في الحياة الدنيا وسنتولى أمركم بعد هذا كما توليناه قبل .

وكون الملائكة أولياء لهم لا ينافي كونه تعالى هو الولي لأنهم وسائط الرحمة والكرامة ليس لهم من الأمر شيء ، ولعل ذكر ولايتهم لهم في الآية دون ولايته تعالى للمقابلة والمقايسة بين أوليائه تعالى وأعدائه إذ قال في حق أعدائه : {وقيضنا لهم قرناء} إلخ وقال في حق أوليائه عن لسان ملائكته : {نحن أولياؤكم} .

وبالمقابلة يستفاد أن المراد ولايتهم لهم بالتسديد والتأييد فإن الملائكة المسددين هم المخصوصون بأهل ولاية الله وأما الملائكة الحرس وموكلو الأرزاق والآجال وغيرهم فمشتركون بين المؤمن والكافر .

وقيل : الآية من كلام الله دون الملائكة .

وقوله : {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} ضمير {فيها} في الموضعين للآخرة ، وأصل الشهوة نزوع النفس بقوة من قواها إلى ما تريده تلك القوة وتلتذ به كشهوة الطعام والشراب والنكاح ، وأصل الادعاء – وهو افتعال من الدعاء – هو الطلب فالجملة الثانية أعني قوله : {ولكم فيها ما تدعون} أوسع نطاقا من الأولى أعني قوله : {لكم فيها ما تشتهي أنفسكم} فإن الشهوة طلب خاص ومطلق الطلب أعم منها .

فالآية تبشرهم بأن لهم في الآخرة ما يمكن أن تتعلق به شهواتهم من أكل وشرب ونكاح وغير ذلك بل ما هو أوسع من ذلك وأعلى كعبا وهو أن لهم ما يشاءون فيها كما قال تعالى : {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا } [ق : 35] .

قوله تعالى : {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} الآية اتصال بقوله السابق : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن ، والغوا فيه} الآية فإنهم كانوا يخاصمون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ينازعون القرآن ، وقد ذكر في أول السورة قولهم : {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه} الآية فأيد سبحانه في هذه الآية نبيه بأن قوله وهو دعوته أحسن القول .

فقوله : {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} المراد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كان لفظ الآية يعم كل من دعا إلى الله ولما أمكن أن يدعو الداعي إلى الله لغرض فاسد وليست الدعوة التي هذا شأنها من القول الأحسن قيده بقوله : {وعمل صالحا} فإن العمل الصالح يكشف عن نية صالحة غير أن العمل الصالح لا يكشف عن الاعتقاد الحق والالتزام به ، ولا حسن في قول لا يقول به صاحبه ولذا قيده بقوله : {وقال إنني من المسلمين} والمراد بالقول الرأي والاعتقاد على ما يعطيه السياق .

فإذا تم الإسلام لله والعمل الصالح للإنسان ثم دعا إلى الله كان قوله أحسن القول لأن أحسن القول أحقه وأنفعه ولا قول أحق من كلمة التوحيد ولا أنفع منها وهي الهادية للإنسان إلى حاق سعادته .

قوله تعالى : {لا تستوي الحسنة ولا السيئة} الآية لما ذكر أحسن القول وأنه الدعوة إلى الله والقائم به حقا هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التفت إليه ببيان أحسن الطريق إلى الدعوة وأقربها من الغاية المطلوبة منها وهي التأثير في النفوس فخاطبه بقوله : {لا تستوي} إلخ .

فقوله : {لا تستوي الحسنة ولا السيئة} أي الخصلة الحسنة والسيئة من حيث حسن التأثير في النفوس ، و{لا} في {لا السيئة} زائدة لتأكيد النفي .

وقوله : {ادفع بالتي هي أحسن} استئناف في معنى دفع الدخل كأن المخاطب لما سمع قوله : {لا تستوي} إلخ قال : فما ذا أصنع؟ فقيل : {ادفع} إلخ والمعنى ادفع بالخصلة التي هي أحسن الخصلة السيئة التي تقابلها وتضادها فادفع بالحق الذي عندك باطلهم لا بباطل آخر وبحلمك جهلهم وبعفوك إساءتهم وهكذا .

وقوله : {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} بيان لأثر الدفع بالأحسن ونتيجته والمراد أنك إن دفعت بالتي هي أحسن فاجأك أن عدوك صار كأنه ولي شفيق .

قيل : {الذي بينك وبينه عداوة} أبلغ من {عدوك} ولذا اختاره عليه مع اختصاره .

ثم عظم الله سبحانه الدفع بالتي هي أحسن ومدحه أحسن التعظيم وأبلغ المدح بقوله : {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} أي ذو نصيب وافر من كمال الإنسانية وخصال الخير .

وفي الآية مع ذلك دلالة ظاهرة على أن الحظ العظيم إنما يوجد لأهل الصبر خاصة .

قوله تعالى : {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} النزغ النخس وهو غرز جنب الدابة أو مؤخرها بقضيب ونحوه ليهيج ، و{ما} في {إما ينزغنك} زائدة والأصل وإن ينزغنك فاستعذ .

والنازغ هو الشيطان أو تسويله ووسوسته ، والأول هو الأنسب لمقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لا سبيل للشيطان إليه بالوسوسة غير أنه يمكن أن يقلب له الأمور بالوسوسة على المدعوين من أهل الكفر والجحود فيبالغوا في جحودهم ومشاقتهم وإيذائهم له فلا يؤثر فيهم الدفع بالأحسن ويؤول هذا إلى نزغ من الشيطان بتشديد العداوة في البين كما في قوله : { مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف : 100] ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج : 52] .

ولو حمل على الوجه الثاني فالمتعين حمله على مطلق الدستور تتميما للأمر ، وهو بوجه من باب {إياك أعني واسمعي يا جارة} .

وقوله : {فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} العوذ والعياذ بكسر العين والمعاذ والاستعاذة بمعنى وهو الالتجاء والمعنى فالتجىء بالله من نزغه إنه هو السميع لمسألتك العليم بحالك أو السميع لأقوالكم العليم بأفعالكم .

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص316-319 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

نزول الملائكة على المؤمنين الصامدين :

يعتمد القرآن الكريم في أسلوبه وضع صور متقابلة ومتعارضة للحالات التي يتناولها كي يوضحها بشكل جيد من خلال المقايسة والمقارنة فبعد أن تحدث عن المنكرين المعاندين الذين يصدون عن آيات اللّه ، وأبان جزاءهم وعقوبتهم ، بدأ الآن (في الصورة المقابلة) في الحديث عن المؤمنين الراسخين في إيمانهم ، وأشار إلى سبعة أنواع من الثواب الذي يشملهم جزاء ومثوبة لهم .

يقول تعالى : {انّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا} .

إنّه تعبير جميل وشامل يتضمّن كلّ الخير والصفات الحميدة ، فأولا يوجّه القلب إلى الله ويوثق الإيمان به تعالى ويقويه ، ثمّ سيطرة هذا الإيمان وهيمنته على كلّ مرافق الحياة ، وثبات السير في هذا الطريق; طريق الأستقامة (2) .

هناك الكثير من الذين يدّعون محبة الله ، إلاّ أنّنا لا نرى الاستقامة واضحة في عملهم وسلوكهم ، فهم ضعفاء وعاجزون بحيث عندما يشملهم طوفان الشهوة يودّعون الإيمان ويشركون في عملهم; وعندما تكون منافعهم في خطر يتنازلون عن إيمانهم الضعيف ذلك .

ففي حديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه بعد أن تلا الآية قال : «قد قالها الناس ثمّ كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها» (3) .

وفي نهج البلاغة يفسّر الإمام علي (عليه السلام) هذه الآية بعبارات حيّة وناطقة عميقة المعنى يقول (عليه السلام) : «وقد قلتم «ربنا الله» فاستقيموا على كتابه ، وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ، ثمّ لا تمرقوا منها ، ولاتبتدعوا فيها ، ولا تخالفوا عنها» (4) .

وفي مكان آخر نرى أنّ الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) أجاب في تفسير معنى الاستقامة بقوله : «هي والله ما أنتم عليه» (5) .

وهذا لا يعني أنّ الاستقامة تختص بالولاية فقط ، بل إنّ قبول قيادة أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) سيضمّن بقاء خط التوحيد ، والطريق الإسلامي الأصيل ، واستمرار العمل الصالح ، وهذا هو تفسيره(عليه السلام) لمعنى الاستقامة .

وخلاصة القول أن قيمة الإنسان هي بالإيمان والعمل الصالح ، وهذه القيمة يتحدث عنها الله تبارك وتعالى بقوله : {قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا} .

لذلك فقد روي أنّ رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له : أخبرني بأمر أعتصم به؟ فقال رسول الله : «قل ربّي الله ثمّ استقم» .

ثم سأل الرجل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن أخطر شيء ينبغي عليه أن يخشاه . فمسك رسول الله لسانه وقال : هذا (6) .

والآن لنرَ ما هي المواهب الإلهية التي سيشمل من يتمسك بهذين الأصلين ؟

القرآن الكريم يشير إلى سبع مواهب عظيمة تبشرهم ملائكة الله بها عندما تهبط عليهم . ففي ظل الإيمان والاستقامة يصل الإنسان إلى مرحلة بحيث تنزل عليه الملائكة وتعلمهُ .

فبعد البشارتين الأولى والثانية والمتمثلتين بعدم (الخوف) و(الحزن) تصف الآية المرحلة الثّالثة بقوله تعالى : {وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون} .

والبشارة الرّابعة يتضمّنها قوله تعالى : {نحنُ أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فلن نترككم وحيدين ، بل نعينكم في الخير وتعصمكم عن الانحراف حتى تدخلوا الجنّة .

والبشارة الخامسة قوله تعالى : {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم} أي في الجنّة .

أمّا البشارة السادسة فلا تختص بالنعم المادية وما تريدونه . بل الاستجابة إلى العطايا والمواهب المعنوية : {ولكم فيها ما تدعون} .

أمّا البشارة السابعة والأخيرة فهي أنّكم ستحلون ضيوفاً لدى الباريء عزّوجلّ وفي جنته الخالدة ، وستقدم لكم كلّ النعم تماماً مثلما يتمّ الترحيب بالضيف العزيز من قبل المضيف : {نزلا من غفور رحيم} .

 

وقوله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [فصلت : 33 - 36] .

 

ادفع السيئة بالحسنة :

مازالت هذه المجموعة من الآيات الكريمة تتحدث عن الصورة الأُخرى; عن المؤمنين الذين يتبعون أحسن القول .

يقول تعالى : {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} .

وبالرغم من أنّ الآية استفهامية ، إلاّ أنّ الاستفهام هنا إنكاري ، بمعنى أنّه ليس هناك أفضل من كلام الشخص الذي يدعو إلى الله وينادي بالتوحيد ، ثمّ يؤكّد دعوته اللفظية هذه ويقرنها بالفعل والعمل الصالح .

إنّ اعتقاد هؤلاء بالإسلام وتسليمهم للباري جلّ وعلا ، يدعم عملهم الصالح .

إنّ الآية الكريمة هذه ترسم ثلاث صفات لذي القول الحسن هي : الدعوة إلى الله ، والعمل الصالح ، والتسليم ، حيال الحق .

إنّ أمثال هؤلاء فضلا عن تمسكهم بالأركان الإيمانية الثلاثة (الإقرار باللسان ; والعمل بالأركان ، والإيمان بالقلب) فإنّهم تمسكوا بركن رابع هو التبليغ والدعوة ونشر دين الحق ، وإقامة الدليل على أصول الدين ، ودفع آثار الشرك والتردد من قلوب عباد الله .

إنّ هؤلاء المنادين ، بصفاتهم الأربع ، يعتبرون أفضل المنادين والدعاة في العالم .

وبرغم ما ذهب إليه بعض المفسّرين من قولهم بانطباق الصفات السابقة على شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو هو والأئمّة الذين يدعون إلى الحق ، أو المؤذنين خاصة . لكن من الواضح أنّ للآية مفهوماً أوسع بحيث يشمل كلّ المنادين بالتوحيد ممّن تشملهم الصفات المذكورة . بالرغم من أن أفضل مصداق لذلك هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)

[خاصة في فترة نزول الآية] ثمّ يأتي بعد ذلك الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) ، وبعدهم جميع العلماء والمجاهدين في طريق الحق ، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والداعين للإسلام من أي طائفة كانوا .

إنّ هذه الآية فخر عظيم وعزّ كبير لكل أُولئك ، كي تتقوى عزائمهم ويربط على قلوبهم .

واذا قيل بأن الآية مدح لبلال الحبشي المؤذن الخاص لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فذلك بسبب أنّه أطلق نداء التوحيد في فترة من أحلك الفترات وأوحشها في تأريخ الدعوة الإسلامية ، وعرّض روحه للخطر .

ثم كمّل هذه الأوصاف بإيمانه الراسخ ، واستقامته التي لا نظير لها ، وأعماله الصالحة ، والاستمرار على نهج الإسلام الصحيح .

أمّا قوله تعالى : {وقال إنني من المسلمين} فللمفسّرين فيه قولان :

الأوّل : أنّ (قال) هنا من (قول) وتعني الاعتقاد ، ويكون المعنى : الذي عنده الاعتقاد الراسخ بالإسلام .

الثّاني : أنّ (قول) بمعنى الحديث والتحدّث ، وحين ذلك يكون المعنى : الذي يفتخر ويتباهى بالدين الإلهي ، وينادي بصوت مرتفع إنني من المسلمين .

المعنى الأوّل يبدو أكثر قبولا بالرغم من أنّ مفهوم الآية يتحمل المعنيين .

بعد بيان الدعوة إلى الله وأوصاف الدعاة إلى اللّه ، شرحت الآيات أُسلوب الدعوة وطريقتها ، فقال تعالى : {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} (8) .

في الوقت الذي لا يملك فيه أعداؤكم سوى سلاح الأفتراء والاستهزاء والسخرية والكلام البذيء وأنواع الضغوط والظلم; يجب أن يكون سلاحكم ـ أنتم الدعاةـ التقوى الطهر وقول الحق واللين والرفق والمحبّة .

إنّ المذهب الحق يستفيد من هذه الوسائل ، بعكس المذاهب المصطنعة الباطلة .

وبالرغم من أنّ (الحسنة) و(السيئة) تنطويان على مفهومين واسعين ، إذ تشمل الحسنة كلّ إحسان وجميل وخير وبركة ، والسيئة تشمل كلّ انحراف وقبح وعذاب ، إلاّ أنّ الآية تقصد ذلك الجانب المحدّد من السيئة والحسنة ، الذي يختص بأساليب الدعوة .

لكن بعض المفسّرين فسّر الحسنة بمعنى الإسلام والتوحيد ، والسيئة بمعنى الشرك والكفر .

وقال البعض : (الحسنة) هي الأعمال الصالحة . و(السيئة) الأعمال القبيحة .

وهناك من قال : إنّ (الحسنة) هي الصفات الإنسانية النبيلة ، كالصبر والحلم والمداراة والعفو ، بينما السيئة بمعنى الغضب والجهل والخشونة .

ولكن التّفسير الأوّل هو الأفضل حسب الظاهر .

في حديث عن الإمام الصادق أنّه(عليه السلام) قال في تفسير الآية أعلاه : «الحسنة التقية ، السيئة الأذاعة»(9) . وطبعاً فان هذا الحديث الشريف ناظر الى الموارد التي تكون فيها الاذاعة سبباً في اتلاف الطاقات والكوادر الجيدة وافشاء الخطط للاعداء .

ثم تضيف الآية : {ادفع بالتي هي أحسن} .

إدفع الباطل بالحق ، والجهل والخشونة بالحلم والمداراة ، وقابل الإساءة بالإحسان ، فلا ترد الإساءة بالإساءة ، والقبح بالقبح ، لأنّ هذا أسلوب من همّه الانتقام ، ثمّ إنّ هذا الأسلوب يقود إلى عناد المنحرفين أكثر .

وتشير الآية في نهايتها إلى فلسفة وعمق هذا البرنامج في تعبير قصير ، فتقول : إنّ هذا التعامل سيقود إلى : {فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم} .

إنّ ما يبيّنه القرآن هنا ، مضافاً إلى ما يشبهه في الآية (96) من سورة المؤمنين في قوله تعالى : {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } [المؤمنون : 96] يعتبر من أهم وأبرز أساليب الدعوة ، خصوصاً حيال الأعداء والجهلاء والمعاندين . ويؤيد ذلك آخر ما توصلت إليه البحوث والدراسات في علم النفس .

لأنّ كلّ من يقوم بالسيئة ينتظر الرد بالمثل ، خاصة الأشخاص الذين هم من هذا النمط; وأحياناً يكون جواب السيئة الواحدة عدّة سيئات . أمّا عندما يرى المسيء أنّ من أساء إليه لا يرد السيئة بالسيئة وحسب ، وإنّما يقابلها بالحسنة ، عندها سيحدث التغيير في وجوده ، وسيؤثر ذلك على ضميره بشدّة فيوقظه ، وستحدث ثورة في أعماقه ، سيخجل ويحس بالحقارة وينظر بعين التقدير والأكبار إلى من أساء إليه .

وهنا ستزول الأحقاد والعداوات من الداخل وتترك مكانها للحبّ والمودّة .

ومن الضروري أن نشير هنا إلى أنّ هذا الأمر لا يمثل قانوناً دائماً ، وإنّما هو صفة غالبة ، لأنّ هناك أقلية تحاول أن تسيء الاستفادة من هذا الأسلوب ، فما لم ينزل بها ما تستحق من عقاب فإنّها لا تترك أعمالها الخاطئة .

ولكن في نفس الوقت الذي نستخدم العقوبة والشدة ضدّ هذه الأقلية ، علينا أن لا نغفل عن أنّ القانون المتحكم بالأكثرية هو قانون : «ادفع السيئة بالحسنة» .

لذلك رأينا أنّ رسول الإسلام(صلى الله عليه وآله وسلم) والقادة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يستفيدون دائماً من هذا الأسلوب القرآني العظيم ، ففي فتح مكّة مثلا كان الأعداء ـ وحتى الأصدقاءـ ينتظرون أن تسفك الدماء وتؤخذ الثارات من الكفار والمشركين والمنافقين الذين أذاقوا المؤمنين ألوان الأذى والعذاب في مكّة وخارجها ، من هنا رفع بعض قادة الفتح شعار «اليوم يوم الملحمة ، اليوم تسبى الحرمة ، اليوم أذلّ الله قريشاً» لكن ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنفيذاً لأخلاقية «ادفع السيئة بالحسنة» إلاّ أن عفا عن الجميع وأطلق كلمته المشهورة : «اذهبوا فأنتم الطلقاء» . ثمّ أمر(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستبدل الشعار الإنتقامي بشعار آخر يفيض إحساناً وكرماً هو : «اليوم يوم المرحمة ، اليوم أعزّ الله قريشاً» (10) .

لقد أحدث هذا الموقف النبوي الكريم عاصفة في أرض مشركي مكّة حتى أنّه على حدّ وصف كتاب الله تعالى بدأوا : {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر : 2] .

لكن برغم ذلك ، نرى أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) استثنى بعض الأشخاص من العفو العام هذا ، كما نقله أصحاب السيرة ، لأنّهم كانوا خطرين ولم يستحقوا العفو النبوي الكريم الذي عبّر فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن خلق الإسلام ومنطق النّبيين حينما قال : «لا أقول لكم إلاّ كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين» (11) .

«ولي» هنا بمعنى الصديق . و(حميم) تعني في الأصل الماء الحار المغلي ، وإذا قيل لعرق جسم الإنسان (حميمَ) فذلك لحرارته ، ولهذا السبب يطلق اسم «الحمّام» على أماكن الغسل ، ويقال أيضاً للأصدقاء المخلصين والمحبين للشخص «حميم» والآية تقصد هذا المعنى .

وضروري أن نشير إلى أنّ قوله تعالى : {كأنّه ولي حميم} حتى وإن لم تكن تعني أنّ الشخص لم يكن كذلك حقاً ، إلا أنّ ظاهره سيكون كذلك على الأقل .

إنّ هذا الأسلوب من التعامل مع المعارضين والأعداء ليس بالأمر العادي السهل ، والوصول إليه يحتاج إلى بناء أخلاقي عميق ، لذلك فإنّ الآية التي بعدها تبين الأسس الأخلاقية لمثل هذا التعامل في تعبير قصير ينطوي على معاني كبيرة ، حيث يقول تعالى : {وما يلقاها إلاّ الذين صبروا} (12) .

وكذلك : {وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} .

على الإنسان أن يجاهد نفسه مدّة طويلة حتى يستطيع أن يسيطر على غضبه ، يجب أن تكون روحه قوية في ظلّ الإيمان والتقوى حتى لا يستطيع أن يتأثر بسرعة وبسهولة بإيذاء الأعداء ، ولا يطغى عنده حب الإنتقام ، فتلزمه الروح الواسعة وانشراح الصدر بالمقدار الكافي ، حتى يصل الإنسان إلى هذه المرحلة من الكمال بحيث يقابل السيئات بالإحسان . وعليه أن يتجاوز مرحلة العفو ليصل إلى منزلة «دفع السيئة بالحسنة» وأن يحتسب كلّ ذلك في سبيل الله تعالى بغية تحقيق الأهداف المقدّسة .

وهنا أيضاً ـ كما تلاحظون ـ تواجهنا قضية «الصبر» بوصف هذه الخصلة الأساس المتين لكل الملكات الأخلاقية الفاضلة ، وهي شرط في التقدم المعنوي والمادي (13) .

إنّ هناك ـ بلا شك ـ موانع تحول دون الوصول إلى هذا الهدف العظيم ، وإنّ وساوس الشيطان تمنع الإنسان من تحقيق ذلك بوسائل مختلفة ، لذلك نرى الآية الأخيرة تخاطب الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)بوصفه الأسوة والقدوة فتقول له : {وإمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنّه هو السميع العليم} (14)

«نزغ» تعني الدخول في عمل ما لإفساده ، ولهذا السبب يطلق على الوساوس الشيطانية «نزغ» وهذا التحذير بسبب ما يراود ذهن الإنسان من مفاهيم مغلوطة خطرة ، إذ يقوم بعض أدعياء الصلاح بتوجيه النصائح على شاكلة قولهم : لا يمكن إصلاح الناس إلاّ بالقوّة . أويجب غسل الدم بالدم . أو الترحم على الذئب ظلم للخراف وأمثال ذلك من الوساوس التي تنتهي إلى مقابلة السيئة بالسيئة .

القرآن الكريم يقول : إيّاكم والسقوط في مهاوي هذه الوساوس ، ولا تلجأوا إلى القوّة إلاّ في موارد معدودة ، وعندما يواجهكم أمثال هذا الكلام فاستعينوا بالله واعتمدوا عليه لأنّه يسمع الكلام ويعلم النيات .

وأخيراً ، تتضمّن الآية الدعوة إلى الاستعاذة بالله على مفهوم واسع ، وما ذكر هو أحد المصاديق لذلك .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص183-193 .

2 ـ «استقاموا» من «الإستقامة» وتعني الثبات على الطريق المستقيم الخط الصحيح . وفسرها بعض علماء اللغة بمعنى «الإعتدال» ولا يستبعد الجمع بين المعنيين .

3 ـ مجمع البيان في نهاية الحديث عن الآية .

4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة رقم 176 .

5 ـ مجمع البيان في نهاية الحديث عن الآية .

6 ـ روح البيان ، المجلد الثامن ، صفحة 254 .

8 ـ تكرار «لا» في «ولا السيئة» هو لتأكيد النفي .

9 ـ مجمع البيان نهاية الحديث عن الآية .

10 ـ بحار الأنوار ، المجلد 21 ، صفحة 109 .

11 ـ بحار الأنوار ، المجلد 21 ، صفحة 132 .

12 ـ يرجع ضمير (يلقاها) إلى (الخصلة) أو(الوصية) المستفادة من الجملة السابقة .

13 ـ اعتقد بعض المفسّرين أن قوله تعالى : (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) إشارة إلى الثواب العظيم لمثل هؤلاء الأشخاص العافين الذ ي ينالهم في الآخرة ، لكن هذا التّفسير مستبعد بسبب أنّ الآية تريد أن تبين الأساس الأخلاقي لهذا العمل العظيم .

14 ـ «نزغ» في الآية الكريمة يمكن أن تكون بنفس معناها المصدري أوأن تكون «اسم فاعل» .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .