أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-03-2015
3104
التاريخ: 24-03-2015
2942
التاريخ: 24-03-2015
1800
التاريخ: 15-12-2019
1648
|
ظلت مصر وبلاد العروبة ثلاثة قرونٍ تحت حكم الأتراك، وهي في ظلامٍ دامسٍ، وجهلٍ فاضحٍ، تعاني مرارة الظلم، وقسوة البغي.
قَلِّبْ ما شئت من أسفار التاريخ, فلن ترى إلّا صفحاتٍ سوداء قاتمة، تنبعث منها روائح الاستبداد والبطش، وستسمع صراخ المظلومين يضم الآذان، وتلمح دماء الفلاحين في كل صقع تسيل تحت سياط الجباة، وتتمثل لك بلاد العروبة تخنقها يدٌ غاشمةٌ، أصابعها: الفقر, والمرض، والجهل، والذلة، والانحلال.
لم يكن لولاة الأتراك هَمٌّ إلّا استدرار الأموال بأية وسيلة، غير معيرين صرخاتِ الشعوب العربية التفاتًا، وغير مهتمين بما يقاسونه من ضنكٍ وبؤسٍ وفاقةٍ وجهلٍ، واشتد الخلف بين أمراء المماليك، وسلبوا الوالي سلطته، وشنوها حربًا شعواء كلٌّ على أخيه، ينازعه السلطة والجاه، والضحية في هذا النزاع كله هُمْ أبناء البلاد، فلا غرو إذا أقفرت من أهلها، وقد جاء القرن التاسع عشر، وسكان مصر أقل من ثلاثة ملايين، أكثرهم من العرب المسلمين، ويليهم الأقباط, ثم الأتراك، وكان الحاكم يفيد من الأستانة, ويقيم بالقلعة, ويدعو للخليفة، ويضرب باسمه النقود.
ولكن السلطة الفعلية كانت في يد المماليك، وهم أخلاطٌ من الأتراك والشراكسة، وجميع ثروة البلاد وإداراتها في أيديهم، ولم يكن لهم عصبية؛ لأنهم لم يتوارثوا الملك إلّا نادرًا، وإنما الغلبة للقوي، فضربةٌ موفقةٌ من حسام أحدهم, تكسبه الصدارة بين أبناء جلدته، ولم يكن حظه السعيد يغير من أخلاقه، فهو في منصب الوالي تتقمصه روح العبد الوضيع، وليس له من هَمٍّ إلّا الاستيلاء على النساء والخيل والأموال.
(1/13)
وكان الفلاح المسكين يُغْزَى وتُنْهَبُ أمواله، ولم يكن التاجر المصريّ أو الأوروبيّ الغريب بأحسن منه حالًا(1)، ولا ريب في أن الحالة الاجتماعية والأدبية تتأثر إلى حَدٍّ كبيرٍ بالحالة السياسية: فرعيةٌ هُمْلٌ، ورعاةٌ مستبدون، وهيهات أن يكون للأدب نصيبٌ في مثل هذه البيئة الجاهلة.
وقد زار "فولني" الرَّحَّالة الفرنسيّ مصر، وبلاد الشرق العربيّ, وتركيا, في أخريات القرن الثامن عشر, فراعه ما بها من جهلٍ مطبقٍ, وفسادٍ شائع، وهو في هذا يقول: "الجهل عامٌّ في هذه البلاد، وفي كل بلد تابع لتركيا، وقد عَمَّ كل الطبقات، ويتجلى في كل العوامل الأدبية, وفي الفنون الجميلة، حتى الصناعات اليدوية تراها في حالةٍ بدائيةٍ، ويندر أن تجد في القاهرة من يصلح الساعة، وإذا وُجِدَ فهو أجنبيّ".
ويقول في موضعٍ آخر: "ولَّى عصر الخلفاء, وليس من الأتراك أو العرب اليوم علماء في الرياضيات أو الفلك، أو الموسيقى, أو الطب، ويندر فيهم من يحسن الحجامة، ويستخدمون النار في الكيّ، وإذا عثروا بمتطببٍ أجنبيٍّ عدُّوه من آلهة الطب، وصار علم الفلك والنجوم شعوذةً وتنجيمًا، وإذا قيل لعلمائهم ورهبانهم: إن الأرض تدور, عدُّوا ذلك كفرًا؛ لأنه -في زعمهم- يخالف كتب الديانات".
ولم تكن تركيا أحسن حالًا من البلاد الخاضعة لسلطانها، وحسبك أنه حينما أراد بعض النابهين من الأتراك في القرن الثامن عشر(2) إدخال المطبعة لأول مرةٍ في تركيا، وجَدٍّ من ولاة الأمور، وجمهور الشعب عنتًا وإرهاقًا، واضطر إلى استصدار فتوى شرعية, بعد أن بذل إبراهيم بك صهر السلطان مجهودًا كبيرًا، وقد سمحت الفتوى بطبع الكتب غير الدينية، ثم أفتى علماء الشرع بعد ذلك -حين ظهرت فائدة المطبعة- بطبع كتب الدين اعتمادًا على أن الأمور بمقاصدها".
(1/14)
وقد حرم الأتراك مصر أغلى كنوزها؛ فنقلوا أكثر الكتب التي كانت بخزائن المدارس إلى بلادهم، ثم نقلوا كثيرًا من العلماء والأدباء، والأمراء, والمهندسين، والورّاقين، وأرباب الحرف، وقد ذكر ابن إياس أسماء كثير من هؤلاء، وقال: إنهم يبلغون ألفًا وثمانمائة، وصادفهم النحس, فغرقت بهم بعض السفن التي كانت تقلهم, فمات كثير منهم، مع أن ابن إياس(3)، أرَّخ لمصر حتى أوائل الاحتلال العثماني، ولم يشهد الاحتلال في أوج جبروته، وما جرَّه على البلاد من نكباتٍ.
وكان من نتائج هذا الاحتلال كذلك: أن قلت أموال الأوقاف التي كانت محبوسةً على العلماء وطلبة العلم، فتفرق الطلاب، وانفضت سوق العلم, ولم يبق منه إلّا ذماء يسير بالأزهر، ومن البديهيّ أن اللغة العربية لم تجد في هذا العصر المظلم من يشد أزرها، ويثيب الشعراء والكتاب المحتفين بها؛ لأن اللغة التركية طغت وصارت اللغة الرسمية في الدواوين، وفشت على ألسنة الناس، ولأن الحكام لا يفهمون العربية, ولا يقدرونها قدرها، ولا يميزون بين الجيد والغَثِّ من الكلام, حتى يلجأ إليهم الشعراء مادحين.
ولم يعد في استطاعة كثيرٍ من الكُتَّاب أن يسلموا من اللحن الفاحش، أو يأتوا بالمفهوم المقبول، بل عَزَّ عليهم اللفظ الجزل والأسلوب القويّ، فلجئوا للزخرف والمحسنات يخفون بها عوار كلامهم، وقد أكثروا من هذه الحلي اللفظية حتى استغلق الكلام، وأتوا بالغَثِّ السَّمَجِ الذي إن حَسُنَ فيه شيءٌ, كالسرقة واغتصابًا من آثار من سبقوهم من الكُتَّابِ.
وحسبنا أن نقدم بعض نماذج دليلًا على ما وصلت إليه اللغة وآدابها نثرًا ونظمًا من الركة والضعف.
(1/15)
1- قال عبد الوهّاب الحلبيّ في رسالة إلى الشهاب الخفاجيّ:
"لقد طفحت أفئدة العلماء بشرًا، وارتاحت أسرار الكاتبين سرًّا وجهرًا، وأفعمت من المسرة صدور الصدور، وطارت الفضائل بأجنحة السرور، بيمن قدوم مَن اخضرت رياض التحقيق بإقدامه، وغرقت بحار التدقيق من سحائب أقلامه".
2- قال عبد الرحمن الجبرتي, من النثر المرسل مبينًا نشأة مدرسة الهندسة في عهد محمد علي:
"لمَّا رغب الباشا في إنشاء محلٍّ لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة، تعيَّنَ المترجم رئيسًا ومعلمًا لمن يكون متعلمًا بذلك المكتب، وذلك أنه تداخل بتحيلاته؛ لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك, ورتَّبَ له خروجًا وشهريًّا، ونجب تحت يده المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها، وأعجب الباشا ذلك فذاكره, وحسن له بأن يفرد مكانًا للتعليم, ويضم إلى مماليكه مَنْ يريد التعليم من أولاد الناس، فأمر بإنشاء ذلك المكتب، وأحضر له أشياء من آلات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الإنكليز وغيرهم".
3- ولم يكن الشعر -إذا صح أن نسميه شعرًا- أرقى حالًا من النثر, وإنما كان صناعةً لفظيةً غثَّةً.
وهاك مثلًا مما قاله عبد الله الشبراوي(4)، يرثي أحمد الدلنجاوي, المتوفى سنة 1123هـ:
سألت الشعر هل لك من صديقٍ ... وقد سكن الدلنجاوي لحده
فصاح وخَرَّ مغشيًّا عليه ... وأصبح ساكنًا في القبر عنده
فقلت لما أراد الشعر أقصر ... فقد أرَّختُ مات الشعر بعده
441 601 81
(1/16)
ومن ذلك قول الشهاب الخفاجي)5):
فديتك يا مَنْ بالشجاعة يرتدي ... وليس لغير السمر في الحرب يغرس
فإن عشق الناس المها وعيونها ... من الدل في روض المحاسن تنعس
فدرعك قد ضمتك ضمة عاشق ... وصارت جميعًا أعينًا لك تحرس
ومن هذه النماذج المتقدمة للأدب قبيل النهضة، ندرك كيف كان النهوض صعبًا بطيئًا، ويحتاج إلى عناءٍ طويلٍ، وصبرٍ كثيرٍ، وزمنٍ مديدٍ ليبلغ أشده ويؤتي أكله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)The Begining of the Egyptian question and the Rise of Mohamed Ali by prof Shafik Cherbal. p.2.
(2) هو محمد حلبي, سفير الدولة العثمانية بباريس.
(3) هو ابن إياس الجركسيّ الحنبليّ, من رجال القرن التاسع والعاشر للهجرة، وله
كتاب "بدائع الزهور في وقاع الدهور" دَوَّنَ فيه تاريخ مصر حتى سنة 248هـ 1521م, ولغته ضعيفة أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى.
(4) كان عبد الله الشبراوي من أكابر شيوخ الأزهر، واشتهر بقوله هذا النوع من الشعر، وتوفي سنة 1172هـ.
(5) هو أحمد بن محمد بن شهاب الدين الخفاجيّ المصريّ, ولد بسرياقوس, وتَلَقَّى دروسه بالقاهرة, ثم رحل مع أبيه إلى الحرمين، ثم الأستانة، ثم عُيِّنَ قاضيًا للعسكر بمصر، ثم استقال, وسافر إلى دمشق فحلب فالأستانة, وتوفي سنة 1069هـ، ومن أشهر مؤلفاته: "ريحانة الألباب" يشتمل على تراجم أدباء عصره، ثم "شفاء الغليل بما في لغة العرب من الدخيل".
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|