المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17599 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



تفسير الاية (1-4) من سورة ابراهيم  
  
3860   07:18 مساءً   التاريخ: 22-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة إبراهيم /

 

قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [إبراهيم: 1 - 4]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{الر} قد ذكرنا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور وذكرنا اختلاف الأقاويل فيه في أول البقرة { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } يعني: القرآن نزل به جبرئيل (عليه السلام) من عند الله تعالى أي هذا كتاب منزل إليك يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس بسحر ولا بشعر {لتخرج الناس}أي: جميع الخلق { مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي: من الضلالة إلى الهدى ومن الكفر إلى الإيمان {بإذن ربهم}أي: بإطلاق الله ذلك وأمره به وفي هذا دلالة على أنه سبحانه يريد الإيمان من جميع المكلفين لأن اللام لام الغرض ولا يجوز أن يكون لام العاقبة لأنه لو كان ذلك لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه.

 ثم بين سبحانه ما النور فقال: { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } أي: يخرجهم من ظلمات الكفر إلى طريق الله المؤدي إلى معرفة الله المنيع في سلطانه المحمود في فعاله ونعمة التي أنعم بها على عباده { اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } أي: له التصرف فيهما على وجه لا اعتراض عليه { وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } أخبر أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته من عذاب تتضاعف الأمة.

 ثم وصف الكافرين بقوله { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ } أي: يختارون المقام في هذه الدنيا العاجلة على الكون في الآخرة وإنما دخلت على لهذا المعنى وذمهم سبحانه بذلك لأن الدنيا دار انتقال وفناء والآخرة دار مقام وبقاء { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } أي: يمنعون غيرهم من اتباع الطريق المؤدي إلى معرفة الله ويجوز أن يريد أنهم يعرضون بنفوسهم عن اتباعها {ويبغونها عوجا} أي: يطلبون للطريق عوجا أي عدولا عن الاستقامة والسبيل يذكر ويؤنث وقيل معناه يلتمسون الدنيا من غير وجهها لأن نعمة الله لا تستمد إلا بطاعته دون معصيته {أولئك في ضلال بعيد} أي: في عدول عن الحق بعيد عن الاستقامة والصواب .

ثم بين سبحانه أنه إنما يرسل الرسل إلى قومهم بلغتهم ليكون أقرب إلى الفهم وأقطع للعذر فقال { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } أي: لم يرسل فيما مضى من الأزمان رسولا إلا بلغة قومه حتى إذا بين لهم فهموا عنه ولا يحتاجون إلى من يترجمه عنه وقد أرسل الله تعالى نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الخلق كافة بلسان قومه وهم العرب بدلالة قوله { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } قال الحسن امتن الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه لم يبعث رسولا إلا إلى قومه وبعثه خاصة إلى جميع الخلق وبه قال مجاهد وقيل إن معناه أنا كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم لتبين لهم الدين ثم أنهم يبينونه للناس كذلك أرسلنا كل رسول بلغة قومه ليظهر لهم الدين ثم استأنف فقال: { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ }عن طريق الجنة إذا كانوا مستحقين للعقاب {ويهدي من يشاء}إلى طريق الجنة وقيل: يلطف لمن يشاء ممن له لطف ويضل عن ذلك من لا لطف فمن تفكر وتدبر اهتدى وثبته الله ومن أعرض عنه خذله الله { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }ظاهر المعنى.

_________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج6،ص57-59.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ الر } تقدم نظيره في أول سورة البقرة . { كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } . المراد بالكتاب القرآن ، وأنزلناه إليك الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وبإذن ربهم أي بأمر اللَّه تعالى ، وتدل الآية بوضوح على أن الهدف الأساسي من إرسال محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وانزال القرآن عليه هو ان يجند بدعوته كل طاقات الناس للعمل متكاتفين متضامنين من أجل الإنسانية وخيرها واطمئنانها ، لأن إخراج الناس من الظلمات إلى النور لا يتم بالدعوات والصلوات ، وانما يكون بالجهاد الجماعي لا الفردي ، وكفاح المنظمات لا الأفراد ، كفاحهم ضد المستغلين والمستثمرين ، وضد الجهل والخرافة ، وضد الأوضاع الفاسدة ، والتقاليد البالية .

وبالفعل آخى محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بين أصحابه ، وبث فيهم روح الصفاء والمحبة ، وروح الفداء والتضحية لإعلاء كلمة اللَّه والإنسانية ، وجعل منهم - وهم الأجلاف الجاهليون - رسل خير وعلم وحضارة . . وبهذه المناسبة ننبه الأذهان إلى الدجالين والانتهازيين الذين يشجعون الخرافة ، ويناصرون الطغاة باسم الدين . . ان هؤلاء

من أعدى أعداء اللَّه ورسوله ، لأن الدين نور ، والخرافة ظلمات ، والدين صراط اللَّه الحميد ، والظلم صراط الشيطان الرجيم .

وتسأل : تقول الآية 33 من سورة التوبة : « هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون » . ومعنى هذا في ظاهره ان اللَّه أرسل محمدا بقصد أن يكون دينه فوق الأديان ، فما هو وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : { لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ } ؟ .

الجواب : أولا ان المراد بالدين في قوله : ليظهره على الدين هو الشرك بدليل قوله : ولو كره المشركون . ثانيا : ان الأديان في عهد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) كانت كلها ظلمات ، حتى السماوية منها لعبت بها أيدي التحريف . ثالثا : ان إعلاء دين محمد هو إعلاء للحق الذي يعلو ولا يعلى عليه ، ومهما يكن فإن أي مبدأ ينتفع به الناس بجهة من الجهات فإنه يلتقي في هذه الجهة مع دين اللَّه ، ودعوة محمد رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) .

{ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ } . تكرر هذا في كتاب اللَّه عشرات المرات ، والقصد التذكير بأن اللَّه هو خالق الكون ، والمسيطر على من فيه وما فيه . ثم ذكر سبحانه جزاء الكافرين ، وطرفا من صفاتهم :

1 - { ووَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ } . هذا وعد ووعيد للكافر على كفره ، وان جزاءه الهلاك والعذاب الأليم ، قال الرازي : انما خصهم بالويل لأنهم يولون من العذاب ، ويقولون : يا ويلاه .

2 - { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ } . هذا أول وصف للكافرين وهو انهم يؤثرون الباطل على الحق ، والظلم على العدل ، والفساد على الصلاح . .

وكل من كان كذلك فهو كافر ، أو يلتقي مع الكافرين في عمله ، وعليه ما عليهم من اللعنة والعذاب ، وان صلَّى وصام ، وحج إلى بيت اللَّه الحرام .

3 - { ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } فيمنعون الناس عن طريق الحق والهداية ، وكانوا بذلك ضالين مضلين ، وفاسدين مفسدين .

4 - { ويَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } . وعوجا تشير إلى انهم يتوصلون إلى غاياتهم بأساليب ملتوية ومحرمة ، كالكذب والغش والمؤامرات والتعاون

مع الطغاة ، ولا يختص هذا الوصف بالكافرين والمشركين ، فان كثيرا من المسلمين يكذبون ويخونون ويتآمرون مع أعداء اللَّه والوطن على عيال اللَّه ومقدّراتهم . .

وهؤلاء شر مكانا من الكافرين وأضل سبيلا . وقوله تعالى : في ضلال بعيد معناه انهم أمعنوا في الضلال والفساد ، حتى بلغوا غايته .

{ وما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } فيفهموا عنه ، وتتحقق الغاية من رسالته ، ولو وجدت لغة إنسانية عامة تفهمها جميع القوميات لأرسل بها محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) لأنه رسول اللَّه إلى الناس جميعا في كل زمان ومكان . . وينبغي التنبه إلى الفرق بين قوله تعالى : وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ، وبين القول : ما أرسلنا رسولا الا إلى أهل لغته ، فالصيغة الأولى لا تمنع ان يكون الرسول عاما ، ولغته خاصة ، على عكس الصيغة الثانية ، حيث تحصر رسالة الرسول بقومه وحدهم . . انظر تفسير الآية 2 من سورة يوسف .

{ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . أرسل اللَّه رسله إلى عباده لإنقاذهم من الجهالة والضلالة ، فمن استمع وأطاع فهو المهتدي ، ومن أعرض وعصى فهو الضال ، فالهداية - إذن - تقاس بطاعة اللَّه ، والضلال بمعصيته . . ولو أن اللَّه لم يشرع أحكاما ، ولم يرسل رسلا لتبليغها لما كانت الطاعة والمعصية ولا الهدى والضلال ، ولكنه تعالى شرّع وأرسل ، فنتج عن ذلك الطاعة والمعصية والهدى والضلال ، وبهذا الاعتبار صحت نسبة الهدى والضلال إليه جلت حكمته . أنظر ج 1 ص 70 وج 2 ص 399 .

_________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، 422-424.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

السورة الكريمة تصف القرآن النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث إنه آية رسالته يخرج به الناس من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط الله سبحانه الذي هو عزيز حميد أي غالب غير مغلوب وغني غير محتاج إلى الناس وجميل في فعله منعم عليهم، وإذا كان المنعم غالبا غنيا حميد الأفعال كان على المنعم عليهم أن يجيبوا دعوته ويلبوا نداءه حتى يسعدوا بما أفاض عليهم من النعم، وأن يخافوا سخطه وشديد عذابه فإنه قوي غير محتاج إلى أحد، له أن يستغني عنهم فيذهب بهم ويأتي بآخرين كما فعل بالذين كفروا بنعمته من الأمم الماضين فإن آيات السماوات والأرض ناطقة بأن النعمة كلها له وهو رب العزة وولي الحمد لا رب سواه.

وبهذا تختتم السورة إذ يقول عز من قائل:{ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }.

ولعل ما ذكرنا هو مراد من قال: إن السورة مفتتحة ببيان الغرض من الرسالة والكتاب يشير إلى قوله تعالى:{ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ }.

والسورة مكية على ما يدل عليه سياق آياتها، ونسب إلى ابن عباس والحسن وقتادة: أنها مكية إلا آيتين منها نزلتا في قتلى بدر من المشركين:{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} وسيأتي أن الآيتين غير صريحتين ولا ظاهرتين في ذلك.

قوله تعالى:{ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي هذا كتاب أنزلناه إليك فهو خبر لمبتدإ محذوف على ما يعطيه السياق وقيل غير ذلك.

وقوله:{ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} ظاهر السياق عموم الناس لا خصوص قومه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا خصوص المؤمنين منهم إذ لا دليل على التقييد من جهة اللفظ، وكلامه تعالى صريح في عموم الرسالة كقوله:{ليكون للعالمين نذيرا}: الفرقان: 1 وقوله:{لأنذركم به ومن بلغ}: الأنعام - 19، وقوله:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }: الأعراف: 158 والآيات الصريحة في دعوة اليهود وعامة أهل الكتاب، وعمله (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوتهم وقبول إيمان من آمن منهم كعبد الله بن سلام وسلمان وبلال وصهيب وغيرهم تؤيد ذلك.

على أن آخر السورة:{هذا بلاغ للناس ولينذروا به} الآية، وقد قوبل به أولها يؤيد أن المراد بالناس أعم من المؤمنين الذين خرجوا من الظلمات إلى النور بالفعل.

وقد نسب الإخراج من الظلمات إلى النور إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكونه أحد الأسباب الظاهرية لذلك وإليه ينتهي إيمان المؤمنين بدعوته بلا واسطة أوبواسطة ولا، ينافيه قوله:{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }: القصص: 56 فإن الآية إنما تنفي أصالته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهداية واستقلاله فيها من غير أن تنفي عنه مطلق الهداية حتى ما يكون على نحوالوساطة وبإذن من الله، والدليل عليه قوله تعالى:{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }: الشورى: 52، ولذلك قيد سبحانه قوله{لتخرج} بقوله{بإذن ربهم}.

والمراد بالظلمات والنور والضلال والهدى وقد تكرر في كلامه تعالى اعتبار الهدى نورا وعد الضلال ظلمة وجمع الظلمات دون النور لأن الهدى من الحق والحق واحد لا تغاير بين أجزائه ومصاديقه ولا كثرة بخلاف الضلال فإنه من اتباع الهوى والأهواء مختلفة متغاير بعضها مع بعض لا وحدة بينها ولا اتحاد لأبعاضها ومصاديقها قال تعالى:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }: الأنعام: 153.

واللام في قوله:{لتخرج الناس} إلخ، لام الغرض بناء على عموم الناس كما هوظاهر الآية، وليس بلام المعاقبة إذ لوكان كذلك لكان الناس كلهم مؤمنين، والمعلوم خلافه.

وأما ما اعترض عليه بعضهم أن التربية الإلهية بإخراج الناس من الظلمات إلى النور وإيصالهم إلى السعادة والكمال مشروطة بالتهيؤ والاستعداد مع كون الفيض عاما فالمقدار الممكن من هذه العاقبة على تقدير عمومه هو هذا المقدار.

ففيه أنه اعتراف بأن كون اللام للعاقبة خلاف ظاهر الآية، فإن الذي ذكره لا يتم إلا بتقييد{الناس} بالمستعدين، لكن الذي يجب أن يعلم أن هذا الغرض غرض تشريعي معناه أن للحكم غاية مقصودة وهي المصلحة التي يستعقبها، فإن الله سبحانه يدعوالناس ليغفر لهم ويهديهم إلى الإيمان والعمل الصالح ليسعدهم بذلك ويدخلهم الجنة، ويرسل الرسل وينزل عليهم الكتاب ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ويريد بما يوجهه إليهم من الأمر والنهي أن يطهرهم ويذهب عنهم رجز الشيطان، والآيات الدالة على ذلك كثيرة لا موجب لإيرادها وكذا الروايات ولعلها تزهو الألوف.

وقد قال سبحانه:{ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }: الزخرف: - 3 وقال:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }: الآية: - 4 من السورة، فبين أن ما نعقله من كتابه ويظهر لنا من بيان رسوله حجة لا مناص عنه، ونحن لا نعقل من قوله مثلا:{يدعوكم ليغفر لكم}: إبراهيم: - 10، إلا أن المغفرة غرض الدعوة كما لا نعقل من قول السيد لعبده أوأي متبوع لتابعه: ايتني بماء لأشربه أوبغذاء لآكله أواكس فلانا ليستر به عورته إلا أن الشرب والأكل وستر العورة أغراض لأوامرها، فلله سبحانه فيما ينزله من الأحكام والشرائع أغراض وغايات مقصودة.

نعم بين سبحانه أن ساحته منزهة عن الفقر والحاجة مبرأة عن النقص والشين إذ قال:{إن الله لغني عن العالمين}: العنكبوت: 6، وقال:{وربك الغني ذوالرحمة}: الأنعام: 133، وقال:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }: فاطر: 15، فأفاد أنه في غنى عن كل شيء لا ينتفع بشيء من هذه الأغراض وليست أفعاله تعالى بالعبث والجزاف حتى تخلوعن الغرض، كيف؟ وقد وصف نفسه بالحكمة والحكيم لا يعبث ولا يجازف، ونص على انتفاء العبث من فعله:{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا } : المؤمنون: 115، والأمر والنهي اللذان يتم بهما الكمال في العالم الإنساني يعودان بالآخرة إلى ما يتم به الخلقة.

فلله سبحانه في خلقه وأمره أغراض، وإن كان لا يستكمل بأغراض أفعاله كما نستكمل نحن بأغراض أفعالنا لكنه سبحانه لا يتأثر عن أغراضه وبعبارة أخرى الحكم والمصالح لا تؤثر فيه تعالى كما أن مصلحة الفعل تؤثر فينا فيبعثنا تعقلها نحوالفعل ونرجح الفعل على الترك، فإنه سبحانه هوالقاهر غير المقهور والغالب غير المغلوب، يملك كل شيء ولا يملكه شيء، ويحكم على كل شيء ولا يحكم عليه شيء، ولم يكن له شريك في الملك ولا ولي من الذل، فلا يكون تعالى محكوما بعقل بل هو الذي يهدي العقل إلى ما يعقله، ولا تضطره مصلحة إلى فعل ولا مفسدة إلى ترك بل هو الهادي لهما إلى ما توجبانه.

فالغرض والمصلحة منتزعة من مقام فعله بمعنى أن فعله يتوقف على المصلحة لكنها لا تحكم في ذاته تعالى ولا تضطره إلى الفعل، فكما أنه تعالى إذا خلق شيئا وقال له: كن فكان كزيد مثلا انتزع العقل من العين الخارجية نفسها أنها إيجاد من الله تعالى ووجود لزيد وحكم بأن وجوده يتوقف على إيجاده، كذلك ينتزع العقل من فعله تعالى بالنظر إلى ما أشرنا إليه من صفاته العليا أنه فعله وأنه ذومصلحة مقصودة ثم يحكم بأن تحقق الفعل يتوقف على كونه ذا مصلحة.

فهذا هوالذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى في كون أفعاله تعالى مشتملة على الحكم والمصالح متوقفة على الأغراض والمتحصل من ذلك أن له تعالى في أفعاله أغراضا لكنها راجعة إلى خلقه دونه.

وملخصه أن غرضه في فعله يفارق أغراضنا في أفعالنا من وجهين: أحدهما أنه تعالى لا يستكمل بأغراض أفعاله وغاياتها بخلافنا معاشر ذوي الشعور والإرادة من الإنسان وسائر الحيوان، وثانيهما أن المصلحة والمفسدة لا تحكمان فيه تعالى بخلاف غيره.

وأما النزاع المعروف بين الأشاعرة والمعتزلة في أن أفعال الله معللة بالأغراض أم لا؟ بمعنى أنه تعالى هل هو محكوم بالمصلحة الواقعية في فعله بحيث إن المصلحة ترجح له الفعل على الترك ولولاها لم يكن له ليفعل؟ أوأنه لا غاية له في فعله وإنما يفعل بإرادة جزافية من غير غرض؟.

فذلك مما لا يهدي إلى شيء من طرفيه النظر المستوفى والحق خلاف القولين جميعا، وهو أمر بين الأمرين كما أشرنا إليه ولعلنا نوفق فيما سيأتي من الكتاب لعقد بحث مستقل في المسألة نستوفي فيه النظر العقلي والنقلي فيها إن شاء الله تعالى.

وفي قوله:{بإذن ربهم} التفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة والنكتة فيه التخلص إلى ذكر صفة الربوبية وتسجيل أنه تعالى هو رب هؤلاء المشركين الذين اتخذوا له أندادا فإن وجه الكلام في الحقيقة إليهم وإن كان المخاطب به هوالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دونهم ولتكون هذه التسمية وهي في مفتتح الكلام مبدأ لما سيذكر في السورة من الحجة على توحيد الربوبية.

قوله تعالى:{إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} العزة تقابل الذلة، قال الراغب: العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب من قولهم: أرض عزاز أي صلبة، قال تعالى:{ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } وتعزز اللحم اشتد وعز كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه، انتهى موضع الحاجة.

فعزة العزيز هي كونه بحيث يصعب نيله والوصول إليه ومنه عزيز القوم وهو الذي يقهر ولا يقهر لأنه ذومقام لا يصل إليه من قصده دون أن يمنع قبل الوصول إليه ويقهر، ومنه العزيز لما قل وجوده لصعوبة نيله، ومنه العزيز بمعنى الشاق لأن الذي يشق على الإنسان يصعب حصوله، قال تعالى:{عزيز عليه ما عنتم}،: التوبة: 128، ومنه قوله:{وعزني في الخطاب}،: (صلى الله عليه وآله وسلم): 23، أي غلبني على ما فسر به.

والله سبحانه عزيز لأنه الذات الذي لا يقهره شيء من جهة وهو يقهر كل شيء من كل جهة ولذلك انحصرت العزة فيه تعالى فلا توجد عند غيره إلا باكتساب منه وبإذنه قال تعالى:{ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا }: النساء: 139، وقال{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }: فاطر: 10.

والحميد فعيل بمعنى المفعول من الحمد وهو الثناء على الجميل الاختياري، وإذ كان كل جمال ينتهي إليه سبحانه كان جميع الحمد له كما قال:{الحمد لله رب العالمين}: سورة الحمد: 2 ومن غريب القول ما عن الإمام الرازي على ما سننقله: أن الحميد معناه العالم الغني.

وقوله:{إلى صراط العزيز الحميد} بدل من قوله:{إلى النور} يبين به ما يوصل إليه الكتاب الذي أنزله على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بيانا بعد بيان فنبه أولا بأنه نور يميز الحق من الباطل والخير من الشر والسعادة من الشقاوة، وثانيا بأنه طريق واضح يجمع سالكيه في متنه وينتهي بهم جميعا إلى الله العزيز الحميد.

والوجه في ذكر الصفتين الكريمتين:{العزيز الحميد} أنهما مبدءان لما سيورد في السورة من الكلام الموجه إليهم فإن عمدة الكلام في السورة هي تذكيرهم أن الله أنعم عليهم بربوبيته كل نعمة عظيمة، ثم عزم عليهم من طريق رسله أن يشكروه ولا يكفروه ووعد رسله أنهم إن آمنوا أدخلهم الجنة، وإن كفروا انتقم منهم وأوردهم مورد الشقاء والعذاب، فليخافوا ربهم وليحذروا مخالفة أمره وكفران نعمته لأن له كل العزة لا نمنع عن حلول سخطه بهم ونزول عذابه عليهم شيء، حميد لا يذم في إثابته المؤمنين، ولا في تعذيب الكافرين، كما لا يذم فيما بسط عليهم من نعمه التي لا تحصى.

فجل الكلام في هذه السورة فيما يقتضيه الصفات الثلاث: توحده تعالى بالربوبية وعزته وكونه حميدا في أفعاله فليخف من عزته المطلقة، وليشكر وليوثق بما وعد وليتذكر من آيات ربوبيته.

وفي روح المعاني عن أبي حيان: النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا يقدر عليه سواه، وصفة الحمد لإنعامه بأعظم النعم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

قال: ووجه التقديم والتأخير على هذا ظاهر انتهى.

وهو أجنبي عن سياق آيات السورة البتة ولعله مأخوذ من قوله تعالى في وصف القرآن:{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }: فصلت: 42، لكن المقام غير المقام.

وعن الإمام في تفسيره: إنما قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد لأن الصحيح أن أول العلم بالله تعالى العلم بكونه قادرا ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما ثم بعد ذلك العلم بكونه غنيا عن الحاجات والعزيز هو القادر، والحميد هو العالم الغني فلما كان العلم بكونه قادرا متقدما على العلم بكونه عالما بالكل غنيا عنه لا جرم قدم ذكر العزيز على ذكر الحميد.

انتهى، وهو مجازفة عجيبة.

وقريب منه في المجازفة قول بعضهم: قدم العزيز على الحميد اعتناء بأمر الصفات السلبية كما يؤذن به قولهم: التخلية أولى من التحلية فإن العزة - كما تقدم - من الصفات السلبية بخلاف الحمد.

وربما قيل في وجه تخصيص الوصفين بالذكر أنه للترغيب في سلوك هذا الصراط لأنه صراط العزيز الحميد فيعز سالكه ويحمد سابله، انتهى.

وهو وجه الأحرى به أن يجعل من الفوائد المتفرعة دون السبب الموجب، والوجه ما قدمناه.

وأما قوله{ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } فبيان للعزيز الحميد، والمراد بما في السماوات والأرض كل ما في الكون فيشمل نفس السماوات والأرض كما يشمل ما فيهما، فهو تعالى يملك كل شيء من كل جهة بحقيقة معنى الملك.

وفيه إشارة إلى الحجة في كونه تعالى عزيزا حميدا، فإنه تعالى وإن كان هو الذي يحق الحق بكلماته وهو الذي ينجح كل حجة في دلالتها، لكنه جارى عباده في كلامه على ما فطرهم عليه، وذلك أنه تعالى لما ملك كل خلق وأمر بحقيقة معنى الملك فهوالمالك لكل قهر وغلبة فلا قهر إلا منه ولا غلبة إلا له فهو تعالى عزيز وله أن يتصرف في ما يشاء بما يشاء ولا يكون تصرفه إلا محمودا غير مذموم لأن التصرف إنما يكون مذموما إذا كان المتصرف لا يملكه إما عقلا أوشرعا أوعرفا، وأي تصرف نسبه إليه تعالى عقل أوشرع أوعرف فإنه يملكه، فهو تعالى حميد محمود الأفعال.

قوله تعالى:{ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } بيان لما تقتضيه صفة العزة من القهر لمن يرد دعوته ويكفر بنعمته.

قوله تعالى{ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } إلخ، قال الراغب في المفردات: وقوله عز وجل:{إن استحبوا الكفر على الإيمان} أي إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه، واقتضى تعديته بعلى معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى:{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى }، انتهى.

ومعنى استحباب الدنيا على الآخرة اختيار الدنيا وترك الآخرة رأسا، ويقابله اختيار الآخرة على الدنيا بمعنى أخذ الآخرة غاية للسعي وجعل الدنيا مقدمة لها يتوسل بها إليها، وأما اختيار الآخرة وترك الدنيا من أصلها فإنه مضاف إلى عدم إمكانه بحقيقة معنى الكلمة يوجب اختلال أمر الآخرة، وينجر إلى تركها بالآخرة، فالحياة الدنيا حياة منقطعة والحياة الآخرة حياة دائمة يتوسل إلى سعادتها من طريق الدنيا بالاكتساب، فمن اختار الآخرة وأثبتها لزمه إثبات الدنيا لمكان مقدميتها، ومن اختار الدنيا وجعلها غاية لزمه نفي الآخرة من أصلها لأنها لوثبتت ثبتت غاية وإذ لم يجعل غاية انتفت، فليس بين يدي الإنسان إلا خصلتان: اختيار الآخرة على الدنيا بجعل الآخرة غاية وإثبات الدنيا معها للمقدمية، واختيار الدنيا على الآخرة بجعل الدنيا غاية ونفي الآخرة من أصلها.

وإيضاح المقام أن الإنسان لا بغية له إلا سعادة حياته وحبه لها فطري، وقد أوضحنا ذلك في مواضع متفرقة فيما تقدم، والذي يثبته كتاب الله من أمر الحياة أنها دائمة غير منقطعة بالموت فلا محالة تنقسم بالنظر إلى تخلل الموت إلى حياتين: الحياة الدنيا المؤجلة بالموت والحياة الآخرة بعد الموت، وهي تتفرع في سعادتها وشقائها على الحياة الدنيا وما يكتسبه الإنسان في الدنيا من ناحية الأعمال الحيوية من حسنة أوسيئة، ولا مفر للإنسان من هذه الأعمال لما عنده من حب الحياة الفطري.

وهذه الأعمال أعني السنة التي يستن بها الإنسان في حياته الدنيا الكاسبة له التقوى أوالفجور والحسنة أو السيئة هي التي تسمى في كتاب الله دينا وسبيلا، فلا مفر للإنسان من سنة حسنة أوسيئة ودين حق أوباطل.

ولما كان من سنة الله سبحانه الجارية أن يهدي كل نوع من الأنواع إلى سعادته وكماله ومن كمال الإنسان وسعادته أن يعيش عيشة اجتماعية ويستن بسنة حيوية، شرع الله سبحانه له دينا مبنيا على فطرته التي فطر عليها وهو سبيل الله الذي يسلكه ودينه الذي يتدين به، فإن جرى على ما شرعته له الربوبية وهدته إليه الفطرة فقد سلك سبيل الله وابتغاه مستقيما، وإن اتبع الهوى وصد نفسه عن سبيل الله واشتغل بما يزينه له الشيطان فقد ابتغى سبيل الله عوجا منحرفا.

أما أنه يبتغي سبيل الله فإن الله هو الذي فطره على طلب السبيل وابتغاء الصراط ولا يهدي البتة إلا إلى ما يرتضيه وهو سبيل نفسه، وأما أنه منحرف ذوعوج فلأنه لا يهدي إلى الحق وما ذا بعد الحق إلا الضلال؟ والآيات القرآنية الدالة على هذا الذي قدمناه متكاثرة لا حاجة إلى إيرادها.

إذا عرفت هذا لاح لك أن قوله في تفسير الكافرين:{ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ } مفاده أنهم يتعلقون تمام التعلق بالحياة الدنيا ويعرضون عن الآخرة بنفيها، وهو الكفر بالمعاد المستلزم للكفر بالتوحيد والنبوة.

وقوله:{ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } مفاده أنهم يكفون أنفسهم عن الاستنان بسنة الله والتدين بدينه أويصدون ويصرفون الناس عن الإيمان بالله واليوم الآخر والتشرع بشريعته عنادا منهم للحق، ويطلبون سنة الله عوجا ومنحرفة بالاستنان بغيرها من سنة اجتماعية أيا ما كانت ثم سجل عليهم الضلال بقوله سبحانه: ويظهر بما تقدم فساد قول بعضهم إن المراد بقوله:{يبغونها عوجا} يبغون لها عوجا أي يطلبون لها زيغا واعوجاجا حتى يعيبوها به ويصدوا الناس عنها بسببه.

وقول بعضهم: المعنى يطلبون أن يروا فيها عوجا يكون قادحا فيقدحوا فيها به.

وقول بعضهم: المعنى يطلبون لأهلها أن يعوجوا وينحرفوا بالرد فهوالمراد بطلبهم الدين منحرفا، وانحرافه فساد ما عند المؤمنين من معارفه وفساد هذه الأقوال ظاهر.

قوله تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إلى آخر الآية.

اللسان هواللغة، قال تعالى:{بلسان عربي مبين}: الشعراء: 195.

والضمير في{قومه} عائد إلى{رسول} وفي{لهم} إلى{قومه} والمحصل ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قوم ذلك الرسول ليبين لقومه، ومن الخطإ إرجاع ضمير قومه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليفيد أن الله سبحانه كان يوحي إلى جميع الرسل بالعربية لفساد المعنى بذلك لرجوع ضمير{لهم} إلى{قومه} فيفيد أن الله أنزل التوراة لموسى مثلا بالعربية ليبين للعرب كما في الكشاف.

والمراد بإرسال الرسول بلسان قومه إرساله بلسان القوم الذين كان يعيش فيهم ويخالطهم ويعاشرهم وليس المراد به الإرسال بلسان القوم الذين هو منهم نسبا لأنه سبحانه يصرح بمهاجرة لوط (عليه السلام) من كلدة وهم سريانية اللسان إلى المؤتفكات، وهم عبرانيون وسماهم قومه وأرسله إليهم ثم أنجاه وأهله إلا امرأته وهي منهم وأهلكهم قال تعالى:{ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي }: العنكبوت: 26 وفي مواضع من كلامه تعالى{قوم لوط}.

وأما من أرسل إلى أزيد من أمة وهم أولوا العزم من الرسل فمن الدليل على أنهم كانوا يدعون أقواما من غير أهل لسانهم ما حكاه الله من دعوة إبراهيم (عليه السلام) عرب الحجاز إلى الحج، ودعوة موسى (عليه السلام) فرعون وقومه إلى الإيمان وعموم دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد اشتمل القرآن على دعوة اليهود والنصارى وغيرهم وقبول إيمان من آمن منهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا ما يستفاد من عموم دعوة نوح (عليه السلام).

وعلى هذا فالمراد بقوله:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } و- الله أعلم - أن الله لم يبن إرسال الرسل والدعوة الدينية على أساس معجز خارق للعادة الجارية ولا فوض إلى رسله من الأمر شيئا بل أرسلهم باللسان العادي الذي كانوا يكالمون قومهم ويحاورونهم به ليبينوا لهم مقاصد الوحي فليس لهم إلا البيان، وأما ما وراء ذلك من الهداية والإضلال فإلى الله سبحانه لا يشاركه في ذلك رسول ولا غيره.

فتعود الآية كالبيان والإيضاح لقوله تعالى قبل:{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } وإن معنى إخراجك الناس من الظلمات إلى النور أن تبين لهم ما أنزل الله لا أزيد من ذلك فيكون في معنى قوله:{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }: النحل: 44.

وأما قوله:{ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فإشارة إلى ما أومأنا إليه أن أمر الهدى والضلال إلى الله لا يتحقق شيء منهما إلا عن مشية منه تعالى غير أنه سبحانه أخبرنا أن هذه المشية منه ليست جزافية غير منتظمة بل لها نظم ثابت فمن اتبع الحق ولم يعانده هداه الله، ومن جاحده واتبع هواه أضله الله فهوإضلال مجازاة غير الإضلال الابتدائي المذموم.

وقد قدم سبحانه الإضلال على الهداية إذ قال:{ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } لأن ذلك أحوج إلى البيان بالنظر إلى أن الكلام مبني على عزته المطلقة فكان من الواجب أن يبين أن ضلال من يضل عن السبيل كهدى من اهتدى إليها إنما هوبمشية منه تعالى ولم يغلب في إرادته ولم يزاحم في ملكه حتى لا يخيل إلى كل مغفل من الناس أن الله يصف نفسه بالعزة المطلقة وأنه غالب غير مغلوب وقاهر غير مقهور ثم يدعوالناس فلا يستجيبون دعوته ويأمرهم وينهاهم فيعصون ولا يطيعون وهل هذا إلا غلبة منهم وقهر وهو مغلوب مقهور؟.

فكأنه تعالى أجاب عن ذلك بأن معنى دعوته تعالى أن يرسل رسولا بلسان قومه فيبين لهم ما يسعدهم مما يشقيهم وأما ضلال من ضل من الناس كهدى من اهتدى منهم فبمشية من الله وإذنه، وحاشاه أن يقهر في سلطانه أويتصرف في ملكه أحد بغير إذنه.

فضلال من ضل منهم دليل عزته فضلا أن يكون ناقضا لها كما أن هدى من اهتدى كذلك، ولذلك ذيل الكلام بقوله:{ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فهوسبحانه عزيز لا يغلبه ولا يضره ضلال من ضل منهم، ولا ينفعه هدى من اهتدى حكيم لا يشاء ما شاء جزافا وعبثا بل عن نظام متقن دائمي.

_________________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج12،ص5-14.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الخروج من الظّلمات إلى النّور!

شرعت هذه السورة ـ كبعض السور القرآنية الأُخرى ـ بالحروف المقطّعة، التي ذكرنا تفسيرها في بداية سورة البقرة وآل عمران، والنقطة التي يجب ملاحظتها هنا أنّ من بين 29 مورداً لسور القرآن التي إبتدأت بالحروف المقطّعة هناك 24 مورد ذكر بعدها مباشرةً القرآن الكريم، والتي تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الإثنين، أي بين الحروف المقطّعة والقرآن، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة، فالله سبحانه وتعالى يريد أن يوضّح من خلال هذا البيان أنّ هذا الكتاب السّماوي العظيم المتعّهد لقيادة الإنسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الألفباء، وهذه تشير إلى أهميّة هذا الإعجاز، حيث يوجد أصدق بيان من أبسط بيان.

وعلى أيّة حال فبعد ذكر الحروف {ألر} يقول تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }.

في الواقع إنّ جميع الأهداف التربوية والإنسانية، المعنوية والمادية من نزول القرآن قد جُمعت في هذه الجملة (الخروج من الظّلمات إلى النّور) أي الخروج من ظلام الجهل إلى نور المعرفة، ومن ظلام الكفر إلى نور الإيمان، من ظلم الظالمين إلى نور العدالة، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن الذنوب إلى الطهارة والتقوى، ومن التفرقة والنفاق إلى نور الوحدة.

ومن الطريف أنّ «الظّلمات» هنا (كما في بعض السور الأُخرى) جاءت بصيغة الجمع و «النّور» بصيغة المفرد، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ الحسنات والطيّبات والإيمان والتقوى لها حالة واحدة في ظلّ التوحيد ونوره، فهي مترابطة ومتّحدة فيما بينها، فتصنع مجتمعاً واحداً متّحداً وطاهراً من كلّ جهة.

بينما الظّلمات تعني التشتّت وتفرقة الصفوف، وحتى الطواغيت والمذنبين والمفسدين والمنحرفين في مسيرتهم الإنحرافية نراهم غير متوحّدين غالباً، وفي حالة حرب فيما بينهم.

ومن هنا لمّا كان مصدر كلّ الخير هي الذات الإلهيّة المقدّسة، والشرط الأساس لدرك التوحيد هو الإلتفات إلى هذه الحقيقة، فإنّه يضيف بلا فاصلة {بإذن ربّهم}.

ولكي يبيّن أكثر ما هو النّور يقول تعالى: { إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }(2)فعزّته دالّة على قدرته، لأنّه لا يستطيع أحد أن يغلبه، والحميد دالّة على نعمه ومواهبه غير المتناهية، لأنّ الحمد والثناء دائماً تكون في مقابل النعم والمواهب.

الآية الثانية ولكي تعرّف الله بصفاته، تبيّن درساً من دروس التوحيد حيث تقول: { اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(3) فله كلّ شيء، لأنّه خالق جميع الموجودات، ولهذا السبب هو القادر والعزيز وواهب النعم والحميد.

ثمّ يتطرّق في نهاية الآية إلى مسألة المعاد (بعد أن ذكر المبدأ) فتقول الآية: { وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }.

ثمّ يُعرّف القرآن الكريم الكفّار في الآية الأُخرى، ويذكر لهم ثلاث صفات كيما نستطيع أن نعرّفهم من أوّل وهلة، يقول تعالى أوّلا: { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ }(4) فهم يضحّون بالإيمان والحقّ والعدالة والشرف التي هي من خصائص محبّي الآخرة، من أجل منافعهم الشخصيّة وشهواتهم.

ثمّ يبيّن تعالى أنّ هؤلاء غير قانعين بهذا المقدار من الضلال، بل يسعون في أن يضلّوا الآخرين { وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } فهم في الواقع يوجدون الموانع المختلفة في طريق الفطرة الإلهيّة فيزيّنون الهوى، ويدعون الناس إلى الذنوب، ويخوّفونهم من الصدق والإخلاص.

ولا يقتصر عملهم على ذلك فحسب، بل {ويبغونها عوجاً} ثمّ يحاولون أن يصبغوا الآخرين بصبغتهم، ويسعون في أن يحرفوا السبيل للوصول إلى هدفهم من خلال نشر الخرافات وإبتداع السنن الخبيثة { أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }.

وهذا الضلال قد أوجد بُعد المسافة بينهم وبين الحقّ فكان من العسير جدّاً عودتهم إلى طريق الحقّ، ولكن ذلك كان نتيجة لأعمالهم.

الأيّام الحسّاسة في الحياة:

كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن الكريم وآثاره الروحية، وتتابع الآية الأُولى من هذه المجموعة نفس الموضوع، لكن في بُعد خاص وهو أنّ دعوة الأنبياء وكتبهم السّماوية نزلت بلسان أوّل قوم بُعِثوا إليهم. يقول تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ }.

لأنّ الأنبياء يرتبطون في الدرجة الأُولى مع قومهم، وأوّل نور الوحي يشعّ من بينهم، وأوّل الصحابة والأنصار يُنتخبون منهم، لذلك فإنّ الرّسول يجب أن يحدّثهم بلغتهم وبلسانهم {ليُبيّن لهم}.

وفي الحقيقة فإنّ هذه الجملة تشير إلى أنّ دعوة الأنبياء لا تنعكس في قلوب أتباعهم باُسلوب مرموز وغير معروف، بل كانت توضّح لهم من خلال التبيين والتعليم والتربية وبلسانهم الرائج.

ثمّ يضيف القرآن الكريم بعد أن بيّن لهم الدعوة الإلهيّة { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فليست الهداية والضلال من عمل الأنبياء، بل عملهم الإبلاغ والتبيين، الله سبحانه وتعالى هو الموجّه والهادي الحقيقي لعباده.

ولكي لا يتصوّر أحد أنّ هذا القول بمعنى الجبر وسلب الحريّات، فيضيف القرآن مباشرة { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وبمقتضى عزّته وقدرته فانّه قادر على كلّ شيء، ولا أحد له قدرة على المقاومة في مقابل إرادته تعالى، ولكن بمقتضى حكمته لا يهدي ولا يضلّ أحداً بدون سبب ودليل، بل الخطوة الأُولى تبدأ من قبل العباد وبكامل الحرية في السير إلى الله، ثمّ يشعّ نور الهداية وفيض الحقّ في قلوبهم، كما في سورة العنكبوت الآية (69) { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.

وكذلك حال الذين تاهوا في وادي الضلالة وحُرِموا من فيض الهداية، فهو نتيجة لتعصّبهم الأعمى ومحاربتهم للحقّ، وغرقهم في الشّهوات، وتلوّثهم بالظلم والجور. كما يقول تعالى: { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}،(غافر ،34) ويقول أيضاً: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}،(البقرة،26) وقوله تعالى: { وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ }(أبراهيم،27).

__________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج6،ص479-485.

2 ـ «إلى صراط الله» في الواقع بدل من «إلى النّور» فالمقصود من الهداية إلى النّور هو الهداية إلى صراط العزيز الحميد، و «كتاب أنزلناه» خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب أنزلناه.

3 ـ (الله): بالكسر لأنّه بدل من {العزيز الحميد}.

4 ـ يقول الراغب في مفرداته: استحبّ الكفر على الإيمان، والإستحباب هو سعي الإنسان لأنّ يحبّ شيئاً، وإذا ما تعدّى بـ(على) فسوف يصرف عنه المعنى المتقدّم كما في {أمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى}.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .