أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-4-2017
3867
التاريخ: 8-6-2016
6079
التاريخ: 2023-02-06
1672
التاريخ: 8-6-2016
23779
|
لعل أهم ما يميز العقد الإداري عن العقد المدني هو مركز الإدارة فيه . فالإدارة في العقد الإداري تتمتع بسلطات لا نجد لها مثيلا في عقود القانون الخاص . ويبرر ذلك دائما بمقتضيات الصالح العام وضرورة سير المرفق العام بانتظام و اطراد .
وتتمثل هذه السلطات فيما يلى :
أولا : حق الإدارة في الرقابة .
ثانيا : حق الإدارة في تعديل العقد .
ثالثا : حق الإدارة في توقيع جزاءات متنوعة على المتعاقد .
وهذه السلطات مسلم بها في القضاء الإداري ، فهي محكمة القضاء الإداري في حكمها بتاريخ 30 يونيه ۱۹5۷ تقرر أن « القانون الإداري .. يعطي جهة الإدارة سلطة الرقابة على تنفيذ العقد. وسلطة توقيع الجزاءات على المتعاقد معها إذا أخل بالتزاماته ثم سلطة تعديل العقد من جانبها وحدها بل إن لها حق إنهاء العقد إذا رأت - حسب مقتضيات المصلحة العامة أن تنفيذ العقد أصبح غير ضروري . وهي تتمتع بهذه الحقوق والسلطات حتى ولو لم ينص عليها في العقد لأنها تتعلق بالنظام العام »(1).
وهو ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في أحكامها . ومن ذلك حكمها بتاريخ ۲ مارس ۱۹۹۸ على أن « .. للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقود الإدارية ، ولها دائما حق تغيير شروط العقد وإضافة شروط جديدة بما قد يتراءى لها أنه أكثر اتفاقا مع الصالح العام دون أن يحتج الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين ، كما يترتب عليها كذلك أن للإدارة سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن هذا هو ما يقتضيه الصالح العام »(۲) . : وعلى ذلك فإن سلطات الإدارة تتميز بما يلي :
۱- إنها من النظام العام فلا يجوز للإدارة أن تتنازل عنها أو تحجم عن استخدامها إن توافرت مبرراتها . وكل اتفاق يمنع الإدارة من استخدامها أو يحجم هذا الاستخدام يكون باطلا بطلانا مطلقا .
۲- إن استخدام الإدارة لهذه السلطات إنما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة والتي تتمثل في ضمان استمرار المرفق ف ي أداء وظائفه بانتظام واطراد ..
3- إن الإدارة تستطيع اللجوء إلى هذه السلطات حتى ولو لم ينص عليها في العقد . وفي كل الأحوال لا يستطيع المتعاقد معها أن يدفع هذه السلطات بقاعدة القوة الملزمة للعقد أو أن العقد شريعة المتعاقدين ، فذاك غير صحيح بالمرة إن تعلق الأمر بعقد إداري .
هذا عن الأمر في النظرية التقليدية للعقود الإدارية وفي الحقيقة يجب التسليم بأن هذه السلطات التي تملكها جهة الإدارة قبل من يتعاقد معها ف ي النظرية التقليدية للعقد الإداري مثار تخوف ، وذهب الكثيرون في الفقه إلى القول بأن استخدام الإدارة لهذه السلطات في الصور الجديدة للعقود الإدارية ، كالعقود الإدارية الدولية أو عقود البوت أو غيرها أمر غير مسلم به ولذلك يثور هنا تساؤل منطقي : هل يمكن فعلا في هذه العقود أن تغل يد الإدارة عن استخدام هذه السلطات ؟ أم أن الأمر يقتضي فقط تحجيم هذه السلطات وتحديد آثارها . وتعيين كيفية اللجوء إليها وحالاته باعتبار أن ذلك دواء لا بد منه حتى ينتظم سير المرفق تحقيقا للمصلحة العامة .
و في الحقيقة نرى أن وجود سلطات الإدارة في عقود البوت بالقدر الذي يتلاءم مع طبيعة هذه العقود ، أمر لا مفر منه ، والقول بغير ذلك إنما يؤدي إلى أن تصبح هذه العقود كارثة على مستقبل المرفق العام ، وإهدارا للمصلحة العامة . ومرد ذلك إلى طول مدة العقد الذي يمكن أن تصل إلى تسع وتسعين سنة . كيف يتسنى لنا أن نقبل في إطار الفكر القانوني الحديث أن نجرد الإدارة من سلطاتها في ظل عقد يمتد هذه الفترة الطويلة ؟ كيف تواجه الإدارة ما ينتج عن هذه العقود من أوضاع اقتصادية وسياسية قد تعصف بالمصلحة العامة ؟ بل قد تعرض سيادة الدولة واستقلالها للخطر .
قد يكون مفهوما ، المطالبة بأن تستخدم هذه السلطات في إطار هذه العقود بمنطق الاستثناء الذي لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره . فضلا عن ضرورة تعويض المتعاقد مع الإدارة في هذه العقود تعويضا عادلا عما تسببه هذه التعديلات من أضرار للمتعاقد . أما القول بتجريد جهة الإدارة من هذه السلطات في هذه العقود بدعوى أنها تأبى ذلك . فهو قول لا تخفي خطورته .
وسوف نتناول هذه السلطات التي تخولها النظرية التقليدية ومدي اتفاقها مع عقود البوت الـ B.O.T على أنه يجدر التنبيه إلى أن حق الإدارة في توقيع جزاءات على المتعاقد معها أمر يصعب تطبيقه على أساس أن هذه العقود تتضمن دائما شرط اللجوء إلى التحكيم لفض ما يثور بشأنها من منازعات . وذلك على التفصيل الأتي :
أولا : حق الرقابة :
فالإدارة لها حق الرقابة ومتابعة المتعاقد معها في تنفيذ العقد . وحق الرقابة على المتعاقد قد يؤخذ بمعنى ضيق ، وهو يعني مجرد التحقق من أن المتعاقد معها ينفذ العقد تنفيذا صحيحا متفقا مع شروط العقد . وهي قد تمارس الرقابة بهذا المعنى عن طريق تعيين مندوب عنها يشرف على تنفيذ العقد ، ويشمل هذا الإشراف التحقق من صلاحية المواد التي ينفذ بها المتعاقد التزاماته أو تناسب معدلات التنفيذ مع المواعيد المحددة .
على أن هذا المعنى الضيق للرقابة لا يخرج على القواعد العامة في تنفيذ العقود عموما . ومن ثم فإن حق الرقابة الثابت للإدارة تجاه المتعاقد معها حين تنفيذ العقد يتجاوز هذا المعني بكل تأكيد إلى معنى أوسع وأشمل . فبمقتضاه تتدخل الإدارة في التنفيذ ، ولها أن توجهه كما تشاء وفق المصلحة العامة . فلها أن تطالبه بتغيير طريقة التنفيذ أو الإسراع من معدله أو تطلب منه الاستعانة بعمال آخرين (3).
وحق الإدارة في الرقابة وإن كان ثابتا لها في كل العقود الإدارية فإن مدى استعماله قد يختلف من عقد إلى آخر . فهو في عقد الالتزام أوسع مجالا وأرحب نطاقا . ومرد ذلك إلى أن الملتزم يقوم بنفسه بإدارة المرفق ومن ثم يحق للإدارة أن تتدخل في كل وقت لتغيير أسلوب الملتزم في الإدارة وطريقة تعامله مع المنتفعين بخدمات المرفق .
ونظرا لأهمية هذا الحق في عقد الالتزام فقد نصت عليه المادة 7 من القانون رقم ۱۲۹ لسنة ۱۹۹۷ والمعدلة بالقانون رقم 4۹۷ لسنة 1954 على أنه «لمانح الالتزام أن يراقب إنشاء المرفق العام موضوع الالتزام وسيره من النواحي الفنية والإدارية والمالية ، وله في سبيل ذلك تعيين مندوبين عنه في مختلف الفروع والإدارات التي ينشئها الملتزم لاستغلال المرفق ، ويختص هؤلاء المندوبون بدراسة تلك النواحي وتقديم تقرير بذلك المانح الالتزام ، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية - بناء على اقتراح الوزير مانح الالتزام أو المشرف على الجهة مانحة الالتزام أن يعهد إلي ديوان المحاسبة بمراقبة إنشاء المرفق وسيره من الناحية المالية أو أن يعهد بالرقابة الفنية والإدارية عليه إلى أية هيئة عامة أو خاصة . كما يجوز اللوزير المختص أن يقرر تشكيل لجنة أو أكثر من بين موظفي وزارته أو غيرها من الوزارات والهيئات العامة لتولى أمر من أمور الرقابة على التزامات المرافق العامة ، وفي هذه الحالة يتولى ديوان المحاسبة أو الهيئة أو اللجنة المكلفة بالرقابة دراسة النواحي التي نيط بها رقابتها ، وتقديم تقرير بذلك إلى كل من الوزير المختص والجهة مانحة الالتزام .
وعلى الملتزم أن يقدم إلى مندوبي الجهات التي تتولى الرقابة وفقا الأحكام السابقة كل ما قد يطلبون من معلومات أو بيانات أو إحصاءات ، كل ذلك دون الإخلال بحق مانح الالتزام في فحص الحسابات أو التفتيش على إدارة المرفق في أي وقت » . أما في عقود الأشغال العامة فإن هذا الحق لا يكون بهذه الصرامة كما هو الحال في عقود الالتزام ولكنه أيضا مسلم به وتنص عليه المادة ۷۹ من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات بقولها : « يلتزم المقاول باتباع جميع القوانين واللوائح الحكومية والمحلية ذات الصلة بتنفيذ موضوع التعاقد كما يكون مسئولا عن حفظ النظام بموقع العمل وتنفيذ أوامر الجهة الإدارية بإبعاد كل من يهمل أو يرفض تنفيذ التعليمات أو يحاول الغش أو يخالف أحكام هذه الشروط .
أما في عقود التوريد فإن حق الرقابة للإدارة يكون أضعف ، إذ من المسلم أن الأصل هو حرية المتعاقد في اختيار أسلوب التنفيذ في هذه العقود على أن هذا لا ينفي إمكانية استخدام الإدارة لهذا الحق إن كان له مقتضي . فهو حق يشمل العقود الإدارية ولكن تطبيقه يختلف مداه حسب طبيعة كل عقد .
وهو الأمر الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في حكمها بتاريخ20/4/۱۹۰۷ « العقود الإدارية تتميز عن العقود المدنية بطابع شخصي خارجي مناطه احتياجات المرفق الذي تستهدف العقود تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة فبينما تكون مصالح الطرفين في العقود المدنية متوازية ومتساوية إذا بها في العقود الإدارية غير متكافئة إذ يجب أن يعلو الصالح العام على المصلحة الفردية الخاصة وهذه الفكرة هي التي تحكم الروابط الناشئة عن العقد الإداري ويترتب على ذلك أن للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقود »(4).
وحق الإدارة في الرقابة لا يمتد إلى تغيير شروط التعاقد وبنوده فهو غير حقها في تعديل العقد ، وعلى ذلك فهي تستخدم هذا الحق في إطار نصوص العقد وشروطه ولا يتجاوزها إلى فرض شروط أخرى جديدة أو تعديل شروط قائمة .
وحق الرقابة - أمر مهم وهو في إطار عقود البوت الـ B.O.T يعتبر أكثر أهمية لاعتبارين أساسيين :
يتمثل الأول : في طول مدة الالتزام التي قد تصل إلى تسع وتسعين سنة . والثاني : في التزام المتعاقد مع الإدارة ؛ أي شركة المشروع في إعادة ملكية المرفق بحالة جيدة بعد انتهاء مدة الالتزام . وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا إذا سلمنا للجهة الإدارية بحقها في الرقابة والمتابعة الشركة المشروع في كل مراحل تنفيذ العقد - وتطبيقا لذلك فإن بعض دول امريكا اللاتينية (بيرو - البرازيل - كولومبيا - وعدد من الدول الأخرى) في عقود البوت الـ B.O.T تشتر تعيين ممثل للحكومة ضمن مجلس الإدارة في المرفق ، وليس له حق التصويت فيما يتعلق بالسياسات الجارية للشركة ، وإنما يختص بمراجعة ومناقشة أي توسعات رأسمالية مستقبلية وإطلاع الحكومة على تلك التوسعات ، ومراقبة ميزانية المرفق(5) . ومراقبة عقود الصيانة ومدى كفايتها واقتراح كل يكفل تحقيق ذلك على الوجه الأكمل .
ثانيا : حق التعديل :
تعتبر سلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري من أهم ما يميز هذه العقود عن غيرها من عقود القانون الخاص . والذي يحكمها قاعدة قانونية عتيدة تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين .
وسلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري ينص عليها في العقد دائما باعتبارها من الشروط غير المألوفة التي تميز العقود الإدارية عن العقود المدنية (6) .
ولكن التساؤل يثور حول حق الإدارة في أن تستخدم سلطاتها في التعديل إذا لم ينص عليها في العقد ؟ . يذهب الرأي الراجح في الفقه الفرنسي إلى أن حق الإدارة في تعديل شروط العقد الإداري حق ثابت لها سواء نصت عليه في العقد أو لم تنص عليه . ذلك أن النص على سلطة الإدارة في التعديل يعتبر كاشفا لحقها في ذلك لا منشئا له.
وذهب آخرون إلى إنكار ذلك على الإدارة ؛ فالقاعدة أن الإدارة لا تستقل بتعديل شروط العقد إلا إذا وجد النص على ذلك صراحة .
وفي الحقيقة نظرا لأهمية هذا الحق وضرورته لانتظام سير المرفق العام بانتظام و اطراد فإن الإدارة دائما تحرص على أن تضمنه عقودها . أما في مصر فإن المشرع حرص في القوانين التي نظمت المناقصات على النص عليه صراحة . وهو الأمر المستقر عليه في ن ص المادة 78 من قانون المناقصات رقم 89 لسنة 1998 والتي تنص على: « يحق للجهة الإدارية تعديل كميات أو حجم عقودها بالزيادة أو النقص في حدود ۲۰% بالنسبة لكل بند بذات الشروط والأسعار دون أن يكون للمتعاقد مع هذه الجهات الحق في المطالبة بأي تعويض عن ذلك . ويجوز في حالات الضرورة الطارئة وبموافقة المتعاقد تجاوز النسبة الواردة بالفقرة السابقة » .
ونصت المادة الخامسة من القانون رقم ۱۲۹ لسنة ۱۹۹۷ على أن « لمانح الالتزام دائما متى اقتضت ذلك المنفعة العامة أن يعدل من تلقاء نفسه أركان تنظيم المرفق العام موضوع الالتزام أو قواعد استقلاله ، وبوجه خاص قوائم الأسعار الخاصة به ».
ولأهمية حق الإدارة في تعديل عقودها جاءت أحكام القضاء الإداري مفصلة لأحكامه ، ومن ذلك حكم محكمة القضاء الإداري في 16 ديسمبر 1956 إذ نص على « أن الإدارة تملك من جانبها وحدها وبإرادتها المنفردة على خلاف المألوف في معاملات الأفراد فيما بينهم حق تعديل العقد أثناء تنفيذه وتعديل مدى التزامات المتعاقد معها على نحو وبصورة لم تكن معروفة وقت إبرام العقد ، فتزيد من الأعباء الملقاة على عاتق الطرف الآخر أو تنقصها وتتناول الأعمال أو الكميات المتعاقد عليها بالزيادة أو النقص على خلاف ما ينص عليه العقد . وذلك كلما اقتضت حاجة المرفق هذا التعديل ، ومن غير أن يحتج عليها بقاعدة الحق المكتسب أو بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز تعديله إلا باتفاق الطرفين ؛ وذلك لأن طبيعة العقود الإدارية وأهدافها وقيامها على فكرة استمرار المرافق العامة ، تفترض مقدما حدوث تغيير في ظروف العقد وملابساته وطرق تنفيذه تبعا المقتضيات سير المرفق . وأن التعاقد معها يتم على أساس أن نية الطرفين انصرفت عند التعاقد إلى ضرورة الوفاء بحاجة المرفق وتحقيق المصلحة العامة مما يترتب عليه أن الإدارة وهي صاحبة الاختصاص في تنظيم المرفق وتحديد قواعد سيره تملك حق تعديل العقد بما يوائم هذه الضرورة وتحقيق تلك المصلحة . ومن ثم كانت سلطة التعديل مستمدة لا من نصوص العقد فحسب بل من طبيعة المرفق واتصال العقد الإداري به وضرورة الحرص على انتظام سيره »(7).
ومن ذلك أيضا : حكمها بتاريخ 3 يونيه ۱۹5۷ إذ قررت أن « سلطة جهة الإدارة في تعديل العقد أو في تعديل طريقة تنفيذه هي الطابع الرئيسي لنظام العقود الإدارية ، بل هي أبرز الخصائص التي تميز نظام العقود الإدارية عن نظام العقود المدنية ، مقتضى هذه السلطة أن جهة الإدارة تملك من جانبها وحدها وبإرادتها المنفردة و على خلاف المألوف في معاملات الأفراد فيما بينهم حق تعديل العقد أثناء تنفيذه وتعديل مدى التزامات المتعاقد معها على نحو وبصورة لم تكن معروفة وقت إبرام العقد ، فتزيد من أعباء الطرف الآخر أو تنقصها كلما اقتضت حاجة المرفق أو المصلحة العامة هذا التعديل من غير أن يحتج عليها بقاعدة الحق المكتسب أو بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز تعديله إلا باتفاق الطرفين وهي من القواعد المقررة في مجال القانون الخاص ؛ ذلك لأن طبيعة العقود الإدارية وأهدافها وقيامها على فكرة استمرار المرافق العامة تفترض مقدما حصول تغيير في ظروف العقد وملابساته وطرق تنفيذه تبعا لمقتضيات سير المرفق ، وأن التعاقد يتم فيها على أساس أن نية الطرفين انصرفت عند إبرام العقد إلى ضرورة الوفاء بحاجة المرفق وتحقيق المصلحة العامة مما يترتب عليه أن جهة الإدارة وهي صاحبة الاختصاص في تنظيم المرفق وتحديد قواعد تسييره - تملك حق التعديل بما يوائم هذه الضرورة ويحقق تلك المصلحة . وهي في ممارستها سلطة التعديل لا تخرج على العقد ولا ترتكب خطأ ولكنها تستعمل حقا . ومن ثم كانت سلطة التعديل مستمدة لا من نصوص العقد فحسب بل من طبيعة المرفق واتصال العقد به ووجوب الحرص على انتظام سيره واستدامة تعهد الإدارة له واشرافها عليه بما يحقق المصلحة العامة .. فإذا ما أشارت نصوص العقد إلى هذا التعديل فإن ذلك لا يكون إلا مجرد تنظيم لسلطة التعديل وبيان أوضاع وأحوال ممارستها وما يترتب على ذلك دون أن يكون في ذلك مساس بالحق الأصيل المقرر لجهة الإدارة في التعديل .. لذلك فإنه من المقرر أن جهة الإدارة نفسها لا يجوز أن تتنازل عن ممارسة هذه السلطة لأنها تتعلق بالنظام العام »(8). وحق الإدارة في التعديل يمكن استخدامه في عقود البوت وذلك اللاعتبارات السابق بيانها ولكن الأمر يتقيد بطبيعة الحال بضرورة تعويض المتعاقد « شركة المشروع » عن الأضرار التي يمكن أن يسبها هذا التعديل . وتدل بعض التجارب المقارنة في عقود البوت مثل التجربة الأرجنتينية إقرار حق الإدارة في تعديل العقد مع تعويض شركة المشروع مقابل ذلك تعويضا يعادل ما أحدثه هذا التعديل من أضرار أو أعباء على شركة المشروع .
ثالثا : خضوع منازعات عقود البوت للتحكيم يؤثر على سلطات الإدارة فيه تخضع عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية في فض منازعاتها للتحكيم . فشركة المشروع تحرص على النص عند إبرام هذه العقود علي أن تخضع للتحكيم . والتحكيم أسلوب لفض المنازعات ملزم لأطرافها . وينبني على اختيار الخصوم بإرادتهم أفرادا عاديين للفصل فيما يثور بينهم من نزاع.
وارتبط نظام التحكيم في السنوات الأخيرة بفكرة التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية . وتأثرا بالاعتبارات السياسية والتغييرات الاقتصادية اتسع نطاق الأخذ بنظام التحكيم وتعدى العقود التجارية إلى عقود التنمية الاقتصادية سواء أكانت عقودا مدنية أم عقودا إدارية (9). ويرجع ذيوع التحكيم كوسيلة لفض المنازعات في إطار منازعات هذه العقود إلى عدة عوامل منها (10) .
أولا : التحكيم يتميز ببساطة إجراءاته وسرعتها ، وذلك في مواجهة البطء الشديد لإجراءات التقاضي أمام المحاكم . فالقضاء يحاط دائما بإجراءات معقدة وطويلة ومتعددة الدرجات . وذلك لأن القضاء شديد التحوط لحقوق الأفراد . هذا بخلاف التحكيم فأطراف العلاقة ه و الذين يحددون إجراءاته وميعاد صدور القرار فيه .
ثانيا : يتميز التحكيم بسرية إجراءاته إن أراد أطراف العلاقة ذلك ، فهو أمر يقررونه . وفي نطاق العقود التجارية الدولية تعتبر السرية أمرا مهما ؛ لأن الأمر قد يتعلق بأسرار مهنية أو اقتصادية قد يترتب على علانيتها الإضرار بمركز أطراف العلاقة . كما أن هذه السرية تحد من تضخيم النزاع وقد تؤدي إلى التسوية الودية ، ومن ثم استمرار العلاقة بينهما . هذا كله بخلاف التقاضي أمام المحاكم والذي يسود مبدأ العلانية كل إجراءاته .
ثالثا : يتميز التحكيم أيضا بأنه يعطى لأطراف العلاقة قدرا كبيرا من الحرية في تحديد المحكمين الذين سينظرون في النزاع وهو لا يشترط فيهم أن يكونوا قضاة . وهو أمر يؤدى إلى اختيارهم أشخاصا ذوي خبرة بموضوع النزاع ، هذا بخلاف القاضي والذي يعين سلفا من سلطات الدولة.
ويواجه التحكيم باعتراضات ترتد في أساسها إلى أنه آلية من آليات النظام الرأسمالي العالمي . فالدور الذي يلعبه التحكيم التجاري الدولي في النظام القانوني الجديد لرأس المال هو الذي يفسر ما تضمنته المادة الثامنة من القانون رقم 3 لسنة ۱۹۷4 من جواز الاتفاق على أن تتم تسوية المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكام هذا القانون بطريق التحكيم .. »(11).
فالتحكيم وسيلة لكي تتمكن وحدات هذا النظام وهي الشركات العابرة للقارات من الإفلات من التقاضي الوطني هذا من ناحية . ومن الناحية العملية توجد اعتبارات كثيرة تؤثر في اختيار المحكمين ، وفي تحديد القانون المطبق على النزاع ؛ وذلك لوجود الدول الرأسمالية والشركات القوية كأطراف في علاقة التحكيم »(12). ومن ثم يضحى الأمر في حقيقته فرض إرادة من جانب على جانب آخر . وإن تم الأمر في نهاية المطاف في صورة عقد رضائي .
فالسمة الأساسية التي تميز علاقات التجارة الدولية بين الشمال والجنوب هو عدم التكافؤ بين أطراف هذه العلاقة من ناحية والتناقض الهائل بين مصالح هذه الأطراف نفسها من ناحية أخرى . ويتيح عدم التكافؤ هذا للطرف الأقوى في عقود التجارة الدولية - وهو الشركات المتعددة الجنسيات - أن تفرض على الطرف الأضعف - وهو المشروعات العاملة في الدول النامية - ما يشاء من الشروط الكفيلة بتغليب مصالحه ، ومن بينها شرط التحكيم .
« ولا تخفى خطورة هذا الوضع الراهن إذ أصبح الطرف الأجنبي الخصم والحكم وهو وضع يهدد المصالح الاقتصادية للعالم العربي في عالم التحكيم الذي لا يبرأ من بعض النزعات العنصرية ولا يسلم من الشبهات العنصرية حينا ولا يسلم من الشبهات أحيانا كثيرة »(13).
وعلى ذلك فإن نظام التحكيم أساسه إرادة أطراف النزاع ، فهم الذين يفضلونه على قضاء الدولة ، وهم الذين يحددون عدد المحكمين ويسمونهم إن شاعوا ويعينون مكان التحكيم وإجراءاته والقواعد التي يخضع الها . وعلى ذلك فإن التحكيم يقتضي في غالب الأمر ولا سيما في العقود الدولية التي يكون طرفها أجنبيا أمرين :
الأمر الأول : استبعاد قضاء الدولة والاستعاضة عنه بهيئة تحكيم يختارها الأطراف ويعهدون إليها ببعض المنازعات التي تنشأ بينهم .
الأمر الثاني : استبعاد تطبيق القانون الوطني على النزاع ، واحتيار قانون أجنبي لتطبيقه على العقد.
ونظرية العقود الإدارية ككل نظريات القانون الإداري سواء في فرنسا أم في مصر هي نظرية قضائية في المقام الأول . وإن ك ان هذا الأمر لا يمنع من تدخل المشرع لتنظيم جانب أو أكثر من جوانب العقود الإدارية ، أو عقد إداري معين .
ويترتب على ذلك .. خضوع العقود الإدارية لنظام قانوني و قضائي مختلف عن النظام القانوني والقضائي الذي تخضع له العقود المدنية. وعلى ذلك فخضوع العقد الإداري لنظام قانوني لا يعقد بنظرية العقد الإداري كما هي معروفة في فرنسا ومصر والدول التي تأخذ بهذا النظام يؤثر على طبيعته ومركز الإدارة فيه . وعلى ذلك يتضح أن التحكيم يؤثر على خصائص العقد الإداري والنظام القضائي والقانون الذي يحكمه .
وفي إطار عقود البوت(14) ، فإن التحكيم يؤثر على سلطات الإدارة في العقد الإداري . فثمة سلطات ثابتة للإدارة في العقود الإدارية لا يمكن نصور ممارسة الإدارة لها في ظل خضوع العقد الإداري للتحكيم ، ومن هذه السلطات :
أولا : حق الإدارة في توقيع جزاءات على المتعاقد :
تتميز العقود الإدارية بوجود نظرية الجزاءات الإدارية، والتي تهدف إلى ضمان تنفيذ المتعاقد مع الإدارة الالتزاماته بصورة سليمة تضمن انتظام سير المرافق العامة . فإخلال المتعاقد بالتزاماته يؤثر على سير المرفق العام بانتظام واطراد .
وهو ما قررته محكمة القضاء الإداري بحكمها بتاريخ 17 مارس ۱۹۰۷ : « .. أن توقع عليه جزاءات تخضع لنظام قانوني غير معروف في القانون الخاص ، فالجزاءات في العقود الإدارية لا تستهدف في الواقع من الأمر تقويم اعوجاج في تنفيذ الالتزامات التعاقدية بقدر ما تتوخى تأمين سير المرافق العامة . والعقود الإدارية يجب أن تنفذ بدقة س ير المرافق العامة يقتضي ذلك . »(15). وتخضع هذه الجزاءات الإدارية لنظام قانوني يختلف عن نظام الجزاءات في العقود المدنية وذلك كما يلى :(16)
من ناحية أولى : فإن الإدارة توقعها بنفسها على المتعاقد معها دون حاجة للجوء إلى القضاء ، فالإدارة توقع الجزاءات على المتعاقد معها إذا أخل بالتزاماته العقدية بنفسها ، وذلك دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء مقدما . وعلة ذلك ظاهرة أن تراخي المتعاقد في تنفيذ التزاماته أو امتناعه عن ذلك قد يضر بالمرفق إضرارا كبيرا ، وتفاديا لذلك فإن الإدارة توقع الجزاءات على المتعاقد معها بنفسها دون حاجة للجوء إلى القضاء .
ومن ناحية ثانية : فإن الإدارة تستطيع أن توقع هذه الجزاءات على المتعاقد معها دون حاجة إلى نص في العقد .
فسلطة الإدارة في توقيع الجزاء على المتعاقد معها لا تشترط أن ينص عليها في العقد حتى يمكن لها أن تمارسها فهي سلطة مستقلة عن نصوص العقد ناتجة عن اتصاله بنشاط مرفق عام في تسييره أو تنظيمه ، ومن ثم فإنه إذا نص العقد على بعض هذه الجزاءات فإن الإدارة تستطيع أن تلجأ إلى تطبيق البعض الآخر دون أن يحاجها المتعاقد معها بعدم وجود النص عليها في العقد .
وتتعدد صور هذه الجزاءات ؛ فقد تكون جزاءات مالية مثل: التعويضات والغرامة . وقد تتخذ صورة وسائل الضغط والإكراه ، مثل : وضع المشروع تحت الحراسة في عقد الالتزام ، أو حلول الإدارة محل المتعاقد في تنفيذ العقد في عقود الاشغال أو الشراء على حساب المتعاقد في عقد التوريد . وقد تتمثل هذه الجزاءات في فسخ العقد وإنهاء الرابطة التعاقدية . ويتضح أن خضوع العقد للتحكيم يمنع الإدارة من استخدام هذه السلطة .
۲- حق الإدارة في استرداد المرفق قبل انتهاء مدة العقد :
فهذا الحق مقرر للإدارة وفقا للنظرية التقليدية لعقد الالتزام وهو ما قررته المادة الخامسة من القانون رقم ۱۲۹ لسنة ۱۹۹۷ . على أن هذا الحق لا يتصور تطبيقه في ظل عقود البوت وذلك لأن هذا الحق يرتبط بملكية الإدارة للمرفق . أما في عقود البوت ، فإن الملتزم - أي شركة المشروع - ينشىء المرفق ويشغله مدة العقد ثم ينقل ملكيته مرة أخرى إلى جهة الإدارة .
ولذلك لا يتصور ممارسة الإدارة لهذا الحق إلا إذا اتفق الطرفان على ذلك صراحة . فهو أمر يهدد استثمارات شركة المشروع . ويجب في حالة حدوثه أن ينظم العقد بنصوص صريحة . وبمقابل عادل .
______________
1- محكمة القضاء الإداري بتاريخ30/6/ ۱۹۰۷ .
2- المحكمة الإدارية العليا بتاريخ ۲ مارس ۱۹۱۸- مجموعة المبادىء س ۱۳ - ص ۱۲5.
3- Vedel (Georges). Delvolvé (pierre) : droit administratif, T.I. PUF, p. 415.
4- المحكمة الإدارية العليا :20/4/ ۱۹۰۷ الموسوعة الإدارية – حـ 18- ص ۸۳۳
5- حسن أحمد عبيد : بدائل نظام B.O.T في تمويل الأشغال العامة « بعض التجارب العالمية » بحث مقدم إلى مركز التحكيم - بكلية الحقوق جامعة عين شمس - نوفمبر ۲۰۰۰ - ص 6.
6- Saroit Badaoui : le fait du prince, op. cit, p. 47 et suiv - et Vedel (*) (Georges), Delvolvé (Pierre) : droit administratif, PUF. T.I. p. 416.
7- محكمة القضاء الإدارى 16 ديسمبر 1956 - سابق الإشارة إليه .
8- محكمة القضاء الإدارى : ۳۰ يونيه لسنة ۱۹5۷ - قضية رقم ۱۹۸۳ لسنة 7ق سابق الإشارة إليه .
9- في ذلك راجع : جابر جاد نصار : التحكيم في العقود الإدارية - دراسة مقارنة - ۱۹۹۷ ص ۱۱.
10-Fouchard (PH.) : L'arbitrage Commercial international, Thése (TM) 1968 - p. 11 et Suiv.
11- احمد القشيري : التحكيم في عقود الدولة ذات العنصر الأجنبي - مجموعة محاضرات الموسم الثقافي لنادي مجلس الدولة - ۱۹۸۱- المجلد الأول - ص ۹۹.
12- Delvolve (dean louis): Arbitrage et ordre public dans les pays en développement, Rev. arbitrage 1979, p 95.
13- أحمد السيد صاوي : التحكيم طبقا للقانون ۲۷ لسنة 1994 و أنظمة التحكيم الدولية - ۲۰۰۲ - ص ۹.
14- إبراهيم أحمد إبراهيم : أليات فض المنازعات والتحكيم في عقود الـ B.O.Tبحث مقدم إلى مركز التحكيم - كلية الحقوق - جامعة عين شمس - نوفمبر 2000 .
15- حكم محكمة القضاء الإداري : بتاريخ 17/3/1957 المجموعة - س ۱۱ - ص ۲۷۳
16- جابر جاد نصار : الوجيز في العقود الإدارية - ۲۰۰۰ - دار النهضة العربية - ص ۲۱۳.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|