المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الروايات الفقهيّة من كتاب علي (عليه السلام) / حرمة الربا.
2024-11-06
تربية الماشية في ألمانيا
2024-11-06
أنواع الشهادة
2024-11-06
كيفية تقسم الخمس
2024-11-06
إجراءات الاستعانة بالخبير
2024-11-06
آثار رأي الخبير
2024-11-06

بقلة الملوك Fumaria officinalis L
25-1-2021
المناعة الفعالة Active Immunity
9-4-2017
البت في التظلم الإداري الوجوبي
22-4-2022
العوامل التي تؤثر على الربح وتوزيعاته
26-2-2017
العقل
3-9-2021
زرعة بن حميد المحاربي الكوفي
30-8-2017


تفسير الآية (50-68) من سورة الصافات  
  
4837   02:11 صباحاً   التاريخ: 29-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الصاد / سورة الصافات /

قال تعالى : {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ } [الصافات : 50 ، 68] .

 

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} يعني أهل الجنة يسأل بعضهم بعضا عن أحوالهم من حين بعثوا إلى أن أدخلوا الجنة فيخبر كل صاحبه بأنعام الله تعالى عليه .

 

وقوله تعالى : {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 

 

هذا تمام الحكاية عن أحوال أهل الجنة وإقبال بعضهم على بعض في المسائلة عن الأخبار والأحوال {قال قائل منهم} أي من أهل الجنة {إني كان لي قرين} في دار الدنيا أي صاحب يختص بي إما من الإنس على قول ابن عباس أومن الشيطان على قول مجاهد {يقول} لي على وجه الإنكار علي والتهجين لفعلي {أ إنك لمن المصدقين} بيوم الدين وبالبعث والنشور والحساب والجزاء والاستفهام هنا على وجه الإنكار .

{أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنا لمدينون} أي مجزيون محاسبون من قولهم كما تدين تدان والمعنى أن ذلك القرين كان يقول لي في الدنيا على طريق الاستبعاد والاستنكار أ نبعث بعد أن صرنا ترابا وعظاما بالية ونجازي على أعمالنا أي أن هذا لا يكون أبدا وهذا أبلغ في النفي من أن يقول لا نبعث ولا نجازي .

{قال هل أنتم مطلعون} أي ثم قال هذا المؤمن لإخوانه في الجنة هل أنتم مطلعون على موضع من الجنة يرى منه هذا القرين يقال طلع على كذا إذا أشرف عليه والمعنى هل تؤثرون أن تروا مكان هذا القرين في النار وفي الكلام حذف أي فيقولون له نعم أطلع أنت فأنت أعرف بصاحبك قال الكلبي وذلك لأن الله تعالى جعل لأهل الجنة كوة ينظرون منها إلى أهل النار {فاطلع فرآه} أي فاطلع هذا المؤمن فرأى قرينة {في سواء الجحيم} أي في وسط النار .

{قال} أي فقال له المؤمن {تالله إن كدت لتردين} هذه إن المخففة من الثقيلة بدلالة مصاحبة لام الابتداء لها في قوله {لتردين} أقسم بالله سبحانه على وجه التعجب إنك كدت تهلكني بما قلته لي ودعوتني إليه حتى يكون هلاكي كهلاك المتردي من شاهق ومنه قوله وما يغني عنه ماله إذا تردى أي تردى في النار {ولولا نعمة ربي} علي بالعصمة واللطف والهداية حتى آمنت {لكنت من المحضرين} معك في النار ولا يستعمل أحضر مطلقا إلا في الشر قال قتادة فو الله لولا أن الله عرفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حبره وسبره أي حسنه وسحناؤه (2) .

{أ فما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين} معناه أن هذا المؤمن يقول لهذا القرين على وجه التوبيخ والتقريع أ ليس كنت في الدنيا تقول أنا لا نموت إلا الموتة التي تكون في الدنيا ولا نعذب فقد ظهر الأمر بخلاف ذلك وقيل أن هذا من قول أهل الجنة بعضهم لبعض على وجه إظهار السرور بدوام نعيم الجنة ولهذا عقبه بقوله {إن هذا لهو الفوز العظيم} معناه فما نحن بميتين في هذه الجنة إلا موتتنا التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين كما وعدنا الله تعالى ويريدون به التحقيق لا الشك وإنما قالوا هذا القول لأن لهم في ذلك سرورا مجددا وفرحا مضاعفا وإن كانوا قد عرفوا أنهم سيخلدون في الجنة وهذا كما أن الرجل يعطي المال الكثير فيقول مستعجبا كل هذا المال لي وهو يعلم أن ذلك له وهذا كقوله :

أ بطحاء مكة هذا الذي *** أراه عيانا وهذا أنا .

ثم قال سبحانه في تمام الحكاية عن قول أهل الجنة {لمثل هذا فليعمل العاملون} أي لمثل هذا الثواب والفوز والفلاح فليعمل العاملون في دار التكليف وقيل إن هذا من قول الله تعالى أي لمثل هذا النعيم الذي ذكرناه وهومن قوله لهم رزق معلوم إلى قول بيض مكنون فليعمل العاملون هذا ترغيب في طلب الثواب بالطاعة أي من كان يريد أن يعمل لنفع يرجوه فليعمل لمثل هذا النفع العظيم .

{أ ذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم} أي أ ذلك الذي ذكرناه من قرى أهل الجنة وما أعد لهم خير في باب الأنزال التي يتقوت بها ويمكن معها الإقامة أم نزل أهل النار فيها عن الزجاج وقيل معناه أ سبب هذا المؤدي إليه خير أم سبب ذلك لأن الزقوم لا خير فيه وقيل إنما جاز ذلك لأنهم لما عملوا بما أدى إليه فكأنهم قالوا فيه خير وقيل إنما قال خير على وجه المقابلة فهم مثل قوله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا وهذا كما يقول الرجل لعبده إن فعلت كذا أكرمتك وإن فعلت كذا ضربتك هذا خير أم ذلك وإن لم يكن في الضرب خيرا والزقوم ثمر شجرة متكمرة جدا من قولهم تزقم هذا الطعام إذا تناوله على تكره ومشقة شديدة وقيل الزقوم شجرة في النار يقتاتها أهل النار لها ثمرة مرة خشنة اللمس منتنة الرائحة وقيل إنها معروفة من شجر الدنيا تعرفها العرب وقيل إنها لا تعرفه فقد روي أن قريشا سمعت هذه الآية قالت ما نعرف هذه الشجرة فقال ابن الزبعري الزقوم بكلام البربر التمر والزبد وفي رواية بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد فقال لأصحابه تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد فيزعم أن النار تنبت الشجرة والنار تحرق الشجرة فأنزل الله سبحانه {إنا جعلناها فتنة للظالمين} أي خبرة لهم افتتنوا بها وكذبوا بكونها فصارت فتنة لهم عن قتادة والزجاج وقيل إن المراد بالفتنة العذاب أي جعلناها شدة عذاب لهم من قوله يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون عن الجبائي وأبي مسلم .

{إنها شجرة تخرج من أصل الجحيم} أي إن الزقوم شجرة تنبت في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها عن الحسن ولا يبعد أن يخلق الله سبحانه بكمال قدرته شجرة في النار من جنس النار أومن جوهر لا تأكله النار ولا تحرقه كما أنها لا تحرق السلاسل والأغلال فيها وكما لا تحرق حياتها وعقاربها وكذلك الضريع وما أشبه ذلك .

{طلعها كأنه رءوس الشياطين} يسأل عن هذا فيقال كيف شبه طلع هذه الشجرة برءوس الشياطين وهي لا تعرف وإنما يشبه الشيء بما يعرف؟ وأجيب عنه بثلاثة أجوبة ( أحدها ) أن رءوس الشياطين ثمرة يقال لها الأستن وإياه عنى النابغة بقوله :

تحيد عن أستن سود أسافله *** مثل الإماء اللواتي تحمل الحزما (3)

 وهذه الشجرة تشبه بني آدم قال الأصمعي ويقال له الصوم وأنشد :

مو كل بشدوف الصوم يرقبه *** من المعارم مهضوم الحشا زرم (4)

 يصف وعلا يظن هذا الشجر قناصين(5) فهو يرقبه والشدوف الشخوص واحدها شدف ( وثانيا ) أن الشيطان جنس من الحيات فشبه سبحانه طلع تلك الشجرة برءوس تلك الحيات أنشد الفراء :

عنجرد تحلف حين أحلف *** كمثل شيطان الحماط أعرف (6)

 أي له عرف وأنشد المبرد :

وفي البقل إن لم يدفع الله شره *** شياطين يعدو بعضهن على بعض (7)

 

 (وثالثها) أن قبح صور الشياطين متصور في النفوس ولذلك يقولون لما يستقبحونه جدا كأنه شيطان فشبه سبحانه طلع هذه الشجرة بما استقرت بشاعته في قلوب الناس قال الراجز :

أبصرتها تلتهم الثعبانا *** شيطانة تزوجت شيطانا (8)

وقال أبو النجم :

الرأس قمل كله وصئبان *** وليس في الرجلين إلا خيطان

 

وهي التي يفزع منها الشيطان

وقال امرؤ القيس :

أ تقتلني والمشرفي مضاجعي *** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

 فشبه أسنته بأنياب الأغوال ولم يقل أحد أنه رأى الغول وهذا قول ابن عباس ومحمد ابن كعب القرظي وقال الجبائي إن الله تعالى يشوه خلق الشياطين في النار حتى أنه لو رآهم راء من العباد لاستوحش منهم فلذلك شبه برءوسهم .

{فإنهم لآكلون منها} يعني أن أهل النار ليأكلون من ثمرة تلك الشجرة {فمالئون منها البطون} أي يملئون بطونهم منها لشدة ما يلحقهم من ألم الجوع وقد روي أن الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة وفيهم أبو جهل فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة فإذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم فذلك قوله يشوي الوجوه فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم كما قال سبحانه يصهر به ما في بطونهم والجلود فذلك شرابهم وطعامهم فذلك قوله {ثم إن لهم عليها} زيادة على شجرة الزقوم {لشوبا من حميم} أي خليطا ومزاجا من ماء حار يمزج ذلك الطعام بهذا الشراب وقيل إنهم يكرهون على ذلك عقوبة لهم .

{ثم إن مرجعهم} بعد أكل الزقوم وشراب الحميم {لألى الجحيم} وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج عن الجحيم كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ويدل على ذلك قوله يطوفون بينها وبين حميم آن والجحيم النار الموقدة والمعنى أن الزقوم والحميم طعامهم وشرابهم والجحيم المسعرة منقلبهم ومأواهم .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص306-312 .

2- السحناء : الهيئة واللون .

3- حاد عنه : مال وعدل . والحزمة : ما حزم من الحطب . شبه شجرة الاستن بأمة سوداء تحمل الحطب على رأسها قبل : وضمير تحيد يرجع الى امرأة مذكورة في الاشعار السابقة .

4- العرم والعرمة : النقطة السوداء في اذن الشاة الضائنة والمغزى . يقال قطيع اعرم : اذا كان بين العرم . وفي بعض النسخ ((من المعازب)) وفسره بعض فقال : من المعازب : من حيث يعزب عنه الشيء اي : يتباعد ، ومهضوم الحشا : ضامره ، وزرم ، ككتف – لا يثبت في مكان .

5- القناص : الصياد .

6- امرأة عنجرد . خبيثة ، سيئة الخلق . والحماط : شجر عظام تنبت في البلاد العرب تسكنها الحيات . شبه الشاعر المرأة بحية له عرف .

7- البقل : قوم من العرب .

8- التهمه : ابتلعه بمرة .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} . ما زال الكلام عن أحوال الجنة .

قال سبحانه في الآيات السابقة : ان أهل الجنة يتنعمون بأنواع الملذات . وقال في هذه الآية : انهم يتكالمون مسرورين عما كان يجري معهم في الحياة الدنيا ، من ذلك {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَإِذا مِتْنا وكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} . يتحدث هذا المؤمن إلى إخوانه وجيرانه عن جليس له كان يسخر من الذين آمنوا بيوم الدين ، ويقول فيما يقول : أبعد الفناء نبعث أحياء ؟ حديث خرافة يا أم عمرو . . وهذا ما يلوكه كل ملحد . . والسر ان الايمان بالبعث فرع عن الايمان بالوحي من اللَّه إلى من اصطفى من عباده ، والملحد لا يؤمن بهذا الوحي فكيف يؤمن بالبعث بعد الموت ؟ . وفي جملة واحدة ان البعث غيب ، والغيب أسطورة عند الملحدين .

{قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} . الخطاب من المؤمن لزملائه في الجنة يدعوهم أن يشرفوا على جهنم ليروا عاقبة ذاك الساخر المكابر {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} .

قال لهم هذا ، وأشرف هو على جهنم فرأى قرينه في قلبها ( قال - له موبخا - تاللَّه ان كدت لتردين ) أي تهلكني وتوقعني في الشك بوسوستك وشكوكك {ولَولا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} معك في سواء الجحيم .

ثم يلتفت المؤمن إلى إخوانه ويقول لهم : {أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولى وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يتحدث فرحا بما أصاب ، ويقول :

تجاوزنا الامتحان بنجاح ، وللَّه الحمد . . فلا موت ولا أتعاب بعد اليوم . . لا شيء إلا نعمة اللَّه ورضوانه ، وفي هذا المعنى قوله : {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولى ووَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } - 57 الدخان .

{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ} ويتنافس المتنافسون . . أضاف سبحانه الأعمال والأفعال إلى العباد ، وأوجب عليهم عمل ما فيه خيرهم وصلاحهم ، ونهاهم عما يعود عليهم بالشر والفساد ، وترك لهم الخيار فعلا وتركا فيما عدا ذلك ، ووعد من أطاع بالجنة ، ومن عصى بعذاب الحريق ، وليس من شك ان العاقل يرحم نفسه ويختار لها الأصلح ، وفي نهج البلاغة : ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة ، فلا تبيعوها إلا بها .

{أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} . ذلك إشارة إلى النعيم ، وهو أجر من أصلح وأحسن عملا . ونزلا ما يعد للنازل . والفتنة هنا معناها العذاب كما هي في الآية 13 من سورة الذاريات : {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يعذبون ، أما شجرة الزقوم فقد بينها سبحانه بقوله : {إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} . الزقوم من قول العرب : تزقم الطعام إذا تناوله على كره . وفي تفسير الطبري : ان أبا جهل لما نزلت هذه الآية قال ساخرا : أنا آتيكم بالزقوم ، ثم أتى بزبد وتمر ، وقال : دونكم تزقموا ، هذا هو الزقوم الذي يخوفكم به محمد .

ورؤوس الشياطين كناية عن قبح الشجرة ومنظرها المخيف . . ومن قال : ان شجرة الزقوم ترمز إلى سوء العذاب فلا اعتراض لنا عليه .

{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} . الشوب الخلط ، والحميم الحار ، والمعنى انهم يأكلون الزقوم ، ويشربون من ماء الصديد ، وهو القيح المخلوط بالدم : {مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ويُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم - 16] ج 4 ص 433 {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} . والمراد بمرجعهم سكنهم الأخير ومقرهم الدائم ، والمعنى طعامهم الزقوم ، وشرابهم الحميم ، وسكنهم الجحيم ، أما لباسهم فقد أشارت إليه الآية 50 من سورة إبراهيم : {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} .

_________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص341-342 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون - إلى قوله - فليعمل العاملون} حكاية محادثة تقع بين أهل الجنة فيسأل بعضهم عن أحوال بعض ويحدث بعضهم بما جرى عليه في الدنيا وتنتهي المحادثة إلى تكليمهم بعض أهل النار وهو في سواء الجحيم .

فقوله : {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ضمير الجمع لأهل الجنة من عباد الله المخلصين وتساؤلهم - كما تقدم - سؤال بعضهم عن بعض وما جرى عليه .

وقوله : {قال قائل منهم إني كان لي قرين} أي قال قائل من أهل الجنة المتسائلين إني كان لي في الدنيا مصاحب يختص بي من الناس .

كذا يعطي السياق .

وقيل : المراد بالقرين القرين من الشياطين وفيه أن القرآن إنما يثبت قرناء الشياطين في المعرضين عن ذكر الله والمخلصون في عصمة إلهية من قرين الشياطين وكذا من تأثير الشيطان فيهم كما حكى عن إبليس استثناءهم من الإغواء : {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ص : 82 ، 83] نعم ربما أمكن أن يتعرض لهم الشيطان من غير تأثير فيهم لكنه غير أثر القرين .

وقوله : {يقول أ إنك لمن المصدقين أ إذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنا لمدينون} ضمير {يقول} للقرين ، ومفعول {المصدقين} البعث للجزاء وقد قام مقامه قوله : {أ إذا متنا} إلخ والمدينون المجزيون .

والمعنى : كأن يقول لي قريني مستبعدا منكرا أ إنك لمن المصدقين للبعث للجزاء أ إذا متنا وكنا ترابا وعظاما فتلاشت أبداننا وتغيرت صورها أ إنا لمجزيون بالإحياء والإعادة ؟ فهذا مما لا ينبغي أن يصدق .

وقوله : {قال هل أنتم مطلعون} ضمير {قال} للقائل المذكور قبلا ، والاطلاع الإشراف والمعنى ثم قال القائل المذكور مخاطبا لمحادثيه من أهل الجنة : هل أنتم مشرفون على النار حتى تروا قريني والحال التي هو فيها ؟ .

وقوله : {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} السواء الوسط ومنه سواء الطريق أي وسطه والمعنى فأشرف القائل المذكور على النار فرآه أي قرينه في وسط الجحيم .

وقوله : {قال تالله إن كدت لتردين} {إن} مخففة من الثقيلة ، والإرداء السقوط من مكان عال كالشاهق ويكنى به عن الهلاك والمعنى أقسم بالله إنك قربت أن تهلكني وتسقطني فيما سقطت فيه من الجحيم .

وقوله : {ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين} المراد بالنعمة التوفيق والهداية الإلهية ، والإحضار الإشخاص للعذاب قال في مجمع البيان ، : ولا يستعمل {أحضر} مطلقا إلا في الشر .

والمعنى ولولا توفيق ربي وهدايته لكنت من المحضرين للعذاب مثلك .

وقوله : {أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين} الاستفهام للتقرير والتعجيب ، والمراد بالموتة الأولى هي الموتة عن الحياة الدنيا وأما الموتة عن البرزخ المدلول عليها بقوله : } رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر : 11] فلم يعبأ بها لأن الموت الذي يزعم الزاعم فيه الفناء والبطلان هو الموت الدنيوي .

والمعنى - على ما في الكلام من الحذف والإيجاز - ثم يرجع القائل المذكور إلى نفسه وأصحابه فيقول متعجبا أ نحن خالدون منعمون فما نحن بميتين إلا الموتة الأولى وما نحن بمعذبين ؟ .

قال في مجمع البيان ، : ويريدون به التحقيق لا الشك وإنما قالوا هذا القول لأن لهم في ذلك سرورا مجددا وفرحا مضاعفا وإن كان قد عرفوا أنهم سيخلدون في الجنة وهذا كما أن الرجل يعطى المال الكثير فيقول مستعجبا : كل هذا المال لي؟ وهو يعلم أن ذلك له وهذا كقوله : أ بطحاء مكة هذا الذي .

أراه عيانا وهذا أنا ؟ .

قال : ولهذا عقبه بقوله : {إن هذا لهو الفوز العظيم} انتهى .

وقوله : {إن هذا لهو الفوز العظيم} هومن تمام قول القائل المذكور وفيه إعظام لموهبة الخلود وارتفاع العذاب وشكر للنعمة .

وقوله : {لمثل هذا فليعمل العاملون} ظاهر السياق أنه من قول القائل المذكور والإشارة بهذا إلى الفوز أو الثواب أي لمثل هذا الفوز أو الثواب فليعمل العاملون في دار التكليف ، وقيل : هومن قول الله سبحانه وقيل : من قول أهل الجنة .

واعلم أن لهم أقوالا مختلفة في نسبة أكثر الجمل السابقة إلى قول الله تعالى أو قول الملائكة أو قول أهل الجنة غير القائل المذكور والذي أوردناه هو الذي يساعد عليه السياق .

قوله تعالى : {أ ذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم - إلى قوله - يهرعون} مقايسة بين ما هيأه الله نزلا لأهل الجنة مما وصفه من الرزق الكريم وبين ما أعده نزلا لأهل النار من شجرة الزقوم التي طلعها كأنه رءوس الشياطين وشراب من حميم .

فقوله : {أ ذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم} الإشارة بذلك إلى الرزق الكريم المذكورة سابقا المعد لورود أهل الجنة والنزل بضمتين ما يهيأ لورود الضيف فيقدم إليه إذا ورد من الفواكه ونحوها .

والزقوم - على ما قيل - اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورم تكون في تهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء سميت به الشجرة الموصوفة بما في الآية من الأوصاف ، وقيل : إن قريشا ما كانت تعرفه وسيأتي ذلك في البحث الروائي .

ولفظة خير في الآية بمعنى الوصف دون التفضيل إذ لا خيرية في الزقوم أصلا فهو كقوله : {مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ} [الجمعة : 11] والآية على ما يعطيه السياق من كلامه تعالى .

وقوله : {إنا جعلناها فتنة للظالمين} الضمير لشجرة الزقوم ، والفتنة المحنة والعذاب .

وقوله : {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} وصف لشجرة الزقوم ، وأصل الجحيم قعرها ، ولا عجب في نبات شجرة في النار وبقائها فيها فحياة الإنسان وبقاؤه خالدا فيها أعجب والله يفعل ما يشاء .

وقوله : {طلعها كأنه رءوس الشياطين} الطلع حمل النخلة أو مطلق الشجرة أول ما يبدو ، وتشبيه ثمرة الزقوم برءوس الشياطين بعناية أن الأوهام العامية تصور الشيطان في أقبح صورة كما تصور الملك في أحسن صورة وأجملها قال تعالى : {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف : 31] ، وبذلك يندفع ما قيل : إن الشيء إنما يشبه بما يعرف ولا معرفة لأحد برءوس الشياطين .

وقوله : {فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون} الفاء للتعليل يبين به كونها نزلا للظالمين يأكلون منها ، وفي قوله : {فمالئون منها البطون} إشارة إلى تسلط جوع شديد عليهم يحرصون به على الأكل كيفما كان .

وقوله : {ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم} الشوب المزيج والخليط ، والحميم الماء الحار البالغ في حرارته ، والمعنى ثم إن لأولئك الظالمين - زيادة عليها - لخليطا مزيجا من ماء حار بالغ الحرارة يشربونه فيختلط به ما ملئوا منه البطون من الزقوم .

وقوله : {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} أي إنهم بعد شرب الحميم يرجعون إلى الجحيم فيستقرون فيها ويعذبون ، وفي الآية تلويح إلى أن الحميم خارج الجحيم .

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص115-118 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

البحث عن رفيق السوء :

عباد الله المخلصون الذين إستعرضت الآيات السابقة النعم المادية والمعنوية التي أغدقت عليهم ، كالفاكهة ، والحور ، وكأس المعين الذي يطاف به عليهم ، والسرر المتقابلة التي يجلسون عليها ، والأصدقاء الطيبين الذين يجالسونهم ويتحدّثون معهم ، وفجأة ـ خلال جلسات سمرهم في الجنّة ـ يتذكّرون أصدقائهم في الدنيا ، أصدقائهم الذين إنفصلوا عنهم في الطريق ، ولم يجدوا لهم أي أثر في الجنّة ، فيسعون إلى معرفة مصيرهم .

نعم ، ففي الوقت الذي كانوا فيه منشغلين بالحديث والسؤال عن أحوال بعضهم البعض ، {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} .

فجأةً خطر في ذهن أحدهم أمر ، فالتفت إلى أصحابه قائلا : لقد كان لي صديق في الدنيا {قال قائل منهم إنّي كان لي قرين} .

ومع الأسف ، فإنّه إنحرف عن الطريق الصحيح ، وصار منكراً ليوم البعث ، وكان دائماً يقول لي : هل تصدّق هذا الكلام وتعتقد به؟ {يقول أإنّك لمن المصدّقين} .

هل أنّنا إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً نحيا مرّة اُخرى ، لنساق إلى الحساب ، والجزاء على ما اقترفناه من أعمال؟ إنّ هذا ممّا لا ينبغي أن يصدق : {أإذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أإنّا لمدينون} (2) .

وهنا يخاطب من كان يتحدّث معهم من أهل الجنّة ، بالقول : ليتني أعرف أين هوالآن؟ وفي أيّة ظروف يعيش؟ فمكانه خال بيننا . .

ويضيف : أيّها الأصدقاء ، هل تستطيعون البحث عنه ، ومعرفة حاله ، {قال هل أنتم مطّلعون} (3) .

وأثناء بحثه عن قرينه وصديقه ينظر إلى جهنّم ، ويرى فجأةً صديقه وسط جهنّم {فاطّلع فرآه في سواء الجحيم} (4) .

فيخاطبه قائلا : أقسم بالله لقد كدت أن تهلكني وتسقطني فيما سقطت فيه {قال تالله إن كدت لتردين} (5) .

لقد أوشكت أن تؤثّر على صفاء قلبي بوساوسك ، وأن تزجّ بي في الخطّ المنحرف الذي كنت فيه ، فلولا لطف الله الذي منعني من ذلك ونعمته التي سارعت لمساعدتي ، لكنت اليوم من المحضرين للعذاب مثلك في نار جهنّم {ولولا نعمة ربّي لكنت من المحضرين} .

فالتوفيق الإلهي كان رفيق دربي ، ولطف هدايته كان الموجّه لي .

وهنا يلقي نظرة اُخرى إلى صديقه في جهنّم ، ويقول له موبّخاً إيّاه : ألم تكن أنت القائل لي في الدنيا بأنّنا لا نموت (أفما نحن بميّتين) سوى مرّة واحدة في الدنيا ، وبعدها لا حياة اُخرى ولا عذاب {إلاّ موتتنا الاُولى وما نحن بمعذّبين} .

الآن انظر ولاحظ الخطأ الكبير الذي وقعت فيه! فبعد الموت كانت هذه الحياة وهكذا ثواب وعقاب ، والآن توضّحت لك كافة الحقائق ، ولكن ما الفائدة فليس هناك طريق للعودة .

طبقاً لتفسير الآيتين الأخيرتين ، فإنّ حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم ، كان مركزاً على تذكيره بإنكاره للمعاد في الحياة الدنيا .

لكن بعض المفسّرين يحتملون وجود تفسير آخر للآيتين المذكورتين ، وهو أنّه بعد إنتهاء حديث الذي هو في الجنّة مع صديقه الذي في جهنّم ، يعود إلى أصحابه في الجنّة للتسامر فيما بينهم ، فيقول أحدهم من شدّة الفرح : أحقّاً أنّنا لن نموت مرّة اُخرى؟ وأنّنا سنعيش هنا خالدين؟ وهل أنّه بعد الموت الأوّل لا يوجد موت آخر ، وتبقى هذه النعم الإلهيّة معنا ، وما نحن بمعذّبين؟

بالطبع هذا الكلام ليس مصدره الشكّ والتردّد ، إنّما هو نتيجة شدّة الفرح والسرور ، فمثلهم كمثل الإنسان الذي يحصل بعد مدّة من الأمل والإنتظار على بيت واسع وفخم ، فيقول وهو متعجّب : كلّ هذا لي؟ ياربّي! ما هذه النعمة! وهل ستبقى عندي ؟

على كلّ حال ، هنا اختتم الحديث بجملة عميقة المعاني وحسّاسة ومؤثّرة جدّاً ، ومؤكّدة بأنواع التأكيدات {إنّ هذا لهو الفوز العظيم} .

ما أعظم هذا الفوز الذي يغرق فيه الإنسان بنعمة الخلود والحياة الأبدية ، وتشمله الألطاف الإلهية؟ وماذا يتصوّر أفضل وأعظم من ذلك ؟

ثمّ يقول تبارك وتعالى في ختام البحث جملة واحدة قصيرة توقظ القلوب وتهزّ الأعماق ، {لمثل هذا فليعمل العاملون} أي لمثل هذا فليعمل الناس ، ومن أجل نيل هذه النعم فليسع الساعون .

بعض المفسّرون يحتملون في كون الآية الأخيرة أنّها من كلام أصحاب الجنّة ، وهذا الإحتمال مستبعد جدّاً ، لأنّ الإنسان في ذلك اليوم غير مكلّف ، وبعبارة اُخرى لا يوجد أي تكليف في ذلك اليوم حتّى يستنتج من الكلام أنّه تشجيع للآخرين ، في الوقت الذي يوضّح فيه ظاهر الآية إنّها إستنتاج للآيات السابقة ، وأنّها تدفع الناس إلى الإيمان والتوجّه إلى العمل ، لذا كان من المناسب أن يورد الباري عزّوجلّ هذا الحديث في نهاية هذا البحث .

 

وقوله تعالى : {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات : 62 - 68]

 

جوانب من العذاب الأليم لأهل النار :

بعد توضيح النعم الكثيرة والخالدة التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على أهل الجنّة ، تستعرض الآيات أعلاه العذاب الأليم والمثير للأحزان الذي أعدّه الله لأهل جهنّم ، وتقارنه مع النعم المذكورة سابقاً ، بحيث تترك أثراً عميقاً في النفوس يردعها عن إرتكاب الأعمال السيّئة والمحرّمة .

ففي البداية تقول : {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقّوم} .

كلمة (نُزُل) تعني الشيء الذي يهيّأ لورود الضيف فيقدّم إليه إذا ورد ، والبعض الآخر قال : إنّها تعني الشيء الأوّل الذي يقدّم للضيف حين وروده ، وهذه إشارة إلى النعم المهيئة لورود الضيوف الأعزّاء والمحترمين إلى الجنّة .

والقرآن الكريم يقول : أذلك خير أم شجرة الزقوم؟ ولفظة (خير) ليست دليلا على أنّ شجرة الزقّوم شيء جيّد ، والنعم التي أعدّها الله سبحانه وتعالى لأهل الجنّة أجود ، إذ أنّ مثل هذه الألفاظ تستخدم أحياناً في لغة العرب بشأن بعض الأشياء التي لا فائدة فيها أبداً ، ويحتمل بأنّها نوع من الكناية ، ومثلها كمثل شخص غارق بالذنوب وقد فضح أمام الناس ، وهم يقولون له : هل هذه الفضيحة خير ، أم الفخر والعزّة والشرف ؟

وأمّا «زقّوم» فقد قال أهل اللغة : إنّه اسم نبات مرّ وذي طعم ورائحة كريهة (6) .

فيما قال بعض المفسّرين : إنّه اسم نبات يحمل أوراقاً صغيرة مرّة وكريهة الرائحة وهو موجود في أرض تهامة ، وكان يعرفه المشركون (7) . وأضاف صاحب تفسير (روح المعاني) أنّ لهذا النبات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورّم (8) .

وقال الراغب في (مفرداته) : الزقّوم هو كلّ غذاء يثير إشمئزاز أهل جهنّم .

وقال صاحب كتاب (لسان العرب) : هذا اللفظ يأتي أساساً بمعنى بلع الشيء ، ويضيف : عندما نزلت هذه الآية قال أبو جهل ، لا توجد مثل هذه الشجرة في أرضنا ، فمن منكم يعرف معنى زقّوم ؟

وهنا أجابه شخص من أفريقيا قائلا : الزقّوم بلغة أهل أفريقيا تعني الزبد والتمر ، وفور ما سمع أبو جهل بجواب الأفريقي ، نادى جاريته ، وقال لها باستهزاء : زقمّينا بمقدار من التمر والزبد . فكانوا يأكلون ويسخرون ويقولون : إنّ محمّد يخوّفنا من هذا في الآخرة ، فنزلت آيات قرآنية قاطعة وحازمة تردّ على أبي جهل وبقيّة المشركين سنتطرّق إليها فيما بعد .

على كلّ حال فإنّ كلمة (شجرة) لا تأتي دائماً بمعناها المعروف ، وإنّما تعني في بعض الأحيان (النبات) والقرائن هنا تشير إلى أنّ المراد من الشجرة هو المعنى الثاني أي (النبات) .

ثمّ يستعرض القرآن الكريم بعض خصائص هذه النبتة ، ويقول : {إنّا جعلناها فتنة للظالمين} .

ولفظة (فتنة) تعني المحنّة والعذاب ، كما تعني الإمتحان ، وغالباً ما جاء هذا المعنى في موارد متعدّدة من سور القرآن المجيد ، وهو إشارة إلى أنّ المشركين عندما سمعوا كلمة (الزقّوم) عمدوا إلى السخرية والإستهزاء ، فيما كان هذا الأمر إمتحاناً لاُولئك الطغاة .

ويضيف القرآن الحكيم {إنّها شجرة تخرج في أصل الجحيم} .

ولكن الظالمين المغرورين يواصلون إستهزاءهم ، ويقولون : كيف يمكن لنبات أوشجرة ينبت في قعر جهنّم؟ فأين النار وأين الشجر والنبات؟ وتبعاً لذلك فإنّ سماع اسم هذا النبات وأوصافه هو إختبار دنيوي لهم ، وسيكون سبباً لعذابهم ومحنتهم في الآخرة .

وكأنّهم كانوا غافلين عن أنّ الاُصول التي تحكم في ذلك العالم ـ أي الآخرة ـ تختلف كثيراً عن الاُصول الحاكمة في العالم الدنيوي ، فالأشجار والنباتات التي تنبت في قعر جهنّم ، وتنمو في ذلك الظرف ويكون لونها بلون النار ، ليست كالأشجار والنباتات النابتة في حدائق وبساتين هذا العالم ، ويحتمل عدم جهلهم بهذا الأمر ، بل هدفهم الإستهزاء والسخرية فقط .

ثمّ يضيف القرآن الكريم {طلعها كأنّه رؤوس الشياطين} .

(الطلع) يقال لأوّل ما يبدو من حمل النخلة ، وله قشر أخضر اللون ، وفي داخله فروع بيضاء اللون تتحوّل فيما بعد إلى عنقود يحمل التمر .

وكلمة (طلع) من مادّة (طلوع) وبهذه المناسبة أُطلق على الثمر في أوّل ظهوره .

وهنا يطرح هذا السؤال : هل أنّ الناس شاهدوا رؤوس الشياطين حتّى يشبّه القرآن ثمار الزقّوم بها ؟

المفسّرون أعطوا أجوبة متعدّدة لهذا السؤال :

فقال البعض : إنّ إحدى معاني كلمة (الشيطان) هي حيّة كريهة المنظر ، شبّهت بها ثمار الزقّوم .

وذهب البعض الآخر إلى أنّه نوع من النبات ذو شكل قبيح ، كما جاء في كتاب (منتهى الارب) أنّ (رأس الشيطان) أو(رؤوس الشياطين) نبات .

إلاّ أنّ الرأي الأصحّ ، هو أنّ التشبيه هنا استخدم لبيان شدّة قباحة ثمار الزقّوم وشكلها الباعث على النفور والإشمئزاز ، لأنّ الإنسان عندما يشمئز من شيء ترتسم صورة ذلك الشيء في مخيلته بشكل قبيح ورهيب ، فيما ترتسم صورة الشيء المحبوب بشكل جميل ووديع في مخيلته .

لهذا فإنّ الناس يرسمون صورة الملائكة بشكل جميل ، فيما يرسمون صورة الشياطين والعفاريت بأقبح صورة ، في الوقت الذي لم ير أحد منهم الملائكة ولا الشياطين . كما يشاهد إستخدام هذا الأمر كثيراً في المصطلحات اليومية ، عندما يقال : الشخص الفلاني كالعفريت ، أوانّه يشبه الشيطان .

هذه كلّها تشبيهات مبنية على أساس الإنعكاسات الذهنية للناس عن مفاهيم مختلفة ، وهي تشبيهات لطيفة وحيّة .

ويواصل القرآن الكريم إستعراض العذاب الذي سينال المشركين والكافرين ، {فإنّهم لآكلون منها فمالئون منها البطون}(9) .

هذا هو العذاب والفتنة الذي أشرنا إليه في الآيات السابقة ، حيث أنّ أكل هذا النبات الذي ينبت في جهنّم ذو الرائحة الكريهة والطعم المرّ واللبن الذي يورم ويحرق الأبدان فور ما يصيبها ، وتناوله ـ وبكميّات كبيرة ـ يعدّ عذاباً أليماً .

ومن البديهي ، فإنّ من يتناول هذا الطعام السيء الطعم والمرّ ، يصيبه العطش ، ولكن حينما يشعر بالعطش ماذا يشرب؟ القرآن يجيب على هذا السؤال بالقول : (ثمّ إنّ لهم عليها لشوباً من حميم) .

«الشوب» هو الشيء المخلوط أو الممزوج مع شيء آخر . و(حميم) هو الماء الحار البالغ في حرارته ، وطبقاً لذلك فإنّ حتّى الماء الحار الذي يشربه اُولئك الظالمون غير نقي ، بل ملوّث .

وهذا هو غذاء أهل جهنّم ، وهذا هو شرابهم ، وبعد هذه الضيافة إلى أين يذهبون ، فيجيب القرآن على هذا السؤال أيضاً بالقول : {ثمّ إنّ مرجعهم لإلى الجحيم} .

بعض المفسّرين فسّروا هذه العبارة على أنّ الماء الحار الملوّث ينبع من عين خارج جهنّم ، وأنّ أهل جهنّم يساقون كما تساق البهائم إلى الأماكن المخصّصة لشرب الماء ، وبعد تناولهم الماء يرجعون إلى الجحيم .

فيما ذهب البعض الآخر إلى القول بأنّه إشارة إلى وجود أماكن ومواقف مختلفة في جهنّم ، ينقل إليها الظالمون والمجرمون ليشربوا منها الماء الحار ، ويرجعون بعد ذلك إلى المكان الذي كانوا فيه سابقاً .

إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يعدّ أنسب .

وكما أشرنا آنفاً ، فإنّه لا يمكن تصوّر النعم التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على أهل الجنّة ، كما أنّه لا يمكن تصوّر العذاب الذي ينال أهل جهنّم ، بل إنّها تخيّلات ـ وحسب ـ تتراءى أمام أعيننا من خلال عبارات قصار {اللهمّ أعذنا بلطفك واحفظنا من العذاب} .

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص257-264 .

2 ـ (مدينون) من مادّة (دين) وتعني الجزاء ، وهنا تعني : هل أنّنا سنجزى .

3 ـ (مطّلعون) من مادّة (إطّلاع) وتعني التفتيش والبحث ، والإشراف على شيء من مكان عال ، وأخذ المعلومات .

4 ـ (سواء) تعني الوسط .

5 ـ (تردين) من مادّة (إرداء) وتعني السقوط من مكان عال ، وهلاك الساقط .

6 ـ مجمع البحرين ، مادّة (زقم) .

7 ـ تفسير روح المعاني ، المجلّد 7 ، الصفحة 464 .

8 ـ روح المعاني ، المجلّد 23 ، الصفحة 85 .

9 ـ ضمير (منها) يعود للشجرة ، وهذا بذاته قرينة على أنّ المقصود من الشجرة هنا النبات وليس الشجرة ، لأنّ النبات يؤكل لا الشجرة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .