المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18009 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
حمى التيفوس الوبائي Epidemic Typhus Fever
2024-12-22
الهيكل المحوري Axial Skeleton
2024-12-22
الموقوفون لأمر الله
2024-12-22
سبعة أبواب لجنهم
2024-12-22
مناخ السفانا Aw
2024-12-22
جحود الكافرين لآيات الله الباهرات
2024-12-22

معاني التوحيد في آية الكرسي
27-11-2015
Plant
28-10-2015
Transverse Relativistic Doppler Effect
13-7-2016
Schläfli Integral
17-11-2018
يشكل السيترولين مع الاسبارتات الأرجينيوسكسينات
28-9-2021
الوليد والإمام زين العابدين (عليه السلام)
1-11-2017


تفسير الآية (30-35) من سورة يوسف  
  
10727   05:56 مساءً   التاريخ: 4-7-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يوسف /

 

قال تعالى:{ وقَالَ نِسوَةٌ فى الْمَدِينَةِ امْرَأَت الْعَزِيزِ تُرَوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شغَفَهَا حُباًّ إِنَّا لَنرَاهَا فى ضلَل مُّبِين(30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 31 - 35]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ذكر سبحانه شياع هذه القصة فقال { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ } أي: جماعة من النساء في المصر الذي كان فيه الملك وزوجته ويوسف { امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} أي: امرأة العزيز تدعومملوكها إلى نفسها ليفجر بها { قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} أي: أحبته حبا دخل شغاف قلبها { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: في خطإ بين وذهاب عن طريق الرشد بدعائها مملوكها إلى الفجور بها قال الكلبي: هن أربع نسوة: امرأة ساقي الملك وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وقال مقاتل: كن خمسا وزاد امرأة الحاجب .

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} أي: لما سمعت المرأة بتعييرهن إياها وقصدهن إشاعة أمرها وسماه مكرا لأن قصدهن من هذا القول كان أن تريهن يوسف لما وصف لهن من حسنه فخالف ظاهر الكلام باطنه فسمي ذلك مكرا وقيل: لأنها أظهرت لهن حبها إياه واستكتمتهن ذلك فأظهرنه فسمي ذلك مكرا { أرسلت إليهن } فاستضافتهن قال: وهب اتخذت مأدبة ودعت أربعين امرأة منهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي: وأعدت لهن وسائد يتكين عليها عن ابن عباس والاتكاء: الميل إلى أحد الشقين وقيل أراد بقوله { متكأ } الطعام من قول العرب اتكأنا عند فلان أي: أطعمنا عنده وأصله أن من دعي إلى طعام يعد له المتكأ فيسمى الطعام متكأ على الاستعارة وقال الضحاك: كان ذلك الطعام الزماورد وقال عكرمة: هو كل ما يجز بالسكين لأنه يؤكل في الغالب على متكإ وقال سعيد بن جبير: أنه كل طعام وشراب على عمومه وبه قال الحسن: وأما المتك فقد قيل فيه أنه الأترج على ما تقدم بيانه وقال السدي: بل هو المجلس وكل شيء يجز بالسكين يقال له متك.

 { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} أي: وأعطت كل واحدة من تلك النسوة سكينا لتقطع به الفواكه والأترج على ما هو العادة بين الناس { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} أي: وقالت امرأة الملك ليوسف (عليه السلام) وكانت قد أجلسته غير مجلسهن فأمرته بالخروج عليهن في هيأته إما للخدمة وإما للسلام أوليرينه ولم يكن يتهيأ له أن لا يخرج لأنه بمنزلة العبد لها عن الزجاج { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: أعظمنه وتحيرن في جماله إذ كان كالقمر ليلة البدر.

 { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} بتلك السكاكين على جهة الخطإ بدل قطع الفواكه فما أحسسن إلا بالدم ولم يجدن ألم القطع لإشغال قلوبهن بيوسف (عليه السلام) عن مجاهد والمعنى: جرحن أيديهن وهذا مستعمل في الكلام تقول للرجل قد قطعت يدي تريد قد خدشتها وقيل: إنهن ابن أيديهن حتى ألقينها عن قتادة { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} وحاشى لله أي: صار يوسف في حشا أي: ناحية مما قذف به أي: لم يلابسه والمعنى بعد يوسف عن هذا الذي رمى به الله أي: لخوفه ومراقبته أمر الله هذا قول أكثر المفسرين قالوا: هذا تنزيه ليوسف عما رمته به امرأة العزيز وقال آخرون: هذا تنزيه له من شبه البشر لفرط جماله ويدل على هذا سياق الآية { مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} أي: رفع الله منزلته عن منزلة البشر فنعوذ بالله أن نقول إنه بشر ومعناه :أنه منزه أن يكون بشرا وليس صورته صورة البشر ولا خلقته خلقة البشر ولكنه ملك كريم لحسنه ولطافته وروي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثانية رأيت رجلا صورته صورة القمر ليلة البدر قلت يا جبريل من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف وقيل معناه ليس هذا إلا ملك كريم في عفته قال الجبائي: وهذا يدل على أن الملك أفضل من بني آدم لأنهن ذكرن من هو في نهاية الفضل ولم ينكر الله تعالى ذلك عليهن وهذا من ركيك الاستدلال لأنه سبحانه إنما حكى عن النساء إعظامهن ليوسف حين رأين جماله وبعده عن السوء فشبهنه بالملك ولم يقصدن كثرة الثواب الذي هو حقيقة الفضل وإنما لم ينكره سبحانه عليهن لأنه علم أنهن لم يقصدن في كلامهن ما حمله عليه الجبائي على أن الظاهر يقتضي أنهن نفين أن يكون يوسف من البشر وقطعن على أنه ملك وهذا كذب ولم ينكره الله سبحانه عليهن لما علم من أنهن يقصدن بذلك تشبيه حاله بحال الملائكة .

{ قالت } امرأة العزيز للنسوة التي عذلنها على محبتها ليوسف { فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} أي: هذا هو ذلك الذي لمتنني في أمره وفي حبه وشعفي به جعلت إعظامهن إياه عذرا لها والمعنى: هذا الذي أصابكن في رؤيته مرة واحدة ما أصابكن من ذهاب العقل فكيف عذلتنني في حبي إياه وأنا أنظر إليه آناء ليلي ونهاري ثم اعترفت ببراءة يوسف وأقرت على نفسها فقالت: { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع عنه وقيل: معناه امتنع بالله وسأله العصمة من فعل القبيح وفي هذا دلالة على أن يوسف لم يقع منه قبح ثم توعدته بإيقاع المكروه به إن لم يطعها فيما تدعوه إليه فقالت: { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي: وإن لم يجبني إلى ما أدعوه إليه ليحبس في السجن وليكون من الأذلاء.

 فلما رأى يوسف إصرارها على ذلك وتهديدها له اختار السجن على المعصية فـ { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} معناه: يا رب إن السجن أحب إلي وأسهل علي مما يدعونني إليه من الفاحشة وفي هذا دلالة على أن النسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز وفي حديث أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) أن النسوة لما خرجن من عندها أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبته تسأله الزيارة وقيل: إنهن قلن له أطع مولاتك واقض حاجتها فإنها المظلومة وأنت ظالم وقيل: إنهن لما رأين يوسف استأذن امرأة العزيز بأن تخلوكل واحدة منهن به وتدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها فلما خلون به دعته كل واحدة منهن إلى نفسها فلذلك قال {مما يدعونني إليه }.

ويسأل فيقال: كيف قال يوسف { السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}ولا يجوز أن يراد السجن الذي هو المكان وإن عني به السجن الذي هو المصدر فإن السجن معصية كما أن ما دعونه إليه معصية فلا يجوز أن يريده؟ فالجواب: أنه لم يرد المحبة التي هي الإرادة وإنما أراد أن ذلك أخف علي وأسهل ووجه آخر أن المعنى: لوكان مما أريده لكان إرادتي له أشد وقيل إن معناه: توطيني النفس على السجن أحب إلى من توطيني النفس على الزنا عن أبي علي الجبائي { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} بألطافك لأن كيدهن قد وقع وحصل { أصب إليهن } أمل إليهن أوإلى قولهن بهواي والصبوة :لطافة الهوى { وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي :المستحقين لصفة الذم بالجهل وقيل معناه: أكن بمنزلة الجاهلين في فعلي.

 { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} أي: فأجاب له ربه فيما دعاه فعصمه من مكرهن فإن قيل: ما معنى سؤال يوسف اللطف من الله وهوعالم بأن الله يفعله لا محالة؟ فالجواب: أنه يجوز أن تتعلق المصلحة بالألطاف عند الدعاء المجدد ومتى قيل كيف علم أنه لولا اللطف لركب الفاحشة وإذا وجد اللطف امتنع قلنا لما وجد في نفسه من الشهوة وعلم أنه لولا لطف الله لارتكب القبيح وعلم أن الله سبحانه يعصم أنبياءه بالألطاف وأن من لا يكون له لطف لا يبعثه الله نبيا قال الجبائي: في الآية دلالة على جواز الدعاء بما يعلم الله تعالى أنه يكون لأن يوسف كان عالما بأنه إن كان له لطف فلا بد أن يكون الله يفعل ذلك به ومع هذا سأله ذلك ولا تدل الآية على ما قاله لما قلناه من أنه يجوز أن يكون سأله لتجويزه أن يكون له لطف عند الدعاء ولولم يدع لم يكن ذلك لطفا فما سأل إلا ما جوز أن لا يكون لولم يدع .

{ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي: السميع لدعاء الداعي العليم بإخلاصه في دعائه وبما يصلحه من الإجابة أويفسده { ثم بدا لهم } أي: ظهر لهم { مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ} وإنما لم يقل لهن مع تقدم ذكر النسوة لأنه أراد به الملك وقيل: أراد به زليخا وأعوانها فغلب المذكر وأراد بالآيات العلامات الدالة على براءة يوسف وهي: قد القميص من دبره وجز الأيدي عن قتادة وغيره وقيل: يريد بالآيات: العلامات الدالة على الإياس منه وقوله { بدا } فاعله مضمر وتقديره ثم بدا لهم بداء { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ودل ليسجننه عليه فإن السجن هوالذي بدا لهم.

 قال السدي: وذلك أن المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبد قد فضحني في الناس من حيث إنه يخبرهم أني راودته عن نفسه ولست أطيق أن أعتذر بعذري فأما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه بعد علمه ببراءته وقيل إن: الغرض من الحبس أن يظهر للناس أن الذنب كان له لأنه إنما يحبس المجرم وقيل: كان الحبس قريبا منها فأرادت أن يكون بقربها حتى إذا أشرفت عليه رأته وقوله {حَتَّى حِينٍ} قيل إلى سبع سنين عن عكرمة وقيل إلى خمس سنين عن الكلبي وقيل: إلى وقت ينسى حديث المرأة معه وينقطع فيه عن الناس خبره عن الجبائي .

__________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج5،ص395-399.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } . شاع في مصر ، وبالخصوص على ألسنة النسوة ان امرأة العزيز افتتنت بغلامها ، ودعته لنفسها ، ولكنه عزف عنها وزهد فيها ، وقد اجترحت بهذا خطيئة لا تغتفر .

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي بقولهن ، وأطلق المكر هنا على القول لأنهن ما أردن به وجه الحق ، بل أردن مجرد التشهير بها . وقال بعض المفسرين : لعلهن لمنها لانكشاف المراودة وظهورها ، وانه كان الأولى بها ان تحكم الخطة ليتم كل

شيء تحت الستار . . ويصح هذا القول في الفاجرات ، لا العفيفات { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً } . أرادت أن تمكر بهن كما مكرن بها ، فأقامت لهن مأدبة في قصرها ، وحاطتهن بهالة من النعيم :

متكآت وثيرة وأرائك مريحة ، وطعام سخي شهي ، وأعطت كل واحدة سكينا حادة لتقطع بها اللحم والفاكهة . . واستعمال السكين في الأكل آنذاك يومئ إلى الحضارة . وفي تفسير الطبري ان السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل ، فذكرها يغني عن ذكر المأكول الذي قطعت به .

{ وقالَتِ » - ليوسف - « اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } من شدة الدهشة والذهول ، وقال المفسرون : قطعن أي جرحن ، ولكن الظاهر من القطع الإبانة ، لا الجرح . . ومهما يكن فان مثل هذه الحادثة تفسر بالاجتهاد فيما تستدعيه ظروفها وملابساتها ، لا بالنص الحرفي لدلالة اللفظ { وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } في صورة البشر لهيبته وجماله الذي جر عليه أنواع البلاء والمحن .

{ قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } . قالت هذا بلغة الحرية التي تطالب بها فئة من بنات الجيل الجديد ، حرية بلا مسؤولية ، حتى في التهتك والتفسخ . .

ونحن من أنصار الحرية للرجال والنساء ، ولكن في حدود المسؤولية عن الأقوال والأفعال { ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ } على المكشوف { فَاسْتَعْصَمَ } انصرف عني وأعرض { ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ولَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ } . قال صاحب « تفسير المنار » : « واللَّه ما عجبي من يوسف ان راودته مولاته فاستعصم . . وانما عجبي بل اعجابي بيوسف ( عليه السلام ) ان نظره إلى اللَّه لم يدع في قلبه البشري مكانا خاليا لنظرات هذه العاشقة التي شغفها حبا » . ونعطف على هذا القول إن اللَّه سبحانه ضرب يوسف مثلا للمؤمن المخلص ليعرف به المؤمن المزيف الذي يكيف الدين حسب أهوائه وأغراضه .

{ قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } . ليس المراد بأحب هنا التفضيل ، بل مجرد الاختيار ، تماما كقولك : الصحة أحب إليّ من المرض .

وقال يدعونني بصيغة الجمع لأن النسوة اللاتي رأينه رغبن فيه أيضا بدليل الآية 50

« قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم . قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش للَّه ما علمنا عليه من سوء » . . وآثر يوسف السجن لأنه على مرارته أحلى عاقبة من لذة الحرام ، ومهما اشتدت وطأة السجن فإن الدين أقوى منه .

وتسأل : إذا خيّر المرء بين الزنا والسجن ، ولا مفر له من أحدهما ، فهل يجوز له أن يزني ؟ .

الجواب : لا يجوز لأن الخيار وقع بين الزنا المحرم ذاتا ، وبين السجن الذي تقع تبعته على الظالم ، لا على المظلوم الا إذا كان السجن علة تامة لمحرم أشد وأعظم ، فيجوز حينئذ أن يزني دفعا لأشد الضررين ، وارتكابا لأخف المحذورين ، ولذا إذا خيّر بين الزنا والقتل فعليه أن يختار الزنا . . هذا في غير المعصوم ، لأن المعصوم له حكم آخر .

{ وإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ } . لما كثر على يوسف الإغراء والتهديد خاف على نفسه أن تضعف في جنب اللَّه ، ففزع إليه تعالى يطلب المخرج ، ويقول : إلهي لقد نزل بي ما لا طاقة لي به الا بمعونتك ، وأنت القادر على كشفه ، فإن لم تكشفه عني تضعف قوتي ، وتقل حيلتي { فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ } كما استجاب له من قبل وصرف عنه كيد إخوته ، وما أخلص عبد لخالقه الا جعل له فرجا ومخرجا : وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ - 47 الروم » { إِنَّهُ هُوالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ } يسمع دعاء من تضرع إليه ، ويعلم اخلاص من أخلص له .

{ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } . ضمير لهم يعود إلى العزيز وامرأته ومن على رأيهما ، وقيل : يعود إلى العزيز وحده ، وصح بصيغة الجمع لأنه لم يذكر باسمه ، والمراد بالآيات الدلائل التي دلت على براءة يوسف ونزاهته ، و{ حَتَّى حِينٍ } أي يسجن سجنا مؤقتا ، لا مؤبدا . . ولا ذنب له الا الطهر والعفاف ، ولوكان خائنا مثلهم لرفعوه مكانا عليا . . أبى يوسف ان ينصاع لرغبة المجرمين فعاقبوه كمجرم . . وهكذا في جميع أدوار التاريخ يعاني الحر الكريم إذا ألقى به القدر في بيئة الظلم والفساد ، ولكن اللَّه مع الذين اتقوا

وصبروا على الهول في سبيله ، لا في سبيل أنفسهم ، ويمد للباغي أمدا ، ثم تدور عليه دائرة السوء ، ويؤيد اللَّه بنصره من آمن وصبر ، تماما كما حدث ليوسف مع إخوته وامرأة العزيز ، حيث قال له إخوته بعد ان آتاه اللَّه الملك : « تاللَّه لقد آثرك اللَّه علينا وان كنا لخاطئين » . وقالت امرأة العزيز : الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين .

_______________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4،ص 308-311.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} قصة نسوة مصر مع يوسف في بيت العزيز تتضمنها الآية إلى تمام ست آيات.

والذي يعطيه التدبر فيها بما ينضم إليها من قرائن الأحوال وما يستوجبه طبع القصة أنه لما كان من أمر يوسف والعزيزة ما كان، شاع الخبر في المدينة تدريجا، وصارت النساء وهن سيدات المدينة يتحدثن به في مجامعهن ومحافلهم فيما بينهن ويعيرن بذلك عزيزة مصر ويعبنها أنها تولهت إلى فتاها وافتتنت به وقد أحاط بها حبا فظلت تراوده عن نفسه، وضلت به ضلالا مبينا.

وكان ذلك مكرا منهن بها على ما في طبع أكثر النساء من الحسد والعجب فإن المرأة تغلبه العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة وركوز لطف الخلقة وجمال الطبيعة فيها مشعوفة القلب بالزينة والجمال متعلقة الفؤاد برسوم الدلال، ويورث ذلك فيها وخاصة في الفتيات إعجابا بالنفس وحسدا للغير.

وبالجملة كان تحديثهن بحديث الحب والمراودة مكرا منهن بالعزيزة - وفيه بعض السلوة لنفوسهن والشفاء لغليل صدورهن - ولما يرين يوسف، ولا شاهدن منه ما شاهدته العزيزة فولها وهتك سترها وإنما كن يتخيلن شيئا ويقايسن قياسا، وأين الرواية من الدراية والبيان من العيان.

وشاع التحديث به في المسامرات حق بلغ الخبر امرأة العزيز تلك التي لا هم لها إلا أن تفوز في طلب يوسف وبلوغ ما تريد منه ولا تعبأ في حبه بشيء من الملك والعزة إلا لأن تتوصل به إلى حبه لها وميله إليها وإنجاحه لطلبتها فاستيقظت من رقدتها وعلمت بمكرهن بها فأرسلت إليهن للحضور لديها وأنهن سيدات ونساء أشراف المدينة وأركان البلاد ممن له رابطة المعاشرة مع بيت العزيز أولياقة الحضور فيه.

فتهيأن للحضور وتبرزن بأحسن الجمال وأوقع الزينة على ما هو الدأب في أمثال هذه الاحتفالات من أمثال هؤلاء السيدات، وكل تتمنى أن ترى يوسف وتشاهد ما عنده من الحسن الذي أوقع على العزيزة ما أوقع وفضحها.

والعزيزة لا هم لها يومئذ إلا أن تريهن يوسف حتى يعذرنه ويشتغلن عنها بأنفسهن فتتخلص من لسانهن فتأمن مكرهن، وهي لا تعبأ بافتتانهن بيوسف ولا تخاف عليه منهن لأنها - على ما تزعم - مولاته وصاحبته ومالكة أمره، وهو فتاها المخصوص بها، وهي تعلم أن يوسف ليس بالذي يرغب فيهن أويصبوإليهن وهولا ينقاد لها فيما تريده منه بما عنده من الاستعصام والاعتزاز عن هذه الأهواء والأميال.

ثم لما حضرن عند العزيزة وأخذن مقاعدهن، ووقع الأنس وجرت المحادثة والمفاوضة وأخذن في التفكه آتت كل واحد منهن سكينا وقد هيأت لهن وقدمت إليهن الفاكهة، عند ذلك أمرت يوسف أن يخرج إليهن وقد كان مستورا عنهن.

فلما طلع يوسف عليهن ووقعت عليه أعينهن طارت عقولهن وطاحت أحلامهن ولم يدرين دون أن قطعن أيديهن مكان الفاكهة التي فيها لما دخل عليهن من البهت والذهول، وهذه خاصة الوله والفزع فإن نفس الإنسان إذا انجذبت إلى شيء مما تفرط في حبه أوتخافه وتهوله اضطربت وبهتت ففاجأها الموت أوسلبت الشعور اللازم في تدبير القوى والأعضاء وتنظيم الأمر، فربما أقدم مسرعا إلى الخطر الذي أدهشه لقاؤه وربما نسي الفرار فبقي كالجماد الذي لا حراك به، وربما يفعل غير ما هو قاصده وفاعله اختباطا، ونظائرها في جانب الحب كثيرة وحكايات المغرمين والمتولهين من العشاق مشهورة.

وكان هذا هو الفرق بين العزيزة وبينهن فإن استغراقها في حب يوسف إنما حصل لها تدريجا، وأما نساء المدينة فإنهن فوجئن به دفعة فغشيت قلوبهن غاشية الجمال، وغادرهن الحب ففضحهن وأطار عقلهن وأضل رأيهن فنسين الفاكهة وقطعن أيديهن وتركن كل تجلد واصطبار، وأبدين ما في أنفسهن من وله الحب، وقلن:{حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}.

هذا وهن في بيت العزيز وهو بيت يجب فيه التحفظ على كل أدب ووقار، وكان يجب أن يتقينها ويحتشمن موقعها وهن شريفات ذوات جمال وذوات بعولة وذوات خدر وستر وهذه كلها جهات مانعة عن الخلاعة والتهتك، وهن لم ينسين ما كن بالأمس يتحدثن به ويلمن ويذممن امرأة العزيز في حبها ليوسف وهما في بيت واحد منذ سنين.

فكان من الواجب على كل منهن أن تتقي صواحبها فلا تتهتك وهن يعلمن ما انجر إليه أمر امرأة العزيز من سوء الذكر وفضاحة الشهرة هذا كله ويوسف واقف أمامهن يسمع قولهن ويشاهد صنعهن.

لكن الذي شاهدنه على المفاجأة من حسن يوسف نسخ ما قدرنه من قبل في أنفسهن وبدل مجلس الأدب والاحتشام حفلة عيش لا يكتم محتفلوها من أنفسهم ضميرا، ولا يبالي حضارها ما قيل أويقال فيهم ولم يلبثن دون أن قلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} وقد قلن غير بعيد:{ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

وكلامهن هذا بعد قولهن ذاك إعذار منهن فمفاده أن الذي كنا نقوله قبل إنما هوحق لو كان هذا بشرا وليس به وإنما يذم الإنسان ويعاب لوابتلي بهوى بشر ومراودته وكان في وسعه أن يكتفي عنه بما يكافئه ويغني عنه، وأما الجمال الذي لا يعادله جمال، ويسلب كل حزم واختيار، فلا لوم على هواه. ولا ذم في غرامه.

ولهذا انقلب المجلس دفعة، وانقطعت قيود الاحتشام فانبسطن وتظاهرن بالقول في حسن يوسف وكل تتكلم بما في ضميرها منه، وقالت امرأة العزيز:{ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} فأبدت سرا ما كانت تعترف به قبل ثم هددت يوسف تجلدا وحفظا لمقامها عندهن وطمعا في مطاوعته وانقياده:{ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين}.

وأما يوسف فلم يأخذه شيء من تلك الوجوه الحسان بألحاظها الفتانة ولا التفت إلى شيء من لطيف كلامهن ونعيم مراودتهن أوهائل تهديدها فقد كان وجهة نفسه جمال فوق كل جمال، وجلال يذل عنده كل عزة وجلال فلم يكلمهن بشيء ولم يلتفت إلى ما كانت امرأة العزيز تسمعه من القول، وإنما رجع إلى ربه فقال:{ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.

وكلامه هذا إذا قيس إلى ما قاله لامرأة العزيز وحدها في مجلس المراودة:{ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} دل بسياقه على أن هذا المقام كان أشق وأمر على يوسف (عليه السلام) إذ كان بالأمس يقاوم هم امرأة العزيز ويعالج كيدها وحدها، وقد توجهت إليه اليوم همهن ومكايدهن جميعا، وكان ما بالأمس واقعة في خلوة على تستر منها، وهي وهن اليوم متجاهرات في حبه متظاهرات في إغوائه ملجآت على مراودته، وجميع الأسباب والمقتضيات اليوم قاضية لهن عليه أشد مما كانت عليه بالأمس.

ولذا تضرع إلى ربه سبحانه في دفع كيدهن هاهنا، واكتفى بالاستعاذة إليه سبحانه هناك فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هوالسميع العليم.

ولنرجع إلى البحث عن الآيات.

فقوله تعالى:{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا} إلخ، النسوة اسم جمع للمرأة وتقييد بقوله: في المدينة تفيد أنهن كن من جهة العدد أوالشأن بحال تؤثر قولهن في شيوع الفضيحة.

وامرأة العزيز هي التي كان يوسف في بيتها وقد راودته عن نفسه والعزيز معناه معروف، وقد كان يلقب به السيد الذي اشترى يوسف من السيارة وكان يلقب به الرؤساء بمصر كما لقب به يوسف بعد ما جعل على خزائن الأرض.

وفي قوله:{تراود} دلالة على الاستمرار وهو أفحش المراودة، والفتى الغلام الشاب والمرأة فتاة، وقد شاع تسمية العبد فتى وكأنه بهذه العناية أضيف إلى ضميرها فقيل:{فتاها}.

وفي المفردات،:{شغفها حبا} أي أصاب شغاف قلبها أي باطنه.

عن الحسن، وقيل: وسطه. عن أبي علي، وهما يتقاربان انتهى.

وشغاف القلب غلافه المحيط به.

والمعنى: وقال عدة من نساء المدينة لا يخلوقولهن من أثر فيها وفي حقها: امرأة تستمر في مراودة عبدها عن نفسه ولا يحري بها ذلك لأنها مرأة ومن القحة أن تراود المرأة الرجل بل ذاك - إن كان - من طبع الرجال وأنها امرأة العزيز فهي عزيزة مصر فمن الواجب الذي لا معدل عنه أن تراعي شرف بيتها وعزة زوجها ومكانة نفسها، وإن الذي علقت به عبدها من الشنيع أن يتوله مثلها وهي عزيزة مصر بعبد عبراني من جملة عبيده، وأنها أحبته وتعدت ذلك إلى مراودته فامتنع من إجابتها فلم تنته حتى ألحت واستمرت على مراودته وذلك أقبح وأشنع وأمعن في الضلال.

ولذلك عقبن قولهن:{امرأة العزيز تراود} إلخ بقولهن:{إنا لنراها في ضلال مبين}.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} قال في المجمع،: المكر هوالفتل بالحيلة على ما يراد من الطلبة.  انتهى.

وتسمية هذا القول منهن مكرا بامرأة العزيز لما فيه من فضاحتها وهتك سترها من ناحية رقيباتها حسدا وبغيا، وإنما أرسلت إليهن لتريهن يوسف وتبتليهن بما ابتليت به نفسها فيكففن عن لومها ويعذرنها في حبه.

وعلى هذا إنما سمي قولهن مكرا ونسب السمع إليه لأنه صدر منهن حسدا وبغيا لغاية فضاحتها بين الناس.

وقيل: إنما كان قولهن مكرا لأنهن جعلنه ذريعة إلى لقاء يوسف لما سمعن من حسنه البديع فإنما قلن هذا القول لتسمعه امرأة العزيز فترسل إليهن ليحضرن عندها فتريهن إياه ليعذرنها فيما عزلنها له فيتخذن ذلك سبيلا إلى أن يراودنه عن نفسه هذا، والوجه الأول أقرب إلى سياق الآيات.

وقوله:{أرسلت إليهن} معناه معلوم وهو كناية عن الدعوة إلى الحضور عندها.

وقوله:{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} الإعتاد الإعداد والتهيئة أي أعدت وهيأت، والمتكأ بضم الميم وتشديد التاء اسم المفعول من الاتكاء، والمراد به ما يتكأ عليه من نمرق أوكرسي كما كان معمولا في بيوت العظماء.

وفسر المتكأ بالأترج وهو نوع من الفاكهة كما قرىء في الشواذ{متكأ} بالضم فالسكون وهو الأترج وقرىء{متكأ} بضم الميم وتشديد التاء من غير همز.

وقوله:{وآتت كل واحدة منهن سكينا} أي لقطع ما يرون أكله من الفاكهة كالأترج أوما يشابهه من الفواكه المأكولة بالقطع وقوله:{وقالت اخرج عليهن} أي أمرت يوسف أن يخرج عليهن وهن خاليات الأذهان فارغات القلوب مشتغلات بأخذ الفاكهة وقطعها، وفي اللفظ دلالة على أنه (عليه السلام) كان غائبا عنهن وكان في مخدع هناك أوبيت آخر في داخل بيت المأدبة الذي كن فيه فإنها قالت:{اخرج عليهن} ولوكان في خارج من البيت لقالت:{ادخل عليهن}.

وفي السياق دلالة على أن هذا التدبير كان مكرا منها تجاه مكرهن ليفتضحن به فيعذرنها فيما عذلنها وقد أصابت في رأيها حيث نظمت برنامج الملاقاة فاعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا، وأخفت يوسف عن أعينهن ثم فاجأتهن بإظهاره دفعة لهن ليغبن عن عقولهن، ويندهشن بذاك الجمال البديع ويأتين بما لا يأتي به ذوشعور البتة وهو تقطيع الأيدي مكان الفواكه لا من الواحدة والثنتين منهن بل من الجميع.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} الإكبار الإعظام وهو كناية عن اندهاشهن وغيبتهن عن شعورهن وإرادتهن بمفاجأة مشاهدة ذاك الحسن الرائع طبقا للناموس الكوني العام وهو خضوع الصغير للكبير وقهر العظيم للحقير فإذا ظهر العظيم الكبير بعظمته وكبريائه لشعور الإنسان قهر سائر ما في ذهنه من المقاصد والأفكار فأنساها وصار يتخبط في أعماله.

ولذلك لما رأينه قهرت رؤيته شعورهن فقطعن أيديهن تقطيعا مكان الفاكهة التي كن يردن قطعها، وفي صيغة التفعيل دلالة على الكثرة يقال: قتل القوم تقتيلا وموتهم الجدب تمويتا.

وقوله:{وقلن حاش لله} تنزيه لله سبحانه في أمر يوسف وهذا كقوله تعالى:{ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}: النور: 16 وهو من أدب الكلام عند المليين إذا جرى القول في أمر فيه نوع تنزيه وتبرئة لأحد يبدأ فينزه الله سبحانه ثم يشتغل بتنزيه من أريد تنزيهه فهن لما أردن تنزيهه (عليه السلام) بقولهن{ما هذا بشرا} إلخ، بدأن بتنزيهه تعالى، ثم أخذن ينزهنه.

وقوله:{ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} نفي أن يكون يوسف (عليه السلام) بشرا وإثبات أنه ملك كريم، وهذا بناء على ما يعتقده المليون ومنهم الوثنيون أن الملائكة موجودات شريفة هم مبادىء كل خير وسعادة في العالم منهم يترشح كل حياة وعلم وحسن وبهاء وسرور وسائر ما يتمنى ويؤمل من الأمور ففيهم كل جمال صوري ومعنوي، وإذا مثلوا تخيلوا في حسن لا يقدر بقدر، ويتصوره أصحاب الأصنام في صور إنسانية حسنة بهية.

ولعل هذا هوالسبب في قولهن:{إن هذا إلا ملك كريم} حيث لم يصفنه بما يدل على حسن الوجه وجمال المنظر مع أن الذي فعل بهن ما فعل هوحسن وجهه واعتدال صورته بل سمينه ملكا كريما لتكون فيه إشارة إلى حسن صورته وسيرته معا، وجمال خلقه وخلقه وظاهره وباطنه جميعا.  والله أعلم.

وتقدم قولهن هذا على قول امرأة العزيز:{فذلكن الذي لمتنني فيه} يدل على أنهن لم يفهمن بهذا الكلام إعذار لامرأة العزيز في حبها له وتيمها وغرامها به، وإنما كان ذلك اضطرارا منهن على الثناء عليه وإظهارا قهريا لانجذاب نفوسهن وتوله قلوبهن إليه فقد كان فيه فضاحتهن، ولم تقل امرأة العزيز:{فذلكن الذي لمتنني فيه} إلا بعد ما فضحتهن فعلا وقولا بتقطيع الأيدي وتنزيه الحسن فلم يبق لهن إلا أن يصدقنها فيما تقول ويعذرنها فيما تفعل.

قوله تعالى:{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} إلى آخر الآية، الكلام في موضع دفع الدخل كان قائلا يقول: فما ذا قالت امرأة العزيز لهن؟ فقيل:{قالت فذلكن الذي لمتنني فيه}.

وقد فرعت كلامها على ما تقدمه من قولهن وفعلهن وأشارت إلى شخص الذي لمنها فيه ووصفته بأنه الذي لمنها فيه ليكون هو بعينه جوابا لما رمينها به من ترك شرف بيتها وعزة زوجها وعفة نفسها في حبه، وعذرا قبال لومهن إياها في مراودته، وأقوى البيان أن يحال السامع إلى العيان، ومن هذا الباب قوله تعالى{أهذا الذي يذكر آلهتكم}: الأنبياء: 36، وقوله:{ربنا هؤلاء أضلونا}: الأعراف: 38.

ثم اعترفت بالمراودة وذكرت لهن أنها راودته لكنه أخذ بالعفة وطلب العصمة، وإنما استرسلت وأظهرت لهن ما لم تزل تخفيه لما رأت موافقة القلوب على التوله فيه فبثت الشكوى لهن ونبهت يوسف أنها غير تاركته فليوطن نفسه على طاعتها فيما تأمر به، وهذا معنى قولها:{ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}.

ثم ذكرت لهن ما عزمت عليه من إجباره على الموافقة وسياسته لوخالفت فقالت:{ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} وقد أكدت الكلام بوجوه من التأكيد كالقسم والنون واللام ونحوها ليدل على أنها عزمت على ذلك عزيمة جازمة، وعندها ما يجبره على ما أرادته ولواستنكف فليوطن نفسه على السجن بعد الراحة، والصغار والهوان بعد الإكرام والاحترام، وفي الكلام تجلد ونوع تعزز وتمنع بالنسبة إليهن ونوع تنبيه وتهديد بالنسبة إلى يوسف (عليه السلام).

وهذا التهديد الذي يتضمنه قولها:{ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين} أشد وأهول مما سألته زوجها يوم المراودة بقولها:{ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أوعذاب أليم}.

أما أولا: فلأنها رددت الجزاء هناك بين السجن والعذاب الأليم وجمع هاهنا بين الجزاءين وهو السجن والكون من الصاغرين.

وأما ثانيا فلأنها هاهنا قامت بالتهديد بنفسها لا بأن تسأل زوجها، وكلامها كلام من لا يتردد فيما عزم عليه ولا يرجع عما جزم به.

وقد حققت أنها تملك قلب زوجها وتقدر أن تصرفه مما يريده إلى ما تريده، وتقوى على التصرف في أمره كيفما شاءت؟.

قوله تعالى:{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} قال الراغب في المفردات،: صبا فلان يصبوصبوا وصبوة إذا نزع واشتاق وفعل فعل الصبيان، قال تعالى:{أصب إليهن وأكن من الجاهلين} انتهى وفي المجمع،: الصبوة لطافة الهوى. انتهى.

تفاوضت امرأة العزيز والنسوة فقالت وقلن واسترسلن في بت ما في ضمائرهن ويوسف (عليه السلام) واقف أمامهن يدعونه ويراودنه عن نفسه لكن يوسف (عليه السلام) لم يلتفت إليهن ولا كلمهن ولا بكلمة بل رجع إلى ربه الذي ملك قلبه بقلب لا مكان فيه إلا له ولا شغل له إلا به{وقال: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} إلخ.

وقوله هذا ليس بدعاء على نفسه بالسجن وأن يصرف الله عنه ما يدعونه إليه بإلقائه في السجن، وإنما هو بيان حال لربه وأنه عن تربية إلهية يرجح عذاب السجن في جنب الله على لذة المعصية والبعد منه، فهذا الكلام منه نظير ما قاله لامرأة العزيز حين خلت به وراودته عن نفسه:{ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ففي الكلامين معا تمنع وتعزز بالله، وإنما الفرق أنه يخاطب بأحدهما امرأة العزيز وبالآخر ربه القوي العزيز وليس شيء من الكلامين دعاء البتة.

وفي قوله:{رب السجن أحب إلي} إلخ، نوع توطئة لقوله{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} إلخ، الذي هودعاء في صورة بيان الحال.

فمعنى الآية: رب إني لوخيرت بين السجن وبين ما يدعونني إليه لاخترت السجن على غيره وأسألك أن تصرف عني كيدهن فإنك إن لا تصرف عني كيدهن أنتزع وأمل إليهن وأكن من الجاهلين فإني إنما أتوقى شرهن بعلمك الذي علمتنيه وتصرف به عني كيدهن فإن أمسكت عن إفاضته علي صرت جاهلا ووقعت في مهلكة الصبوة والهوى.

وقد ظهر من الآية بمعونة السياق: أولا: أن قوله:{رب السجن أحب إلي} إلخ، ليس دعاء من يوسف (عليه السلام) على نفسه بالسجن بل بيان حال منه لربه بالإعراض عنهن والرجوع إليه، ومعنى{أحب إلي} أني أختاره على ما يدعونني إليه لوخيرت، وليس فيه دلالة على كون ما يدعونه إليه محبوبا عنده بوجه إلا بمقدار ما تدعوإليه داعية الطبع الإنساني والنفس الأمارة.

وإن قوله تعالى:{فاستجاب له ربه} إشارة إلى استجابة ما يشتمل عليه قوله:{وإلا تصرف عني كيدهن} إلخ، من معنى الدعاء.

ويؤيده تعقيبه بقوله:{فصرف عنه كيدهن}، وليس استجابة لدعائه بالسجن على نفسه كما توهمه بعضهم.

ومن الدليل عليه قوله بعد في قصة دخوله السجن:{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} ولوكان دعاء بالسجن واستجابة الله سبحانه وقدر له السجن لم يكن التعبير بثم وفصل المعنى عما تقدمه بأنسب فافهم.

وثانيا: أن النسوة دعونه وراودنه كما دعته امرأة العزيز إلى نفسها وراودته عن نفسه، وأما أنهن دعونه إلى أنفسهن أوإلى امرأة العزيز أوأتين بالأمرين فدعينه بحضرة من امرأة العزيز إليها ثم أسرت كل واحدة منهن داعية إياه إلى نفسها فالآية ساكتة عن ذلك سوى ما يستفاد من قوله:{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} إذ لولا دعوة منهن إلى أنفسهن لم يكن معنى ظاهر للصبوة إليهن.

والذي يشعر به قوله تعالى حكاية عن قوله في السجن لرسول الملك:{ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ - إلى أن قال - قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}: الآيات: 50 - 52 من السورة.

أنهن دعينه إلى امرأة العزيز وقد أشركهن في القصة ثم قال:{لم أخنه بالغيب} ولم يقل: لم أخن بالغيب ولا قال: لم أخنه وغيره فتدبر فيه.

ومع ذلك فمن المحال عادة أن يرين منه ما يغيبهن عن شعورهن ويدهش عقولهن ويقطعن أيديهن ثم ينسللن انسلالا ولا يتعرض له أصلا ويذهبن لوجوههن بل العادة قاضية أنهن ما فارقن المجلس إلا وهن متيمات فيه والهات لا يصبحن ولا يمسين إلا وهو همهن وفيه هواهن يفدينه بالنفس ويطمعنه بأي زينة في مقدرتهن ويعرضن له أنفسهن ويتوصلن إلى ما يردنه منه بكل ما يستطعن.

وهو ظاهر مما حكاه الله من يوسف في قوله:{رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} فإنه لم يعرض عن تكليمهن إلى مناجاة ربه الخبير بحاله السميع لمقاله إلا لشدة الأمر عليه وإحاطة المحنة والمصيبة من ناحيتهن به.

وثالثا: أن تلك القوة القدسية التي استعصم بها يوسف (عليه السلام) كانت كأمر تدريجي يفيض عليه آنا بعد آن من جانب الله سبحانه، وليست الأمر الدفعي المفروغ عنه وإلا لانقطعت الحاجة إليه تعالى، ولذا عبر عنه بقوله:{وإلا تصرف عني} ولم يقل: وإن لم تصرف عني وإن كانت الجملة الشرطية منسلخة الزمان لكن في الهيئة إشارات.

ولذلك أيضا قال تعالى:{فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن} إلخ فنسب دفع الشر عنه إلى استجابة وصرف جديد.

ورابعا: أن هذه القوة القدسية من قبيل العلوم والمعارف ولذا قال (عليه السلام):{وأكن من الجاهلين} ولم يقل: وأكن من الظالمين، كما قال لامرأة العزيز:{إنه لا يفلح الظالمون} أوأكن من الخائنين كما قال للملك:{وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} وقد فرق في نحوالخطاب بينهما وبين ربه فخاطبهما بظاهر الأمر رعاية لمنزلتهما في الفهم فقال: إنه ظلم والظالم لا يفلح، وإنه خيانة والله لا يهدي كيد الخائن، وخاطب ربه بحقيقة الأمر وهو أن الصبوة إليهن من الجهل.

وستوافيك حقيقة الحال في هذين الأمرين في أبحاث ملحقة بالبيان إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم} أي استجاب الله مسألته في صرف كيدهن عنه حين قال:{وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن} إنه هوالسميع بأقوال عباده العليم بأحوالهم.

تتضمن الآيات شطرا من قصته (عليه السلام) وهو دخوله السجن ومكثه فيه بضع سنين وهو مقدمة تقربه التام عند الملك ونيله عزة مصر، وفيه دعوته في السجن إلى دين التوحيد، وقد جاء ببيان عجيب، وإظهاره لأول مرة أنه من أسرة إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

قوله تعالى{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} البداء هوظهور رأي بعد ما لم يكن يقال؟ بدا لي في أمر كذا أي ظهر لي فيه رأي جديد، والضمير في قوله:{لهم} إلى العزيز وامرأته ومن يتلوهما من أهل الاختصاص وأعوان الملك والعزة.

والمراد بالآيات الشواهد والأدلة الدالة على براءة يوسف (عليه السلام) وطهارة ذيله مما اتهموه به كشهادة الصبي وقد القميص من خلفه واستباقهما الباب معا، ولعل منها تقطيع النسوة أيديهن برؤيته واستعصامه عن مراودتهن إياه عن نفسه واعتراف امرأة العزيز لهن أنها راودته عن نفسه فاستعصم.

وقوله:{ليسجننه} اللام فيه للقسم أي أقسموا وعزموا ليسجننه البتة، وهوتفسير للرأي الذي بدا لهم، ويتعلق به قوله:{حتى حين} ولا يخلومن معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الإضافة والمعنى على هذا ليسجننه حتى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة وينساه الناس.

ومعنى الآية: ثم ظهر للعزيز ومن يتلوه من امرأته وسائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما رأوا هذه الآيات الدالة على براءته وعصمته وهو أن يسجنوه حينا من الزمان حتى ينسى حديث المراودة الذي يجلب لهم العار والشين وأقسموا على ذلك.

ويظهر بذلك أنهم إنما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز وصونا لأسرته عن هو ان التهمة والعار، ولعل من غرضهم أن يتحفظوا على أمن المدينة العام ولا يخلوا الناس وخاصة النساء أن يفتتنوا به فإن هذا الحسن الذي أوله امرأة العزيز والسيدات من شرفاء المدينة وفعل بهم ما فعل من طبعه أن لا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى.

لكن الذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك:{ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} إلى آخر ما قال، ثم قول الملك لهن: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه، وقولهن: حاش لله ما علمنا عليه من سوء ثم قول امرأة العزيز: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، كل ذلك يدل على أن المرأة ألبست الأمر بعد على زوجها وأرابته في براءة يوسف (عليه السلام) فاعتقد خلاف ما دلت عليه الآيات أوشك في ذلك، ولم يكن ذلك إلا عن سلطة تامة منها عليه وتمكن كامل من قلبه ورأيه.

وعلى هذا فقد كان سجنه بتوسل أوبأمر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها وتؤدب يوسف لعله ينقاد لها ويرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هددته به بمحضر من النسوة بقولها:{ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}.

_____________________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج11،ص122-144.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

مؤامرة أُخرى:

بالرغم من أنّ عشق امرأة العزيز المذكور آنفاً كان ـ مسألة خصوصية ـ بحيث أكّد حتّى العزيز على كتمانها، ولكن حيث أنّ هذه الأسرار لا تبقى خافية، ولا سيّما في قصور الملوك وأصحاب المال والقوّة ـ التي في حيطانها آذان صاغية ـ فسوف تتسرّب إلى خارج القصر كما يقول القرآن في هذا الشأن: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} ثمّ لُمْنَها وعَنَّفنها بهذه الجملة { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. وواضح أنّ المتحدّث بمثل هذا الكلام كنّ نساء أشراف مصر حيث كانت أخبار القصور المفعمة بفساد الفراعنة والمستكبرين مثيرةً لهنّ وكنّ يستقصينها دائماً.

لم يكن فساد هؤلاء النسوة بأقلّ من امرأة العزيز ولكنّ أيديهنّ لم تصل إلى يوسف، وكما يقول المثل ـ «العين بصيرة واليد قصيرة» فكنّ يرين امرأة العزيز بسبب هذا العشق في ضلال مبين.

ويقول بعض المفسّرين: إنّ إذاعة هذا السرّ من قبل هذه المجموعة من نساء مصر، كانت خطّة لتحريك امرأة العزيز حتّى تدعوهنّ إلى قصرها لتكشف لهنّ عن براءتها وتريهن يوسف وجماله!

ولعلّهنّ كنّ يتصوّرن أنّ يوسف إذا رآهنّ بهره جمالهنّ، وربّما رآهنّ أجمل من امرأة العزيز، ولأنّ يوسف كان يحترم امرأة العزيز إحترام الولد لوالدته ـ أم مربّيته ـ فهو لا يطمع فيها، ولهذا السبب يكون إحتمال نفوذهنّ إلى قلبه أقوى من نفوذ امرأة العزيز إليه!.

«الشغف» من مادّة «الشغاف» ومعناه أعلى القلب أو الغشاء الرقيق المحيط بالقلب، وشغفها حبّاً معناه أنّها تعلّقت به إلى درجة بحيث نفذ حبّه إلى قلبها وإستقرّ في أعماقه.

وهذا التعبير إشارة إلى العشق الشديد والملتهب.

يذكر «الآلوسي» في تفسيره «روح المعاني» نقلا عن كتاب أسرار البلاغة مراتب الحبّ والعشق ونشير هنا إلى قسم منها:

فأوّل مراحل الحبّ «الهوى» ومعناه الميل، ثمّ «العلاقة» وهي المحبّة الملازمة للقلب، وبعدها «الكلف» وهو الحبّ الشديد، ثمّ «العشق» وبعده «الشعف» بالعين المهملة أي الحالة التي يحترق القلب فيها من الحبّ ويحسّ باللّذة من هذه الحالة .. وبعدها «اللوعة» ثمّ «الشغف» وهو المرحلة التي ينفذ العشق فيها إلى جميع زوايا القلب، ثمّ «الوله» وهو المرحلة التي تخطف عقل الإنسان من العشق، وآخر المراحل «الهيام» وهو المرحلة التي تذهل العاشق وتجرّه إلى كلّ جهة دون إختياره(2).

هناك مسألة جديرة بالإلتفات وهي: من الذي أذاع هذا السرّ؟ هل كان من امرأة العزيز التي لم ترغب في هذه الفضيحة أبداً! أو من قبل العزيز نفسه! وكان يؤكّد على كتمان السرّ، أو القاضي الحكيم الذي حكم في الأمر، ويُستبعد منه هذا العمل؟!

وعلى كلّ حال فإنّ مثل هذه المسائل في هذه القصور المفعمة بالفساد لا تبقى طيّ الكتمان، وأخيراً فإنّها تنتقل على ألسنة الذين يظهرون الحرص على شرف القصر وتنتشر، ومن الطبيعي أن يضيف عليها آخرون أوراقاً وأغصاناً.

أمّا امرأة العزيز فقد وصلها ما دار بين النسوة من إفتضاحها { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا}(3).

هذا العمل دليل على أنّ امرأة العزيز لم تكن تكترث بزوجها، ولم تأخذ الدرس من فضيحتها، ثمّ أمرت يوسف أن يتخطّى في المجلس {وقالت اُخرج عليهن} وتعبير {اُخرج عليهن} بدلا من «اُدخل» يشير إلى أنّها كانت أخفت يوسف داخل البيت، أو جعلته مشغولا في إحدى الغرف التي يوضع فيها الغذاء عادةً حتّى يكون دخوله إلى المجلس مفاجأة للجميع.

نساء مصر ـ وطبقاً لبعض الرّوايات التي تقول: كنّ عشراً .. أو أكثر ـ فوجئن بظهور يوسف كأنّه البدر أو الشمس الطالعة، فتحيّرن من جماله {فلمّا رأينه أكبرنه} وفقدن أنفسهنّ {وقطّعن أيديهن} مكان الفاكهة، وحين وجدن الحياء والعفّة تشرقان من عينيه وقد احمّر وجهه خجلا صحن جميعاً و { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}(4).

وهناك أقوال بين المفسّرين في أنّ النسوة إلى أي حدّ قطّعن أيديهن؟ فمنهم من بالغ في الأمر، ولكن كما يستفاد من القرآن على نحو الإجمال أنّهن جرحن أيديهنّ.

وفي هذه الحال التي كانت الدماء تسيل من أيدي النسوة وقد لاحظن ملامح يوسف كلّها وصرن أمامه «كالخُشُبِ المسنَّدة» كشفن عن أنّهن لسن بأقل من امرأة العزيز عشقاً ليوسف، فاستغلّت امرأة العزيز هذه الفرصة فـ{ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}.

فكأنّ امرأة العزيز أرادت أن تقول لهنّ: لقد رأيتن يوسف مرّة واحدة فحدث لكنّ ما حدث وفقدتُنّ صوابكن وقطعتن أيديكن من جماله وعشقه، فكيف اُلام وأنا أراه وأسكن معه ليل نهار؟!

وهكذا أحسّت امرأة العزيز بالغرور لأنّها وُفّقت في ما ألقته من فكرة وأعطت لنفسها العذر، وإعترفت بكلّ صراحة بكلّ ما فعلت وقالت: { وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}.

وبدلا من أن تظهر الندم على كلامها أو تتحفّظ على الأقل أمام ضيوفها، أردفت القول بكلّ جدّ يحكي عن إرادتها القطعيّة: { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ} ... ولا أكتفي بسجنه، بل { وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ}.

ومن الطبيعي أنّه إذا اكتفى عزيز مصر إزاء خيانة امرأته بالقول: {استغفري لذنبك} فينبغي أن تجرّ امرأته الفضيحة إلى هذه المرحلة .. وأساساً فإنّ مثل هذه الأُمور والمسائل في قصور الفراعنة والملوك ليست اُموراً مهمّة.

ينقل البعض روايات عجيبة مؤدّاها أنّ بعضاً من نسوة مصر أعطين الحقّ لامرأة العزيز ودرن حول يوسف ليرغبّنه بأن يستسلم لحبّها وكلّ واحدة تكلّمت بكلام!(5)

فقالت واحدة: أيّها الشاب ما هذا الصبر والدلال، ولِمَ لا ترحم هذه العاشقة الواهبة قلبها لك، ألا ترى هذا الجمال الآسر؟ أليس عندك قلب؟! ألست شابّاً؟ ألا تستلذّ بالعشق والجمال، فهل أنت حجارة أو خشب؟!

وقالت الثّانية: إذا كنت لا تعرف عن الجمال والعشق شيئاً .. لكن ألا تدري أنّ امرأة العزيز ذات نفوذ وقدرة .. ألا تفكّر أن لو ملكت قلبها فستنال كلّ شيء وتبلغ أيّ مقام شئت ...

وقالت الثّالثة: إذا كنت لا ترغب في جمالها المثير ولا تحتاج إلى مقامها ومالها، ولكن ألا تعرف أنّها ستنتقم لنفسها بما اُوتيت من وسائل الإنتقام الخطرة، ألا تخاف من السجن ووحشته ومن الغربة المضاعفة فيه؟!

تهديد امرأة العزيز من جانبها بالسجن والإذلال من جهة، ووساوس النسوة الملوّثات اللائي خطّطن ليوسف كما يخطّط الدلاّل من جهة أُخرى، أوقعا يوسف في أزمة شديدة، وأحاط به طوفان المشاكل، ولكن حيث أنّ يوسف كان قد صنع نفسه، وقد أوجد نور الإيمان والعفّة والتقوى في قلبه هدوءاً وسكينة خاصّة، فقد صمّم بعزم وشجاعة والتفت نحو السّماء ليناجي ربّه وهو في هذه الشدّة { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}.

وحيث كان يدري أن لا مهرب له إلاّ إلى الله في جميع الأحوال ولا سيما في الساعات الحرجة، فقد أودع نفسه عند الله بهذا الكلام { وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.

ربّاه ... إنّني أتقبّل السجن الموحش رعاية لأمرك وحفظاً لطهارة نفسي ... هذا السجن تتحرّر فيه روحي وتطهّر نفسي، وأنا أرفض هذه الحريّة الظاهرية التي تأسر روحي في سجن «الشهوة» وتلوّث نفسي.

ربّاه .. أعِنّي، وهب لي القوّة، وزدني قدرةً وعقلا وإيماناً وتقوى، حتّى أنتصر على هذه الوساوس!

وحيث أنّ وعد الله حقّ، وأنّه يُعين المجاهد {لنفسه أو لعدوّه} فإنّه لم يترك يوسف سُدىً وتلقفته رحمته ولطفه كما يقول القرآن الكريم: { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

فهو يسمع نجوى عبيده، وهو مطلع على أسرارهم، ويعرف طريق الحلّ لهم.

السّجن بسبب البراءة:

إنتهى المجلس العجيب لنسوة مصر مع يوسف في قصر العزيز في تلك الغوغاء والهياج، ولكنّ خبره ـ بالطبع ـ وصلَ إلى سمع العزيز .. ومن مجموع هذه المجريات إتّضح أنّ يوسف لم يكن شابّاً عادّياً، بل كان طاهراً لدرجة لا يمكن لأي قوّة أن تجرّه إلى الإنحراف والتلوّث، واتّضحت علامات هذه الظاهرة من جهات مختلفة، فتمزّق قميصه من دُبر، ومقاومته أمام وساوس نسوة مصر، وإستعداده لدخول السجن وعدم الإستسلام لتهديدات امرأة العزيز بالسجن والعذاب الأليم، كلّ هذه الأُمور أدلّة على طهارته لا يمكن لأحد أن يسدل عليها الستار أو ينكرها!.

ولازم هذه الأدلّة إثبات عدم طهارة امرأة العزيز وإنكشاف جريمتها، وعلى أثر ثبوت هذه الجريمة فإنّ الخوف من فضيحة جنسية في اُسرة العزيز كان يزداد يوماً بعد يوم.

فكان الرأي بعد تبادل المشورة بين العزيز ومستشاريه هو إبعاد يوسف عن الأنظار لينسى الناس إسمه وشخصه، وأحسن السبل لذلك إيداعه قعر السجن المظلم أوّلا، وليشيع بين الناس أنّ المذنب الأصلي هو يوسف ثانياً، لذلك يقول القرآن في هذا الصدد: { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}.

التعبير بكلمة «بدا» التي معناها ظهور الرأي الجديد، يدلّ على أنّ مثل هذا التصميم في حقّ يوسف لم يكن من قبل. ويحتمل أن تكون هذه الفكرة إقترحتها امرأة العزيز الأوّل مرّة .. وبهذا دخل يوسف النزيه ـ بسبب طهارة ثوبه ـ السجن، وليست هذه أوّل مرّة ولا آخرها أن يدخل الإنسان النزيه «بجريرة نزاهته» السجن!!

أجل .. في المحيط المنحرف تكون الحرية من نصيب المنحرفين الذين يسيرون مع التيار وليست الحرية وحدها من نصيبهم فحسب، .. بل أنّ الأفراد النجباء كيوسف الذي لا يتلاءم مع ذلك المحيط ولونه ويتحرّك على خلاف مجرى الماء! ينبغي أن يقبعوا في زاوية النسيان .. ولكن إلى متى؟ هل تستمر هذه الحالة؟.. قطعاً لا ..

______________________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج6،ص280-288.

2- تفسير (روح المعاني) ج12 ص203.

3 ـ «المتّكأ» ما يتكأ عليه كالكراسي والأسرة، وما يوضع خلف الظهر كما هو معروف في القصور، ولكن البعض قال: إنّ المتّكأ هو نوع من الفواكه المعروفة «بالاُترنج» والذين فسّروا المتّكأ بالمعنى المتقدّم قالوا أيضاً: إنّها فاكهة «الأترنج» وهي فاكهة من فصائل الحمضيات لها قشر ضخم يستعمل في المربيات، وهذه الفاكهة في مصر خفيفة الحموضة وتؤكل!.

4- «حاش لله» من مادّة «حشى» معناها الطرف أو الناحية .. والتحاشي الإبتعاد ومفهوم جملة «حاش لله» أي إنّ الله منزّه، وهي إشارة إلى أنّ يوسف عبد منزّه وطاهر.

5- تفسير مجمع البيان،ذيل الآية مورد البحث،:بحار الانوار ،ج12،ص276.

 

 

 

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .