أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-9-2020
2411
التاريخ: 1-9-2020
18239
التاريخ: 2-9-2020
3636
التاريخ: 1-9-2020
3022
|
قال تعالى : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [العنكبوت : 28 - 35] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{ولوطا إذ قال لقومه} أي : وأرسلنا لوطا ويجوز أن يريد واذكر لوطا حين قال لقومه {إنكم لتأتون الفاحشة} من قرأ بلفظ الاستفهام أراد به الإنكار دون الاستعلام ومن قرأ إنكم على الخبر أراد أن لوطا قال ذلك لقومه منكرا لفعلهم لا مفيدا معلما لهم لأنهم قد علموا ما فعلوه والفاحشة هاهنا ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران .
{ما سبقكم بها} أي بهذه الفاحشة {من أحد من العالمين} أي أحد من الخلائق ثم فسر الفاحشة بقوله {إنكم لتأتون الرجال} أي تنكحونهم {وتقطعون السبيل} قيل فيه وجوه (أحدها) تقطعون سبيل الولد باختياركم الرجال على النساء (وثانيها) إنكم تقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاحشة فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالحذف (2) فأيهم أصابه كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك (وثالثها) إنهم كانوا يقطعون الطريق على الناس كما يفعل قطاع الطريق في زماننا .
{وتأتون في ناديكم المنكر} قيل فيه أيضا وجوه (أحدها) هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء عن ابن عباس وروي ذلك عن الرضا (عليه السلام) (وثانيها) إنهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا عن مجاهد (وثالثها) كانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح مثل الشتم والسخف والصفع (3) والقمار وضرب المخراق (4) وحذف الأحجار على من مر بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط قال الزجاج وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير ولا أن يجتمعوا على المناهي ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا يأتونه من الفضائح قالوا له استهزاء ائتنا بعذاب الله وذلك قوله {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} وعند ذلك {قال} لوط {رب انصرني على القوم المفسدين} الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض .
ثم بين سبحانه أنه استجاب دعاء لوط وبعث جبرائيل ومعه الملائكة لتعذيب قومه بقوله {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} أي يبشرونه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب {قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية} يعنون قرية قوم لوط (عليه السلام) وإنما قالوا هذا لأن قريتهم كانت قريبة من قرية قوم إبراهيم {إن أهلها كانوا ظالمين} أي مشركين مرتكبين للفواحش {قال} إبراهيم {إن فيها لوطا} فكيف تهلكونها {قالوا} في جوابه {نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله} أي لنخلصن لوطا من العذاب بإخراجه منها ولنخلصن أيضا أهله المؤمنين منهم {إلا امرأته} فإنها تبقى في العذاب لا تنجو منه وذلك قوله {كانت من الغابرين} أي من الباقين في العذاب {ولما إن جاءت رسلنا لوطا} أن هذه مزيدة {سيء بهم} معناه سيء لوط بالملائكة أي ساءه مجيئهم لما رآهم في أحسن صورة لما كان يعلمه من خبث فعل قومه عن قتادة وقيل معناه سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم {وضاق بهم ذرعا} أي ضاق قلبه وقيل ضاقت حيلته فيما أراد من حفظهم وصيانتهم عن الجبائي .
فلما رأى الملائكة حزنه وضيق صدره {قالوا لا تخف} علينا وعليك {ولا تحزن} بما نفعله بقومك وقيل لا تخف ولا تحزن علينا فإنا رسل الله لا يقدرون علينا {إنا منجوك وأهلك} من العذاب {إلا امرأتك} الكافرة {كانت من الغابرين} أي الباقين في العذاب {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا} أي عذابا من السماء {بما كانوا يفسقون} أي يخرجون من طاعة الله إلى معصيته أي جزاء بفسقهم {ولقد تركنا منها آية بينة} أي تركنا من تلك القرية عبرة واضحة ودلالة على قدرتنا قال قتادة هي الحجارة التي أمطرت عليهم وقال ابن عباس هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد هي الماء الأسود على وجه الأرض {لقوم يعقلون} ذلك ويبصرونه ويتفكرون فيه ويتعظون به فيزجرهم ذلك عن الكفر بالله واتخاذ شريك معه في العبادة .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص21-24 .
2- ضرب من الرمي والضرب .
3- صفعه صفعاً : ضرب قفاه او بدنه بكفه مبسوطة .
4- المخراق : المنديل .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
أرسل اللَّه لوطا إلى مجتمع ما عرف التاريخ القديم له مثيلا في انحلاله وبشاعته . . يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، ويقطعون الطريق على المارة بالأذى ضربا وسلبا واغتصابا ، أما أنديتهم ومجالسهم فلا تعرف إلا الفحش والمنكر والآثام . . فحذرهم لوط ، وأنذرهم بعذاب اللَّه . . وهذا كل ما يملكه ويقدر عليه ، فسخروا منه ، وقالوا : أرنا هذا العذاب لنؤمن بك . . فالتجأ إلى اللَّه يستنصره على القوم المفسدين .
فاستجاب سبحانه إلى تضرعه ، وأمده بملائكة غلاظ شداد ، مروا في طريقهم بإبراهيم ، وبشّروه بغلام عليم من امرأته العجوز العقيم ، وأطلعوه على حكم اللَّه في قوم لوط . قال : كيف وفيهم العبد الصالح لوط ؟ قالوا : هو ومن اتبعه في أمان إلا امرأته التي تظاهرت وتآمرت مع القوم الكافرين .
ودخل الملائكة على لوط بوجوه وضاءة ناضرة ، فأوجس في نفسه خيفة عليهم من قومه الأشرار ، فكشفوا له عما قصدوا إليه . . وتمت كلمة العذاب على المفسدين ، وأصبحوا أثرا بعد عين ، وعبرة لأولي الأبصار .
وبعد ألوف السنين يعيد تاريخ اللواط والفساد نفسه في مجلس العموم البريطاني حيث أقرّ واستحلت هذه الفاحشة التي تنفر منها طباع الوحوش والحشرات . .
ونحن على يقين بأن نوعا من العذاب سيحل على هذا المجتمع وأمثاله عاجلا أم آجلا تماما كما حل على الذين من قبلهم .
وفي قاموس الكتاب المقدس : (ونعلم من الكشوف الجيولوجية ان المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت قد اكتست بالملح ، وربما كان سبب هذا انفجار تحت سطح الأرض حدث بفعل إلهي) . وتقدمت هذه الآيات في سورة الأعراف الآية 80 - 84 ج 3 ص 352 ، وفي سورة هود الآية 77 - 83 ج 4 ص 247 - 256 .
_____________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ١٠٥-106 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أي وأرسلنا لوطا أو واذكر لوطا إذ قال لقومه ، وقوله : {إنكم لتأتون الفاحشة} إخبار بداعي الاستعجاب والإنكار ، والمراد بالفاحشة إتيان الذكران .
وقوله : {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} استئناف يوضح معنى الفاحشة ويؤكده ، وكأن المراد أن هذا العمل لم يشع في قوم قبلهم هذا الشيوع أو الجملة حال من فاعل {لتأتون} .
قوله تعالى : {أ إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} إلى آخر الآية ، استفهام من أمر من الحري أن لا يصدقه سامع ولا يقبله ذو لب ولذا أكد بالنون واللام ، وهذا السياق يشهد أن المراد بإتيان الرجل اللواط وبقطع السبيل إهمال طريق التناسل وإلغاؤها وهي إتيان النساء ، فقطع السبيل كناية عن الإعراض عن النساء وترك نكاحهن ، وبإتيانهم المنكر في ناديهم - والنادي هو المجلس الذي يجتمعون فيه ولا يسمى نادية إلا إذا كان فيه أهله - الإتيان بالفحشاء أو بمقدماتها الشنيعة بمرأى من الجماعة .
وقيل : المراد بقطع السبيل قطع سبيل المارة بديارهم فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالخذف فأيهم أصابه كان أولى به فيأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك وقيل : بل كانوا يقطعون الطرق ، وقد عرفت أن السياق يقضي بخلاف ذلك .
وقيل : المراد بإتيان المنكر في النادي أن مجالسهم كانت تشتمل على أنواع المنكرات والقبائح مثل الشتم والسخف والقمار وخذف الأحجار على من مر بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط ونحو ذلك وقد عرفت ما يقتضيه السياق .
وقوله : {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} استهزاء وسخرية منهم ، ويظهر من جوابهم أنه كان ينذرهم بعذاب الله وقد قال الله في قصته في موضع آخر : {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر : 36] .
قوله تعالى : {قال رب انصرني على القوم المفسدين} سؤال للفتح ودعاء منه عليهم ، وقد عدهم مفسدين لعملهم الذي يفسد الأرض ويقطع النسل ويهدد الإنسانية بالفناء .
قوله تعالى : {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} إجمال قصة هلاك قوم لوط ، وقد كان ذلك برسل من الملائكة أرسلهم الله أولا إلى إبراهيم (عليه السلام) فبشروه وبشروا امرأته بإسحاق ويعقوب ثم أخبروه بأنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط ، والقصة مفصلة في سورة هود وغيرها .
وقوله : {قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية} أي قالوا لإبراهيم ، وفي الإتيان بلفظ الإشارة القريبة - هذه القرية - دلالة على قربها من الأرض التي كان إبراهيم (عليه السلام) نازلا بها ، وهي الأرض المقدسة .
وقوله : {إن أهلها كانوا ظالمين} تعليل لإهلاكهم بأنهم ظالمون قد استقرت فيهم رذيلة الظلم ، وقد كان مقتضى الظاهر أن يقال : إنهم كانوا ظالمين فوضع المظهر موضع المضمر للإشارة إلى أن ظلمهم ظلم خاص بهم يستوجب الهلاك وليس من مطلق الظلم الذي كان الناس مبتلين به يومئذ كأنه قيل : إن أهلها بما أنهم أهلها ظالمون .
قوله تعالى : {قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} ظاهر السياق أنه (عليه السلام) كان يريد بقوله : {إن فيها لوطا} أن يصرف العذاب بأن فيها لوطا وإهلاك أهلها يشمله فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشمله العذاب وهم أهله إلا امرأته .
لكنه (عليه السلام) لم يكن ليجهل أن الله سبحانه لا يعذب لوطا وهو نبي مرسل ، وإن شمل العذاب جميع من سواه من أهل قريته ولا أنه يخوفه ويزعره ويفزعه بقهره عليهم بل كان (عليه السلام) يريد بقوله : {إن فيها لوطا} أن يصرف العذاب عن أهل القرية كرامة للوط لا أن يدفعه عن لوط ، فأجيب بأنهم مأمورون بإنجائه وإخراجه من بين أهل القرية ومعه أهله إلا امرأته كانت من الغابرين .
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى في سورة هود في هذا الموضع من القصة : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود : 74 - 76] ، فالآيات أظهر ما يكون في أن إبراهيم (عليه السلام) كان يدافع عن قوم لوط لا عن لوط نفسه .
فظاهر كلامه (عليه السلام) في الآية التي نحن فيها الدفاع عن لوط وعلى ذلك جاراه الرسل فأبقوا كلامه على ظاهره وأجابوا بأنهم ما كانوا ليجهلوا ذلك فهم أعلم بمن فيها وعالمون بأن فيها لوطا ومعه أهله ممن لا ينبغي أن يعذب لكنهم سينجونه وأهله إلا امرأته ، لكن الذي أراده إبراهيم (عليه السلام) بكلامه دفع العذاب عن أهل القرية فأجيب بأنه من الأمر المحتوم على ما تشير إليه آيات سورة هود .
وللقوم في قوله : {إن أهلها كانوا ظالمين} ، وقوله : {قال إن فيها لوطا} مشاجرات طويلة أعرضنا عن التعرض لها لعدم الجدوى ، من أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات .
قوله تعالى : {ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن} إلى آخر الآية ، ضميرا الجمع في {سيء بهم وضاق بهم} للرسل والباء للسببية أي أخذته المساءة وهي سوء الحال بسببهم وضاقت طاقته بسببهم لكونهم في صور شبان حسان مرد يخاف عليهم من القوم ثم قصد القوم إياهم بالسوء وضعف لوط من أن يدفعهم عنهم وهم ضيف له نازلون بداره .
وقوله : {وقالوا لا تخف ولا تحزن} أي لا خطر محتملا يهددك ولا مقطوعا يقع عليك فإن الخوف إنما هو في المكروه الممكن والحزن في المكروه الواقع .
وقوله : {إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين} أي الباقين في العذاب تعليل لنفي الخوف والحزن .
قوله تعالى : {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون} بيان لما يشير إليه قوله : {إنا منجوك وأهلك} من العذاب ، والرجز العذاب .
قوله تعالى : {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون} ضمير التأنيث للقرية والترك الإبقاء أي أبقينا من القرية علامة واضحة لقوم يعقلون ليعتبروا بها فيتقوا الله وهي الآثار الباقية منها بعد خرابها بنزول العذاب .
وهي اليوم مجهولة المحل لا أثر منها وربما يقال : إن الماء غمرها بعد وهي بحر لوط ، لكن الآية ظاهرة - كما ترى - أنها كانت ظاهرة معروفة في زمن نزول القرآن وأوضح منها قوله تعالى : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} [الحجر : 76] ، وقوله : { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ } [الصافات : 137] .
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص100-102 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
المنحرفون جنسياً :
بعد بيان جانب ممّا جرى لإبراهيم (عليه السلام) يتحدث القرآن عن قسم من قصّة حياة النّبي المعاصر لإبراهيم «لوط» (عليه السلام) فيقول : {ولوطاً إذْ قال لقومه إنّكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} (2) .
«الفاحشة» كما بيناها من قبل ، مشتقّة من مادة «فَحَشَ» وهي في الأصل تعني كل فعل أو كلام سيء للغاية ، والمراد بها هنا الإنحراف الجنسي . (اللواط) .
ويستفاد من جملة {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} بصورة جليّة أن هذا العمل السيء والمخزي لم يسبق له ـ على الأقل بشكل عام وجماعي ـ أن يقع في أية أُمة أو قوم كما وقع في قوم لوط .
ذكروا في أحوال قوم لوط أن واحداً من عوامل تلوثهم بهذا الذنب هو أنّهم كانوا قوماً بخلاء جداً ، ولمّا كانت مدنهم على قارعة الطريق التي تمرّ بها قوافل الشام ، فقد كانوا يظهرون هذا العمل «الإنحراف» لبعض ضيوفهم أو العابرين لينفروهم وكي لا يضيفوهم ، إلاّ أنّهم تعودوا على هذا العمل القبيح ، وقويت فيهم رغبة اللواط ، فسقطوا في الوحل المخزي شيئاً فشيئاً .
على كل حال ، سينؤون بحمل ذنوبهم وذنوب من يعمل عملهم ، دون أن ينقص من ذنوب الآخرين شيء أبداً {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثالهم !} .
لأنّهم كانوا مؤسسي هذه السنة المشؤومة ، ونحن نعرف أن من سنّ سنة ما فهو شريك في عمل من يعمل بها أيضاً .
لوط (عليه السلام) هذا النّبي العظيم ، كشف أخيراً ما في نفسه وقال لقومه {أإنّكم لتأتون الرجال} أفتريدون أن تقطعوا النسل {وتقطعون السبيل} (3) .
ولا ترعوون عن الأعمال المخزية في مجالسكم العامة {وتأتون في ناديكم المنكر} .
«النادي» مشتق من «النداء» وهو يعني المجلس العام ، كما يأتي أحياناً بمعنى مكان التنزّه ، لأنّ الأفراد هناك ينادي بعضهم بعضاً وترتفع أصواتهم .
والقرآن لم يبيّن هنا بتفصيل أية منكرات كانوا يأتونها في مجالسهم ونواديهم . . لكنّها قطعاً كانت متناسبة مع عملهم السيء المخزي . . وكما ورد في بعض التواريخ ، فإنّهم كانوا يتسابون بكلمات الفحش والإبتذال ، أو يضرب أحدهم الأخر على ظهره . أو يلعبون القمار ، وأو يعبثون كاالاطفال وخاصة الترامي بالحجارة الصغيرة فيما بينهم أو على العابرين ، ويستعملون أنواع الآلات الموسيقية ، ويكشفون عوراتهم في مجتمعهم ويغدون عراة . . . الخ (4) .
في حديث عن النّبي {صلى الله عليه وآله) كما تنقله «أم هاني» أنّه قال مفسراً لمعنى : {وتأتون في ناديكم المنكر} أنّهم «كانوا يخذفون من يمرّ بهم ويسخرون منه» (5) أي يرمون من يمرّ بهم بالحجارة ويسخرون منه .
والآن فلنلاحظ ماذا كان جواب هؤلاء القوم الضالين المنحرفين ، على كلمات النّبي لوط (عليه السلام) المنطقية .
يقول القرآن : {فما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} .
أجل هكذا ، كان جواب هؤلاء المفتونين فاقدي العقل والدراية إذ أجابوا به من منطلق السخرية والإستهزاء إزاء دعوة لوط (عليه السلام) المنطقية والمعقولة .
كما يستفاد جيداً من هذا الجواب أنّ لوطاً (عليه السلام) كان قد هدّدهم بعذاب الله ، بالإضافة إلى كلامه البيّن ذي الدليل الواضح في ما لو استمروا بهذا العمل القبيح ، إلاّ أنّهم تركوا جميع مواعظه وتمسكوا بتهديده بالعذاب ، فقالوا : {ائتنا بعذاب الله} على سبيل الإستهزاء والسخرية !! . . . كما أشير إلى هذا الموضوع في سورة القمر الآية (36) بقوله تعالى : {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} [القمر : 36] .
ويستشف ـ ضمناً ـ من تعبير هؤلاء القوم أنّهم كانوا يريدن أن يستنتجوا من عدم نزول العذاب على كذب لوط(عليه السلام) ، في حين أن رحمة الله هي التي تمهلهم وتعطيهم الفرصة لمراجعة أنفسهم وإعادة النظر!
وهنا لم يكن للوط (عليه السلام) بدّ إلاّ أن يلتفت إلى الله بقلب حزين مهموم . . . و {قال ربّ انصرني على القوم المفسدين} .
القوم المنحرفين ، المتمادين في الأرض فساداً ، والذين تركوا تقواهم وأخلاقهم الإنسانية وألقوا العفة والطهارة خلف ظهورهم ، وسحقوا العدل الإجتماعي تحت أقدامهم ، ومزجوا عبادة الأوثان بفسد الأخلاق والظلم ، وهددوا نسل الإنسان بالفناء والزوال ، فيا ربّ انصرني على هؤلاء القوم المفسدين .
وقوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت : 31 - 35]
وهذه هي عاقبة المنحرفين :
لقد أستجيب دعاءُ لوط أخيراً ، وصدر الأمر من الله تعالى بالعقاب الصارم والشديد لهؤلاء القوم المنحرفين والمفسدين ، فمرّ الملائكة المأمورون بعذاب قوم لوط بالأرض التي فيها إبراهيم (عليه السلام) لأداء رسالة أُخرى قبل أن ينزلوا العقاب بقوم لوط ، وهذه الرسالة التي سبقت العذاب ، هي بشارتهم لإبراهيم (عليه السلام) بالوَلد : «بشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب» .
والآيات المتقدمة تذكر أوّلا قصّة مرورهم بإبراهيم (عليه السلام) فتقول : {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} .
والتعبيربـ «هذه القرية» يدل على أن مُدن قوم لوط كانت قريبة من أرض إبراهيم (عليه السلام)
والتعبير بالظالمين هو لأجل كونهم يظلمون أنفسهم باتخاذهم سبيل الشرك والفساد الأخلاقي وعدم العفة ، وظلمهم الآخرين حتى شمل العابرين والقوافل التي كانت تمرّ على طريقهم .
فلمّا سمع «إبراهيم» هذا النبأ حزن على لوط النّبي العظيم و {قال إنّ فيها لوطاً} .
فما عسى أن تكون عاقبته ؟!
إلاّ أنّهم أجابوه على الفور ، {قالوا نحن أعلم بمن فيها} فلا تحزن عليه ، لأننا لا نحرق «الأحضر واليابس» معاً ، وخطتنا دقيقة ومحسوبة تماماً . . . ثمّ أضافوا {لننجينه وأهله إلاّ امرأته كانت من الغابرين} .
ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّ أسرة واحدة فقط في جميع تلك المدن والقرى كانت مؤمنة وغير مدنّسة ، وقد نجاها الله في ذلك الحين أيضاً . . . كما نقرأ مثل ذلك في الآية (36) من سورة الذاريات : { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات : 36] ومع ذلك فإنّ امرأة لوط كانت خارجة عن جماعة المؤمنين ، فشملها العذاب .
والتعبير بـ «الغابرين» جمع «غابر» ومعناه المتخلف عن جماعته الماضين في الطريق ، فالمرأة التي كانت في عائلة النبوّة لا ينبغي لها أن تنفصل عن المؤمنين والمسلمين . . . غير أنّ الكفر والشرك وعبادة الأوثان ـ كل ذلك ـ دعاها إلى الإنفصال ! .
ويتّضح من هنا أن انحرافها كان من جهة العقيدة ، ولا يبعد أن يكون هذا الإنحراف متأثراً بسبب محيطها . . . وكانت في بداية الأمر مؤمنة موحدة ، وبهذا فلن يرد أي إشكال على لوط (عليه السلام) في أنّه لم تزوّج بمثل هذه المرأة ؟!
وإذا كان جماعة من المؤمنين الآخرين قد آمنوا بلوط ، فمن المؤكّد أنّهم كانوا قد هاجروا عن تلك الأرض المدنّسة قبل هذا الحادث ، ما عدا لوطاً وأهله ، فإنّه كان عليه أن يبقى إلى آخر ساعة هناك ، لاحتمال تأثير تبليغه وإنذاره .
هنا ينقدح هذا السؤال : ترى هل كان «إبراهيم» يحتمل أن عذاب الله سيشمل لوطاً ، فأظهر تأثره أمام الملائكة ، غير أنّهم طمأنوه بنجاة لوط ؟!
والجواب الواضح على هذا السؤال ، وهو أن إبراهيم كان يعرف الحقيقة ، وإنّما سأل ليطمئن قلبه ، نظير هذا السؤال ما كان من هذا النّبي العظيم في شأن المعاد وإحياء الموتى ، إذ جسد له الله ذلك في إحياء أربعة من الطير «ليطمئن قلبه» .
إلاّ أنّ المفسّر الكبير العلاّمة الطباطبائي يعتقد أنّ المراد من سؤال إبراهيم هو أن وجود «لوط» بين هؤلاء القوم سيكون دليلا على رفع العذاب عنهم . . . ويستعين بالآيات (74) ـ (76) من سورة هود على هذا المقصد ، لأنّ هذه الآيات تبيّن : أنّه(عليه السلام) كان يريد بقوله : {إنّ فيها لوطاً} أن يصرف العذاب بأن فيها لوطاً وإهلاك أهلها يشمله ، فأجابوه بأنهم لا يخفى عليهم ذلك بل معه غيره ممن لا يشملهم العذاب وهم أهله إلاّ امرأته . (6)
لكننا نعتقد أنّ هذا الجواب من الملائكة ـ في صدد نجاة لوط وأهله ـ يدلّ بوضوح أن الكلام في هذه الآيات هو على لوط فحسب ، ولكن آيات سورة هود تتحدث عن موضوع منفصل ، وكما قلنا آنفاً فإنّ إبراهيم كان ليطمئن قلبه أكثر «فلاحظوا بدقة» .
انتهى كلام الملائكة مع إبراهيم هنا ، وتوجهوا إلى ديار لوط(عليه السلام) وقومه ، يقول القرآن في هذا الشأن : {ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً} .
وكان كلّ استيائه وعدم ارتياحه بسبب أنّه لم يعرفهم . . . فقد جاؤوا إليه بهيئة فتيان ذي وجوه مليحة ، ومجيء أمثال هؤلاء الضيوف في مثل هذا المحيط الملوّث ، ربّما كان يجرّ على لوط الوبال ، وأن يذهب ماء وجهه أمامهم ، لذلك فكر مليّاً : ما عسى أن يكون ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين الوقحين الذين لا حياء لهم قبال هؤلاء الضيوف؟!
«سيء» مشتقّة من «ساء» ومعناه سوء الحال ، و«الذرع» معناه «القلب» «الخلق» ، فعلى هذا يكون معنى {ضاق بهم ذرعا} أي ضاق قلبه وانزعج .
وقال بعض المفسّرين : إنّ هذه الكلمة في الأصل تعني «الفاصلة بين أطراف البعير أثناء السير» وحيث أنّهم إذا وضعوا على البعير حملا ثقيلا قصّر خطاه وضيّق الفاصلة ، عبروا بجملة «ضاق ذرعاً» كناية عن الحادثة الثقيلة «الصعبة» التي لا تطاق !
إلاّ أنّ الضيوف حين أدركوا عدم إرتياحه كشفوا عن «هويّتهم» وعرفوا أنفسهم ورفعوا عنه الحزن : {وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهله إلاّ امرأتك كانت من الغابرين} .
ويستفاد بالطبع من الآيات التي في سورة هود أن أُولئك القوم الاراذل ، حين عرفوا بوجود الضيوف عند لوط(عليه السلام) أسرعوا إليه ، وكان في نيّتهم أن يعتدوا عليهم ، وحيث أن لوطاً كان لا يزال غير عارف بحقيقة الملائكة فقد كان متأثراً جدّاً ، وكان تارةً ينصحهم واُخرى يهددّهم ومرّةً يقول لهم : {أليس فيكم رجل رشيد} فيحرك ضمائرهم وتارةً يقترح عليهم الزواج من بناته ، وأراد أن يمنعهم من الوصول إلى أضيافه ، لكن هؤلاء المنحرفين الذين لا حياء لهم لم يقتنعوا بأي شيء ولم يفكروا إلاّ بهدفهم المخزي .
ولكن رسل الله عرفوا أنفسهم للوط (عليه السلام) ، وأعموا أبصار هؤلاء القوم الذين أرادوا الهجوم على الملائكة واثلجوا قلب ذلك النّبي العظيم (عليه السلام) . (7)
وما ينبغي الإلتفات إليه أن رسُل الله قالوا للوط : {لا تخف ولا تحزن} فما الفرق بين كلمتي «الخوف» و«الحزن»؟
ورد في تفسير الميزان أن الخوف يقع على الحوادث غير المستساغة احتمالا . . أمّا الحزن فيقع في الموارد القطعية .
وقال بعضهم : الخوف يطلق على الحوادث المستقبلية ، أمّا الحزن فعلى ما مضى !
كما يرد هذا الإحتمال وهوأن الخوف في المسائل الخطرة ، أمّا الحزن فهو في المسئل الموجعة ، وإن لم يكن فيها أي خطر ! . .
وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو أنّه طبقاً لآيات سورة هود فإنّ لوط وخوفه لم يكن على نفسه ، بل كان يخشى أن يضايقوا «ضيفه» (8) غير أن جواب الملائكة يتعلق بنجاة لوط وأهله ، وهذان الأمران غير منسجمين .
والجواب على هذا السؤال يستفاد إجمالا من الآية (81) من سوره هود ، لأنّ القوم المنحرفين حين مدّوا أيديهم إلى الضيوف قال الملائكة : {يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك} أي مسألتنا سهلة . . . ولن يصل إليك سوء وأذى منهم أيضاً ، فعلى هذا كان الملائكة يرون النجاة بالنسبة لهم من المسلّم بها ، وإنّما ركزوا على البشارة للوط وأهله فحسب .
وبعد هذا ، ولكي تتضح خطة عملهم في شأن عاقبة هؤلاء القوم المنحرفين أكثر ، أضافوا : {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون} .
والمراد بالقرية هي «سدوم» وما جاورها من القرى والمدن التي كان يسكنها قوم لوط ، وقد أوصل بعضهم عدد هؤلاء إلى سبعمائة ألف نفر (9) .
والمراد من «الرجز» هنا هو العذاب ، ومعناه الأصلي الإضطراب ، ثمّ عبروا عن كل شيء يوجب الإضطراب بالرجز ، ولذلك استعمل العرب كلمة الرجز في كثير من المعاني كالبلايا الشديدة ، والطاعون أو البرد ، والأصنام ، ووساوس الشيطان ، والعذاب الإلهي . . الخ .
وجملة {بما كانوا يفسقون} هي سبب عقابهم الشديد ، لأنّهم لم يطيعوا الله ، والتعبير بالفعل المضارع «يفسقون» دليل على استمرارهم ودوامهم على العمل القبيح ! .
وهذا التعبير يبيّن هذه الحقيقة ، وهي لو أن أُولئك لم يستمروا على الذنب ، وكانوا يتوبون ويعودون إلى طريق الحق والتقوى ، لم يبتلوا بمثل هذا العذاب وكانت ذنوبهم الماضية مغفورة .
وهنا لم يذكر القرآن كيفية العذاب الأليم ، سوى أنّه قال : {ولقد تركنا فيها آية بينة لقوم يعقلون} .
إلاّ أنّ في سورة هود الآية (82) منها ، وكذلك سورة الأعراف الآية 84 منها ، تفصيلا في بيان العذاب ، وهوأنّه أصابت قراهم في البداية زلزلة شديدة فجعلت عاليها سافلها ، ثمّ أمطرت عليها حجارة من السماء بحيث توارت بيوتهم وقراهم وأجسادهم تحتها ! .
والتعبير بـ «الآية البينة» أي العلامة الواضحة ، هو إشارة إلى الآثار الباقية من مدينة «سدوم» التي كانت في طريق قوافل أهل الحجاز طبقاً «لآيات القرآن» . . .
وكانت باقية حتى ظهور النّبي(صلى الله عليه وآله) . كما نقرأ في الآية (76) من سورة الحجر {وإنّها لبسبيل مقيم} ، وكما نقرأ في سورة الصافات الآيتين (137) و(138) : {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الصافات : 137 ، 138] .
_______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص45-53 .
2 ـ يمكن أن تكون كلمة «لوطاً» عطفاً على كلمة (نوحاً) فتكون بمنزلة المفعول «لأرسلنا» ويمكن أن يكون مفعولا لفعل محذوف تقديره «واذكر لوطاً» .
3 ـ يرى جماعة من المفسّرين وجوهاً واحتمالات أُخرى لجملة «وتقطعون السبيل» منها ما فسّروه بقطع الطريق على الناس في سفرهم مع الإلتفات إلى ماضيهم وتأريخهم المعروف ، لأنّ القوافل تضطر أن تأخذ طريقاً غير مطروق من أجل أن تسلم من شرّ هؤلاء ولئلا تبتلي بهم ، كما فسّره بعضهم بسرقة أموال المسافرين في القافلة ولكن التّفسير الأوّل المشار إليه في المتن أنسب للآية كما يبدوا للنظر ، لأنّ واحداً من أسرار تحريم اللواط وفلسفته هو خطر قطع النسل كما صرحت به الرّوايات .
4 ـ سفينة البحار ، ج 2 ، ص 517 .
5 ـ تفسير القرطبي ذيل الآيات محل البحث .
6 ـ الميزان ، ج 16 ، ص 124 .
7 ـ ذكرنا تفصيل هذا الحادث في ذيل الآيات 77 ـ 81 من سورة هود فلا بأس بمراجعتها .
8 ـ «الضيف» يطلق على المفرد والجمع ، وجمعه : ضيوف وأضياف . (المصحح) .
9 ـ روح البيان ، ج 6 ، ص 467 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|