أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
9298
التاريخ: 12-08-2015
1240
|
مؤلفاته
إن من أكثر مؤلفات ابن مالك شهرة، و أوسعها انتشارا ثلاثة و هي الكافية الشافية، و الخلاصة، و تسهيل الفوائد و تكميل المقاصد، و كل واحد من هذه الثلاثة يعبر عن مرحلة خاصة من مسيرة ابن مالك العلمية. كان أول ما كتب منها الكافية الشافية، و هي موسوعة شاملة للمعلومات التي جمعها من دراسته الواسعة، و قد نظمها في ألفين و سبعمائة و خمسين بيتا و نيف. ثم بعد ما شرحها انتقى منها ألفيته المشهورة، فجاءت خلاصته تهذيبا تطبيقيا، و عملا تربويا يقدم إلى الطلاب ما لا يسع جهله من النحو، دون أن يثقل عليهم بتشعب الآراء، و فروع الاختلاف، و يرشدهم إلى الطرق استعمال اللغة استعمالا صحيحا، و إلى التبصر بإعرابها المندرج تحت المعاني. فاعتمدها جمهور
ص314
الدارسين، و استبدلها الناس بكتاب سيبويه، و بجمل الزجاجي، و بإيضاح الفارسي، و بمقدمة الجزولي، في جميع الأصقاع و صمدت على مر العصور.
و بعد ما نظم ابن مالك الكافية لنفسه، و الخلاصة للطلاب، ألف التسهيل للعلماء. و يقال إنه قد لخصه في مؤلف سابق له، اسمه الفوائد، و إن كتاب الفوائد هذا الذي عناه سعيد الدين العربي العوفي بقوله:
اعتبر العلماء كتاب التسهيل مثل كتاب سيبويه. فيقول عنه أبو حيان في البحر المحيط إن (أحسن موضوع في علم النحو، و أجلّه كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه، و أحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات و أجمعه للأحكام كتاب تسهيل الفوائد لأبي عبد اللّه محمد بن مالك الجباني الطائي المقيم في دمشق) (2). و عبارة أبي حيان كانت دقيقة في وصف التسهيل بأنه مختصر جامع. و لهذا كان موضوع اهتمام خاص من طرف كبار النحويين. فقد ارتكز عليه أبو حيان نفسه في عدة مصنفات تدور حوله. و هي التكميل في شرح التسهيل، و التخييل الملخص من شرح التسهيل، و هو تلخيص لشرح المؤلّف.
و الكتاب الثالث هو أهمها و أكثرها جمعا و استيعابا، أعنى التذييل و التكميل فيشرح التسهيل، و يكفيه صخامة أن كتاب ارتشاف الضرب ليس إلا اختصارا له.
ثم تناظر العلماء بعد أبي حيان في الاعتناء بالتسهيل و شرحه، فكان من أشهر شراحه محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي (ت 744 ه) ، و بدر الدين الحسين بن قاسم المرادي (ت 749 ه) و جمال الدين عبد اللّه بن يوسف بن هشام الأنصاري (ت 761 ه) و بهاء الدين عبد الرحمن بن عقيل (ت 769 ه) و محي الدين الحلبي المعروف بناظر الجيش (ت 778ه) ، و بدر الدين محمد ابن أبي بكر بن الدماميني (ت 873 ه) ، و محمد المرابط الدلائي (ت 1089 ه) .
ص315
فإذا كان كتاب سيبويه ظل المرجع الأساسي للدراسات النحوية طيلة خمسة قرون، فإن كتاب التسهيل، احتل مكانته من الاهتمام، و هذا ما يفسر المقارنة التي ذكرها أبو حيان في كلامه عن هذين الكتابين: و إذا كان «الكتاب» قد دوّن المعارف النحوية و الصرفية في عصره، فإن التسهيل قصد استيفاء أصول هذه المعارف، و الاستيلاء على أبوابها و فصولها، وفقا لمرامي مؤلفه.
سبعة قرون مرت و ما زلنا مع ابن مالك، و لنا أن نتساءل عن سر نجاح النموذج النحوي الذي اصطفاه هذا الإمام، و ما هي العوامل التي كتبت له الثبات و الاستمرار. فقد يتبادر إلى الذهن أنها نتيجة منهجه العام في التحرر من القيود المذهبية وسعة باعه في اللغة العربية التي مد آفاق السماع فيها بالحديث و بمروياته الشعرية الكثيرة مع سلامة ذوقه في الاختيار و التعبير، و توخي الوضوح و الضبط في المقاييس و الأحكام في عمله، فكان عملا وسطا قريب المأخذ سهل التناول، تجنب غموض أبنية سيبويه و افتراضات المبرد و تفريعات أبي علي الفارسي، و فلسفة الرماني، و تنظيرات ابن جني، و تحاليل السهيلي، و تقنين أبي موسى الجزولي.
إن من أهم ما استحدثه ابن مالك في النحو توسيع دائرة السماع باعتماده على لغة الحديث الشريف. و هو عمل لم يسبق إليه، و في هذا المجال أضاف ابن مالك إلى النحو أساسا جديدا، مثل ما فعل الكوفيون في اعتبارهم للغات لم يأخذها البصريون في الحسبان. و لم يكن عمل ابن مالك هذا تقريرا اعتباطيا، لأنه برهن على أن جميع الصيغ الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة، لها شواهد من أشعار العرب الذين أجمع النحويون على الاستشهاد بهم، و كأنه بهذا يرد على أولئك الذين جاؤوا من بعده ينكرون عليه الاستشهاد بالحديث بذريعة جواز روايته بالمعنى، و يكون أكثر رواته من الأعاجم. و في كتابه المسمى بالتوضيح و التصحيح لشواهد الجامع الصحيح رد علمي و عملي على المخالفين في صحة عربية مختلف روايات الحديث.
و في مجال القياس اتخذ الإمام ابن مالك طريقا وسطا، بين تساهل الكوفيين و تشدد البصريين، و جعل للقياس ضوابط، يمكن استقراؤها من اختياراته على النحو التالي:
فالقياس عنده عمل تطبيقي، لا يستلزم التعليل. فحينما تقرر القاعدة العامة، و يتضح تمثيلها في التعبير اللغوي، ينبه ابن مالك على جواز القياس على نظير هذا التعبير، فكل نكرة موصوفة جاز الابتداء بها، و ليقس ما لم يقل» ، و كل فعل على وزن
ص317
قدّس فقياس مصدره التقديس. و كل اسم فاعل أو مفعول ابتدأ به يعتبر معموله المرفوع فاعلا أغنى عن الخبر إذا ورد بعد الاستفهام: «و قس و كاستفهام النفي«.
و من ضوابط القياس أن تبنى قاعدته على استعمال فصيح و شائع، ثم يذكر ابن مالك ما يقاس عليه و ما يمتنع عليه القياس، و منه اللغة الخاصة بأناس معينين، و منه أنواع الشذوذ و الضعف.
فمن أمثلة اللغات التي لا يمكن القياس عليها إعمال «ما» عند الحجازيين، و إتباع المستثنى المنقطع عند تميم، و في درجة أدنى، قد لا يعاب استعمال «القول» بمعنى «الظن» و هي لغة سليم، و انقلاب ألف المقصور ياء، و هي لغة هذيل. و من اللغات المسموعة التي لا يجوز القياس عليها لندرة الاستعمال كسر نون الجمع مثل قول الشاعر:
عرفنا جعفرا و بني أبيه و أنكرنا زعانف آخرين
و تعرض للشذوذ في اللغة، فيقول في باب التحذير و الإغراء من ألفيته:
(إيا) إلى «ضمير» الغائب، فقد زاد على الاستعمال الأول بتحذير الغائب.
و يقسم شارحو الألفية الشذوذ إلى نوعين، أحدهما شائع و الآخر نادر. فمن الشاذ المستعمل: جمع أرض على أرضين، و جمع فارس على فوارس، و من الشاذ النادر حذف تاء التأنيث، في تصغير حرب، و تصغير عيد بعييد، و زيادة ياء النداء مع اللام و جمع نائم على نيام.
و مما لا يقاس عليه الضعيف في الاستعمال، و من أمثلته، تضمن الجامد معنى المشتق و إعطاؤه حكم الصفة المشبة باسم الفاعل. فيقول ابن مالك في الكافية:
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن تطلب نداه فكلب دونه كلب
ص317
و فيما يخص التعليل، فإن ابن مالك لم يتكلف استخراج علل بعيدة للقواعد النحوية، فهو في هذا المجال أقرب إلى المنهج اللغوي، و إلى السليقة العربية، و كان أكثر ما يعلل به أحكامه، إفادة الخطاب و الابتعاد عن اللبس في المعنى، و التناسب في الألفاظ.
فإذا ظهرت فائدة القول يجيز لك ما ظاهره المنع، و حينئذ لا مانع من الإخبار باسم الزمان عن المبتدأ و لو كان جثة، و لا من الابتداء بالنكرة، و لا من توكيدها. ففي هذه المسائل يقول في بابي الابتداء و التوكيد:
و ما من المنعوت و النعت عقل يجوز حذفه و في النعت يقلّ
ص318
لعمرك ما أدرى و إن كنت داريا بسبع رمين الجمر أم بثمان
و من ذلك أيضا حذف الفاء مع ما عطفت، في نحو قوله تعالى: (فَأَوْحَيْنٰا إِلىٰ مُوسىٰ أَنِ اِضْرِبْ بِعَصٰاكَ اَلْبَحْرَ فَانْفَلَقَ( (الشعراء-الآية 63) . فالسياق يدل على حذف: «فضرب» . و قد تكون الواو كالفاء في هذا الحكم، مثل قول الشاعر:
أما منهجه الخاص في عرض آرائه، و بالخصوص في الخلاصة، فإنه يمتاز بالدقة في التنظيم و في إحكام التصميم، ففي أغلب الأبواب. يعرّف بعنوان الباب الذي يعالجه و يبين حكم إعرابه كأن يقول مثلا:
الحال وصف فضلة منتصب مفهم في حال كفردا أذهب
ص319
لقد كان من الطبيعي أن نقدم في هذا الفصل دراسة أكثر شمولا عن هذا الإمام الجليل، و إذا كنا لم نقم بهذه المحاولة، فذلك لسببين اثنين أحدهما أن آراء هذا العالم، و منهجه في النحو و أسلوبه، كل ذلك معروف عند العام و الخاص، إذ كل ما قيل من بعده في النحو مضاف إليه، مباشرة أو بواسطة أتباعه، و كما يقول هو:
ص320
_____________________
(1) انظر المرابط الدلائي: نتائج التحصيل، ج 1/ 77.
(2) البحر المحيط، 1/ 106.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|