ــ نظرية التوزيع 

مهما يكن لدى المفكر الاقتصادي من إلمام في الموضوعات الاقتصادية فلا بد وان يكن هناك تلكؤ في مجال ما من حيز النظرية الاقتصادية وهذا ماحصل مع آدم سميث حيث لم يعطي رأياً فيما اذا كانت تكاليف الانتاج هي المحدد الرئيس لسعر السلعة الطبيعي أم السعر هو الذي يفضل كمحدد لدخول عناصر الانتاج ، كما وان آدم سميث يؤكد في نظريته بأن السعر هو الذي يحدد دخول عناصر الانتاج وان نظريته في التوزيع كانت غير واضحة لكونها امتداد لنظريته في الاسعار .

ان هذا السجال القائم والاختلاف في الآراء من قبل المفكرين لم يُنضج بعض الافكار التي بقت مبهمة مع ما جاء بآراء آدم سميث من حديث ونسوق مثال على ذلك هو جهل سبب ارتفاع متوسط دخول الطبقات الاجتماعية فإننا ما زلنا نجهل ارتفاع متوسط دخول الطبقات الاجتماعية المختلفة التي تشارك في العملية الانتاجية. 

يحاول سميث مستعيناً بنظريته الانتاجية الفيزيوقراطية وبآراء بتي وكانتيلون وهيوم ولوك الاقتصادية وبملاحظاته الذاتية للنشاطات والقوانين الاقتصادية عبر تاريخ المجتمعات البشرية بأن يوضح ظاهرة ارتفاع دخول طبقات المجتمع كل على حدة لكنه لم ينجح في وضع نظرية تؤلف بين آراء من سبقه من المفكرين وآرائه بحيث يظهر بنظرية منطقية واضحة المعالم ممكن ان يُستدل بها ، لقد ادى عدم الوضوح في تحديد الاجر والتناقض الى ان يكون رأي مفاده ان في المجتمعات البدوية يتساوى بها قيمة الناتج مع الاجر وان العامل سيحصل على ناتج عمله بأكمله وبهذا الرأي مهد سميث للرأي الاشتراكي بأن الطبقة العاملة هي صاحبة الحق الطبيعي في الحصول على كافة الناتج ، ولكن التطور الذي حصل في المجتمعات البشرية ادى الى ظهور جديد في التوزيع حيث بعد ظهور الملكية الخاصة للارض وبعد حصول التراكم في رؤوس الاموال اختلف الامر ولم تعد الأجور هو ذلك الجزء المتبقي من قيمة الناتج بعد ما طرح الرأسمالي ربحه وطرح صاحب الأرض ريعه ⁽¹⁾. 

جاء آدم سميث بنظرية ثالثة مخالفة للنظريتين السابقتين وهي (نظرية حد الكفاف) يقول فيها ان الاجر في الأمد البعيد من غير الممكن ان ينخفض لمرحلة دون مستوى حد الكفاف ، ان هذه الافكار أصبحت الأساس الذي بنيت عليه نظرية ريكاردو في التوزيع . 

جاء آدم سميث بنظريته الرابعة التي ينقض بها بقية النظريات يقول ان الطلب على الأيدي العاملة لا يمكن ان يرتفع الا بنفس النسبة التي ينمو بها الرصيد المُعد لدفع الأجور ، وهذا الرأي هو نواة ما يسمى بنظرية رصيد الأجور التي طورها من بعد جيمس ستيوارت مل .

ولقد كان سميث يعتقد بأن رأس المال الكلي سينمو في المجتمعات الرأسمالية بوتائر أعلى من الزيادة الحاصلة في السكان مما سيؤدي الى ارتفاع ملحوظ في الاجور ، كذلك لم يستطع الوصول الى طبيعة الريع حيث يقول ان الريع نتيجة للحواجز التي وضعها الانسان في طريق الاستعمال الجماعي والحر للأرض اي انه على ارتباط متين بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج ويعود اساساً الى احتكار ملكية الارض من قبل طبقة ضئيلة في المجتمع ، وقد جاء بعده ريكاردو ليوضح ذلك .

سميث ينفي في هذا المجال كل محاولاته السابقة لبيان وجود نظام طبيعي عادل ويسوده الانسجام بين افراد المجتمع حيث ان وجود الريع يكون دليلاً على وجود اسعار احتكارية ولأنه لا يمكن القضاء عليه الا بالقضاء على الملكية الخاصة التي نالت احترام سميث ، لقد نوه سميث بنظرية الريع التفاضلي ومهد لريكاردو ذلك وموضوع آخر وهو انخفاض معدل الربحية حيث ان سميث يفرق بين الربح والفائدة ويقول ان هناك عاملين تؤديان الى تطور وتأثر المجتمع الاقتصادي الأول هو ارتفاع الأجور والثاني هو المنافسة الشديدة بين الرأسماليين على تصريف السلع وما ينتج عن هذه المنافسة من تخفيض اسعار السلع . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ وسام ملاك ، تطور الفكر الاقـتصادي ، مصدر سابق ، ص155 .