المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16311 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (108-111) من سورة يوسف  
  
6895   05:55 مساءً   التاريخ: 12-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يوسف /

 

قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوإِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [يوسف: 108 - 111].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يبين للمشركين ما يدعوإليه فقال { قل} يا محمد لهم { هذه سبيلي} أي: طريقي وسنتي ومنهاجي عن ابن زيد وقيل معناه: هذه الدعوة التي أدعوإليها ديني وطريقي عن مقاتل والجبائي ثم فسر ذلك بقوله { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} أي: أدعوإلى توحيد الله وعدله ودينه على يقين ومعرفة وحجة قاطعة لا على وجه التقليد { أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} أي: أدعوكم أنا ويدعوكم أيضا إليه من آمن بي ويذكر بالقرآن والموعظة وينهى عن معاصي الله قال ابن الأنباري ويجوز أن يتم الكلام عند قوله { أدعوا إلى الله } ثم ابتدأ وقال { عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} وهذا معنى قول ابن عباس أنه يعني أصحاب محمد كانوا على أحسن طريقة { وسبحان الله } معناه: تنزيها لله عما أشركوا وتقديره قل هذه سبيلي وقل سبحان الله وقيل: أنه اعتراض بين الكلامين والواوفيه مثل قولك قال: الله وهو منزه عن الشركاء سبحان الله { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الذين اتخذوا مع الله ندا وكفوا وولدا وفي هذه الآية دلالة على فضل الدعاء إلى الله سبحانه وإلى توحيده وعدله ويعضد ذلك الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: العلماء أمناء الرسل على عباده وفيها دلالة أيضا على أنه (عليه السلام) كان يدعو إلى الله في كل أوقاته وإن كان يبين الشرائع في أوقات ما وفيها دلالة أيضا على أن الواجب في السعي أن يكون على ثقة وبصيرة ودلالة قاطعة وذلك يوجب فساد التقليد { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} بين سبحانه أنه إنما أرسل الرسل من أهل الأمصار لأنهم أرجح عقلا وعلما من أهل البوادي لبعد أهل البوادي عن العلم وأهله عن قتادة.

 وقال الحسن لم يبعث الله نبيا قط من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة  والجفاء وأهل الأمصار أحد فطنا { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي: أ فلم يسر هؤلاء المشركون المنكرون لنبوتك يا محمد في الأرض { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الأمم المكذبين لرسلهم وكيف أهلكهم الله بعذاب الاستئصال فيعتبروا بهم ويحذروا مثل ما أصابهم { وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} يقول هذا صنيعنا بأهل الإيمان والطاعة في دار الدنيا إذ أهلكنا عدوهم ونجيناهم من شرهم ولدار الآخرة خير لهم من دار الدنيا ونعيمها.

 وروى أبوسعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: لشبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها قال الزجاج قال الله سبحانه في غير هذا الموضع :{الدار الآخرة }: فالآخرة نعت للدار لأن لجميع الخلق دارين الدار التي خلقوا فيها وهي الدنيا والدار الآخرة هي التي يعادون فيها خلقا جديدا فإذا قال دار الآخرة فكأنه قال دار الحال الآخرة لأن للناس حالين حال الدنيا وحال الآخرة ومثل هذا في الكلام الصلاة الأولى وصلاة الأولى فمن قال الصلاة الأولى جعل الأولى نعتا للصلاة ومن قال صلاة الأولى أراد صلاة الفريضة الأولى والساعة الأولى { أ فلا تعقلون } أي: أ فلا يفهمون ما قيل لهم فيعلمون .

ثم أخبر سبحانه وتعالى عن حال الرسل مع أممهم تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} وهاهنا حذف يدل الكلام عليه وتقديره إنا أخرنا العقاب عن الأمم السالفة المكذبة لرسلنا كما أخرناه عن أمتك يا محمد حتى إذا بلغوا إلى حالة يأس الرسل عن إيمانهم وتحقق يأسهم بإخبار الله تعالى إياهم { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي: تيقن الرسل أن قومهم كذبوهم تكذيبا عاما حتى أنه لا يصلح واحد منهم عن عائشة والحسن وقتادة وأبي علي الجبائي ومن خفف فمعناه ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم من نصر الله إياهم وإهلاك أعدائهم عن ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد والضحاك وأبي مسلم وقيل: يجوز أن يكون الضمير في ظنوا راجعا إلى الرسل أيضا ويكون معناه: وعلم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم أخلفوهم أوكذبوا فيما أظهروه من الإيمان.

 وروي أن سعيد بن جبير والضحاك اجتمعا في دعوة فسئل سعيد بن جبير في هذه الآية كيف يقرأها فقال: { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} بالتخفيف بمعنى وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم فقال الضحاك: ما رأيت كاليوم قط لورحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا وروى أبي مليكة عن ابن عباس قال: كانوا بشرا فضعفوا ويئسوا وظنوا أنهم قد أخلفوا ثم تلا قوله تعالى: { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } الآية وهذا بعيد وقد بينا ما فيه.

 { جاءهم } أي: جاء الرسل { نصرنا } حين يأسوا بإرسال العذاب على الكفار { فنجي من نشاء } أي: نخلص من نشاء من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون { ولا يرد بأسنا } أي: عذابنا { عن القوم المجرمين } أي: المشركين { لقد كان في قصصهم } أي: في قصص يوسف وإخوته { عبرة } أي: فكرة وبصيرة من الجهل وموعظة وهوما أصابه (عليه السلام) من ملك مصر والجمع بينه وبين أبويه وإخوته بعد إلقائه في الجب وبيعه وحبسه وقيل: في قصصهم عبرة لأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقرأ كتابا ولا سمع حديثا ولا خالط أهله ثم حدثهم به في حسن معانيه وبراعة ألفاظه ومبانيه بحيث لم يرد عليه أحد من ذلك شيئا فهذا من أدل الدلائل على صدقه وصحة نبوته { لأولي الألباب } أي: لذوي العقول { ما كان حديثا يفترى } أي: ما كان ما أداه محمد أوأنزل عليه حديثا يختلق كذبا { ولكن تصديق الذي بين يديه } أي: ولكن كان تصديق الكتب الذي بين يديه لأنه جاء كما بشر به في الكتب عن الحسن وقتادة { وتفصيل كل شيء } أي: وبيان كل شيء يحتاج إليه من الحلال والحرام وشرائع الإسلام { وهدى } أي: ودلالة { ورحمة } أي: ونعمة ينتفع بها المؤمنون علما وعملا { لقوم يؤمنون } إنما خصهم بذلك لأنهم المنتفعون به دون غيرهم وبالله التوفيق والعصمة وهو حسبنا ونعم الوكيل .

________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص463-469.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي } . أمر اللَّه محمدا

أن يقول للمشركين : هذه سبيلي وسنتي ، وحقيقتها ظاهرا وواقعا هي الدعوة إلى اللَّه عن علم وبالحجة والمنطق . . وليس من شك ان كل الأنبياء وأتباعهم المخلصين يدعون إلى الايمان باللَّه واليوم الآخر ، وإقامة الحق والعدل ، يدعون إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومجابهة الحجة بالحجة ، والفكرة بالفكرة على المنطق السليم الذي تعتمد عليه رسالة النبيين ، ودعوة المصلحين { وسُبْحانَ اللَّهِ وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . هذا بيان وتفسير لدعوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وانها منزهة عن الشرك بشتى معانيه .

{ وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى } . المراد بأهل القرى من يسكن الحضر دون البادية ، سواء أكان المصر الذي يسكن فيه الحضريون كبيرا ، أم صغيرا . وقال المفسرون : { تدل الآية على أن اللَّه ما بعث امرأة على الإطلاق ، ولا رجلا من البدولأن فيهم غلظة وجفاء } . . ذكر المفسرون جفاء أهل البادية ، ونسوا انهم أصدق لهجة ، وأصفى فطرة من أهل الحضر ، وأيضا نسوا اهتمام النساء بأحمر الشفاه وتبييض الخدود ، وعلى أية حال فان اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته . . أما الغرض من الآية فهوإلقاء الحجة على من أنكر رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأنه لم يكن الوحيد في رسالته ، فلقد كان الرسل من قبله رجالا مثله يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وكانت دعوتهم تماما كدعوته ، فكيف عجبتم أيها المشركون من إرسال محمد ، ولم تعجبوا من إرسال غيره ؟ . .

وتصلح هذه الآية جوابا للذين أشار إليهم سبحانه في الآية 41 من سورة الفرقان :

{ وإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا } .

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } . مر نظيره مع التفسير في الآية 137 من سورة آل عمران ج 2 ص 159 { ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ } . وقوله للذين اتقوا من أوضح الدلالات على أن الطريق إلى سعادة الإنسان في الآخرة هوالعمل الصالح في هذه الحياة ، وأصلح الأعمال فيها ما يهدف إلى خير الإنسان وهدايته ، وصيانة حقه وحريته من العبث والظلم .

{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ ولا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } . دعا الرسل الأمم إلى اللَّه فلم  يستجيبوا ،  نذروهم بعذاب أليم في الدنيا قبل الآخرة فسخروا واستهانوا . . وانتظر الرسل نزول العذاب على المستهزئين ، وطال أمد الانتظار إلى حد يستدعي اليأس والظن بأن العذاب لن يأتي ، والوعيد به لن يتحقق . ولما بلغ أمد الانتظار هذا المبلغ جاء النصر للأنبياء ، وصدق الوعيد والتهديد ، ووقع العذاب على المجرمين ، ونجا الذين اتقوا لا يمسهم السوء ، ولا هم يحزنون . . فقاله تعالى : استيأس الرسل وظنوا الخ إن هوإلا كناية عن ألم الانتظار وطول مدته ، ومثل هذا الأسلوب في الكنايات والمبالغات كثير ومألوف في اللغة العربية ، وللمفسرين هنا أقول وآراء بعيدة كل البعد عن دلالة اللفظ وسياق الكلام ، بالإضافة إلى أنها تزيد القارئ حيرة وتضليلا .

{ لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبابِ } . الضمير في قصصهم يعود إلى يوسف مع إخوته ، ومع امرأة العزيز والملك . . وقد بينا فيما سبق ان في قصة يوسف ألوانا من العبر والعظات ، وأهمها ان من ييأس من الناس ، ويعتمد على اللَّه وحده فلا بد أن تكون عاقبته إلى خير .

{ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى ولكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وهُدىً ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } . ان كل ما جاء في القرآن هوحق وصدق ، ومنه قصة يوسف ، وقد جاءت على وفق ما أنزله اللَّه على أنبيائه السابقين في الكتب السماوية مع العلم بأن محمدا لم يقرأها بنفسه ولم يسمعها من غيره ، هذا إلى جانب ان في القرآن بيان العقيدة والشريعة ، وانه هدى لمن يطلب الهداية لوجهها ، ورحمة لمن يعمل بأحكامه ويتعظ بمواعظه . . وليس من شك ان الذين يتعظون بهدى اللَّه هم { الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ - 82 الأنعام } .

_______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص366-368.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} لما ذكر سبحانه أن محض الإيمان به والإخلاص التوحيد له عزيز المنال وهو الحق الصريح الذي تدل عليه آيات السماوات والأرض أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبين لهم أن سبيله هو الدعاء إلى هذا التوحيد على بصيرة.

فقوله:{هذه سبيلي} إعلان لسبيله، وقوله:{أدعوا إلى الله على بصيرة} بيان للسبيل، وقوله:{وسبحان الله} اعتراض للتنزيه، وقوله:{وما أنا من المشركين} تأكيد لمعنى الدعوة إلى الله وبيان أن هذه الدعوة ليست دعوة إليه تعالى كيف كان بل دعوة على أساس التوحيد الخالص لا معدل عنه إلى شرك أصلا.

وأما قوله:{أنا ومن اتبعني} فتوسعة وتعميم لحمل الدعوة وأن السبيل وإن كانت سبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مختصة به لكن حمل الدعوة والقيام به لا يختص به بل من اتبعه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم بها لنفسه.

لكن السياق يدل على أن الإشراك ليس بذاك العموم الذي يتراءى من لفظ{من اتبعني} فإن السبيل التي تعرفها الآية هي الدعوة عن بصيرة ويقين إلى إيمان محض وتوحيد خالص وإنما يشاركه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها من كان مخلصا لله في دينه عالما بمقام ربه ذا بصيرة ويقين وليس كل من صدق عليه أنه اتبعه على هذا النعت، ولا أن الاستواء على هذا المستوي مبذول لكل مؤمن حتى الذين عدهم الله سبحانه في الآية السابقة من المشركين وذمهم بأنهم غافلون عن ربهم آمنون من مكره معرضون عن آياته، وكيف يدعو إلى الله من كان غافلا عنه آمنا من مكره معرضا عن آياته وذكره؟ وقد  وصف  الله في آيات كثيرة أصحاب هذه النعوت بالضلال والعمى والخسران ولا تجتمع هذه الخصال بالهداية والإرشاد البتة.

قوله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إلى آخر الآية، لما ذكر سبحانه حال الناس في الإيمان به ثم حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته إياهم عن رسالة إلهية من غير أن يسألهم فيها أجرا أو يجر لنفسه نفعا بين أن ذلك ليس ببدع من الأمر بل مما جرت عليه السنة الإلهية في الدعوة الدينية فلم يكن الرسل الماضون ملائكة وإنما بعثوا من بين هؤلاء الناس وكانوا رجالا من أهل القرى يخالطون الناس ويعرفون عندهم أوحى الله إليهم وأرسلهم نحوهم يدعونهم إليه كما أن النبي كذلك، ومن الممكن أن يسير هؤلاء المدعوون في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فبلادهم الخربة ومساكنهم الخالية تفصح عما آل إليه أمرهم، وتنبىء عن عاقبة كفرهم وجحودهم وتكذيبهم لآيات الله.

فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدعوهم إلا كما كان يدعوهم الأنبياء من قبله، وليس يدعوهم إلا إلى ما فيه خيرهم  وصلاح حالهم وهو أن يتقوا الله فيفلحوا  ويفوزوا بسعادة خالدة ونعيم مقيم في دار باقية ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أ فلا تعقلون.

فقوله:{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} تطبيق لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على دعوة من قبله من الرسل.

ولعل توصيفهم بأنهم كانوا من أهل القرى للدلالة على أنهم كانوا من أنفسهم يعيشون بينهم ومعروفين عندهم بالمعاشرة والمخالطة ولم يكونوا ملائكة ولا من غير أنفسهم، ويؤيد ذلك توصيفهم بأنهم كانوا رجالا فإن الرجال كانوا أقرب إلى المعرفة من النساء ذوات الخدر.

وقوله:{أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} إنذار لأمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثل ما أنذر به الأمم الخالية فلم يسمعوا فذاقوا وبال أمرهم.

وقوله:{ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أ فلا تعقلون} بيان النصح وأن ما يدعون إليه وهو التقوى ليس وراءه إلا ما فيه كل خيرهم وجماع سعادتهم.

قوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} إلى آخر الآية ذكروا أن يأس واستيئس بمعنى، ولا يبعد أن يقال: إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال وهو مما يعد يأسا عرفا وليس باليأس القاطع حقيقة.

وقوله:{حتى إذا استيئس} إلخ متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة والمعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى وتلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس، وظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء وهم المؤمنون ولا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين.

أما استيئس الرسل من إيمان قومهم فكما أخبر في قصة نوح:{ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}: هود: 36{ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا }: نوح: 27 ويوجد نظيره في قصص هود وصالح وشعيب وموسى وعيسى (عليهما السلام).

وأما ظن أممهم أنهم قد كذبوا فكما أخبر عنه في قصة نوح من قولهم:{بل نظنكم كاذبين}: هود: 27، وكذا في قصة هود وصالح وقوله:{فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا}: الأسراء 101.

وأما تنجية المؤمنين بالنصر فكقوله تعالى:{وكان حقا علينا نصر المؤمنين:} الروم: 47 وقد أخبر به في هلاك بعض الأمم أيضا كقوله:{ نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}: هود: 58{ نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}: هود: 66{ نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ }: هود: 94، إلى غير ذلك.

وأما إن بأس الله لا يرد عن المجرمين فمذكور في آيات كثيرة عموما وخصوصا كقوله:{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ:} يونس: 47، وقوله:{ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}: الرعد: 11 إلى غير ذلك من الآيات.

هذا أحسن ما أوردوه في الآية من المعاني، والدليل عليه كون الآية بمضمونها غاية لما تتضمنه سابقتها كما قدمناه، وقد أوردوا لها معاني أخرى لا يخلو شيء منها من السقم والإضراب عنها أوجه.

قوله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} إلى آخر الآية قال الراغب أصل العبر تجاوز من حال إلى حال فأما العبور فيختص بتجاوز الماء - إلى أن قال - والاعتبار والعبرة بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد قال تعالى: إن في ذلك لعبرة. انتهى.

والضمير في قصصهم للأنبياء ومنهم يوسف صاحب القصة في السورة، واحتمل رجوعه إلى يوسف وإخوته والمعنى أقسم لقد كان في قصص الأنبياء أو يوسف وإخوته عبرة لأصحاب العقول، ما كان القصص المذكور في السورة حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يدي القرآن، وهو التوراة المذكور فيها القصة يعني توراة موسى (عليه السلام).

وقوله:{وتفصيل كل شيء} إلخ أي بيانا وتمييزا لكل شيء مما يحتاج إليه الناس في دينهم الذي عليه بناء سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهدى إلى السعادة والفلاح ورحمة خاصة من الله سبحانه لقوم يؤمنون به فإنه رحمة من الله لهم يهتدون بهدايته إلى صراط مستقيم.

__________________

1- تفسير الميزان ، الطباطبائي،ج11،ص228-231.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أصدق الدروس والعبر:

في الآية الأُولى من هذه المجموعة يتلقّى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأوامر لتحديد الطريق والمنهج الذي يتّبعه، فيقول القرآن الكريم: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} ثمّ يضيف: { عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.

وهذه الجملة توضّح أنّ كلّ فرد مسلم مقتد بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له نفس الدور في الدعوة إلى الحقّ، ولابدّ من دعوة الآخرين إلى الله، من خلال أفعالهم وأقوالهم، وكذلك تؤكّد هذه الجملة على أنّ القائد يجب أن تكون له بصيرة ومعرفة كافية، وإلاّ فإنّ دعوته ليست إلى الحقّ، وللتأكيد على ذلك يضيف القرآن الكريم: { وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

فهو يؤكّد على نزاهة الخالق الذي يدعو إليه وكماله المطلق الخالي من النقصان وأنّه لا يتّخذ معه شريكاً.

هذه في الواقع من خصائص القائد الصادق، أن يعلن بصراحة عن أهدافه وخُططه، وأن يسير هو والتابعين له على منهج واضح وسليم، لا أن تسودهم هالة من الإبهام في الهدف والطريقة. أو أن يسير كلّ واحد منهم في جهة معيّنة.

فواحدة من الطرق التي نتعرّف بها على القيادات الصادقة من الكاذبة هو أنّ القيادة الصادقة تتميّز بصراحة القول ووضوح الطريق أمّا الأُخرى فهي لكي تحاول التغطية على سلوكها وتلتجىء إلى الحديث المبهم والمتعدّد الجوانب.

إنّ وقوع هذه الآية بعد الآيات المتعلّقة بيوسف تشير إلى أنّ طريقة ومنهج النّبي لا يختلفان عن طريقة ومنهج يوسف النّبي. فهو كان يدعو إلى «الله الواحد القهّار» حتّى في زوايا السجن، أمّا غيره فكان يدعو إلى أسماء انتقلت إليه بسبب التقليد من جاهل إلى جاهل آخر. أمّا سيرة الأنبياء والرسل كلّها واحدة.

وبما أنّ الأقوام الضالّة والجاهلة كانت دائماً تثير هذا الإعتراض على الأنبياء وهو أنّكم بَشر؟! ولماذا لا تُكلّف الملائكة لهذا الأمر؟ وبما أنّ الناس في الجاهلية كانوا يثيرون نفس الإعتراض بالنسبة إلى الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته العامّة، فإنّ القرآن الكريم يجيب مرّة ثانية على هذا الإعتراض فيقول: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}.

هؤلاء الرّسل هم كباقي الناس يعيشون في المدن والقرى، ويتجوّلون بين الناس ويشعرون بآلامهم وإحتياجاتهم ومشاكلهم.

فالوصف هنا بـ(من أهل القرى) بالإضافة إلى ما تشمله القرية في اللغة من معنى المدينة أو الريف في مقابل «البدو» التي تطلق على أهل الصحراء، فإنّها قد تشير إلى أنّ أنبياء الله لم ينهضوا من بين سكنة الصحراء ـ كما صرّح بذلك بعض المفسّرين ـ لأنّ سكّان البادية يتّصفون بالجهل وعدم المعرفة وقلوبهم قاسية ويمتازون بقلّة معلوماتهم عن الحياة ومتطلّباتها.

صحيح أنّ أكثر سكّان أرض الحجاز كانوا من البدو، ولكن الرّسول من أهل مكّة التي تعتبر مدينة كبيرة نسبيّاً، وصحيح أيضاً أنّ مدينة كنعان لو قِيست بأرض مصر التي كان يوسف يحكم فيها لكانت صغيرة وغير مهمّة ولذلك كان يعبّر عنها بالبدو. ولكن نحن نعلم أنّ يعقوب وأبناءه لم يكونوا من أهل البادية أبداً، فهم كانوا يعيشون في هذه المدينة الصغيرة كنعان.

ثمّ يبيّن القرآن الكريم: إذا ما أراد هؤلاء أن يعلموا عاقبة مخالفتهم لدعوتك التي هي الدعوة إلى الله فإنّ عليهم أن يسيروا ليروا آثار السابقين: { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.

إنّ السير والتجوال في الأرض لمشاهدة آثار الماضين وخراب دورهم ومدنهم بسبب العذاب الإلهي، أفضل درس لهم، درس حي وملموس للجميع. { وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

لماذا؟ لأنّ الدنيا دار مليئةً بالمصائب والآلام وغير باقية، أمّا الآخرة فدار خالدة وخالية من الآلام والعذاب.

{ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} (2).

تشير هذه الآية إلى أدقّ وأصعب لحظة في حياة الأنبياء فنقول: إنّ الأنبياء يواجهون دائماً مقاومة عنيفة من قبل أقوامهم وطواغيت زمانهم حتّى يصل الحال بالأنبياء إلى اليأس إلى حدّ يظنّون أنّ أتباعهم المؤمنين القليلين قد كذبوا عليهم وتركوهم وحدهم في مسيرتهم في الدعوة إلى الحقّ، وفي هذه الأثناء حيث إنقطع أملهم في كلّ شيء أتاهم نصرنا. وفي نهايتها تشير إلى عاقبة المجرمين { وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.

فهذه سنّة الله في الذين أصرّوا على أعمالهم وأغلقوا باب الهداية على أنفسهم، فهم وبعد إتمام الحجّة عليهم ينالهم العذاب الإلهي فلا تستطيع أي قوّة أن تردّه.

في تفسير هذه الجملة من الآية: {ظنّوا أنّهم قد كذبوا} ومن المقصود بها، هناك عدّة آراء للمفسرين:

1 ـ إنّ كثيراً من علماء التّفسير يرون ما قلناه سابقاً، وخلاصته: إنّ عمل الأنبياء يصل إلى درجة يعتقدون فيها أنّ كلّ الناس سوف يكذبوهم، حتّى تلك المجموعة التي تظهر إيمانها ولكنّها غير راسخة في عقيدتها.

2 ـ ويحتمل في تفسير الآية أنّ فاعل «ظنّوا» هم المؤمنون، وإنّ المشاكل والإضطرابات تصل إلى حدٍّ بأن يسوء ظنّهم بما وعدهم الأنبياء من النصر ويخيل إليهم أنّه خلاف الواقع؟ وليس بعيداً سوء الظنّ هذا من الأفراد الذين آمنوا حديثاً.

3 ـ وبعض آخر أعطى تفسيراً ثالثاً للآية، وخلاصته: إنّ الأنبياء ـ بدون شكّ ـ كانوا بشراً، فحين يُزلزلوا زلزالا شديداً وتبدوا جميع الأبواب أمامهم موصدة ظاهراً، ولا يُرى في الاُفق فرج، والحوادث المتتالية تعصف بهم، وصرخات المؤمنين الذين نفذ صبرهم تصل إلى أسماعهم، نعم في هذه الحالة وبمقتضى الطبع البشري قد يتبادر إلى أذهانهم أنّ الوعد بالنصر بعيد عن الصحّة! أو أنّ النصر الموعود له شروطه التي لم تتحقّق بعد، ولكن سرعان ما يتغلّبون على هذه الأفكار ويبعدونها عن أذهانهم ويشع في قلوبهم بصيص الأمل، ومن ثمّ تتّضح لهم بشائر النصر.

وشاهدهم على هذا التّفسير الآية (214) سورة البقرة: {... حتّى يقول الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ...}.

ولكن مجموعة أُخرى من المفسّرين أمثال العلاّمة «الطبرسي» في مجمع البيان و «الرازي» في تفسيره الكبير، بعد ما ذكروا هذا الإحتمال قالوا ببطلانه لأنّه حتّى هذا المقدار من التوهّم ليس من مقام الأنبياء، وعلى أيّة حال فالأصحّ هو التّفسير الأوّل.

وآخر آية من هذه السورة ذات محتوىً شامل وجامع لكلّ الأبحاث التي ذكرناها في هذه السورة، وهي: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

فهي مرآة يستطيعون من خلالها أن يروا عوامل النصر والهزيمة، الهناء والحرمان، السعادة والشقاء، العزّ والذلّة، والخلاصة كلّ ما له قيمة في حياة الإنسان وما ليس له قيمة. وهي مرآة لكلّ تجارب المجتمعات السابقة والرجال العظام. ومرآة نشاهد فيها ذلك العمر القصير للإنسان كيف يطول بمقدار عمر كلّ البشر. ولكن أُولي الألباب وذوي البصائر فقط بإستطاعتهم أن يشاهدوا العبر في صفحة المرآة العجيبة هذه: { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}.

فهذه الآيات التي أنزلناها عليك والتي أزاحت الستار عن التأريخ الصحيح للاُمم السابقة ليست من العلم البشري الذي يمكن معرفته عن العلماء، بل إنّ الكتب السّماوية السابقة تشهد على ذلك وتصدّقه وتؤيّده وبالإضافة إلى ذلك ففي هذه الآيات كلّ ما يحتاجه الإنسان في تأمين سعادته وتكامله: {وتفصيل كلّ شيء}.

ولهذا السبب فهي { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فالظاهر من الآية أعلاه أنّها تُريد أن تشير إلى هذه النقطة المهمّة وهي: إنّ للقصص المصنوعة ذات الإثارة كثيرة في أوساط الاُمم وهي من الأساطير الخيالية، ولكن لا يتوهّم أحد بأنّ سيرة يوسف أو سير بقيّة الأنبياء التي ذكرها القرآن الكريم من ذلك القبيل.

المهمّ أنّ هذه القصص المثيرة وذات العِبَر هي عين الواقع ولا تحتوي على أدنى إنحراف عن الواقع الموضوعي، ولهذا السبب يكون تأثيرها كبيراً جدّاً، لأنّنا نعلم أنّ الأساطير مهما تكن شيّقة ومثيرة فإنّ تأثيرها قليل إذا ما قُورنت مع سيرة واقعيّة لأنّ:

1 ـ عندما يصل القاريء أو المستمع للقصّة إلى أقصى لحظات الإثارة يتبادر إلى ذهنه فجأة أنّ هذا وهم وخيال ليس أكثر!

2 ـ إنّ هذه القصص في الواقع هي من هندسة الإنسان، فهو يحاول أن يُجسّم أفكاره في سلوك بطل القصّة، ولذلك فهي ليست أكثر من فكر الإنسان، وهذه القصّة بالمقارنة مع السير الواقعيّة بينهما فرق شاسع ولا تستطيع القصّة البشرية أن تكون أكثر من موعظة لصاحب المقالة. ولكن التاريخ الواقعي للبشر ليس كذلك، فهو أكثر ثمراً ونفعاً وأكثر بركة.

_______________

1- تفسير الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج6، ص376-380.

2- ذكر (حتى) بشكل غائب لجملة محذوفة وتقديرها ( أن الرسل أقاموا على دعوتهم والكافرين بهم على مخالتهم اذا استيءس الرسل ...).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء