أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2020
2817
التاريخ: 22-7-2020
5366
التاريخ: 26-7-2020
21900
التاريخ: 28-7-2020
22774
|
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 32، 34]
بين سبحانه أنه المستحق للإلهية فقال { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي: أنشأهما من غير شيء وبدأ بذكرهما لعظم شأنهما في القدرة والنعمة{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي: غيثا ومطرا{فأخرج به} أي: بذلك الماء{ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} يعني أن الغرض في ذلك أن يؤتيكم أرزاقكم{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ}أي: السفن والمراكب { لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} أي: بأمر الله لأنها يسير بالرياح والله هو المنشىء للرياح{وسخر لكم الأنهار} التي تجري بالمياه التي ينزلها من السماء ويجريها في الأودية وينصب منها في الأنهار{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي: ذلل لمنافعكم الشمس والقمر في سيرهما لتنتفعوا بضوء الشمس نهارا وبضوء القمر ليلا وليبلغ بها الثمار والنبات في النضج الحد الذي عليه تتم النعمة فيهما{دائبين} أي: دائمين لا يفتران في صلاح الخلق والنباتات ومنافعهم.
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي: ذللهما لكم ومهدهما لمنافعكم لتسكنوا في الليل ولتبتغوا في النهار من فضله { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } معناه أن الإنسان قد يسأل الله العافية فيعطي ويسأله النجاة فيعطي ويسأله الغنى فيعطي ويسأله الولد والعز فيعطي ويسأله تيسير الأمور وشرح الصدور فيعطي فهذا في الجملة حاصل في الدعاء لله تعالى ما لم يكن فيه مفسدة في الدين أوعلى غيره فأين يذهب به مع هذه النعم التي لا تحصى كثرة عن الله الذي هو في كل حال محتاج إليه وهو مظاهرة بالنعم عليه ودخلت من للتبعيض لأنه لو قال وآتاكم كل ما سألتموه لاقتضى أن جميع ما يسأله العبد يعطيه الله تعالى والأمر بخلافه لأن ما فيه مفسدة لا يعطيه الله إياه وتقديره وآتاكم من كل ما سألتم شيئا وقيل: معناه وآتاكم من كل ما بكم إليه حاجة فما من شيء يحتاج إليه العباد إلا وهو موجود فيما بينهم وهو كقوله خلق لكم ما في الأرض جميعا ولم يخصص كل واحد من الخلق بإيتاء كل ما سأله وقيل: معناه وآتاكم من كل شيء سألتموه ولم تسألوه فما هاهنا نكرة موصوفة والجملة صفة له وحذف الجملة المعطوفة وهي لم تسألوه كقوله سرابيل تقيكم الحر والمعنى وتقيكم البرد وإن فيما أبقي دليلا على ما ألقى.
{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}أي: لا تقدروا على إحصائها لكثرتها والنعمة هنا اسم أقيم مقام المصدر ولذلك لم يجمع فبين سبحانه أنه هو المنعم على الحقيقة وأنه المستحق للعبادة ويروى عن طليق بن حبيب أنه قال إن حق الله تعالى أثقل من أن يقوم به العباد فإن نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ }أي: كثير الظلم لنفسه{كفار} أي: كثير الكفران لنعم ربه وقيل: معناه ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع ولم يرد بالإنسان هاهنا العموم بل هو مثل ما في قوله { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ } .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص80-81.
كل ما جاء في هذه الآيات الثلاث قد مر ذكره ، فخلق السماوات والأرض ذكر في الآية 73 من سورة الأنعام وغيرها ، وانزال الماء من السماء ذكر في الآية 22 من سورة البقرة ، والآية 18 من سورة الرعد ، وجريان الفلك جاء في الآية 164 من سورة البقرة ، وتسخير الشمس والقمر في الآية 2 من سورة الرعد ، والليل والنهار في الآية 67 من سورة يونس . . وقد عدّد سبحانه الكثير من نعمه على عباده في الآية 3 و4 من سورة الرعد ، والآية 143 و144 من سورة الأنعام
وغيرها فيما سبق مرارا مع الشرح والتفسير ، وأعاد سبحانه ذكرها أوذكر طرف منها هنا لمناسبة الإشارة في الآية إلى الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا . ويتلخص معنى هذه الآيات الثلاث بأن نعم اللَّه وآلاءه لا تعد ولا تحصى ، منها خلق السماوات والأرض ، وانزال الماء ، وتسخير الفلك والشمس والقمر والليل والنهار ، والإفضال على الناس بشيء مما سألوه ، وما لم يسألوه ومع ذلك يكفر الكثير منهم أوأكثرهم بأنعمه ، ويعبدون ما لا ينفعهم ولا يضرهم .
هل الإنسان مجرم بطبعه ؟
وبمناسبة قوله تعالى : { إِنَّ الإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} نشير إلى أن علماء النفس اختلفوا في الإنسان : هل هو مجرم بطبعه ، وانه ولد ليعتدي على من لم يعتد عليه ، ويكفر بأنعم من أحسن إليه ؟ . . وفي سنة 1832 اجتمع في أمريكا 528 عالما من علماء النفس ، وناقشوا هذه القضية ، فذهب أكثرهم إلى أنه لا دليل على أن الإنسان لا مفر له من ارتكاب الجرائم . وخالف في ذلك جماعة منهم .
أما نحن فإنا نؤمن بأن الإنسان لم يولد مجرما ، والا سقط عنه التكليف ، وكان حسابه وعقابه ظلما وجورا ، والأديان والشرائع لغوا وعبثا ، حيث يكون ، والحال هذه ، كريشة في مهب الريح . . وانما يصير الإنسان مجرما بالعوامل الخارجية كالجوع الذي يحوله إلى لص ، والمغريات التي تدفع به إلى الخيانة والعمالة ، وما إلى ذلك . . وهنا يقع التفاوت بين أفراد الناس في أنفسهم ، فبعض النفوس تضعف أمام المغريات ، وتتغلب عليها الشهوات ، كمن يملك الطعام ، ومع ذلك يطلب المزيد منه بكل وسيلة ، أويزني وله زوجة تغنيه عن الحرام ، أويكتم الحق أويجحد النعم حرصا على جاه أوأية منفعة من متاع الدنيا ، وليس من شك ان هذا قد أذنب وأجرم بإرادته ، لا بطبيعته ، وهو المقصود بقوله تعالى : { إِنَّ الإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } . ومن الواضح ان مجرد الميل إلى الحرام لا يجعله حلالا ، ما دامت الفرصة سانحة للصبر والتغلب على هذا الميل . وتقدم ما يتصل بهذا البحث عند تفسير الآية 9 من هود .
_________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص 448-449.
قوله تعالى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلخ، لما ذكر سبحانه جعلهم لله أندادا لإضلال الناس عن سبيل الله وأوعد عليه أورد في هذه الآية إلى تمام ثلاث آيات الحجة على اختصاص الربوبية بنفسه تعالى وتقدس من طريق اختصاص التدبير العام به من نظم الخلقة وإنزال الماء وإخراج الرزق وتسخير البحار - الفلك - والأنهار والشمس والقمر والليل والنهار.
وأشار في آخر الآيات إلى أنها وما لا تحصى من غيرها نعمة منه تعالى للإنسان لأن البيان في هذه السورة - كما تقدمت الإشارة إليه - يجري في ضوء الاسمين: العزيز الحميد.
فقوله:{الله الذي خلق} إلخ، في معنى قولنا: فهو الرب وحده دون الذين جعلتموهم أندادا له.
وقوله:{ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ } إلخ، المراد بالسماء جهة العلو وهو معناها اللغوي، والماء النازل منها هو المطر النازل منها فإليه ينتهي الماء في الأرض الذي تعيش به ذوات الحياة من النبات والحيوان.
قوله تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} تسخير الفلك للناس هو جعلها بحيث تنفعهم في مقاصدهم وهي العبور بأنفسهم وأحمالهم وغير ذلك من غير أن ترسب في الماء أوتمتنع عن الحركة.
وأما قول بعضهم: تسخيرها لهم هو إقدارهم على صنعتها واستعمالها بإلهامهم طريق ذلك بعيد، فإن الظاهر من تسخير شيء للإنسان هو التصرف فيه بجعله موافقا لما يقصده من منافع نفسه دون التصرف في الإنسان نفسه بإلهام ونحوه.
وكان من طبع الكلام أن يقال: وسخر لكم البحر لتجري فيه الفلك بأمره وسخر لكم الأنهار غير أنه عكس، وقيل: وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره لكون الفلك من أوضح النعم البحرية وإن لم تنحصر فيها نعمه ولعل ذلك هوالسبب في العكس، لأن المقام مقام عد النعمة والنعمة في الفلك أوضح وإن كانت في البحر أعظم.
وإسناد جريها في البحر إلى أمره تعالى مع كونه مستندا إلى الأسباب الطبيعية العاملة كالريح والبخار وسائر الأسباب، لكونه تعالى هو السبب المحيط الذي إليه ينتهي كل سبب.
وقوله:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} وهي المياه الجارية في مختلف أقطار الأرض وتسخيرها هو تدليلها بحيث ينتفع بها الإنسان بالشرب والغسل وإزالة الأوساخ وغير ذلك ويعيش بها الحيوان والنبات المسخران له.
قوله تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} قال الراغب: الدأب إدامة السير دأب في السير دأبا، قال تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} والدأب العادة المستمرة دائما على حالة، قال تعالى:{كدأب آل فرعون} أي كعادتهم التي يستمرون عليها. انتهى، ومعنى الآية واضح.
قوله تعالى:{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} السؤال هو الطلب ويفارقه أن السؤال إنما يكون ممن يعقل والطلب أعم وإنما تنبه الإنسان للسؤال من جهة الحاجة الداعية إليه فأظهر له أن يرفع ما حلت به من حاجة وكانت الوسيلة العادية إليه هي اللفظ فتوسل به إليه وربما توسل إليه بإشارة أوكتابة وسمي سؤالا حقيقة من غير تجوز.
وإذ كان الله سبحانه هو الذي يرفع حاجة كل محتاج ممن سواه لا يتعلق شيء بذاته فيما يحتاج إليه في وجوده وبقائه إلا بذيل جوده وكرمه سواء أقر به أوأنكره وهو تعالى أعلم بهم وبحاجاتهم ظاهرة وباطنة من أنفسهم كان كل من سواه عاكفا على باب جوده سائلا يسأله رفع ما حلت به من حاجة سواء أعطاه أومنعه وسواء أجابه في جميع ما سأل أوبعضه.
هذا هو حق السؤال وحقيقته يختص به تعالى لا يتعداه إلى غيره، ومن السؤال ما هو لفظي - كما تقدم - ربما يسأل به الله سبحانه وربما يسأل به غيره فهو تعالى مسئول يسأله كل شيء بحقيقة السؤال ويسأله بعض الناس من المؤمنين به بالسؤال اللفظي.
هذا بالنسبة إلى السؤال وأما بالنسبة إلى الإيتاء وهو الإعطاء فقد أطلق من غير أن يقيد باستثناء ونحوه فيدل على أنه ما من سؤال إلا وعنده إعطاء وهذه قرينة أن الخطاب للنوع كما يؤيده أيضا قوله ذيلا {إن الإنسان لظلوم كفار}.
والمعنى أن النوع الإنساني لم يحتج بنوعيته إلى نعمة من النعم إلا رفع الله حاجته إما كلا أوبعضا وإن كان الفرد منه ربما احتاج وسأل ولم يقض حاجته.
وهذا المعنى هو الذي يؤيده قوله تعالى:{ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }: البقرة: 186 فقد مر في تفسير الآية أنه تعالى لا يرد دعاء من دعاه إلا أن لا يكون دعاء حقيقة أويكون دعاء إلا أنه ليس دعاءه بل دعاء غيره والفرد من الإنسان ربما لم يواطىء لسانه قلبه أولغا في دعائه لكن النوع بنوعيته لا يعرف هذرا ولا نفاقا ولا يعرف ربا غيره سبحانه فكلما مسته حاجة فإنه يسأله حقيقة ولا يسأله إلا من ربه فجميع أدعيته مستجابة وسؤالاته مؤتاة وحاجاته مقضية.
وقد ظهر مما تقدم أن{من} في قوله:{من كل ما سألتموه} ابتدائية تفيد أن الذي يؤتيه الله مأخوذ مما سألوه سواء كان جميع ما سألوه كما في بعض الموارد أوبعضه كما في بعضها الآخر، ولوكانت من تبعيضية لأفادت أنه تعالى يؤتي في كل سؤال بعض المسئول والواقع خلافه كما أنه لوقيل: وآتاكم كل ما سألتموه أفاد إيتاء الجميع وليس كذلك ولوقيل: مما سألتموه أفاد أن من الجائز أن لا يستجاب بعض الأدعية ويرد بعض الأسئلة من أصله والآية - وهي في مقام الامتنان - تأبى ذلك.
فبالجملة معنى الآية أن الله تعالى أعطى النوع الإنساني ما سأله فما من حاجة من حوائجه إلا رفع كلها أوبعضها حسب ما تقتضيه حكمته البالغة.
وربما قيل: إن تقدير الكلام: وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه وهو مبني على كون المراد بالسؤال هو السؤال اللفظي وقد تقدم خلافه، وسياق الآية لا يساعد عليه.
وقوله:{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } قال الراغب: الإحصاء: التحصيل بالعدد يقال: أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع.انتهى.
وفي الجملة إشارة إلى خروج النعم عن طوق الإحصاء ولازمه كون حوائج الإنسان التي رفعها الله بنعمه غير مقدور للإنسان إحصاؤها.
وكيف يمكن إحصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع أجزائه وما يلحق بها من الأوصاف والأحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض، فالجميع نعمه بالنسبة إلى الجميع وهذا أمر لا يحيط به إحصاء.
ولعل ذلك هو السر في إفراد النعمة في قوله:{نعمة الله} فإن الحق أن ليس هناك إلا النعمة فلا حاجة إلى تفخيمها بالجمع ليدل على الكثرة، والمراد بالنعمة جنس المنعم فيفيد ما يفيده الجمع.
وقوله:{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} أي كثير الكفران يظلم نفسه فلا يشكر نعمة الله ويكفر بها فيؤديه ذلك إلى البوار والخسران، أوكثير الظلم لنعم الله لا يشكرها ويكفر بها، والجملة استئناف بياني يؤكد بها ما يستفاد من البيان السابق، فإن الواقف على ما مر بيانه من حال نعمه تعالى وما آتى الإنسان من كل ما سأله منها لا يرتاب في أن الإنسان وهو غافل عنها طبعا ظالم لنفسه كافر بنعمة ربه.
________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص47-50.
ثمّ تتطرّق الآية إلى معرفة الله عن طريق نعمه، معرفة تؤدّي إلى إحياء ذكره في القلوب، وتحثّ الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه وقدرته، لأنّ من الأُمور الفطرية أن يشعر الإنسان في قلبه بالحبّ والودّ لمن أعانه وأحسن إليه.
ويبيّن هذا الموضوع من خلال عدّة آيات { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ }.
ثمّ أنّه {وسخّر لكم الفلك} سواء من جهة موادّها الأوّلية المتوفّرة في الطبيعة، أو من جهة القوّة المحرّكة لها وهي الرياح التي تهب على البحار والمحيطات بصورة منتظمة لتسيير هذه السفن فتنقل الإنسان وما يحتاج إليه من منطقة إلى أُخرى بيسر وسهولة: { لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ }.
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} كي تسقوا من مائها زروعكم، وتشربوا أنتم وأنعامكم، وفي كثير من الأحيان تكون طريقاً للسفن والقوارب، وتستفيدون منها في صيد الأسماك.
وليست موجودات الأرض ـ فقط ـ مسخّرةً لكم، بل {وسخّر لكم الشمس والقمر دائبين}(2).
وليست مخلوقات العالم بذاتها فقط، بل حتّى الحالات العرضية لها هي في خدمتكم: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } من إحتياجاتكم البدنيّة والإجتماعية وجميع وسائل السعادة والرفاه { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } لأنّ النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع وجودكم وهي غير قابلة للإحصاء، وعلاوةً على ذلك فإنّ ما تعلمونه من النعم بالنسبة لما تجهلونه كقطرة في مقابل البحر.
وعلى الرغم من كلّ هذه الألطاف والنعم فـ{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.
فلو كان الإنسان يستفيد من هذه النعم بشكلها الصحيح لأستطاع أن يجعل الدنيا حديقة غنّاء ولنفّذ مشروع المدينة الفاضلة، ولكن بسبب عدم الإستفادة الصحيحة لها أصبحت حياته مظلمة، وأهدافه غير سامية، فتراكمت عليه المشاكل والصعاب وقيّدته بالسلاسل والأغلال.
_____________
1- تفسير الأمثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج6،ص532-533.
2 ـ «دائبين» من مادّة «الدؤوب» بمعنى إدامة العمل طبقاً للسنّة الثابتة، وبما أنّ الشمس والقمر مستمرّان بشكل ثابت من ملايين السنين، وما لها من فوائد عظيمة للكائنات، لا نجد هناك عبارة لهما أفضل من دائبين.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|