أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-04-2015
4610
التاريخ: 3-12-2015
4018
التاريخ: 2024-03-28
840
التاريخ: 3-12-2015
2855
|
من جملة وجوه الإعجاز اشتمال القرآن على الاصول الاعتقاديّة، والمعارف القلبيّة الراجعة إلى وجود البارئ وصفاته الجماليّة والجلاليّة، وإلى ما يرجع إلى الأنبياء وأوصافهم الكماليّة، وفضائلهم الاختصاصيّة، بنحو ينطبق على ما هو مقتضى حكم العقل السليم، والذوق المستقيم، مع أنّ المحيط الذي نزل فيه الكتاب لم يكن له سنخيّة مع هذه المعارف والاصول، ووجه شباهة مع هذه الحقائق والمطالب؛ فإنّ هؤلاء الذين نشأ النبيُّ بينهم وفيهم على طائفتين : طائفة كثيرة كانت وثنيّة معتقدة بالخرافات والأوهام.
وطائفة من أهل الكتاب كانت معتقدة بما في كتب العهدين المحرّفة المنسوبة إلى الوحي.
ولو فرضنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يكن امّياً - مع أنّه من الوضوح بمكان، وقد ادّعاه لنفسه مكرّراً ولم يقع في قباله إنكار، وإلّا لنقل كما هو ظاهر - وقد أخذ تعاليمه ومعارفه من تلك الكتب، وكانت هي المصدر لكتابه والمأخذ لقرآنه؛ لكان اللّازم أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد الموجودة في المصادر المذكورة، مع أنّا نرى مخالفة القرآن لتلك الكتب في جميع النواحي، واشتماله على المعارف والاصول الحقيقيّة المغايرة لما في تلك الكتب؛ من الخرافات التي لا ينبغي أن يشتمل عليها كتاب البشر، فضلًا عن الكتاب المنسوب إلى الوحي والنبيّ صلى الله عليه و آله، وهذا الذي ذكرناه له مجال واسع ، وعليه شواهد كثيرة وأمارات متعدّدة، ولكنّا نقتصر على البعض خوفاً من التطويل.
فنقول : غير خفيّ على من لاحظ القرآن، أنّه وصف اللَّه - تبارك وتعالى - بما ينطبق على العقل السليم ويتمشّى مع البرهان الصريح، فأثبت له - تعالى - ما يليق بشأنه من الصفات الجماليّة، ونزّهه عمّا لا يليق به من لوازم النقص والحدوث، فوصفه بأنّه تعالى خالق كلّ شيء (1) ، وأنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (2) ، أ نّه الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء (3) ، وأنّه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (4) ، وأنّه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها (5) ، وأنّه سخّر الشمس والقمر (6) ، وأنّه عالم الغيب والشهادة وهو العزيز الحكيم (7) ، وأنّه هو الذي ينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام (8) ، وغير ذلك من الصفات الكماليّة اللّائقة بشأنه تبارك وتعالى، وكذا نزّهه عن أن يكون له ولد (9) ، وعن أخذ السِّنة والنوم له (10) وغير ذلك ممّا يلازم النقص والإمكان. وكذلك وصف الأنبياء بما ينبغي أن يوصفوا به - وما يناسب ويلائم مقام النبوّة وقدس السفارة - في آيات كثيرة (11) ، وإن وقع من بعض المعاندين جمع ما يشعر بصدور ما لا يلائم مقام النبوّة وقدس السفارة من الآيات الظاهرة بدواً في ذلك، ولكنّه قد اجيب عنه بأجوبة شافية، ونزّه الأنبياء من طريق نفس الكتاب، وبيّن أنّ التأويل في تلك الآيات وضمّ البعض يرشد إلى خلافه.
وبالجملة : لا مجال للارتياب في أنّ الكتاب قد وصف الأنبياء بكلّ جميل، ونزّههم عن كلّ ما لا يليق مع قداسة النبوّة.
وأمّا كتب العهدين : فتراها في مقام توصيف اللَّه - تبارك وتعالى - وتوصيف الأنبياء السفراء، مشتملة على ما لا يرضى به العقل أصلًا، وما لا ينطبق على البرهان قطعاً، وقد تعرّض لكثير من هذه الموارد الشيخ العلّامة البلاغي قدس سره (12) في كتابيه «الهدى إلى دين المصطفى» ، و«الرحلة المدرسيّة».
ومن جملة ذلك ما وقع في محكيّ الإصحاح الثاني والثالث من سفر التكوين من «كتاب التوراة» في قصّة آدم وحوّاء، وخروجهما من الجنّة، حيث ذكرت : «أنّ اللَّه أجاز لآدم أن يأكل من جميع الأثمار إلّا ثمرة شجرة معرفة الخير والشرّ، وقال له : «لأنّك يوم تأكل منها موتاً تموت»، ثمّ خلق اللَّه من آدم زوجته حوّاء، وكانا عاريين في الجنّة ؛ لأنّهما لا يدركان الخير والشرّ، وجاءت الحيّة ودلّتهما على الشجرة، وحرّضتهما على الأكل من ثمرها، وقالت : إنّكما لا تموتان ، بل إنّ اللَّه عالم أنّكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما، وتعرفان الخير والشرّ، فلمّا أكلا منها انفتحت أعينهما وعرفا أ نّهما عاريان، فصنعا لأنفسهما مئزراً (13) ، فرآهما الربّ وهو يتمشّى في الجنّة، فاختبأ آدم وحوّاء منه، فنادى اللَّه آدم أين أنت؟
فقال آدم : سمعت صوتك فاختبأت؛ لأنّي عريان، فقال اللَّه : من أعلمك بأنّك عريان ؟ هل أكلتَ من الشجرة؟ ثمّ إنّ اللَّه بعدما ظهر له أكل آدم من الشجرة قال : هو ذا آدم صار كواحد منّا، عارف بالخير والشرّ، والآن يمدّ يده فيأكل من شجرة الحياة، ويعيش إلى الأبد، فأخرجه اللَّه من الجنّة، وجعل على شرقيها ما يحرس طريق الشجرة» (14).
وذكر في العدد التاسع من الإصحاح الثاني عشر : أنّ الحيّة القديمة هو المدعوّ بإبليس، والشيطان الذي يضلّ العالم كلّه.
وفي محكيّ الإصحاح الثاني عشر من التكوين : «إنّ إبراهيم ادّعى أمام فرعون : أنّ سارة اخته، وكتم أنّها زوجته، فأخذها فرعون لجمالها، وصنع إلى إبراهيم خيراً بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأُتن وجِمال، وحين علم فرعون أنّ سارة كانت زوجة إبراهيم عليه السلام وليست اخته قال له : لماذا لم تخبرني أ نّها امرأتك ؟! لماذا قلت : هي اختي حتّى أخذتُها لي لتكون زوجتي ؟! ثمّ ردّ فرعون سارة إلى إبراهيم عليه السلام» (15).
انظر إلى القصّة الاولى المشتملة على نسبة الكذب إلى اللَّه جلّ وعلا، ومخادعته لآدم في أمر الشجرة التي كانت ثمرة الأكل منها حصول المعرفة بالخير والشرّ وإدراكهما، وفي مقابله نصح الحيّة والشيطان لآدم، وهدايته إلى طريق المعرفة والإدراك والخروج من الظلمة إلى النور، مضافاً إلى نسبة الخوف إليه - تعالى - من أكل آدم شجرة الحياة، ومعارضته إيّاه في سلطانه ومملكته، وإلى نسبة الجهل بمكانهما إليه تعالى حين اختبآ، وإلى إثبات الجسميّة له تعالى بحيث يمكن له أن يتمشّى في الجنّة، ويرى على نحوها ما يرى الجسم، وبعد ذلك فهو صريح في عدم ثبوت الوحدانيّة له تعالى؛ فإنّ قوله : «صار كواحد منّا» صريح في عدم انحصار الإلوهيّة في فرد، وعدم اختصاص مفهوم الواجب بوجود واحد، مع أنّ نفس هذه القصّة - مع قطع النظر عن هذه الإشكالات - لا يقبل العقل والذوق مطابقتها للواقع، فهي بالوضع أشبه.
وانظر إلى القصّة الثانية الدالّة على أنّ إبراهيم - وهو من أكرم الأنبياء وأعظمهم - صار سبباً لأخذ فرعون زوجته، ولعلّ الوجه فيه هو الخوف، مع أنّه لا يتصوّر فيه خوف ؛ لأنّ اتّصافها بزوجة إبراهيم لا يكاد يترتّب عليه أثر سوء حتّى يخاف منه، ويسوغ لأجله الكذب في دعوى الاختيّة، مع أنّه على تقديره كيف يرضى الفرد العادي في هذه الحال؛ وهي شدّة الخوف بذلك، فضلًا عن مثل إبراهيم الذي هو الأساس، والركن العظيم في باب التوحيد والشريعة، وقصّته في المعارضة مع عبدة الأصنام مشهورة؟ فانقدح من ذلك : أنّ ملاحظة القرآن من جهة المعارف الاعتقاديّة، والاصول الراجعة إلى المبدأ وأوصافه، والأنبياء وخصائصهم، ممّا يرشد إلى اتّصافه بالإعجاز، مع قطع النظر عن الجهات الكثيرة الاخر، الهادية إلى هذا الغرض المهمّ والمقصد العظيم.
_____________________________
(1) سورة الأنعام 6 : 101، سورة الفرقان 25 : 2.
(2) سورة آل عمران 3 : 5 - 6.
(3) سورة آل عمران 3 : 5 - 6.
(4) سورة الأنعام 6 : 103
(5) سورة الرعد 13 : 2.
(6) سورة الرعد 13 : 2.
(7) سورة التغابن 64 : 18.
(8) سورة لقمان 31 : 34.
(9) سورة الإسراء 17 : 111.
(10) سورة البقرة 2 : 255.
(11) سورة القلم 68 : 3 - 4، سورة الأحزاب 33 : 39 - 40، سورة الفتح 48 : 28 - 29، سورة التوبة 9 : 33.
سورة النساء 4 : 163 - 166، سورة النمل 27 : 15، سورة الأعراف 7 : 157، سورة الجمعة 62 : 2، سورة آل عمران 3 : 33، سورة الزخرف 43 : 26 - 27، سورة الأنعام 6 : 75، 84، 85، 86، 87، وهناك كثير من الآيات التي تشيد بالأنبياء والرسل وصفاتهم ودورهم ووظيفتهم في تبليغ رسائل السماء وهداية مجتمعاتهم.
(12) الإمام المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي ، ولد سنة 1282 ه في اسرة هي من أرقى الاسر العراقيّة ، عرفت بالدين والعلم والأدب، درس على كبار علماء حوزة النجف الأشرف يومذاك، منهم : الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والميرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد طه نجف، ترك مؤلّفات كثيرة قاربت الخميسن مؤلّفاً في الفقه والاصول والتفسير ومقارنة الأديان وغيرها، توفّي سنة 1352 ه عن سبعين عاماً قضاها عالماً مجاهداً واعياً.
الكنى والألقاب : 2/ 94 - 95، ريحانة الأدب : 1/ 278 - 279، طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر في القرن الرابع عشر : 1/ 323 - 326، معجم المؤلّفين : 3/ 201، الرقم 12661.
(13) مدرسة سيّار، ترجمة الرحلة المدرسيّة أو المدرسة السيّارة : 9 - 10.
الهدى إلى دين المصطفى للبلاغي : 2/ 136.
(14) ترجمة الكتاب المقدس، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد ، ترجم من اللغات الأصليّة وهي اللغة العبرانية واللغة الكلدانية واللغة اليونانية ، الهدى الى دين المصطفى ، للشيخ محمد جواد البلاغي : 3 - 5 ب 2 و 3.
(15) ترجمة الكتاب المقدس : 15 - 16 ب 12.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|