أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-03-2015
1092
التاريخ: 24-03-2015
1843
التاريخ: 16-12-2019
1026
التاريخ: 16-12-2019
895
|
لم يكن الشعراء بمنأى عن قضايا عصرهم وواقعهم، بل عاشوا خضمّها فدفعتهم ظروفهم السياسيّة والاجتماعيّة إلى التحليق بعيداً، يرومون النجوم بيارق أو يتخذون ظهور الشياطين مطايا وأجنحة الخيال مراكب، ليدلي كلّ واحدٍ بدلوه وأفكاره بعيداً عن عين الرقيب الاجتماعي التي تطاله، وتحول بينه وبين ما يتطلّع إلى تحقيقه.
لقد دفعت الحياة الماديّة في العصر الحديث شفيقاً لكي يعكس في مطوّلة ((عبقر)) صورة مجتمعه الذي يعيش فيه، ويجلو رموزه من خلال الأساطير. فما صورة عبقر المشوّهة إلاّ وصف للمجتمع الإنساني الذي تمثله النفس البشرية يقول عنها:
قُمْ فَتَرى كَيفَ شَياطِينُها ... تطلُّ في عينيكَ مِن بَابِها
وكَيفَ مِن فيكَ ثَعابينُها ... تَنسلُّ مِن فَوهَةِ سِردَابِها(1)
وقد أخذت الصورة الساخرة في رسم ملامح عبقر تعبر عن واقع الإنسان وما يعيشه من تناقضات يقول عنها:
فَيا لأَبراجٍ ضِخام البِنَا ... مِلءَ الثَّرى مِلءَ السَّماواتِ
يَدرُجُ كالنَّملِ عَفارِيتُها ... مِن قَلبِ مَهواةٍ لِمَهواةِ
أَقزامُ جِنِّ في سُفوحِ الرُّبا ... جَيَّشَهُمْ طَاغيةٌ عَاتِ
إِنْ أَزمَعوا الزَّحفَ تَرَاهمْ عَلوا ... أغْربَ أَصنافِ المطيّاتِ
فَمِن يَرابعٍ ومِن أَنعُمٍ ... إلى دُيُوكٍ وعِظَاياتِ
مَراكبٌ للجِنِّ يَرمي بِها ... فُرسَانُها صَدرَ المَفازاتِ
مِن كلِّ قِزْمٍ لا يَمسُّ الثَّرى ... بِرجلِهِ الصُّغرَى المُدلاّةِ
نِشَابُهُ القُنفُذ مِزراقُهُ ... وتِرسُهُ قَحفُ السُّلحفاةِ(2)
ويعدّ أبناء إبليس في عبقر صورة مصغّرة لمفاسد المجتمع المادي الذي يعيش الشاعر واقعه، إذ هو واقع قائم على الحروب والقتل والتدمير والكذب والشهوة وحبّ المال والمفاسد القائمة على النفاق والمراءاة والتلوّن وغيرها من النقائص والمثالب التي دفعت الشاعر إلى كتابة ((عبقر)) وكلّ نقيصة أو مثلبة يمثّلها اسم لشيطان من أبناء إبليس وهم: ثبر، وداسم، وزلنبور، ومسوط وأعور.
وربّما دفع تصوير الواقع الاجتماعي الفراتي في قصيدته ((في حانة إبليس)) إلى رحلته الخياليّة بعيداً عن مجتمعه ليصوّر هذا المجتمع بكلّ ما فيه من قيم وأفكار وعادات، فهو مجتمع بسيط لا يزال يعيش أحاديث الخيال والجنّ والسعلاة التي غالباً ما ترويها الجدّات حول المدفأة في أيام الشتاء الباردة. إضافة إلى عرضه لبعض رواسب العادات الجاهليّة مثل البكاء على الميّت وإقامة المناحات، فيقول:
غَداً يفقِدُني أهلِي ... وتَبكِيني غَداً أُمّي
وينعاني أَبِي المَحزو ... نُ في الصُّبحِ إلى عَمّي
غَداً تُبنَى إِذا مَا غِبْـ ... ـتُ في الدَّارِ مَناحاتٌ
غَداً تعلُو بِذاكَ البيـ ... ـتِ للنّسوَانِ صَيحاتٌ(3)
وقد أراد الفراتي تصوير تخلف المجتمع الذي يعيش فيه فهو مجتمع تقوده فئات من الدجالين تحت أقنعة التقوى والورع والصوفيّة، يقول:
تقدَّمتُ إلى المِرآ ... ةِ كَي أَنفُضَ مَا فيها
فَما أَبْصرتُ صُوفياً ... ولا مَا يُشْبه الصّوفي
وألفيتُ سَراحينَ ... بأَهدامٍ من الصّوفِ(4)
كما أنّ الناس في صورة هذا المجتمع قد انحرفوا عن دينهم الصحيح إلى عادات ضارة كالإيمان بتأثير رجال الله الصالحين في مصائر الناس، يقول:
