المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17793 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أحكام عقد الأمان للمشركين
2024-11-27
الآثار التي خلفها رعمسيس السادس (قفط)
2024-11-27
شروط فتح الأرض صلحاً
2024-11-27
الآثار التي خلفها رعمسيس السادس (تل بسطة)
2024-11-27
الآثار التي خلفها رعمسيس السادس (سرابة الخادم المعبد)
2024-11-27
معبد عنيبة
2024-11-27



تفسير الآية (36-40) من سورة العنكبوت  
  
2649   12:51 صباحاً   التاريخ: 2-9-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف العين / سورة العنكبوت /

قال تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت : 36 - 40]

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال {وإلى مدين} أي وأرسلنا إلى مدين {أخاهم شعيبا} وهذا مفسر فيما مضى {فقال يا قوم اعبدوا الله} بدأ بالدعاء إلى التوحيد والعبادة {ارجوا اليوم الآخر} أي وأملوا ثواب اليوم الآخر واخشوا عقابه بفعل الطاعات وتجنب السيئات {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} أي لا تسعوا في الأرض بالفساد ثم أخبر أن قومه كذبوه ولم يقبلوا منه فعاقبهم الله وذلك قوله {فكذبوه فأخذتهم الرجفة} وقد مر بيانه {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي باركين على ركبهم ميتين {وعادا وثمود} أي وأهلكنا أيضا عادا وثمود جزاء لهم على كفرهم {وقد تبين لكم} معاشر الناس كثير {من مساكنهم} وقيل معناه وقد ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر واليمن آية في هلاكهم .

{وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل} أي فمنعهم عن طريق الحق {وكانوا مستبصرين} أي وكانوا عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا وقيل معناه إنهم كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة يحسبون أنهم على هدى عن قتادة والكلبي {وقارون} أي وأهلكنا قارون {وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات} أي بالحجج الواضحات من قلب العصا حية واليد البيضاء وفلق البحر وغيرها {فاستكبروا} أي طلبوا التجبر {في الأرض} ولم ينقادوا للحق {وما كانوا سابقين} أي فائتين الله كما يفوت السابق .

{فكلا أخذنا بذنبه} أي فأخذنا كلا من هؤلاء بذنبه وعاقبناهم بتكذيبهم الرسل {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا} أي حجارة وقيل ريحا فيها حصى وهم قوم لوط عن ابن عباس وقتادة وقيل هم عاد {ومنهم من أخذته الصيحة} وهم ثمود وقوم شعيب عن ابن عباس وقتادة والصيحة العذاب وقيل صاح بهم جبرائيل فهلكوا {ومنهم من خسفنا به الأرض} وهو قارون {ومنهم من أغرقنا} يعني قوم نوح وفرعون وقومه {وما كان الله ليظلمهم} فيعذبهم على غير ذنب أو قبل إزاحة العلة {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بكفرهم وتكذيبهم الرسل وفي هذا دلالة واضحة على فساد مذهب أهل الجبر فإن الظلم لوكان من فعل الله كما يزعمون لما كان هؤلاء هم الظالمين لنفوسهم بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم تعالى الله عن ذلك .

___________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص25-26 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهً وارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . شعيب عربي كهود وصالح ، وأهل مدين عرب ، وهي من أطراف الشام ، ولا وجود لهذا الاسم في قاموس التوراة والأناجيل الأربعة والذي فيه ان يثرون اسم مدياني ، وهوكاهن مديان حمو موسى أي أبو زوجته ويدعى أيضا رعوئيل . وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأعراف الآية 85 ج 3 ص 356 .

{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} . تقدم في الآية 78 من سورة الأعراف ج 3 ص 351 .

{وعاداً وثَمُودَ وقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} أي يملكون التبصر والعقل الذي يهتدون به إلى سبيل الحق ، ولكنهم اتبعوا الشيطان فكانوا من المهلكين ، وأنتم أيها المشركون عقلاء كعاد وثمود ، وقد رأيتم من الدلائل على هلاكهم ما فيه عظة وعبرة ، أفلا تتعظون وتنتهون عن متابعة الشيطان في خطواته وهمزاته ؟

{وقارُونَ وفِرْعَوْنَ وهامانَ ولَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وما كانُوا سابِقِينَ} . أي ناجين من عذاب اللَّه كما ينجو السابق ، وقارون هو الذي كان له (من الكنوز ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة) .

وفرعون هو القائل : أنا ربكم الأعلى ، وهامان وزيره . . هؤلاء جاءهم موسى بالدلائل والبصائر ، فأخذتهم العزة بالإثم ، فأهلكهم من له العزة جميعا {فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً} كقوم لوط {ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} كثمود {ومِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأَرْضَ} كقارون {ومِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} كقوم نوح وفرعون وهامان {وما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .

ولما ذا يظلم اللَّه الناس ؟ ألأنه في حاجة إلى الظلم وهو غني عن العالمين ؟ وكيف يظلم عباده وهو القائل : {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف - 44] .

__________________

1- تفسير الكاشف ، جلد ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 107-108 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين} يدعوهم إلى عبادة الله وهو التوحيد وإلى رجاء اليوم الآخر وهو الاعتقاد بالمعاد وأن لا يفسدوا في الأرض وكانت عمدة إفسادهم فيها - على ما ذكر في قصتهم في مواضع أخر - نقص الميزان والمكيال .

قوله تعالى : {فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} الرجفة الاضطراب الشديد على ما ذكره الراغب ، والجثم والجثوم في المكان القعود فيه أو البروك على الأرض وهو كناية عن الموت والمعنى : فكذبوا شعيبا فأخذهم الاضطراب الشديد أو الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم ميتين لا حراك بهم .

وقال في قصتهم في موضع آخر : {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود : 94] ، ويستظهر من ذلك أنهم أهلكوا بالصيحة والرجفة .

قوله تعالى : {وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم} إلى آخر الآية غير السياق تفننا فبدأ بذكر عاد وثمود وكذا في الآية التالية بدأ بذكر قارون وفرعون وهامان بخلاف قصص الأمم المذكورين سابقا حيث بدأ بذكر أنبيائهم كنوح وإبراهيم ولوط وشعيب .

وقوله : {وعادا وثمود} منصوبان بفعل مقدر تقديره واذكر عادا وثمود .

وقوله : {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين} تزيين الشيطان لهم أعمالهم كناية استعارية عن تحبيب أعمالهم السيئة إليهم وتأكيد تعلقهم بها وصده إياهم عن السبيل صرفهم عن سبيل الله التي هي سبيل الفطرة ، ولذا قال بعضهم : إن المراد بكونهم مستبصرين أنهم كانوا قبل ذلك على الفطرة الساذجة .

لكن الظاهر كما تقدم في تفسير قوله : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} [البقرة : 213] أن عهد الفطرة الساذجة كان قبل بعثة نوح (عليه السلام) وعاد وثمود كانوا بعد نوح فكونهم مستبصرين قبل انصدادهم عن السبيل هو كونهم يعيشون على عبادة الله ودين التوحيد وهو دين الفطرة .

قوله تعالى : {وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين} السبق استعارة كنائية من الغلبة ، والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {فكلا أخذنا بذنبه} إلى آخر الآية أي كل واحدة من الأمم المذكورين أخذناها بذنبها ثم أخذ في التفصيل فقال : {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا} والحاصب الحجارة وقيل : الريح التي ترمي بالحصى وعلى الأول فهم قوم لوط ، وعلى الثاني قوم عاد {ومنهم من أخذته الصيحة} وهم قوم ثمود وقوم شعيب {ومنهم من خسفنا به الأرض} وهو قارون {ومنهم من أغرقنا} وهم قوم نوح وفرعون وهامان وقومهما .

ثم عاد سبحانه إلى كافة القصص المذكورة وما انتهى إليه أمر تلك الأمم من الأخذ والعذاب فبين ببيان عام أن الذي أوقعهم فيما وقعوا لم يكن بظلم منه سبحانه بل بظلم منهم لأنفسهم فقال : {وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي فيجازيهم الله على ظلمهم لأن الدار دار الفتنة والامتحان وهي السنة الإلهية التي لا معدل عنها فمن اهتدى فقد اهتدى لنفسه ومن ضل فعليها .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص102-104 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

تنوع العذاب للظالمين :

بعد بيان قصّة لوط وقومه يقع الكلام عن أقوام آخرين أمثال قوم شعيب وعاد وثمود ، وقارون وفرعون ، وقد أشير في هذه الآيات ـ محل البحث ـ إلى كلٍّ منهم إشارة موجزة «مكثفة» للإستنتاج والعبرة !

في البداية تقول الآية : {وإلى مدين أخاهم شعيباً} (2) .

والتعبير بكلمة «أخاهم» كما قلنا مراراً ، هو إشارة إلى منتهى محبّة هؤلاء الانبياء إلى أُممهم ، وإلى عدم طلبهم السلطة ، وبالطبع فإنّ هؤلاء الأنبياء كانت لهم علاقة قرابة بقومهم أيضاً .

و«مدين» مدينة واقعة جنوب غربي الأردن ، وتدعى اليوم بـ «معان» وهي في شرق خليج العقبة ، وكان شعيب(عليه السلام) وقومه يقطنون فيها (3) .

وشعيب كسائر أنبياء الله العظام ، بدأ بالدعوة الى الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ، وهما أساس كل دين وطريقة {فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر} .

فالإيمان بالمبدأ يكون سبباً لإحساس الإنسان بأن الله يراقبه مراقبةً دقيقةً بشكل دائم ويسجّل أعماله; والإيمان بالمعاد يذكر الإنسان بمحكمة عظيمة يحاسب فيها عن كل شيء وكل عمل مهما كان تافهاً . . . ومن المسلم أنّ الإعتقاد بهذين الأصلين له أثره البالغ على تربية الإنسان وإصلاحه ! .

والمبدأ الثّالث هو بمثابة خطّة عمل جامعة ، تحمل بين طياتها جميع الخطط الإجتماعية ، إذ قال : {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} .

وللفساد مفهوم واسع يشمل كل نقص انحراف ، وتدمير ، وظلم . . الخ . . ويقابله الصلاح والإصلاح ، ومفهومهما يشمل جميع الخطط البنّاءة ! .

أمّا كلمة «تعثوا» فهي من مادة «عثى» ومعناه إحداث الفساد أو الإفساد ، غاية ما في الأمر أن هذا التعبير كثيراً ما يستعمل في الموارد التي تكون فيها «مفاسد أخلاقية» ، فعلى هذا يكون ذكر كلمة «مفسدين» بعدها تأكيداً على هذا المفهوم .

إلاّ أنّ تلك الجماعة بدلا من أن تصغي لمواعظه ونصائحه بآذان القلوب ، خالفته ولم تصغ إليه «فكذبوه» .

وكان هذا التكذيب سبباً في أن تصيبهم زلزلة شديدة {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي مكبوبين على وجوههم ميتين .

و«الجاثم» مشتق من «جثم» على زنة «سهم» ومعناه الجلوس على الركبة والتوقف في مكان ما . . ولا يبعد أن يكونوا نائمين عند وقوع هذه الزلزلة الشديدة . . فهذا التعبير إشارة إلى أنّهم عند وقوع هذه الحادثة نهضوا وجثوا على الركب ، إلاّ أنّ الحادثة لم تمهلهم حيث انهارت الجدران عليهم ونزلت عليهم الصاعقة التي تزامنت معها فماتوا (4) .

أمّا الآية التي بعده فتتحدث عن «عاد» و«ثمود» قومي (هود وصالح) ، دون أن تذكر ما قاله نبيّاهما لهما ، وما ردّ عليهما قومهما المعاندون ، لأنّهما مذكوران في آيات عديدة من القرآن ، وهما أي قوم هود وقوم صالح معروفان ، فلذلك ، تقول الآية : {وعاداً وثمودَ} (5) .

ثمّ تضيف الآية {وقد تبيّن لكم من مساكنهم} المتهدمة والتي هي على طريقكم في منطقة الحجر واليمن .

فأنتم في كل سنة تمرون في أسفاركم للتجارة بأرض «الحجر» التي تقع شمال جزيرة العرب ، وبالأحقاف التي تقع قريباً من اليمن وجنوبها ، وترون آثار المساكن المتهدمة وبقاياها من عاد وثمود ، فعلام لا تعتبرون ؟!

ثمّ تشير الآية إلى السبب الأصلي لشقائهم وسوء حظّهم ، إذ تقول : {وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل} .

وكانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه ، ولم يأل الأنبياء جهداً في هدايتهم ، وبذلوا قدراً كافياً من النصح والإرشاد لهم ، لكنّهم حادوا {وكانوا مستبصرين} .

قال بعض المفسّرين : إنّ جملة {وكانوا مستبصرين} تعني أنّهم كانوا ذوي أعين بصيرة ، وعقل كاف .

وقال بعضهم : إنها تعني أنّهم كانوا على الفطرة السليمة .

كما قال آخرون : إنّها تعني هداية الأنبياء لهم .

ولا يمنع اجتماع جميع هذه المعاني في الآية الكريمة ، فهي إشارة إلى أنّهم لم يكونوا جاهلين قاصرين ، بل كانوا يعرفون الحق جيداً من قبل ، وكانت ضمائرهم حية ولديهم العقل الكافي ، وأتمّ الأنبياء عليهم الحجّة البالغة ، ولكن . . . مع كل ما تقدم . . . من نداء العقل والضمير ، ودعوة الأنبياء ، فقد انحرفوا عن السبيل ووسوس لهم الشيطان ، ويوماً بعد يوم يرون أعمالهم القبيحة حسنةً ، وبلغوا مرحلة لا سبيل لهم إلى الرجوع منها ، فأحرق قانون الخلق والإيجاد هذه العيدان اليابسة . . وهي جديرة بذلك !

والآية الأُخرى تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزاً للقدرة الشيطانية ، فتقول : {وقارون وفرعون وهامان} (6) .

فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة «الذات» والأنانية والغفلة .

وفرعون كان مظهر القدرة الإستكبارية المقرونة بالشيطنة .

وأمّا هامان ، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين ! .

ثمّ يضيف القرآن {ولقد جاءهم موسى بالبينات} والدلائل {فاستكبرا في الأرض} فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه ، واعتمد فرعون وهامان على جيشهما وعلى القدرة العسكرية ، وعلى قوة إعلامهم وتضليلهم لطبقات الناس المغفّلين الجهلة .

لكن . . برغم كل ذلك لم يفلحوا {وما كانوا سابقين} .

فأمر الله الأرض التي هي مهد الإطمئنان والدعة بابتلاع قارون .

وأمر الماء الذي هو مصدر الحياة بابتلاع فرعون وهامان .

وعبأ جنود السماوات والأرض لإهلاكهم جميعاً ، بل ما كان مصدر حياتهم أمر الله أن يكون هو نفسه سبباً لفنائهم (7) .

كلمة «سابقين» تعني من يتقدم ويكون أمام الآخرين ، فمفهوم قوله تعالى : {وما كانوا سابقين} أي إنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا من سلطان الله برغم ما كان عندهم من إمكانات ، بل أهلكهم الله في اللحظة التي أراد ، وأرسلهم إلى ديار الفناء والذلة والخزي .

كما يذكر في الآية التي بعدها {فكلاّ أخذنا بذنبه} .

وحيث أنّ القرآن ذكر «الطوائف الأربع» في الآيتين المتقدمتين ، ولم يبيّن عذابهم ، وهم :

1 ـ قوم هود «عاد» .

2 ـ وثمود «قوم صالح» .

3 ـ قارون .

4 ـ فرعون وهامان .

فإنه يذكر في هذه الآية بحسب الترتيب أنواع عذابهم . فيقول : {فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً} .

و«الحاصب» معناه الاعصار الذي يحمل حصى كثيرة معه ، و«الحصباء» «الحصى الصغيرة» .

والمقصود بـ «منهم» هنا هم «عاد» قوم هود ، وحسب ما جاء في بعض السور كالذاريات والحاقة والقمر ، أصابهم اعصار شديد مهلك خلال ثمانية أيّام وسبع ليال فدمرهم تدميراً .

يقول القرآن : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة : 7 ، 8] .

{ومنهم من أخدته الصيحة} وقلنا : إن الصيحة السماوية التي هي نتيجة الصاعقة التي تقترن مع الزلزلة في زمان الوقوع ، وهذا هو العذاب الذي عذب الله به ثمود «قوم هود» كما عذب آخرين . . . ويقول القرآن في الآية (67) من سورة هود في شأن ثمود {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود : 67] .

{ومنهم من خسفنا به الأرض} . وهذا هو عقاب قارون الثري المغرور المستكبر من بني إسرائيل ، وقد أشير إليه في الآية (81) من سورة القصص .

{ومنهم من أغرقنا} ونعرف أنّ هذا الكلام إشارة إلى عقاب فرعون وهامان وجنودهما ، وقد ذكرت هذه القصّة في سور متعددة من القرآن الكريم .

وعلى كل حال ، فمع الإلتفات لهذا البيان فإن أنواع العذاب الأربعة ذكرت هنا للطوائف الأربع المذكورين في الآيتين المتقدمتين . حيث اشارتا إلى ضلالهم وانحرافهم وذنوبهم دون أن تذكرا عقابهم .

ولكن من البعيد أن تشمل هذه الأنواع الأربعة من العذاب الواردة في هذه الآية أقواماً آخرين ، كما يقول بعض المفسّرين . «كالغرق لقوم نوح ، وإمطار الحجارة والحصباء على قوم لوط» لأنّ عقابهم مذكور هناك وفي موارد ذكرهم ولا حاجة للتكرار هنا ، وأمّا عقاب الفئات الاربع فلم يذكر في هذه السلسلة من الآيات ، ولذا بينه الله سبحانه في الآيتين الأخيرتين .

ويبيّن في ختام الآية التأكيد على هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم ، وهم زرعوا فحصدوا {وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} .

أجل ، إنّ عقاب هذه الدنيا والآخرة هو تجسيد أعمالهم ، حيث يغلقون جميع طرق الإصلاح في وجوههم . فالله أكثر عدلا وأسمى من أن يظلم الإنسان أدنى ظلم ! .

وهذه الآية ـ كسائر كثير من آيات القرآن ـ تثبت أصل الحرية في الإرادة والإختيار عند الإنسان ، وتقرر أن التصميم في كل مكان يصدر من الإنسان نفسه . وقد خلقه الله حرّ اًو يريده حرّاً . . فعلى هذا يبطل اعتقاد أتباع مذهب «الجبر» الذين لهم وجود بين المسلمين ـ مع الأسف ـ بهذا المنطق القوي للقرآن الكريم .

_____________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص54-56 .

2 ـ هذه الجملة معطوفة على جملة «ولقد أرسلنا نوحاً» .

3 ـ ورد الكلام على مدين في ذيل الآية (23) من سورة القصص في هذا الجزء بإسهاب .

4 ـ بيان هذه الحادثة المؤلمة فصلناه في تفسير «سورة هود» ذيل الآيات في شرح قصة «شعيب وقومه» .

5 ـ «وعاداً وثموداً» مفعولان لفعل مقدر وهو «أهلكنا» وهو يستفاد من الآية السابقة . وقال بعضهم : فعلهما المحذوف تقديره «اذكر» .

6 ـ هذه الكلمات الثلاث مفاعيل للفعل المقدر «أهلكنا» أوكما قال البعض : هي مفاعيل لفعل تقديره «اذكر» !

7 ـ شرح قصّة حياة قارون في الآيات السبع 76 ـ 82 سورة القصص ، وهلاك فرعون وجماعته في تفسير سورة القصص ، كما ورد في سورة الأعراف أيضاً .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .