المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

Apéry Number
20-9-2020
morpheme (n.)
2023-10-14
المعتصم
22-9-2017
التوحيد في الأفعال
21-5-2019
Double Minute Chromosome
27-4-2016
مناخ أوربا
2024-09-04


الشبهة الموضوعيّة بين الأقلّ والأكثر  
  
946   08:34 صباحاً   التاريخ: 1-6-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏2، ص: 181
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / البراءة /

...الكلام في الشبهة الموضوعيّة بين [الأقلّ والأكثر] التي من جملة فروعها الشبهة الماهوتيّة.

 

فنقول: قد يكون هذا الشكّ في الجزء، وقد يكون في الشرط، وقد يكون في المانع بعد الفراغ من الكبرى في الثلاثة، بأن علمنا أنّ الشي‏ء الفلاني جزء للصلاة مثلا كالسورة، ولكن شككنا أنّ السورة الخاصّة سورة القرآن أو لا، أو سورة تامّة أو لا، وكذلك في الشرط والمانع.

ثمّ كلّ من هذه الثلاثة بحسب عالم الثبوت يتصوّر على أنحاء ثلاثة، فتارة يعتبر الشي‏ء جزء لمركّب باعتبار صرف وجوده من دون نظر إلى الأفراد، كما لو اعتبر أصل وجود السورة في الصلاة واشتمالها على هذا الوجود، واخرى يعتبر باعتبار الوجود الساري، فكلّ واحد واحد ممّا ينطبق عليه عنوان السورة قد اعتبر مستقلّا كونه في الصلاة على نحو «تواضع للعالم» و«لا تشرب الخمر» وثالثة يعتبر باعتبار مجموع الوجودات من حيث المجموع، فلو أتى بالجميع إلّا واحدا لم يأت بالمركّب.

ويتصوّر هذه الأنحاء في الشرط، فقد يكون الشي‏ء باعتبار صرف الوجود شرطا، يعنى لا بدّ أن يصير وجود العنوان الفلاني مرتبطا بالصلاة مثلا، وتصير الصلاة متقيّدة به، وقد يكون باعتبار الوجود الساري. فكلّ وجود وجود يكون له ارتباط مستقل وتقيّد على حدة، فيجب ارتباط الصلاة بكلّ منها على الاستغراق، وقد يكون باعتبار مجموع الوجودات من حيث الاجتماع، فيتقيّد الصلاة بذاك المجموع.

ويتصوّر هذه في المانع، فقد يكون صرف وجود الشي‏ء مانعا بمعنى أنّه اعتبر ارتباط المركّب بعدم وجود عنوان كذائي معه، وقد يكون وجوده الساري، بمعنى أنّه اعتبر تقيّد الصلاة بعدم كلّ وجود وجود معها وفي ضمنها.

وفي هاتين الصورتين لا بد من ترك جميع الافراد، والفرق بينهما يظهر في‏ ما لو اضطرّ إلى لبس جزء غير المأكول في الصلاة مثلا، فعلى الأوّل لا يفرق بين الزيادة والنقيصة، وعلى الثاني لا بدّ من الاقتصار على ما يندفع به الضرورة وعدم التجاوز، لفرض تعلّق النهي المنعي بكلّ فرد فرد مستقلّا، والضرورة إنّما يتقدّر بقدرها، وقد يكون المجموع من حيث المجموع أي اعتبر ارتباط الصلاة بعدم المجموع، فيلزم حينئذ ترك الواحد، هذه أنحاء التصوّرات في الكبرى.

وأمّا مقام الشكّ في الصغرى من كلّ من هذه الأقسام، فنقول: لو علمنا أنّ السورة مثلا جزء للصلاة بمعنى لزوم تحقّق أصل وجودها فيها، وشككنا أنّ سورة كذا من سور القرآن أو لا؟ فهذا شكّ في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته، وقاعدته الاشتغال وعدم الاكتفاء بهذا الفرد المشكوك ولزوم الإتيان بالمعلوم، وهكذا الكلام في الشرط بعينه.

ولو علمنا بأنّ السورة جزء بوجودها الساري وشككنا في أنّ هذا سورة أو لا، فالأصل فيه البراءة؛ لأنّ هذا الشكّ له حيثيتان، حيثيّة كونه موضوعيّا، ومن هذه الجهة يشترك مع الشبهة الموضوعيّة في التكليف النفسي، كما لو شكّ بعد ورود:

«تواضع للعالم» في أنّ زيدا عالم أو لا، ولا يشكّ في جريان البراءة فيه؛ لأنّه شكّ في التكليف، والعقاب عليه بلا حجّة؛ إذ لا فرق في انعدام الحجّة وقبح العقاب بين الجهل بالكبرى أعني أصل وجوب تواضع العالم وبين الجهل بالصغرى مع الفراغ عن الكبرى، كما مع العلم بوجوب التواضع والشكّ في عالميّة هذا الشخص، ولا مسرح حينئذ لتوهّم أنّ البيان الذي كان وظيفة المولى وهو رفع الجهل من أصل الحكم أعني الكبرى قد تمّ، والشكّ الذي نشأ من الامور الخارجيّة ليس الشارع فيه مرجعا، فلا يرتبط به فيكون عقابه عقابا مع تمام البيان من قبله، فإنّه لا فرق في قبح العقاب بلا بيان بين كون البيان ممّا هو من وظيفة المولى وما ليس كذلك، وفي القسمين ملاك القبح موجود، ولا اختصاص له بخصوص الأوّل كما هو واضح لمن راجع عقله ووجدانه، وبالجملة، في هذه الحيثيّة التي هي حيث كون الشبهة موضوعيّة يقتضي البراءة وليست مقتضية للاحتياط، وإلّا لوجب المصير إليه في الشبهة الموضوعيّة المحضة.

والحيثيّة الاخرى حيث كونها شبهة بين الأقلّ والأكثر، لأنّا لو فرضنا حصر أفراد الطبيعة المأمور بها بالأمر الجزئي في أحد عشر، عشرة منها معلوم الفردية وواحد مشكوك فقد علمنا أنّ صلاتنا المطلوبة صارت مركّبة من هذا وهذا وهذا مشيرا إلى الأفراد المعلومة، ولكن نشكّ في أنّها مركّبة من هذا المشكوك أيضا وهو أيضا جزئها أو لا، وقد فرغنا في الشبهة الممحّضة بين الأقلّ والأكثر من كون الأصل فيها البراءة للانحلال ورجوع الشكّ إلى الشكّ البدوي في التكليف بالأكثر، فيكون قاعدته البراءة، ولا يعقل في مورد اجتماع الحيثيّتين اللتين كلّ منهما منفردة مقتضية للبراءة أن يؤثّر وصف اجتماعهما في الاحتياط، هذا هو الكلام في الجزء، وبعينه جار في الشرط.

ولو اعتبر العنوان باعتبار مجموع الوجودات من حيث المجموع جزءا أو شرطا فشككنا أنّ الشي‏ء الفلاني من مصاديق ذاك العنوان أو لا؟ فأصله أيضا هو البراءة، لأنّا نعلم أنّ الأمر الجزئي أو الشرطي تعلّق بمجموع من الأشياء التي ينطبق عليها العنوان الخاص، ولكن لا نعلم أنّه هذه العشرة أو هي مع الحادي عشر، فالشكّ راجع إلى تقيّد الصلاة مثلا أو تركّبه من الشي‏ء الحادي عشر، فيجتمع في هذه الشبهة أيضا الحيثيّتان المتقدمتان وكلاهما مقتض للبراءة فلا يحدث باجتماعهما حكم جديد، هذا تمام الكلام في الشرط والجزء.

وأمّا المانع فقد يعتبر في الصلاة مثلا ارتباطها بعدم أصل الطبيعة، وقد يعتبر بعدم كلّ وجود، وقد يعتبر بعدم مجموع الوجودات. فلا إشكال في القسم الأخير وإن كان مجرّد فرض لا واقع له في الشرعيّات، كما لو فرض الحكم بمانعيّة جميع أفراد جزء غير المأكول من الأرنب والهرّة وغيرهما بصورة الاجتماع بحيث لم يضرّ وجود واحد ولا اثنين ولا ثلاثة، بل ما دام ناقصا عن المجموع بواحد، فلو شككنا في جلد خاص أنّه جلد الأرنب أو الغنم فلا يجوز الاكتفاء بعدمه في الصلاة مع فرض وجود تمام الباقي فإنّه يشكّ حينئذ في تحقّق عدم المجموع‏ بعدم هذا الجلد المشكوك وعدمه بعد اشتغال الذمّة بذاك العدم، فلا يفرغ الذمّة إلّا مع العلم بالبراءة والفراغ، وهو يتوقّف على ترك لبس واحد من الجلود المعلومة كونها من غير المأكول، فالأصل هو الاحتياط بلا إشكال، وهذا القسم كما عرفت غير واقع.

وأمّا القسمان الآخران فهما محلّ التشاجر والكلام في الموانع الشرعيّة أنّها من أيّ منهما، أحدهما اعتبار الوجود السرياني، والآخر صرف الوجود، فقوله:

لا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول، هل هو بمعنى أنّ كلّ فرد من جزء غير المأكول وجد في الدنيا فقد تعلّق به الحكم المزبور بالاستقلال، أو أنّ الحكم مختصّ بصرف وجود هذه الطبيعة المتوقّف عدمه على عدم جميع الأفراد.

والحقّ كون النهي المنعي كالنفسي ظاهرا في الأوّل، ويظهر الثمرة في حال الاضطرار ببعض من الأفراد، فعلى الأوّل يتقدّر الجواز على قدر الضرورة، ولا يجوز التعدّي إلى غيره لأن غيره منهيّ مستقلّ، وعلى الثاني يباح جميع الأفراد بالاضطرار إلى واحد، وكيف كان فالمهمّ التكلّم في صورة الشكّ الموضوعي من القسمين.

فنقول: لو شككنا في القسم الأوّل كما لو علمنا أنّ الصلاة مقيّدة بعدم جزء غير المأكول باعتبار وجوده السرياني مطلوبة، بحيث كلّ فرد من جزء غير المأكول متى وجد يتعلّق به هذا الحكم مستقلّا، ولكن شككنا في الجلد الخاص أنّه من الأرنب أو الغنم، فهذا راجع إلى الشكّ في الأقلّ والأكثر من جهة أنّ التقيّد بالعنوان بهذا النحو يرجع إلى تقيّدات بعدد الأفراد، فالصلاة متقيّدة بعدم جلد الأرنب وعدم جلد الهرّ وهكذا، وإن كان هذا المشكوك أيضا من غير المأكول فالصلاة متقيّدة بعدمه أيضا.

فالشكّ له حيثيّتان، من إحداهما يصير نظير الشكّ في أنّ المائع الخاصّ خمر أو لا؛ إذ كما أنّ أصل حكم لا تشرب الخمر معلوم والشكّ في كون هذا خمرا، كذلك هنا أيضا «لا تلبس جلد غير المأكول» معلوم والشكّ في كون الجلد الخاص من غير المأكول، وقد قلنا في النهي النفسي أنّ الشكّ في الصغرى يوجب البراءة، ولا فرق بينه وبين الشكّ في الكبرى، ومن جهة اخرى يصير كالشكّ في تقيّد الصلاة بشي‏ء بالشكّ الحكمي، فإنّه يعلم تقيّد الصلاة بعد انحلال التقيّد بالعنوان إلى التقييدات المتعدّدة بهذا وذاك وذاك ويشكّ في تقيّدها بهذا المشكوك فيكون نظير الشكّ في المطلق والمقيّد، وقد قلنا: إنّ حكم العقل فيه البراءة، فالشكّ هنا اجتمع فيه الموضوعيّة والدوران بين المطلق والمقيّد وكلّ منهما منفردا يقتضي البراءة، فكذا مع الاجتماع، وهذا منقول من الميرزا الشيرازي قدّس سرّه.

ولو وقع الشكّ في القسم الآخر أعنى ما إذا تعلّق النهي بصرف الوجود، فقد يقال فيه أيضا بالبراءة مثل الصورة المتقدّمة، بل نقل الاستاد من سيّده الاستاد- طاب مضجعه- إصراره عليه حتّى عدّه في النهي النفسي من البديهيّات التي لا يصلح أن يتفوّه بخلافه واحد من أهل العمائم، وتقريبه أن يقال: إنّ النهي وإن تعلّق بصرف الوجود، ولكن تعيّن صرف الوجود إنّما يكون بالمصداق، فلو كان هنا مصداق واحد كان لصرف الوجود تعيّن واحد، فيصير هو متعلّقا للنهي، وإن كان له مصاديق كان له تعيّنات، فيقع تلك المصاديق تحت النهي لأنّها تعيّنات صرف الوجود وهو عينها ومتّحد معها، فالنهي المتعلّق به متعلّق بها، فينحلّ أيضا إلى تقيّدات عديدة.

مثلا قوله «لا تشرب الخمر» لو فرض اعتباره بمعنى أن يكون المقصود طلب أن لا يصدر من المكلّف شرب هذه الحقيقة، فهذه الحقيقة متعيّنة في هذا المائع وفي هذا، إلى آخر مصاديقه، فكلّ منها يصير مبغوضا ببغض واحد ومنهيّا بنهي واحد، فهنا يرجع إلى الأقلّ والأكثر من جهتين، الاولى من جهة تقيّد الصلاة بعدم الفرد المشكوك، والثانية من جهة تعلّق نفس النهي بما عداه أو بالمركّب منه.

وبعبارة اخرى: إنّا نسلّم أنّ الأمر أو النهي إذا تعلّق بمفهوم مبيّن وشكّ في محصّل هذا المفهوم في الخارج أنّه أمر كذا أو مع ضمّ كيفيّة خاصّة فالأصل فيه‏ الاحتياط؛ لأنّه مقتضى العلم بالاشتغال، إلّا أنّه مخصوص بصورة كون المفهوم الذي وقع تحت الحكم مسبّبا عن المحصّل بحيث لم يرتبط حكمه بمحصّله مثل الطهارة، فإنّها حالة نفسانيّة ومحصّلها الغسلتان والمسحتان، فلو شكّ أنّ الغسل من الأعلى إلى الأسفل أيضا له دخل في حصول طهارة النفس لزم مراعاته لعدم العلم بحصول الطهارة المأمور بها بدونه، وهذا بخلاف المقام، حيث إنّ المحلّ والمركب للحكم أوّلا وإن كان أيضا مفهوما مبيّنا، ولكن يصير بعد التطبيق، المحلّ والمركب له نفس المصاديق، فالشكّ في المصداقيّة يكون شكّا في نفس محلّ الحكم لا في محصّله بعد تبيّن نفسه، فالأصل فيه البراءة لعين ما تقدّم في الصورة السابقة، غاية الأمر أنّ الرجوع إلى الأقلّ والأكثر كما عرفت يكون هنا من جهتين.

وهذا أيضا يظهر من آية اللّه الخراساني طاب ثراه(1)‏ حيث إنّه في مبحث الصحيح والأعمّ بعد ما اختار الوضع للصحيح وعدم الجامع بينه وبين الفاسد وثبوته بين الأفراد الصحيحة استشكل على وجود الجامع بين الأفراد الصحيحة بأنّ المشهور مع ذهابهم إلى الوضع للصحيح اختاروا البراءة في بحث الأقلّ والأكثر مع أنّ مقتضى ذلك أن يكون الأصل هو الاحتياط لأنّ المأمور به وهو الأمر البسيط الوحداني الصادق على الأفراد الذي من أثره النهي عن الفحشاء يجب تحصيله، ومع عدم الشرط المشكوك أو الجزء المشكوك يشكّ في حصوله، ثمّ أجاب بأنّه يمكن القول بالبراءة مع اختيار هذا الجامع بالفرق بين باب الأسباب والمسبّبات والامور التوليديّة مثل الطهارة، حيث إنّها عنوان يتولّد من الغسلتين والمسحتين، فالشكّ فيها يكون مرجعه الاحتياط للجزم بالفراغ، وبين ما إذا لم يكن المأمور به والمحصّل من هذا الباب وكان من باب المنطبق والمنطبق عليه، فحينئذ يكون الشكّ في نفس محلّ الأمر، فيكون الأصل فيه البراءة على ما قرّر في الأقلّ والأكثر.

هذا ما ذكراه هذان العلمان الاستادان قدّس سرّهما، ونقل الاستاد دام ظلّه مساعدة استاده الميرزا محمّد تقي الشيرازي دام ظلّه وعمره أيضا لذلك، فذهب دام ظلّه إلى أنّ النهي ليس بمؤثّر في المصاديق المشكوكة مطلقا إلّا مع العلم الإجمالي.

وهم دفع‏

أمّا الوهم حيث إنّ ما نقلناه عن السيّد قدّس سرّه من اختيار البراءة في النهي المتعلّق بصرف الوجود عند الشبهة الموضوعيّة مستدلّا بكون الأفراد تحصّلات وتشخّصات وتعيّنات للطبيعة، فيسري النهي عن الطبيعة إليها واضح المنافاة لما نقله الاستاد عنه قدّس سرّه في مبحث اجتماع الأمر والنهي من اختيار جواز اجتماعهما مستدلّا بأنّ صرف الوجود لطبيعة الصلاة مثلا قد صارت متعلّقة للأمر وهي مباينة للأفراد، وكذلك الوجود الساري لطبيعة الغصب صار محلّا للنهي، فلا يرتبط أيضا بالوجودات الخاصّة للأفراد.

فقد يتوهم دفعا لهذه المنافاة الواضحة بين كلامي السيّد أنّ هنا فرقا بين الأفعال الواقعة تحت التكاليف بلا واسطة وبين الموضوعات الواقعة تحتها بواسطة الأفعال مثل الخمر، من جهة أنّ الوجود المعتبر في الأفعال يكون بمعنى الصورة الذهنية الحاكية عن الخارج، فيلاحظ كأنّ الخارج ظرف نفس تلك الأفعال، وأمّا اتّصافها بالوجود في الخارج بحيث كان الخارج ظرفا لوجودها فإنّما يطلب بالأمر تحصيله أو بالنهي الردع عنه، والجملة، هذا داخل في المحمول أعني التكليف لا في الموضوع وإلّا يلزم طلب الحاصل أو الردع عن الحاصل.

وأمّا الوجود المعتبر في الموضوعات المتعلّقة لتلك الأفعال مثل الخمر واللباس والسورة والطهارة وغير ذلك فالمراد به المعنى الثاني، فالخمر المفروغ عن وجودها في الخارج بحيث كان الخارج ظرف وجودها لانفسها إمّا محقّقا أو مقدّرا يتعلّق بها طلب ترك الشرب، وهكذا سائر الموضوعات.

فالكلام في مبحث الاجتماع حيث إنّه في الأفعال وعرفت أنّ الوجود الخارجي بالمعنى الثاني غير معتبر فيها فاختار السيّد هناك الجواز، وإلّا فلو كان موضوع ذلك المبحث في الأعيان والموضوعات لتعيّن القول بالامتناع، لما عرفت من أنّ الوجود المعتبر فيها هو ما كان الخارج ظرفا لوجود الملحوظ لا لنفسه، وأمّا في مقامنا أعني الشبهة الموضوعيّة في الطبيعة المعتبرة بنحو صرف الوجود مانعا في المأمور به، فحيث إنّ موضوع البحث هو الأعيان مثل جزء غير المأكول والمحمول النجس وغير ذلك فلهذا اختار قدّس سرّه هنا البراءة، وإلّا فلو كان موضوعه هو الأفعال لتعيّن القول بالاشتغال، وذلك لأنّ لازم أخذ الوجود بالنحو المعتبر في الأفعال عدم سراية الغرض من الطبيعة إلى أفرادها الخارجيّة، ولازم هذا هو القول بالجواز في مبحث الاجتماع والاشتغال في هذه الشبهة الموضوعية، ولازم أخذ الوجود بالنحو المعتبر في الموضوعات سراية عرض الطبيعة إلى الأفراد ولازمه القول بالامتناع في مبحث الاجتماع، والبراءة في هذا المقام.

وأمّا الدفع فبعد عدم اختصاص كلّ من المبحثين بما ذكره- بل يجري الكلام في كلّ منهما في الأفعال وفي الموضوعات كما هو واضح- نقول: وإن كان ما ذكره من الفرق بين الأفعال والموضوعات في أخذ الوجود المعتبر فيها حقّا لا محيص عنه، ولكن ما فرّعه على هذا الفرق ممنوع غاية المنع.

_______________

(1) )- لكن صرّح بخلافه ولزوم الاحتياط في الجلد الثاني من الكفاية في التنبيه الثالث من تنبيهات أصالة البراءة، منه قدّس سرّه الشريف.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.