وقُلْ تِهتُ بِذَا القَفرِ ... وكَمْ قَد تَاهْ مَخبولُ
وقُلْ لولا رِجَالُ اللهِ ... م ... لاغتَالَتِنَي الغُولُ(5)
ويشير الفقّي من طرف خفي إلى فراره من الواقع لما فيه من زيف، فيقول على لسان البلبل:
وَقَالَ: إن كُنتَ تُريدُ الهُدى ... فَهاكَ مِنِ طَبعيَ بُرهَانَهُ
الزَّيفُ في الناَّسِ وأَمّا هُنا ... فالطّيرُ لا يخدعُ إخوانَه(6)
ويؤكّد هذا الدافع الذي أخرجه عن أرضه في حواره مع الملك الذي تعجّب من، قدرة بشر يعيش على بطاح الأرض المتخمة بالشرور الوصول إلى المقام السامي الذي وصله الشاعر، وهو بعد لم يتخلّص من قيود الجسد التي تشده إليها فيجيبه الشاعر بقوله:
سَواءٌ الأَرضُ وهَذِي السَّما ... إنْ لمَ يُنقَّ الرُّوحُ أَدْرَانَهُ(7)
وقد كتب القلعجي ((ملحمة القيامة)) ليصور أثر الواقع الاجتماعي المتردّي في الإنسان المعاصر بكلّ ما يحمله هذا الواقع المادي من نقائص وشرور تدفع بالإنسان قدماً إلى أجله المحتوم وصولاً إلى ساعة القيامة، ومن هذه النقائص والشرور بروز التناحر في العلاقات الاجتماعية وتضييع الأمانة وسيادة العُري والعهر والشهوات والحروب وغيرها، فيقول الشاعر:
عادَ الأشرارُ
خُصوماتٌ وحُروبٌ
وكما الحُمُرُ تَهارجُ
اهترَجَتْ أُممٌ وشُعوبُ
لمْ يَبقَ سوى الفُجّارِ
قبائلَ قابيلَ
تدكُّ رُخَامَ التَّاريخِ(8)
ولم يكن إبراهيم الهوني ليخرج في رحلته الخيالية إلا لضيقه بحال أهل الأرض، فقد غدا المجتمع الذي يعيش فيه خليطاً عجيباً من النقائص والمفاسد ولا حريّة للشاعر في النصح، وحتّى إن أتيح له فلقد سئم، لقوله:
لَقَدْ مَلَّ مَن يُبدي النّصائحَ جاهِداً ... ومَلَّ الذي يَنهى ومَلَّ الذي يُملي
وقَدْ غَيرّوا مَا كُنتَ فيهِمْ عَرفتَهُ ... مِن الجودِ والإِخلاصِ والصِّدقِ والبّذلِ
ومَا جِئتُكمْ حَتّى كَرِهْت مَعَيشتي ... وشَاهدت كَيدَ الخلِّ في السّرِّ للخلِّ (9)
وهكذا كان تصوير الواقع المتخلّف وكشف زيفه ومفاسده الشغل الشاغل لشعراء الرحلات الخياليّة الذين أرادوا الهروب بعيداً عنه ولكن ما عساهم يفعلون وهم أبناؤه سوى أن يكشفوا عنه أقنعته عسى أن يجدوا الرقية التي تساعدهم على تخليصه ممّا هو فيه من مفاسد، وقد تباينت هذه الصور فجاءت صوره ساخرة هازئة عند شفيق معلوف تنّم عن حدّة المرارة والأسى في حين كانت أكثر واقعية عند الفراتي ولكن الفقّي كان أكثر تفاؤلاً في تصويره اللاواعي للمجتمع في حين أخذت الصورة بعداً مأسوياً لدى القلعجي الذي حمّل المجتمع وزر نهاية العالم وسوقه إلى مصير مظلم. وكان الهوني أشد كراهية ومقتاً من الشعراء السابقين لهذا الواقع الذي أضناه فخرج يلتمس في عالم الخيال الراحة والهناء بعيداً عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معلوف، شفيق، عبقر، ص: 155-156.
(2) المصدر نفسه، ص:154.
(3) الفراتي، محمد، النفحات، ص: 269.
(4) المصدر نفسه، ص: 276.
(5) المصدر نفسه، ص: 279.
(6) ساسي، عبد السلام طاهر، شعراء الحجاز في العصر الحديث، ص: 51.
(7) المصدر نفسه، ص53.
(8) القلعجي، عبد الفتاح، ملحمة القيامة، ص: 15.
(9) الهوني، إبراهيم، الديوان، ص: 39.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|