أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2020
3167
التاريخ: 29-8-2020
3397
التاريخ: 31-8-2020
2964
التاريخ: 28-8-2020
1936
|
قال تعالى : {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات : 1 - 10] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{والصافات صفا} اختلف في معنى الصافات على وجوه (أحدها) أنها الملائكة تصف أنفسها صفوفا في السماء كصفوف المؤمنين في الصلاة عن ابن عباس ومسروق والحسن وقتادة والسدي (وثانيها) أنها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض واقفة تنتظر ما يأمرها الله تعالى عن الجبائي (وثالثها) أنهم جماعة من المؤمنين يقومون مصطفين في الصلاة وفي الجهاد عن أبي مسلم .
{فالزاجرات زجرا} اختلف فيها أيضا على وجوه (أحدها) أنها الملائكة تزجر الخلق عن المعاصي زجرا عن السدي ومجاهد وعلى هذا فإنه يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد كما يوصل مفهوم إغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف (وثانيها) أنها الملائكة الموكلة بالسحاب تزجرها وتسوقها عن الجبائي (وثالثها) أنها زواجر القرآن وآياته الناهية عن القبائح عن قتادة (ورابعها) أنهم المؤمنون يرفعون أصواتهم عند قراءة القرآن لأن الزجرة الصيحة عن أبي مسلم .
{فالتاليات ذكرا} اختلف فيها أيضا على أقوال (أحدها) أنها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى والذكر الذي ينزل على الموحى إليه عن مجاهد والسدي (وثانيها) أنها الملائكة تتلو كتاب الله الذي كتبه لملائكته وفيه ذكر الحوادث فتزداد يقينا بوجود المخبر على وفق الخبر (وثالثها) جماعة قراء القرآن من المؤمنين يتلونه في الصلاة عن أبي مسلم وإنما لم يقل فالتاليات تلوا كما قال {فالزاجرات زجرا} لأن التالي قد يكون بمعنى التابع ومنه قوله والقمر إذا تلاها فلما كان اللفظ مشتركا بينه بما يزيل الإبهام .
{إن إلهكم لواحد} وهذه أقسام أقسم الله تعالى بها أنه واحد ليس له شريك ثم اختلف في مثل هذه الأقسام فقيل أنها أقسام بالله تعالى على تقدير ورب الصافات ورب الزاجرات ورب التين والزيتون لأن في القسم تعظيما للمقسم به ولأنه يجب على العباد أن لا يقسموا إلا بالله تعالى إلا أنه حذف لأن حجج العقول دالة على المحذوف عن الجبائي والقاضي وقيل بل أقسم الله سبحانه بهذه الأشياء وإنما جاز ذلك لأنه ينبىء عن تعظيمها بما فيها من الدلالة على توحيده وصفاته العلى فله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه وليس لخلقه أن يقسموا إلا به .
ثم قال سبحانه {رب السماوات والأرض} أي خالقهما ومدبرهما {وما بينهما} من سائر الأجناس من الحيوان والنبات والجماد {ورب المشارق} وهي مشارق الشمس أي مطالعها بعدد أيام السنة ثلاثمائة وستون مشرقا والمغارب مثل ذلك تطلع الشمس كل يوم من مشرق وتغرب في مغرب عن ابن عباس والسدي وإنما خص المشارق بالذكر لأن الشروق قبل الغروب .
{إنا زينا السماء الدنيا} يعني التي هي أقرب السماوات إلينا وإنما خصها بالذكر لاختصاصها بالمشاهدة {بزينة الكواكب} أي بحسنها وضوئها والتزيين تحسين الشيء وجعله على صورة تميل إليها النفس فالله سبحانه زين السماء على وجه تمتع الرائي لها وفي ذلك أعظم النعمة على العباد مع ما لهم من المنفعة بالتفكير فيها والاستدلال بها على صانعها .
{وحفظا من كل شيطان} أي وحفظناها من كل شيطان {مارد} أي خبيث خال من الخير متمرد والمعنى وحفظناها من دنو كل شيطان للاستماع فإنهم كانوا يسترقون السمع ويستمعون إلى كلام الملائكة ويقولون ذلك إلى ضعفة الجن وكانوا يوسوسون بها في قلوب الكهنة ويوهمونهم أنهم يعرفون الغيب فمنعهم الله تعالى عن ذلك .
{لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} أي لكيلا يتسمعوا إلى الكتبة من الملائكة في السماء عن الكلبي وقيل إلى كلام الملأ الأعلى أي لكيلا يتسمعوا والملأ الأعلى عبارة عن الملائكة لأنهم في السماء {ويقذفون من كل جانب} أي يرمون بالشهب من كل جانب من جوانب السماء إذا أرادوا الصعود إلى السماء للاستماع .
{دحورا} أي دفعا لهم بالعنف وطردا {ولهم عذاب واصب} أي ولهم مع ذلك أيضا عذاب دائم يوم القيامة {إلا من خطف الخطفة} والتقدير لا يتسمعون إلى الملائكة إلا من وثب الوثبة إلى قريب من السماء فاختلس خلسة من الملائكة واستلب استلابا بسرعة {فأتبعه شهاب ثاقب} أي فلحقه وأصابه نار مضيئة محرقة والثاقب المنير المضيء وهذا كقوله {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص296-297 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{والصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً} . اختلف المفسرون في معنى الصافات والزاجرات والتاليات . فمنهم من قال : انها الملائكة . ومنهم من قال :
الصافات هي جماعة المؤمنين تصطف في الصلاة وفي الجهاد ، والزاجرات زواجر القرآن وآياته ، والتاليات قرّاء القرآن يتلونه في الصلاة وغيرها .
وغير بعيد أن يكون المراد بالأنواع الثلاثة الذين ذكرهم الإمام علي (عليه السلام) في الخطبة الأولى من نهج البلاغة . قال في وصف الملائكة : فمنهم سجود لا يركعون ، وراكعون لا ينتصبون ، وصافّون لا يتزايلون أي ثابتون في أماكنهم . فجائز أن يكون قوله : {وصافون لا يتزايلون} إشارة إلى {الصافات صفا} .
ثم قال : ومنهم أمناء وحيه وألسنة إلى رسله . أي ينزلون بالوحي على أنبيائه كجبريل (عليه السلام) ، ويجوز أن يكون قوله هذا إشارة إلى التاليات ذكرا لأنهم يتلون كتاب اللَّه حين يبلَّغونه إلى الأنبياء . ثم قال : ومنهم الحفظة لعباده . وقال الشيخ محمد عبده في بيان هؤلاء : (كأنهم قوى مودعة في أبدان البشر ونفوسهم يحفظ اللَّه الموصولين بها من المهالك والمعاطب ، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بالإنسان من السلامة) .
ويريد الشيخ عبده بهذا التصوير أن يقرب للأفهام كيفية حفظ الملائكة للعباد كما يشعر بذلك قوله {وكأنهم} وعليه يجوز أن يكون قول الإمام : (ومنهم الحفظة لعباده) إشارة إلى الزاجرات زجرا إذا قلنا : ان الزجر معناه دفع الأذى عن العباد .
{إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ والأَرْضِ وما بَيْنَهُما ورَبُّ الْمَشارِقِ} . المراد بالمشارق مشارق الشمس بالنظر إلى أنها تشرق كل يوم من مشرق ، وتغرب في مغرب . . وقد اقسم سبحانه انه واحد لا شريك له في الخلق وتدبيره .
اللَّه والقسم بخلقه :
وتسأل : لما ذا أقسم اللَّه بالملائكة ؟
وأجاب المفسرون بأن اللَّه أقسم بالملائكة للتنبيه إلى عظيم منزلتهم وعلو شأنهم . .
وهذا هو جوابهم - كمبدأ - عن كل ما أقسم به سبحانه : سواء أكان زمانا أم مكانا أم أي كائن من الكائنات العلوية والسفلية . أما صاحب الظلال فقد ربط بين هذا القسم وبين قول أهل الجاهلية ، ان الملائكة بنات اللَّه كما جاء في الآية 40 من سورة الإسراء : {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ واتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً} قال صاحب الظلال : ان الغرض من القسم بالملائكة هو الرد على من آمن بهذه الخرافة ، ونطق بهذا القول العظيم .
والذي نراه ان اللَّه يقسم بالأشياء مهما كانت لغرض واحد ، وهوان كل شيء في الوجود يدل بطبعه على أن اللَّه واحد لا شريك له . . وليس من شك ان الملائكة الصافات منهم وغير الصافات قد عبدوا اللَّه وأطاعوه عن علم ويقين به وبوحدانيته ، وعليه يكون علمهم هذا دليلا قاطعا على أنه تعالى واحد لا شريك له في الخلق والملك والتدبير ، تماما كعلم العلماء بحقيقة موضوعية اكتشفوها ولمسوها في مختبراتهم ومعاملهم .
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ} . المراد بالسماء العلو والفضاء ، وبالدنيا دنيانا نحن بني آدم ، وليس الكون بأسره ، والمراد بالكواكب ما كان منها في أقرب سماء إلينا ، والمعنى ان اللَّه سبحانه جعل الكواكب في سمائنا زينة وجمالا بأشكالها وأنوارها ، بالإضافة إلى منافعها وفوائدها : {وهُو الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ} [الأنعام - 97 ] {هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ} [يونس - 5] .
{وحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلأِ الأَعْلى ويُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً ولَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} .
مفردات هذه الآيات واضحة ، وقد بيّنا البعض منها في فقرة (اللغة) ما عدا حقيقة الشيطان المارد ، وحقيقة الملأ الأعلى ، واللَّه ورسوله قد سكتا ولم يبينا لنا ما المراد من الشيطان المارد والملأ الأعلى . . ونحن لا نفسر من غير علم ، ولذا نقول : ان هذه الآيات من المتشابهات عندنا ، وقد تكون من الواضحات عند غيرنا .
وغير بعيد أن يكون السبب الموجب للسكوت هوان معرفة هذا الشيطان وهذا الملأ لا تتصل بحياتنا ، أوان أفهامنا تعجز عن ادراك حقيقتهما . . والعالم مهما اجتهد ودقّق فإنه لن يحيط بكل شيء ، بل لا يستطيع أن يعرف حقيقة أي شيء من جميع جهاته وكما هو في واقعه ، أما معرفتنا بمفردات الآيات كالشهاب الثاقب والعذاب الواصب والقذف والخطف والدحور فلا تجدي نفعا في تفسير المراد من الآيات بمجموعها ما دمنا نجهل حقيقة الشيطان المارد والملأ الأعلى .
وقال بعض المفسرين : المراد بالشيطان المارد شيطان الجن ، وقال آخر : بل الإنسان الذي لا يفكر في عظمة الكواكب ودلالتها على وجود اللَّه . وقال صوفي :
المراد بالشيطان التصورات الوهمية والقوى التخيلية . . وكل ذلك رجم بالغيب . .
والصمت خير من القول بالجهل : {وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص329-331 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
في السورة احتجاج على التوحيد ، وإنذار للمشركين وتبشير للمخلصين من المؤمنين ، وبيان ما يئول إليه حال كل من الفريقين ثم ذكر عدة من عباده المؤمنين ممن من الله عليهم وقضى أن ينصرهم على عدوهم ، وفي خاتمة السورة ما هو بمنزلة محصل الغرض منها وهو تنزيهه والسلام على عباده المرسلين وتحميده تعالى فيما فعل والسورة مكية بشهادة سياقها .
قوله تعالى : {والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} الصافات - على ما قيل - جمع صافة وهي جمع صاف ، والمراد بها على أي حال الجماعة التي تصطف أفرادها والزاجرات من الزجر وهو الصرف عن الشيء بالتخويف بذم أو عقاب والتاليات من التلاوة بمعنى القراءة .
وقد أقسم الله تعالى بهذه الطوائف الثلاث : الصافات والزاجرات والتاليات وقد اختلفت كلماتهم في المراد بها : فأما الصافات فقيل : إن المراد بها الملائكة تصف أنفسها في السماء صفوفا كصفوف المؤمنين في الصلاة ، وقيل : إنها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض واقفة في انتظار أمر الله تعالى ، وقيل : إنها الجماعة من المؤمنين يقومون في الصلاة أوفي الجهاد مصطفين .
وأما الزاجرات فقيل : إنها الملائكة تزجر العباد عن المعاصي فيوصله الله إلى قلوب الناس في صورة الخطرات كما يوصل وساوس الشياطين ، وقيل : إنها الملائكة الموكلة بالسحاب تزجرها وتسوقها إلى حيث أراد الله سبحانه ، وقيل : هي زواجر القرآن وهي آياته الناهية عن القبائح ، وقيل : هم المؤمنون يرفعون أصواتهم بالقرآن عند قراءته فيزجرون الناس عن المنهيات .
وأما التاليات فقيل : هم الملائكة يتلون الوحي على النبي الموحى إليه ، وقيل : هي الملائكة تتلو الكتاب الذي كتبه الله وفيها ذكر الحوادث ، وقيل : جماعة قراء القرآن يتلونه في الصلاة .
ويحتمل - والله العالم - أن يكون المراد بالطوائف الثلاث المذكورة في الآيات طوائف الملائكة النازلين بالوحي المأمورين بتأمين الطريق ودفع الشياطين عن المداخلة فيه وإيصاله إلى النبي مطلقا أو خصوص محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يستفاد من قوله تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} [الجن : 26 - 28] .
وعليه فالمعنى أقسم بالملائكة الذين يصفون في طريق الوحي صفا فبالذين يزجرون الشياطين ويمنعونهم عن المداخلة في الوحي فبالذين يتلون على النبي الذكر وهو مطلق الوحي أو خصوص القرآن كما يؤيده التعبير عنه بتلاوة الذكر .
ويؤيد ما ذكرنا وقوع حديث رمي الشياطين بالشهب بعد هذه الآيات ، وكذا قوله بعد : {فاستفتهم أ هم أشد خلقا أم من خلقنا} الآية كما سنشير إليه .
ولا ينافي ذلك إسناد النزول بالقرآن إلى جبرئيل وحده في قوله : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة : 97] وقوله : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء : 193 ، 194] لأن الملائكة المذكورين أعوان جبرئيل فنزولهم به نزوله به وقد قال تعالى : { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس : 13 - 16] ، وقال حكاية عنهم : {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم : 64] ، وقال : {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات : 165 ، 166] وهذا كنسبة التوفي إلى الرسل من الملائكة في قوله : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام : 61] وإلى ملك الموت وهو رئيسهم في قوله : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة : 11] .
ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث : الصافات والزاجرات والتاليات لأن موصوفها الجماعة ، والتأنيث لفظي .
وهذه أول سورة في القرآن صدرت بالقسم وقد أقسم الله سبحانه في كلامه بكثير من خلقه كالسماء والأرض والشمس والقمر والنجم والليل والنهار والملائكة والناس والبلاد والأثمار ، وليس ذلك إلا لما فيها من الشرف باستناد خلقها إليه تعالى وهو قيومها المنبع لكل شرف وبهاء .
قوله تعالى : {إن إلهكم لواحد} الخطاب لعامة الناس وهو مقسم به ، وهو كلام مسوق بدليل كما سيأتي .
قوله تعالى : {رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق} خبر بعد خبر لأن ، أوخبر لمبتدأ محذوف والتقدير هورب السماوات {إلخ} أو بدل من واحد .
وفي سوق الأوصاف إشعار بعلة كون الإله واحدا كما أن خصوصية القسم مشعر بعلة كونه رب السماوات والأرض وما بينهما .
كأنه قيل إن إلهكم لواحد لأن الملاك في ألوهية الإله وهي كونه معبودا بالحق أن يكون ربا يدبر الأمر على ما تعترفون وهو سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما الذي يدبر أمرها ويتصرف في جميعها .
وكيف لا؟ وهو تعالى يوحي إلى نبيه فيتصرف في السماء وسكانها بإرسال ملائكة يصطفون بينها وبين الأرض وهناك مجال الشياطين فيزجرونهم وهو تصرف منه فيما بين السماء والأرض وفي الشياطين ثم يتلون الذكر على نبيه وفيه تكميل للناس وتربية لهم سواء صدقوا أم كذبوا ففي الوحي تصرف منه في السماوات والأرض وما بينهما فهو على وحدانيته رب الجميع المدبر لأمرها والإله الواحد .
وقوله : {ورب المشارق} أي مشارق الشمس باختلاف الفصول أو المراد مشارق مطلق النجوم أو مطلق المشارق ، وفي تخصيص المشارق بالذكر مناسبة لطلوع الوحي بملائكته من السماء وقد قال تعالى : {ولقد رآه بالأفق المبين : } التكوير - 23 ، وقال : {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم : 7] .
قوله تعالى : {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} المراد بالزينة ما يزين به ، والكواكب بيان أو بدل من الزينة وقد تكرر حديث تزيين السماء الدنيا بزينة الكواكب في كلامه كقوله : {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [فصلت : 12] وقوله : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك : 5] ، وقوله : {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا } [ق : 6] .
ولا يخلو من ظهور في كون السماء الدنيا من السماوات السبع التي يذكرها القرآن هو عالم الكواكب فوق الأرض وإن وجهه بعضهم بما يوافق مقتضى الهيئة القديمة أو الجديدة .
قوله تعالى : {وحفظا من كل شيطان مارد} حفظا مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدير وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد ، والمراد بالشيطان الشرير من الجن والمارد الخبيث العاري من الخير .
قوله تعالى : {لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب} أصل {لا يسمعون} لا يتسمعون والتسمع الإصغاء ، وهو كناية عن كونهم ممنوعين مدحورين وبهذه العناية صار وصفا لكل شيطان ولوكان بمعنى الإصغاء صريحا أفاد لغوا من الفعل إذ لو كانوا لا يصغون لم يكن وجه لقذفهم .
والملأ من الناس الأشراف منهم الذين يملئون العيون ، والملأ الأعلى هم الذين يريد الشياطين التسمع إليهم وهم الملائكة الكرام الذين هم سكنة السماوات العلى على ما يدل عليه كلامه تعالى كقوله : { لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا } [الإسراء : 95] .
وقصدهم من التسمع إلى الملإ الأعلى الاطلاع على أخبار الغيب المستوردة عن هذا العالم الأرضي كالحوادث المستقبلة والأسرار المكنونة كما يشير إليه قوله تعالى : {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء : 210 - 212] ، وقوله حكاية عن الجن : {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } [الجن : 8 ، 9] .
وقوله : {ويقذفون من كل جانب} القذف الرمي والجانب الجهة .
قوله تعالى : {دحورا ولهم عذاب واصب} الدحور الطرد والدفع ، وهو مصدر بمعنى المفعول منصوب حالا أي مدحورين أو مفعول له أو مفعول مطلق ، والواصب الواجب اللازم .
قوله تعالى : {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} الخطفة الاختلاس والاستلاب ، والشهاب ما يرى في الجو كالكوكب المنقض ، والثقوب الركوز وسمي الشهاب ثاقبا لأنه لا يخطىء هدفه وغرضه .
والمراد بالخطفة اختلاس السمع وقد عبر عنه في موضع آخر باستراق السمع قال تعالى : {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر : 18] ، والاستثناء من ضمير الفاعل في قوله : {لا يسمعون} وجوز بعضهم كون الاستثناء منقطعا .
ومعنى الآيات الخمس : أنا زينا السماء التي هي أقرب السماوات منكم – أو السماء السفلى بزينة وهي الكواكب ، وحفظناها حفظا من كل شيطان خبيث عار من الخير ممنوعين من الإصغاء إلى الملإ الأعلى - للاطلاع إلى ما يلقون بين أنفسهم من أخبار الغيب - ويرمون من كل جهة حال كونهم مطرودين ولهم عذاب لازم لا يفارقهم إلا من اختلس من أخبارهم الاختلاسة فأتبعه شهاب ثاقب لا يخطىء غرضه .
كلام في معنى الشهب
أورد المفسرون أنواعا من التوجيه لتصوير استراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب وهي مبنية على ما يسبق إلى الذهن من ظاهر الآيات والأخبار أن هناك أفلاكا محيطة بالأرض تسكنها جماعات الملائكة ولها أبواب لا يلج فيها شيء إلا منها وأن في السماء الأولى جمعا من الملائكة بأيديهم الشهب يرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذفونهم بالشهب .
وقد اتضح اليوم اتضاح عيان بطلان هذه الآراء ويتفرع على ذلك بطلان الوجوه التي أوردوها في تفسير الشهب وهي وجوه كثيرة أودعوها في المطولات كالتفسير الكبير ، للرازي وروح المعاني ، للآلوسي وغيرهما .
ويحتمل - والله العالم أن هذه البيانات في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس وهو القائل عز وجل : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت : 43] .
وهو كثير في كلامه تعالى ومنه العرش والكرسي واللوح والكتاب وقد تقدمت الإشارة إليها وسيجيء بعض منها .
وعلى هذا يكون المراد من السماء التي تسكنها الملائكة عالما ملكوتيا ذا أفق أعلى نسبته إلى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة بأجرامها إلى الأرض ، والمراد باقتراب الشياطين من السماء واستراقهم السمع وقذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائكة للاطلاع على أسرار الخلقة والحوادث المستقبلة ورميهم بما لا يطيقونه من نور الملكوت ، أوكرتهم على الحق لتلبيسه ورمي الملائكة إياهم بالحق الذي يبطل أباطيلهم .
وإيراده تعالى قصة استراق الشياطين للسمع ورميهم بالشهب عقيب الإقسام بملائكة الوحي وحفظهم إياه عن مداخلة الشياطين لا يخلو من تأييد لما ذكرناه والله أعلم .
_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص100-105 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
الملائكة المستعدّة لتنفيذ المهام :
هذه السورة هي أوّل سورة في القرآن الكريم تبدأ بالقسم ، القسم المليء بالمعاني والمثير للتفكّر ، القسم الذي يجوب بفكر الإنسان في جوانب مختلفة من هذا العالم ، ويجعله متهيّئاً لتقبّل الحقائق .
من المسلّم به أنّ الله تبارك وتعالى هو أصدق الصادقين ، وليس بحاجة إلى القسم ، إضافةً إلى أنّ قسمه إن كان للمؤمنين ، فإنّهم مؤمنون به من دون قسم ، وإن كان للناكرين ، فإنّ اُولئك لا يعتقدون بالقسم الإلهي .
ونلفت الإنتباه إلى نقطتين لحلّ مشكلة القسم في كلّ آيات القرآن التي سنتناولها من الآن فما بعد .
الاُولى : أنّ القسم يأتي دائماً بالنسبة إلى اُمور مهمّة وذات قيمة ، ولذلك فإنّ أقسام القرآن تشير إلى عظمة وأهميّة الأشياء المقسم بها . وهذا الأمر يدعو إلى التفكّر أكثر بالشيء المقسم به ، التفكّر الذي يكشف للإنسان عن حقائق جديدة .
الثانية : أنّ القسم يأتي للتأكيد ، وللدلالة على أنّ الاُمور التي يقسم من أجلها هي اُمور جديّة ومؤكّدة .
وعلاوةً على ذلك أنّ المتحدّث لو تحدّث بصورة حازمة ومؤكّدة ، فإنّ تأثير كلامه من الناحية النفسية سيكون أوقع على قلب المستمع ، كما أنّه يقوّي المؤمنين ويضعّف الكافرين .
على كلّ حال ، فإنّ بداية هذه السورة تذكر أسماء ثلاثة طوائف أقسم بها الله تعالى (2) .
الاُولى : {والصافات صفّاً} .
الثانية : {فالزاجرات زجراً} .
الثالثة : {فالتاليات ذكراً} .
فمن هي تلك الطوائف الثلاث ؟ وعلى من أطلقت تلك الصفات ؟ وما الهدف النهائي منها ؟
المفسّرون قالوا الكثير بهذا الشأن ، إلاّ أنّ المعروف والمشهور هو أنّ هذه الصفات تخصّ طوائف من الملائكة . . .
طوائف اصطفّت في عالم الوجود بصفوف منظمة ، وهي مستعدّة لتنفيذ الأمر الإلهي .
وطوائف من الملائكة تزجر بني آدم عن إرتكاب المعاصي والذنوب ، وتحبط وساوس الشياطين في قلوبهم . أو الملائكة الموكّلة بتسيير السحاب في السماء وسوقها نحو الأرض اليابسة لإحيائها .
وأخيراً طوائف من الملائكة تتلو آيات الكتب السماوية حين نزول الوحي على الرسل (3) .
وممّا يلفت النظر أنّ «الصافات» هي جمع كلمة «صافّة» وهي بدورها تحمل صفة الجمع أيضاً ، وتشير إلى مجموعة مصطفّة ، إذن فـ «الصافات» تعني الصفوف المتعدّدة (4) .
وأمّا كلمة «الزاجرات» فإنّها مأخوذة من (الزجر) ويعني الصرف عن الشيء بالتخويف والصراخ ، وبمعنى أوسع فإنّها تشمل كلّ منع وطرد وزجر للآخرين .
إذن فالزاجرات تعني مجاميع مهمّتها نهي وصرف وزجر الآخرين .
و«التاليات» من (التلاوة) وهي جمع كلمة (تال) وتعني طوائف مهمّتها تلاوة شيء ما (5) .
ونظراً لكثرة وإتّساع مفاهيم هذه الألفاظ ، فليس من العجب أن يطرح المفسّرون تفاسير مختلفة لها دون أن يناقض بعضها الآخر ، بل من الممكن أيضاً أن تجتمع لتوضيح مفهوم هذه الآيات ، فمثلا المقصود من كلمة «الصافات» هو صفوف الملائكة المستعدّة لتنفيذ الأوامر الإلهيّة في عالم الخلق ، أو الملائكة النازلون بالوحي إلى الأنبياء في عالم التشريع ، وكذلك صفوف المقاتلين والمجاهدين في سبيل الله ، أو صفوف المصلّين والعباد .
رغم أنّ القرائن تشير إلى أنّ المراد من كلمة «الصافات» هو الملائكة ، إضافةً إلى أنّ بعض الروايات قد أشارت إلى ذلك المعنى (6) .
وليس هناك أي مانع من أن تشمل كلمة «الزاجرات» الملائكة الذين يطردون وساوس الشياطين من قلوب بني آدم ، والإنسان الذي يؤدّي واجب النهي عن المنكر .
و«التاليات» إشارة إلى كلّ الملائكة والجماعات المؤمنة التي تتلو آيات الله ، وتلهج بذكره تبارك وتعالى على الدوام .
هنا يطرح هذا السؤال : ظاهر هذه الآيات ـ وبمقتضى وجود العطف بحرف (الفاء) بين الجمل الثلاث ـ يبيّن أنّ الطوائف الثلاث جاءت الواحدة بعد الاُخرى ، فهل أنّ هذا الترتيب جاء بحكم الواجب المترتّب على كلّ طائفة؟ أم كلّ حسب مقامه؟ أم لكلا الأمرين ؟
من الواضح أنّ الإصطفاف والإستعداد قد جاءا كمرحلة اُولى ، ثمّ جاءت ـ كمرحلة ثانية ـ عملية إزالة العراقيل من الطريق . أمّا إعلان الأوامر وتنفيذها فقد كانت بمثابة المرحلة الثالثة .
ومن جهة اُخرى فإنّ المستعدّين لتنفيذ الأوامر الإلهيّة لهم مرتبة ، والذين يزيلون العراقيل لهم مرتبة أعلى ، أمّا الذين يتلون الأوامر وينفّذونها فلهم مرتبة أسمى من الجميع .
على أيّة حال فإنّ قسم الله سبحانه وتعالى بتلك الطوائف يوضّح عظم منزلتهم عند الباري عزّوجلّ ، ويشير إلى حقيقة مفادها أنّ سالكي طريق الحقّ عليهم للوصول إلى غايتهم أن يجتازوا تلك المراحل الثلاث والتي تبدأ بتنظيم الصفوف ووقوف كلّ مجموعة في الصفّ المخصّص لها ، ومن ثمّ العمل على إزالة العراقيل من الطريق ، ورفع الموانع بالصوت العالي ، الصوت الذي يتناسب مع مفهوم الزجر ، ومن بعد تلاوة الآيات الإلهيّة والأوامر الربّانية على القلوب المتهيّئة لتنفيذ مضامين تلك الأوامر .
فالمجاهدون السالكون لطريق الحقّ ليس أمامهم من سبيل سوى إجتياز تلك المراحل الثلاث ، وبنفس الصورة على العلماء العاملين أن يستوحوا في جهودهم الجماعية ذلك البرنامج .
وممّا يذكر أنّ بعض المفسّرين فسّروا الآيات على أنّها تعود على المجاهدين ، والبعض الآخر أكّد عودتها على العلماء ، ولكن حصر مفهوم الآيات بالمجاهدين والعلماء فقط مستبعد بعض الشيء ، وإن اُعطيت الآيات طابعاً عامّاً فإنّها ستكون أقرب للواقع ، وإذا اعتبرناها تخصّ الملائكة فإنّ الآخرين يمكنهم تنظيم حياتهم وفق مناهج الملائكة .
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عندما يصف بخطبته في نهج البلاغة الملائكة ، فإنّه يقسّمهم إلى مجموعات مختلفة ، ويقول : «وصافون لا يتزايلون ، ومسبّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان ، ومنهم اُمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله» (7) .
أمّا آخر حديثنا عن الآيات الثلاث هذه ، فهو أنّ البعض يعتقد بأنّ القسم في هذه الآيات يعود إلى ذات الله ، وكلمة (ربّ) مقدّرة في جميع تلك الآيات ، حيث يكون المعنى كالتالي : وربّ الصافات صفّاً ، وربّ الزاجرات زجراً ، وربّ التاليات ذكراً .
والذين فسّروا الآيات على هذا النحو ، فالظاهر أنّهم يعتقدون بأنّ العباد لا يحقّ لهم القسم بغير الله ، لذا فإنّ الله لا يقسم إلاّ بذاته ، إضافةً إلى أنّ القسم يجب أن يكون بشيء مهمّ ، ألا وهو ذات الله المقدّسة .
إلاّ أنّ هؤلاء غفلوا عن هذه الحقيقة ، وهي أنّ حساب الله لا علاقة له بالعباد ، فالله تعالى ـ من أجل توجيه الإنسان ـ يقسم بآيات «الآفاق» و«الأنفس» ودلائل قدرته في الأرض والسماء ، وذلك لكي يتفكّر الإنسان بتلك الآيات ، وعن طريقها يعرف ربّه .
وجدير بالذكر أنّ بعض آيات القرآن المجيد ، ومنها آيات سورة الشمس تقسم بموجودات الكون إلى جانب القسم بذات الله المقدّسة ، إذن فالتقدير هنا غير سديد ، إذ يقول القرآن الكريم : {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [الشمس : 5 - 7] .
على أيّة حال ، فإنّ ظاهر الآيات ـ محلّ البحث ـ يدلّ على أنّ المجموعات الثلاث هي المقسم بها ، وتقدير الشيء هنا خلاف للظاهر ، ولا يمكن قبوله بغير دليل .
الآن نرى ما هو المراد من هذه الأقسام المفعمة بالمعاني ، أي القسم بالملائكة والإنس ؟
الآية التالية توضّح ذلك وتقول : {إنّ إلهكم لواحد} .
قسم بتلك المقدّسات التي ذكرناها فإنّ الأصنام ستزول وتدمّر ، وإنّه ليس هناك من شريك ولا شبيه ولا نظير لله سبحانه وتعالى .
ثمّ يضيف {ربّ السماوات والأرض وما بينهما وربّ المشارق} .
وهنا نطرح سؤالين :
1 ـ ما هي الضرورة لذكر «المشارق» بعد ذكر السماوات والأرض وما بينهما ، رغم أنّ المشارق هي جزء منهما .
ويتّضح الجواب من خلال الإلتفات إلى هذه النقطة وهي : إنّ المراد من «المشارق» هو الإشارة إلى مواقع شروق الشمس في أيّام السنة ، أو إلى مشارق النجوم المختلفة في السماء ، حيث أنّها جميعاً لها نظام وبرنامج خاصّ بها ، إضافةً إلى النظام السماوي والأرضي الذي يوضّح العلم والقدرة والتدبير المطلق للخالق .
فالشمس في كلّ يوم تشرق من مكان غير المكان الذي أشرقت منه قبل يوم أو بعد يوم ، والفواصل الموجودة بين هذه النقاط منظمة ودقيقة للغاية ، حيث أنّها لا تزيد ولا تقلّ بمقدار 10001 من الثانية ، وهذا التنظيم الدقيق موجود منذ ملايين السنين .
كما أنّ هذا النظام ينطبق على ظهور وغروب النجوم .
إضافةً إلى ذلك فإنّ الشمس لولم تكن تتحرّك ضمن مسير تدريجي طوال العام ، لم يعد هناك وجود للفصول الأربعة وللنعم المختلفة التي تظهر خلال تلك الفصول ، وهذا دليل آخر على عظمة وتدبير الخالق عزّوجلّ .
ومن المعاني الاُخرى لكلمة «المشارق» ، هو أنّ الأرض لكونها كروية الشكل ، فإنّ كلّ نقطة عليها تعتبر بالنسبة إلى النقطة الاُخرى إمّا مشرقاً أو مغرباً ، وبهذا فإنّ الآية تؤكّد كروية الأرض ووجود المشارق والمغارب (ولا مانع من تحقّق المعنيين في الآية المذكورة) .
أمّا السؤال الثاني الذي يطرح نفسه فهو : لماذا لم تأت كلمة «مغارب» في الآية في مقابل «المشارق» كما جاء في الآية (40) من سورة المعارج {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج : 40] .
والجواب على هذا السؤال ، هو أنّ قسماً من الكلام ينسخ قسماً آخر لوجود القرينة ، وفي بعض الأحيان يأتيان معاً ، وهنا ذكر كلمة «المشارق» قرينة على «المغارب» وهذا التنوّع يوضّح فصاحة القرآن وبلاغته .
فيما قال بعض المفسّرين : إنّ ذكر كلمة (المشارق) يتناسب مع شروق الوحي بواسطة الملائكة {فالتاليات ذكراً} على قلب النّبي الطاهر (صلى الله عليه وآله وسلم) (8) .
وقوله تعالى : {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَة الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَن مَّارِد (7) لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الاْعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِب (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ }
حفظ السماء من تسلّل الشياطين !
الآيات السابقة تحدّثت عن طوائف الملائكة المكلّفة بتنفيذ المهام الجسام ، والآيات التالية ـ موضوع البحث ـ ستتحدّث عن الطائفة المقابلة لها ، أي الشياطين وعن مصيرهم . ويمكن أن تكون هذه الآيات مقدّمة لدحض معتقدات مجموعة من المشركين الذين يعبدون الشياطين والجنّ ، وتتضمّن كذلك درساً في التوحيد بين طيّاتها .
تبدأ الآية بالقول : {إنّا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب} (9) فلو رفع أحدنا ببصره نحو السماء في إحدى الليالي المظلمة ، لتجسّم في بصره منظر جميل يسحر الإنسان .
وكأنّ الكواكب تتحدّث معنا بلسانها الصامت ، لتكشف لنا أعن أسرار الخلق ، وأحياناً تكون شاعرة تنشد لنا أجمل القصائد الغزلية والعرفانية ، وإغماضها وتواريها ، ومن ثمّ إبراقها ولمعانها ، يوضّح أسرار العلاقة الموجودة بين العاشق والمعشوق .
حقّاً إنّ منظر النجوم في السماء رائع الجمال ، ولا تملّ أيّ عين من طول النظر إليه ، بل إنّ النظر إليه يزيل التعب والهمّ من داخل الإنسان . (ممّا يذكر أنّ أبناء المدن في العصر الحاضر التي يغطّيها دخّان المصانع ، لا يستمتعون بمشاهدة السماء وهي مرصّعة بالكواكب كما يشاهدها الإنسان القروي حيث يدركون هذه المقولة القرآنية ـ أي تزيين السماء بالكواكب ـ بصورة أفضل) .
ومن الجدير بالإهتمام قول الآية : {إنّا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب} في حين كانت الفرضيات الشائعة في ذلك الوقت في أذهان العلماء والمفكّرين هي أنّ السماء العليا هي التي تضمّ الكواكب (السماء الثامنة طبقاً لفرضيات بطليموس) .
وكما هو معروف فإنّ العلم الحديث دحض تلك الفرضيات . وعدم اتّباع القرآن لما جاء في تلك الفرضيات النادرة والمشهورة في ذلك الزمان معجزة حيّة لهذا الكتاب السماوي .
والنقطة الاُخرى التي تلفت النظر هي أنّ إرتعاش نور الكواكب الجميل وغمزها للناظر يعود ـ من وجهة نظر العلم الحديث ـ إلى وجود القشرة الهوائية حول الأرض ، وهذا المعنى يتلاءم مع ما نصّت عليه الآية الكريمة (السماء الدنيا) .
أمّا في خارج جو الأرض فإنّ النجوم تبدو نقاط منيرة على وتيرة واحدة وليس لها ذلك التلألؤ ، على عكس ما يشاهد داخل جو الأرض .
أمّا الآية {وحفظاً من كلّ شيطان مارد} (10) فإنّها تشير إلى حفظ السماء من تسلّل الشياطين إليها .
كلمة (مارد) مشتقّة من (مرد) التي تعني الأرض المرتفعة الخالية من الزرع ، كما يقال للشجرة التي تساقطت أوراقها كلمة (أمرد) وتطلق على الفتى الذي لا شعر في وجهه . وهنا المقصود من كلمة (مارد) هو الشخص الخبيث العاري من الخير .
حفظ السماء من تسلّل الشياطين يتمّ بواسطة نوع من أنواع النجوم يطلق عليها اسم (الشهب) ، وسيشار إليها في الآيات القادمة .
ثمّ يضيف القرآن الكريم : إنّ الشياطين لا تتمكّن من سماع حديث ملائكة الملأ الأعلى ومعرفة أسرار الغيب التي عندهم ، فكلّما حاولوا عمل شيء ما لسماع الحديث ، رشقوا بالشهب من كلّ جانب {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كلّ جانب} .
نعم إنّهم يطردون من السماء بشدّة ، وقد أعدّ لهم عذاب دائم ، كما جاء في قوله تعالى : {دحوراً ولهم عذاب واصب} .
(لا يسمعون) بمعنى (لا يستمعون) ويفهم منها أنّ الشياطين يحاولون معرفة أخبار «الملأ الأعلى» إلاّ أنّه لا يسمح لهم بذلك .
(الملأ الأعلى) ، تعني ملائكة السماوات العلى ، لأنّ كلمة (ملأ) تطلق في الأصل على الجماعة التي لها وجهة نظر واحدة ، وتعدّ في نظر الآخرين مجموعة متّحدة ومنسجمة ، كما تطلق هذه الكلمة على الأشراف والأعيان والدائرين في فلك مراكز القوى ، لأنّهم يعدّون في نظر الآخرين متّحدين أيضاً ، ولكن عندما يوصف الملأ بـ (الأعلى) فذلك إشارة إلى الملائكة الكرام ذوي المقام الأرفع والأسمى .
«يقذفون» مشتقّة من (قذف) وتعني رمي الشيء إلى مكان بعيد ، والمقصود هنا طرد الشياطين بواسطة الشهب ، التي سنتطرّق لها فيما بعد ، وهذا يوضّح أنّ الباري عزّوجلّ لا يسمح للشياطين بالإقتراب من الملأ الأعلى .
«دحوراً» مشتقة من (دحر) ـ على وزن (دهر) ـ وتعني طرد الشيء ودفعه ، أمّا كلمة (واصب) فإنّها تعني المرض المزمن ، وبصورة عامّة تعني الدائم والمستمر ، وفي بعض الأحيان تعني (الخالص) (11) .
وهنا إشارة إلى أنّ الشياطين لا يطردون ولا يمنعون من الإقتراب من السماء فحسب ، بل سيصيبهم في النهاية ـ مع ذلك ـ عذاب دائم .
وأشارت الآية أيضاً إلى طائفة من الشياطين الشريرة التي تحاول الصعود إلى السماء العليا لإستراق السمع ، وإلى المصير الذي ينتظرها هناك ، كما جاء في الآية الشريفة {إلاّ من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} .
«الخطفة» أي اختلاس الشيء بسرعة .
و«الشهاب» شيء مضيء متولّد من النار ، ويرى نوره في السماء على شكل خطّ ممتدّ .
وكما هو معروف فإنّ الشهب ليست نجوماً ، وإنّما تشبه النجوم ، وهي عبارة عن قطع صغيرة من الحجر متناثرة في الفضاء ، عندما تدخل في مجال جاذبية الأرض ، تنجذب نحوها ، ونتيجة دخولها بسرعة إلى جو الأرض وإحتكاكها الشديد مع الهواء المحيط بالكرة الأرضية فإنّها تشتعل وتحترق .
وكلمة «ثاقب» تعني النافذ والخارق ، وكأنّه يخترق العين بنوره الشديد ويثقبها ، وهذه إشارة إلى أنّ الشهاب يثقب كلّ شيء يصيبه ويحرقه .
وبهذا يكون هناك مانعان يحوّلان دون نفوذ الشياطين إلى السماء العليا :
الأوّل ، هو رشق الشياطين من كلّ جانب وطردهم ، والذي يتمّ على الظاهر بواسطة الشهب .
والثاني ، هو رشقهم بواسطة أنواع خاصّة من الشهب يطلق عليها اسم الشهاب الثاقب ، الذي يكون بإنتظار كلّ شيطان يحاول التسلّل إلى الملأ الأعلى لاستراق السمع ، وهذا المعنى نجده أيضاً في الآيتين (17) و(18) من سورة الحجر {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر : 17 ، 18] .
وفي الآية الخامسة من سورة الملك {ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} .
ولكن هل يجب الإلتزام بظواهر هذه الآيات ؟ أم أنّ هناك قرائن تجبرنا على تفسيرها بخلاف الظاهر ، كاستخدام الأمثال والتشبيه والكناية؟
هناك وجهات نظر مختلفة بين المفسّرين ، فالبعض منهم التزم بظاهر الآيات وبنفس المعاني التي استعرضت في بداية الأمر ، وقالوا : هناك طوائف من الملائكة تسكن السماء القريبة والبعيدة تعرف أخبار الحوادث التي ستقع في العالم الأرضي قبل وقوعها ، لذا تحاول مجموعة من الشياطين الصعود إلى السماء لاستراق السمع ومعرفة بعض الأخبار ، لكي تنقلها إلى عملائها في الأرض أي الذين يرتبطون بها ويعيشون بين الناس ، ولكن ما أن يحاولون الصعود يرشقون بالشهب التي تتّصف بأنّها كالنجوم المتحرّكة ، فتجبرهم على التراجع ، أو تصيبهم فتهلكهم .
ويقولون : من الممكن أن لا نفهم بصورة دقيقة ما تعنيه هذه الآيات في الوقت الحاضر ، إلاّ أنّنا مكلّفون بحفظ ظواهرها ، وترك تفاصيلها للمستقبل .
وقد إختار هذا التّفسير العلاّمة «الطبرسي» في (مجمع البيان) و«الآلوسي» في (روح المعاني) و«سيّد قطب» في (الظلال) ، إضافة إلى عدد آخر من المفسّرين .
في حين يرى البعض الآخر أنّ الآيات المذكورة إنّما هي من قبيل الأمثال المضروبة تصوّر بها الحقائق الخارجة عن الحسّ في صورة المحسوس لتقريبها من الحسّ ، وهو القائل عزّوجلّ : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت : 43] .
وأضافوا : إنّ المراد من السماء التي تسكنها الملائكة ، عالم ملكوتي ذو اُفق أعلى من عالمنا المحسوس ، والمراد باقتراب الشياطين من السماء وإستراقهم السمع وقذفهم بالشهب ، هو أنّ هذه الشياطين كلّما حاولت الإقتراب من عالم الملائكة للإطلاع على أسرار الخليقة والحوادث المستقبلية ، طردت من هناك بواسطة نور الملكوت الذي لا يطيقونه ، ورمتهم الملائكة بالحقّ الذي يبطل أباطيلهم .
وإيراده تعالى قصّة إستراق الشياطين للسمع ورميهم بالشهب ، عقيب الإقسام بملائكة الوحي وحفظهم إيّاه عن مداخلة الشياطين لا يخلو من تأييد لما ذكرناه (12) .
ويحتمل أيضاً أنّ السماء هنا هي كناية عن سماء الإيمان والمعنويات التي يحاول الشياطين النفوذ إليها ، إضافةً إلى الإنسلال إلى قلوب المؤمنين عن طريق الوساوس التي يبثّونها في قلوبهم ، إلاّ أنّ الأنبياء والصالحين والأئمّة المعصومين من أهل البيت والسائرين على خطّهم الفكري والعملي يهاجمون الشياطين بالشهاب الثاقب الذي يمتلكونه ، ألا وهو العلم والتقوى ، ويمنعون الشياطين من الإقتراب من هذه السماء .
التّفسير المذكور أوردناه هناك كإحتمال ، وذكرنا بعض الدلائل والشواهد عليه في نهاية الآية (18) من سورة الحجرات .
هذه ثلاثة تفسيرات مختلفة للآيات مورد البحث والآيات المشابهة لها .
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص221-231 .
2 ـ هذه العبارات الثلاث من جهة هي ثلاثة أقسام ، ومن جهة اُخرى هي قسم واحد له ثلاث صفات .
3 ـ بالطبع وردت إحتمالات اُخرى في تفسير الآيات المذكورة أعلاه ، «منها» ما يشير إلى صفوف جند الإسلام في ساحات الجهاد ، الذين يصرخون بالأعداء ويزجرونهم عن الإعتداء على حرمة الإسلام والقرآن ، والذين يتلون كتاب الله دائماً ومن دون أي إنقطاع ، وينوّرون قلوبهم وأرواحهم بنور تلاوته ، ومنها : أنّ بعض هذه الأوصاف الثلاثة هو إشارة إلى ملائكة إصطفّت بصفوف منظمة ، والقسم الآخر يشير إلى آيات القرآن التي تنهى الناس عن إرتكاب القبائح ، والقسم الثالث يشير إلى المؤمنين الذين يتلون القرآن في أوقات الصلاة وفي غيرها من الأوقات . ويستبعد الفصل بين هذه الأوصاف ، لأنّها معطوفة على بعضها البعض بحرف (الفاء) ، وهذا يوضّح أنّها أوصاف لطائفة واحدة .
وقد ذكر العلاّمة «الطباطبائي» في تفسيره الميزان هذا الإحتمال ، في أنّ الأوصاف الثلاثة هي تطلق على ملائكة مكلّفة بتبليغ الوحي الإلهي ، والإصطفاف في طريق الوحي لتوديعه ، وزجر الشياطين التي تقف في طريقه ، وفي النهاية تلاوة آيات الله على الأنبياء .
4 ـ ولا ضير في التعبير عن الملائكة بلفظ الإناث «الصافات والزاجرات والتاليات» لأنّ موصوفها الجماعة ، وهي مؤنّث لفظي .
5 ـ ممّا يذكر أنّ بعض اللغويين قالوا بأنّ جمع كلمة (تال) هو(تاليات) وجمع (تالية) (توال) .
6 ـ تفسير البرهان ، المجلّد 4 ، الصفحة 15; الدرّ المنثور ، المجلّد 5 ، الصفحة 271 .
7 ـ الخطبة الاُولى في نهج البلاغة .
8 ـ تفسير الميزان ، المجلّد 17 .
9 ـ «الكواكب» هنا بدل من الزينة ، ويحتمل كونها عطف بيان ، والزينة هنا اسم مصدر وليست مصدراً ، حيث جاء في الكتب الأدبية أينما وجدت نكرة بدل عن المعرفة فيجب مرافقتها بوصف ، وفي حالة العكس فإنّ الأمر غير واجب .
10 ـ (حفظاً) على حدّ قول الكثير من المفسّرين مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدير هو : وحفظناها حفظاً . والبعض إحتمل أنّها معطوفة على (بزينة) التي هي (مفعول له) ، وتقديرها (إنّا خلقنا الكواكب زينةً للسماء وحفظاً) .
11 ـ لقد تمّ بحث كلمة «واصب» أيضاً في نهاية الآية (52) من سورة النحل .
12 ـ تلخيص من تفسير الميزان ، المجلّد السابع عشر ، الصفحة (125) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|