أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
7085
التاريخ: 29-03-2015
2791
التاريخ: 29-03-2015
2295
|
و كتاب الجمل هو أول مؤلف مدرسي في متناول المتعلمين، فالكتب التي سبقته كانت في مجملها موضوعة لذوي الاختصاص لا تكمل الاستفادة منها دون الاستعانة بشيخ متمرس، و قد رأينا أن صعوبة كتاب سيبويه دعت المبرد إلى تقريب معانيه في المقتضب، و ابن السراج إلى تنظيم مواضيعه، أما الزجاجي في كتاب الجمل فقد اعتمد التقريب و التنظيم و الاختصار و الوضوح.
ص165
و هذه الميزات جعلت كتابه يحتل الصدارة طيلة قرون، و يلقى رواجا كبيرا عند المغاربة بصفة خاصة حتى أن المؤرخين ذكروا له أكثر من مائة شرح، و من مشاهير شراحه، ابن العريف الأندلسي(1) و أبو العلاء المعري الذي وضع عليه ثلاثة شروح، و ابن بابشاذ المصري(2) و ابن الباذش الغرناطي(3)، و ابن خروف، و ابن معطي صاحب الألفية، و ابن عصفور، و ابن الضائع (4)، و أبو الحسين بن أبي الربيع، و في هذا نرى مدى اعتناء كبار العلماء بهذا المصنف، كما أن شواهده استأثرت باهتمام أعلام اللغة النحوية، فقد شرحها
ص166
ابن سيده و ابن السيد البطليوسي في كتاب الحلل، و ابن هشام اللخمي(5)، و الأعلم الشنتمري، و ابن هشام الأنصاري. و ها نحن نستعرض أمثلة من آرائه في أحكام «كان» و في أوجه الصفة المشبهة باسم الفاعل و أحكام مذ و منذ. يقول الزجاجي:
باب الحروف التي ترفع الاسم و تنصب الخبر: و هو يعني كان و أخواتها، و يعقب ابن أبي الربيع على هذا العنوان بقوله «ليست بحروف، و إنما هي أفعال» و إنما سماها حروفا لأحد أمرين، أحدهما «أن يريد بالحروف الكلم فكأنه قال باب الكلم التي ترفع الاسم و تنصب الخبر و يعبر النحويون عن الكلمة بالحرف و يوجد هذا في كلام سيبويه(6)، و لعل ابن أبي الربيع يشير إلى قول سيبويه في قول العرب «ما جاءت حاجتك» ، كما قال بعض العرب «من كانت أمك» حيث أوقع «من» على مؤنث، و إنما صيّر جاء «بمنزلة كان» في هذا الحرف وحده، لأنه بمنزلة المثل. و الذي يفهم من كلام سيبويه هنا أن الحرف قد يدل على الصيغة لا على الكملة(7)، و يزيد ابن أبي الربيع أن في كلام أبي القاسم ما يدل على هذا الوجه، لأنه قال: باب حروف الخفض، ثم قال الذي يكون به الخفض ثلاثة أشياء: حروف، و ظروف، و أسماء ليست بحروف و لا ظروف» ، الثاني أن يكون سماها حروفا لضعفها من أمرين: أحدهما أنها لا تستقل بمرفوعها كالأفعال، و الثاني أنها لا تؤكد بالمصادر بخلاف غيرها من الأفعال(8).
و يقول الزّجّاجي: و اعلم أنّ ل «كان» أربعة مواضع: تكون ناقصة مثل كان زيد عالما، و تامة تكتفي باسم واحد كقوله عز و جل: (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ) (البقرة-الآية 280) .
و قول الربيع بن ضبع:
إذا كان الشتاء فأدفئوني فإنّ الشيخ يهرمه الشتاء
و تكون زائدة كما قال الفرزدق:
فكيف إذا مررت بدار قوم و جيران لنا كانوا كرام
ص167
و قد أجاب ابن الربيع عن هذا الاعتراض، ببيان الفرق بين «كان» الزائدة الملغاة في درج الكلام، و كان التي في صدر الكلام، الداخلة على ضمير الأمر و الشأن، و التي ذهب ابن الطراوة إلى أنها ملغاة، و هي إن كانت مثل الناقصة، تعتبر حالة خاصة من بابها)(10).
و من أوجه صيغ الصفة المشبهة باسم الفاعل يقول الزجاجي: «الوجه الحادي عشر أجازه سيبويه وحده و هو قولك: مررت برجل حسن وجهه بإضافة حسن إلى الوجه، و إضافة الوجه إلى الضمير العائد على الرجل. و خالفه جميع الناس في ذلك من البصريين و الكوفيين و قالوا هو خطأ لأنه قد أضاف الشيء إلى نفسه و هو كما قالوا.
و لقد اعترض على أبي القاسم في هذا القول ثلاثة اعتراضات ذكرها ابن أبي الربيع في البسيط (11) أحدها: قوله إن سيبويه أجازه، و سيبويه إنما قال: و قد جاء في الشعر حسنة وجهها شبهوه بحسنة الوجه، و ذلك رديء.
قال:
الثالث: قوله إنه قد أضاف الشيء إلى نفسه، و أنت إذا قلت مررت برجل حسن الوجه، فقد أضفت الحسن إلى الوجه، و الحسن هو الوجه، و هي إضافة الشيء إلى نفسه و إنما امتناع حسن وجهه، إنه لم ينقل الضمير إلى حسن، فوجب رفع الوجه (11).
ص168
لقد تناول الزجاجي أحكام «مذ و منذ» في كتاب معاني الحروف، قائلا: أما منذ فحرف خافض لما بعده دال على زمان، و «مذ» يدل على زمان يرفع ما مضى و يخفض ما أنت فيه (12).
و في كتاب الجمل، فإنه يبسط القول أكثر، فيقول: أعلم أن «منذ» تخفض ما بعدها على كل حال، و هي في الزمان بمنزلة «من» في سائر الأسماء تقول: ما رأيته منذ يومين و منذ خمسة أيام، و منذ اليوم، و منذ يومنا، و منذ العام، و منذ عامنا تخفض هذا كله، ما مضى، و ما لم يمض و ما أنت فيه. و لو استعملت «من» في هذا الباب مكان منذ كان قبيحا و أهل البصرة لا يجيزونه، و أما قوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى اَلتَّقْوىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) (التوبة- الآية 108) فتقديره من تأسيس أو يوم. و قال زهير:
و أما «مذ» فترفع ما مضى و تخفض ما أنت فيه، كقولك ما رأيته مذ يومان و مذ شهران، و مذ عامان، و مذ عشرة أيام، فترفع ذلك كله لأنه ماض بالابتداء و خبره «مذ» و التقدير بيني و بين لقائه يومان، و تقول في ما أنت فيه بالخفض ما رأيته مذ يومنا، و مذ عامنا، فتخفضه لأنك فيه، و هي إذا رفعت ما بعدها اسم و إذا خفضت ما بعدها حرف بمنزلة «من» في المعنى و العمل.
و في كتاب الأمالي يذكر الخلاف في «مذ» بين الأخفش و الرياشي، و المازني، فيقول: أخبرنا أبو حفص محمد بن رستم الطبري قال أنبأنا أبو عثمان المازني، قال كنت عند الأخفش سعيد بن مسعدة و معنا الرياشي فقال:
إن «مذ» إذا رفع بها فهي اسم مبتدأ و ما بعدها خبرها كقولك ما رأيته مذ يومان، و إذا خفض بها فهي حرف معنى ليس باسم، كقولك ما رأيته مذ اليوم، فقال الرياشي فلم لا تكون في الموضعين اسما، فقد نرى الأسماء تخفض و تنصب كقولك: هذا ضارب زيدا غدا، و هذا ضارب زيد أمس فلم لا تكون منذ بهذه المنزلة. فلم يأت الأخفش بمقنع. و قال أبو عثمان المازني: إن «مذ» لا تشبه ما ذكرت من الأسماء لأنا لم نر الأسماء هكذا تلزم موضعا واحدا إلا إذا ضارعت حروف المعاني نحو «أين» و «كيف» و كذلك «مذ» هي مضارعة لحروف المعاني فلزمت موضعا واحدا، قال أبو جعفر فقال أبو يعلى بن أبي زرعة للمازني: أفرأيت حرف المعنى يعمل
ص169
عملين متضادين؟ قال: نعم كقولك قام القوم حاشى زيد و حاشى زيدا، و على زيد ثوب، و على زيد الجبل فيكون مرة حرفا، و مرة فعلا بلفظ واحد.
و علق الزجاجي على هذه المحاورة بقوله: «هذا الذي قاله المازني أبو عثمان صحيح إلا أنه كان يلزمه أن يبين لأي حرف ضارعت «مذ» كما أنا قد علمنا أن «متى» و «كيف» مضارعان ألف الاستفهام، و أن يبين كيف وجد الرفع ب «مذ» ، و أي شيء العامل فيها. و القول في ذلك: أن «مذ» إذا خفض بها في قولك: ما رأيته مذ اليوم، مضارعة «من» لأن «من» لابتداء الغايات و «مذ» إذا كان معها النون فهي لابتداء الغايات في الزمان خاصة، فوقعت مذ بمعنى «منذ» في هذا الموضع، و منذ بمعنى «من» فقد بان تضارعهما. و أما القول بالرفع بها
204في قوله: ما رأيته مذ يومان، فإنه لا يصح إلا من كلامين، لأنك إن جعلت الرؤية واقعة على «مذ» انقطعت مما بعدها، و لم يكن له رافع، و لكنه على تقدير قولك ما رأيته ثم يقول لك القائل كم مدة ذلك فتقول: يومان أي مدة ذلك يومان) (13).
ص170
____________________
(1) ابنا العريف اثنان، أحدهما الحسين، و هو الشاعر صاحب القصة مع أبي العلاء صاعد الذي ارتجل بين يدي المنصور بن أبي عامر بيتين في وصف وردة، قال فيهما:
اتتك أبا عامر وردة يحاكي لك المسك أنفاسها
كعذراء أبصرها مبصر فغطت بأكامها رأسها
فادعى الحسين بن العريف أنها من أبيات للعباس بن الأحنف، و ارتجل بدوره أبياتا ضمن فيها بيتي صاعد، و هي:
عشوت إلى قصر عباسة و قد ملك النوم حراسها
فالفيتها و هي في خدرها و قد صرع السكر أناسها
فقالت أسار على هجعة فقلت بلى، فرمت كاسها
و مدت إلى وردة كفها يحاكي لك المسك أنفاسها
كعذراء. . .
فقالت خف اللّه لا تفضحن في البيت عمك عساسها
فوليت منها على غفلة و ما خنت ناسي و لا ناسها
فخجل صاعد قبل أن تنكشف الحيلة للحاضرين.
أما أخوه الحسن، و هو ابن الوليد بن نصر (ت 367 ه) فهو الذي صاغ مسألة من مسائل التمرين يبلغ وجوه إعرابها ألفي وجه و سبعمائة ألف و أحد و عشرين ألف وجه، و ستمائة وجه و هي: «ضرب الضارب الشاتم القاتل محبك و ادك قاصدك معجبا خالدا في داره يوم عيد» و قد شرح السيوطي أوجهه في الأشباه و النظائر (ج 5 ص 227) .
(2) ابن بابشاذ، و هو أبو الحسن، طاهر بن أحمد بن بابشاذ (و معناه الفرح و السرور) المصري. كان من أئمة اللغة و النحو، استخدم في ديوان الرسائل، و من تصانيفه شرح جمل الزجاجي، و اشتهر تعليقه في النحو، سماه تلاميذه تعليق الغرفة، و تداولها بعده محمد بن بركات السعيدي، و أبو محمد عبد اللّه بن بري و أبو الحسين النحوي المنبوز بثلط الفيل. (الإنباه ج 2 ص 96) (ت 454 أو 469 ه) .
(3) ابن الباذش، هو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي حدث عن القاضي عياض و له شروح على كتاب سيبويه و المقتضب، و أصول ابن السراج و الإيضاح و الجمل للزجاجي و الكافي للنحاس (توفي سنة 528 ه) (بغية الوعاة ج 2 ص 142) .
(4) ابن الضائع و هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي الإشبيلي، كان ملازما للشلوبين متفوقا على أقران له، رد على اعتراضات ابن الطراوة على سيبويه و الفارسي، ورد على اعتراضات البطليوسي على الزجاجي، ورد على اختيارات ابن عصفور. و شرح الكتاب و الجمل، و توفي سنة 680 ه (بغية الوعاة ج 2 ص 204) .
(5) و هو أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن هشام اللخمي السبتي قال عنه السيوطي أنه كان قائما على العربية و اللغة و الآداب، و من تآليفه الفصول، و المجمل في شرح أبيات الجمل (ت 560 أو 577 ه) بغية ج 1 ص 48.
(6) البسيط في شرح جمل الزجاجي:661.
(7) كتاب سيبويه:1 / 51.
(8) البسيط:661-663.
(9) البسيط:373-746.
(10) البسيط:759.
(11) البسيط:1099.
(11) البسيط: تحقيق الدكتور الثبيتي لكتاب البسيط:1101.
(12) حروف المعاني 14 و كتاب الجمل 139 و الأمالي:91-92.
(13) الامالي، ص 91.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|