المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2749 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

Hypertonic Stress
29-8-2018
معرفة الكيمياء الحيوية أساسية لكل علوم الحياة :
25-3-2021
Activated charcoal: utilizing a porous structure
2-2-2018
الإمبراطورية الاشورية الأولى
26-10-2016
ميرزا معصوم الرضوي
11-2-2018
تدفق محوري axial flow
10-12-2017


الاختلاف بين البصريين والكوفيين  
  
37968   11:49 صباحاً   التاريخ: 2-03-2015
المؤلف : محمد الطنطاوي
الكتاب أو المصدر : نشأة النحو وتاريخ اشهر النحاة
الجزء والصفحة : ص74- 92
القسم : علوم اللغة العربية / المدارس النحوية / الخلاف بين البصريين والكوفيين / الخلاف اسبابه ونتائجه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015 2759
التاريخ: 2-03-2015 3727
التاريخ: 12-08-2015 1264
التاريخ: 12-08-2015 1585

إقليم العراق العربي من أسبق الأقاليم مدنية وعمرانا لخصب تربته ووفرة مياهه واعتدال جوه، تعاقبت عليه قدما متحضرو الأمم من البابليين والأشوريين والفرس، كما انحدر إليه العرب من بكر وربيعة وكانت منهم إمارة المناذرة بالحيرة، ولما أشرقت عليه شمس الإسلام في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أنشأ فيه المسلمون البصرة سنة 15. ثم الكوفة بعدها بستة أشهر على أصح الروايات، وسرعان ما ازدهر البلدان وتحولت إليهما حضارة بابل والحيرة وهوت إليهما أفئدة من المسلمين وزخرا بالعلماء والقواد وتقاسما مدنية العراق، حتى كان إذا قيل العراق فمعناه البصرة والكوفة، وكانوا يطلقون أحيانا عليهما العراقين.

ومع أن البلدين يضمهما سياج العراق فقد غرست النزعة السياسية بينهما بذرة الضغن لما هبط علي كرم الله وجهه الكوفة واتخذها مقر خلافته وقدمت أم المؤمنين عائشة البصرة على رأس جيش فيه طلحة والزبير طلبا لثأر عثمان -رضى الله عنه- فكانت موقعة "الجمل" المعروفة بينهما موقعة بين البلدين ولعل السر في مجاوزة الإمام علي البصرة مع أنها على حرف البادية وتكبده مشاق السفر إلى الكوفة مع توغلها في العراق ما عرف عن الكوفة من ميل أهلها إلى الطاعة ديانة دون البصرة التي اشتهر أهلها بالعصيان والشقاق والعصبية، ولكثرة اليمنيين بها المخلصين للهاشميين المصدورين من القرشيين، ومن حين هذه الموقعة اختلف هواهما فالبصرة عثمانية والكوفة علوية، وازداد هذا الاختلاف بتعاقب الأيام، قال أعشى همدان -عبد الرحمن- على لسان الكوفة:
فإذا فاخرتمونا فاذكروا                  ما فعلنا بكم يوم الجمل(1)

جاءت دولة بني أمية فكان ضلعها مع البصرة التي ظاهرتها وناصرتها، والكوفة على تبرم وحنق مستجنين في قلبها بضغط الأمويين عليها، وفي الدولة قسوة ورجالها

ص74

 صرامة، ثم قامت الدولة العباسية على أنقاضها وكان مبدأ ظهورها في الكوفة، فإن أبا العباس السفاح أول خلفائها إنما تمت له البيعة فيها بفضل تشيعها ومظاهرتها للهاشميين، ولقد حفظ العباسيون لها تلك الصنيعة وعطفوا عليها وكافئوها، فانقلب الأمر في البلدين، وعزت الكوفة بعد ذل وأفل نجم البصرة بعد تألق {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} آل عمران: 140.

كل ذلك مما أوسع شقة الخلاف بين البلدين حتى تألب كل على الآخر وقلب له ظهر المجن، وفي كتاب "البلدان" لأبي عبد الله أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه الشيء الكثير مما تراميا به من الأقوال وتباريا فيه من المفاخرات، نسوق هذا لتعرف متى ولد سبب الاختلاف الذي جرهما إلى تطاول بعضهما على بعض، وحبب إليهما إيثار المخالفة في المسائل العلمية على الموافقة فيها؟ إذ ما بدأت المنافسة العلمية النحوية بينهما إلا بعد أن عملت عوامل الخلاف عملها، ووضعت السدود الحصينة التي تحول دون الوفاق بينهما، وتسلطت الأثرة عليهما.
وكان ذلك كما سبق في أول الطور الثاني على عهد الخليل والرؤاسي بعد اجتماعهما أولا في الأخذ عن الطبقة الثانية البصرية، وبعد تكوين هذا الفن ونشوئه في البصرة.

المذهب البصري:

لقد كان من حسن الحظ للنحو أن كانت البصرة مولده ومهده لأنها اختصت بما حرمته الكوفة التي ناهضتها بعد ذلك للأمور التالية:

أولا: أن العرب النازحين إليها من القبائل العريقة في اللغة الفصحى استطابوها فاتخذوها دراهم وأكثرهم من قيس وتميم الذين بقوا على عربيتهم.
ثانيا: أنه كان على كثب منهم "المِرْبَدُ" الذي قد اتخذه العرب سوقا في الجهة الغربية منها مما يلي البادية بينه وبينها نحو ثلاثة أميال، يقضون فيه شئونهم قبل أن يدخلوا الحضر أو يخرجوا منه، وقد صارت هذه السوق في الإسلام صورة موازنة لعكاظ الجاهلية، فكانت فيه النوادي الأدبية والمجامع الثقافية تألفت فيه حلقات الإنشاد والمفاخرة والمنافرة والمعاظمة ومجالس العلم والأدب، فكان الشعراء يؤمونه ومعهم رواتهم، وكانت لفحولهم حلقات خاصة فيه، قال الأصفهاني: "وكان لراعي الإبل والفرزدق وجلسائهما حلقة بأعلى المربد بالبصرة يجلسون فيها"(2).

ص75

كما كان العلماء والأدباء والأشراف ينزلون فيه للمذاكرة والرواية والوقوف على ملح الأخبار، واللغويون يأخذون عن أهله ويدونون ما يسمعون، والنحويون يسمعون فيه ما يصحح قواعدهم ويؤيد مذاهبهم، وكثيرا ما نجد التنويه عنه في تراجم النحاة واللغويين.
ثالثا: موقعها الجغرافي فإنها على طرف البادية مما يلى العراق وأدنى المدن إلى العرب الأقحاح الذين لم تلوث لغتهم بعامية الأمصار فعلى مقربة منها بوادي نجد غربا والبحرين جنوبا، والأعراب تفد إليهم منهما ومن داخل الجزيرة العربية بكثرة، وكل أولئك يسر لعلماء البصرة حينما قاموا بتدوين القواعد أن يجدوا طلبتهم وينالوا رغبتهم، ففي هذه الثلاثة مدد من اللسان العربي الفصيح لا ينفدوهم في بصرتهم مقيمون لا يتجشمون بعدئذ أسفارا ولا يجربون قفارا، إذ لم تشتد الحاجة أولا للرحلة في مدى الطبقتين الأوليين من طبقاتهم. لأنهم لما يبلغوا الغاية في تجريد القياس وتعليل النحو وتفريعه ولم تضطرب الروايات في هذا الحين، ومادة اللغة قوية.
ولا ريب أن نشوء النحو بالبصرة إنما كان تلبية لداعي المحافظة على صيانة اللغة العربية مما نزل بها منذرا بالخطر المدلهم الذي لو ترك وشأنه لدرجت كما درج غيرها من اللغات، كما كان واجبا على من دخل في الإسلام من غير أبناء العرب أن يتعلمه ليتعرف لغة القوم الذين صار منهم حتى يتم الاندماج بينهما وتستحكم أواصر الوحدة فيها: قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}  الحجرات: 10.
والفضل في ذلك راجع إلى أبي الأسود الذي توطنها مع تشيعه للعلويين ومناوأة البصريين للعلويين وشيعتهم، إلا أن سلطان هذا العلم استرعاهم فأقبلوا إليه يزفون، وتحلقوا حوله وتدارسوا مسائله حبا في المعرفة لذات المعرفة ورغبة في العلم لذاته غير طامعين في مغنم أو حريصين على شيء من حطام الدنيا، وأغلبهم من الموالي الذين سعد بهم هذا العلم منذ بزغ فجره لأنهم من أمم مرنت على مزاولة العلوم والفنون بحسب لغاتها، فشدوا عضد أبي الأسود في التدوين وكانوا له خير معين.
كان لتعاون تلك البيئة التي تموج بمختلف العرب الذين يمثلون أغلب القبائل المعترف بينهم بسلامة سلائقها -كما كانت تعج بالرواة والحفظة والنقدة، وهذا الداعي العلمي الخالص- الأثر الطيب في سلوك البصريين في قواعدهم، ونمطهم العلمي، فحولهم الأساليب العربية متوافرة تجود لهم بشواهد القواعد دون مجهود يلحقهم، ولا منافس لهم يستعجلهم ويقطع عليهم سلسلة الاستقراء حتى يثقوا بما يدونون متئدين مطمئنين إلا شيئا واحدا، وذلك هو منادي العلم المحض، فكان لزاما لذلك أنه لم تدون قواعدهم إلا مدعومة على عناصر ثلاثة:

ص76

1- سلامة من أخذوا عنه من العرب المقطوع بعراقتهم في العروبة وصونهم فطرهم من تسرب الوهن إليها من رطانة الحضارة حتى لم يأخذوا إلا عن سكان البوادي، بل كانوا يتحرزون عنهم إذا لمحوا عليهم ضعفا اعتراهم، فكانوا يختبرونهم أحيانا قبل التقبل لما يروون عنهم، قال ابن جني: "ومن ذلك ما يحكى أن أبا عمرو استضعف فصاحة أبي خيرة لما سأله فقال: كيف تقول استأصل الله عرقاتهم؟ ففتح أبو خيرة التاء فقال له أبو عمرو: هيهات أبا خيرة لان جلدك(3).

2- الثقة برواية ما سمعوه عنهم من طريق الحفظة والأثبات الذين بذلوا النفس والنفيس في نقل المرويات عن قائليها معزوة إليهم.
3- الكثرة الفياضة من هذا المسموع التي تخول لهم القطع بنظائره وتسلمهم إلى الاطمئنان عليه في نوط القواعد به، وإلا اعتبروه مرويا يحفظ ولا يقاس عليه إلا إذا لم يرد من نوعه ما يخالفه، فلا بأس من اعتباره مبنى للتقعيد عليه، ومن هنا ارتضى العلماء رأي سيبويه في إلحاق فعولة بفعيلة في النسب في حذف حرف المد وقلب الحركة فتحة اعتمادا على سماعه في النسب إلى "شنوءة" شنئيا" وعدم سماع ما يخالفه نسبا من هذه الزنة، ولذا قال ابن جماعة في حاشيته على الجاربزدي: (فهو جميع المسموع منها فصار أصلا يقاس عليه).
تلك حالة السابقين منهم وهم بذلك خطوا الخطة التي ترسمها خلفهم بعدهم عندما حانت المنافسة بين البلدين، وأخذت الكوفة تنحاز لنفسها وتهيئ لها طريقا آخر، بل زاد عندئذ البصريون نشاطا ومثابرة على السير في منهاجهم، إذ قد بدأ وقت ذاك اختبال الألسن ودخل إلى الطباع الفساد وخلص شيء من ذلك إلى الأجيال الناشئة في الحضر فاختلف المصران بعضهما عن بعض وتمكنت منهما العصبية، وأخذ كل في الطعن على الآخر.
كل ذلك حمل كثيرا من البصريين على التطواف في الجزيرة العربية ولم يقنعهم ما بين ظهرانيهم فارتحل من رجال الطبقة الثالثة الخليل ويونس وغيرهما، ومن الرابعة أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وأخذوا عن القبائل، وإن توافر على الأصمعي ميله إلى غير النحو والصرف من علوم اللغة العربية.
فأخذوا عن القبائل البعيدة من أطراف الجزيرة والباقية في سرتها من جفاة الأعراب

ص77

وأهل الطبائع المتوقحة، وتحاموا سكان الأطراف الحضريين المخالطين لغير العرب، وربما كان أوفى كتاب استقرأ القبائل من الصنفين كتاب الألفاظ والحروف للفارابي، وقد نقل كلامه بنصه السيوطي في المزهر (النوع التاسع الفصل الثاني في معرفة الفصيح من العرب).

فأجهد هؤلاء العلماء أنفسهم وشرقوا وغربوا وتحملوا ذلك الشهور والأعوام وما بالوا ما نالهم من نصب أو مخمصة تفانيا في التثبت بأنفسهم من سلامة ما يروون عن العرب، فشافهوهم في أوديتهم وسمعوا منهم في أخبيتهم ومراعيهم وأسواقهم ومجتمعاتهم، وقدموا للعلم خدمة جلى ويدا لا تنسى. فعن هؤلاء أخذت علوم العربية وفي ايامهم دونت, وجل ما في أيدي الناس منها إنما كان بفضلهم, سأل الكسائي الاصمعي: (سمعت صبية بحمى ضَرِية يتراجزون فوقفت وصدوني عن حاجتي وأقبلت أكتب ما اسمع, فأقبل شيخ فقال: أتكتب كلام هؤلاء الأقزام الأدناع؟) (4)

وما زالت الرحلة الى الجزيرة العربية سنة متبعة عند العلماء إلى اواسط القرن الرابع ثم فسدت سلائق العرب فيها, فاكتفى العلماء بآثار أسلافهم التي حوتها الكتب, وانما كان العلماء بعد ذلك يسألون بعض الأعراب المتوسمين بشيء من جفاء البادية ممن لم تنسخ فيهم الفطرة نسخا ليستريحوا إلى ذلك لا ليأخذوا به, وهذا بالنسبة إلى البادية, أما الحضر فضعفت الثقة بشعرائه من منتصف القرن الثاني تقريبا, يقول الأصمعي: (ختم الشعراء بابن هرمة والحكم الحضري وابن ميادة وطفيل الكناني ومكين العذري)(5).

بالغ البصريون في التحري والتنقيب عن الشواهد السليمة, وأبلوا في ذلك ما شهد لهم به الدهر, فتجافوا عن كل شاهد منحول ومفتعل, وآية ذلك أول كتاب لهم, وهو كتاب سيبويه, وقد اعترفت له شهادة العلماء من شيوخه وأترابه والذين بعده, فكانت أقيستهم وقواعدهم قريبة الصحة لكفالة مقدمتها بسلامتها, فلا غرابة بعدئذ أن جعلوها الحكم بينهم يرد من الكلام غير مكترثين بما جاء مخالفا لها مما لا ظهير له ولا مثيل في كثرة الاستعمال والتداول – فهم بعدئذ أمامه إما أن يؤولوه تأويلا يتّفق وقواعدهم, وإما أن يستنكروه لكثرة ما اندسّ من الرواة وذوي الأهواء في اللغة, وإما أن يتلمسوا الضرورة إذا كان في نظم- فإن اعتاص كل ذلك عليهم فإنهم يضطرون الى جعله جزئيا شاذا يوضع في صف المحفوظات التي لا يقاس عليها, وفي كتب النحو ما يقفك على كل هذا.

ص78

ولنضرب لك بعض الامثلة مما ورد مخالفا لأقيستهم فتخلّصوا منها بمثل ذلك – قضت اقيستهم:

1- ألا يعمل الوصف إلا معتمدا على النفي, أو استفهام, أو موصوفا ولو معني لفظا أو تقديرا, فيرد عليهم قول الطائي:

خبير بني لهب فلا تكُ ملغيا         مقالة لهبي إذا الطير مرت

فيؤولون بأن الوصف خير مقدم والمطابقة على حد: (والملائكة بعد ذلك ظهير).

2- وجوب تذكير الفعل مع جمع المذكر السالم وتأنيثه مع جمع المؤنث السالم, فيرد عليهم فيهما : (آمنت به بنو إسرائيل) وقول عبدة بن الطيب:

فبكى بناتي شجوهن وزوجتي       والظاعنون إلي ثم تصدعوا(6)

فيتخلّصون بأن الجمعين لم يسلم فيهما نُظُم الواحد فكانا كجمعي تكسير.

3- عدم نيابة الظرف أو الجار والمجرور أو المصدر عن الفاعل مع وجود المفعول به فيرد عليهم : (ليجزي قوما بما كانوا يكسبون) وقول جرير:

ولو ولدت قفيرة, جرو كلب          لسب بذلك الجرو الكلبا(7)

فيقولون : النائب في الآية ضمير غفران, والبيت ضرورة, وغير هذا.

4- وجوب تنكير التمييز, فيعترض عليهم بقول رشيد اليشكري:

رأيتك لما أن عرفت وجوهنا             صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

فلا يجدون إلا الضرورة.

5- عدم جواز تأكيد النكرة, فيرد عليهم قول عبد الله بن مسلم الهذلي:

لكنه شاقه أن قيل ذا رجبُ                  يا ليتَ عدةَ حولٍ كُلِّهِ رجَبَا(8)

فيقولون: الرواية عدة حولي، أو للضرورة.

6- عدم إظهار "أَنْ" بعد كي فيعترض عليهم بقول الشاعر:

أردتَ لكيما أن تطيرَ بِقِرْبتِي                   فتتركها شنا ببيداءَ بلقَعِ(9)

ص79

فيقولون: لا يعرف قائله، أو لضرورة الشعر، أو غير ذلك.

7- عدم عمل "أَنْ" محذوفة في غير مواطنها المعروفة فيرد عليهم: خذ اللص قبلَ يأخذَكَ، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وأمثال هذا فيقولون: إن ذلك شاذ يحفظ ولا يجارى في الاستعمال.
كل ذلك إنما سرى لهم من التعويل على قواعدهم، بل لقد بلغ بهم الاعتزاز بها إلى الاعتراض على العربي المطبق على الاستشهاد بقوله كما رأيت فيما تقدم من اعتراض ابن أبي إسحاق على الفرزدق، وأغرب من ذلك تعقب تلميذه عيسى بن عمر قول النابغة:

فبت كأني ساورتني ضئيلة                     من الرُّقش في أنيابها السم ناقع(10)

إذ قال أساء النابغة إنما هو ناقعا، وقد خطأ أبو عمرو ذا الرمة في قوله:

حراجيج ما تنفك إلا مناخة                            على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا(11)

لأن أفعال الاستمرار بمعنى الإيجاب فلا يصح الاستثناء في خبرها.
ضجر الشعراء من النحاة، ولهذا قال عمار الكلبي لما عيب عليه بيت من شعره:

ماذا لقيت من المستعربين ومن               قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا(12)

ومرجع هذه النزعة إلى عيسى بن عمر وشيخه ابن أبي إسحاق من متقدمي البصريين، دون غيرهما من معاصريهما، فإن يونس وشيخه أبا عمرو كانا يتحرزان عن تخطئة العربي ويعتمدان قوله وإن خالف القياس، وقد غلبت النزعة الأولى الثانية على البصريين بعد سيبوبه وصارت لهم منهاجا، وانتقلت الثانية إلى الكوفيين، ثم اتخذوها إحدى دعائم القواعد كما ترى.

ص80

المذهب الكوفي:

لقد عرفت أن الكوفيين تأخروا عن البصريين في هذا العلم حقبة طويلة، وذلك لانصرافهم أولا عن التلقي عنهم ربا بأنفسهم عن الأخذ منهم، وما لبثوا أن شغلهم الشعر ورواياته والأدب وطرائفه، فاستأثروا بهذا وتنفلوا به على البصريين مدة طويلة لم يشاركوا فيها البصريين النظر إلى علم النحو.
تنبه الكوفيون بعدئذ وصحوا من سباتهم وأرادوا مساهمة البصريين فيه بعد أن عرفوه منهم وشق عليهم أن تنماع شخصيتهم في البصريين إن لم يكن لهم نحو خاص وبينهما ما بينهما من دواغل وإحن، دعاهم ذلك إلى تنظيم نحوهم على نمط خاص لا ينتحون فيه اتجاه البصريين، ولديهم في معتقدهم من الوسائل ما يهيئ لهم نيل مأمولهم، فاستمعوا من الأعراب الثاوين بالكوفة، وقد كانوا أقل عددا وأضعف فصاحة ممن كانوا بالبصرة وإن كان منهم لفيف من بني أسد وغيرهم إلا أن أغلبهم اليمانون، وأهل اليمن في عين أهل التمحيص ممن لا يستند إليهم، لخلاطهم الحبشة والهند والتجار الذين يفدون إليهم من مختلف الأمصار، ولم تقم سوق "الكناسة" بالكوفة التي كانوا يرتفقون منها حاجتهم مقام "المريد" بالبصرة مهبط الشعراء والخطباء من العرب المياسير، والأعراب العقف المنتجعين للأرزاق.
هذا مع قصوهم عن جزيرة العرب ينبوع معين هذا العلم، وحيلولة صحراء السماوة بينهم وبينها، فلم تكن لهم فيها إلا رحلات قليلة لبعد الشقة وثقل المؤونة كرحلة الكسائي المعروفة، وهو زعيم طبقتهم الثانية التي تحاذي الرابعة البصرية، أما طبقتهم الأولى فلم تكن لها رحلات، على حين أن الطبقة الثالثة البصرية التي تقابلها أبلت في الرحلات بلاء حسنا عاد على اللغة العربية بالأثر الذي لا يبلى.
على أنه لم يقف ذلك دون رواج الشعر فيما بينهم، والشعر على كل حال ذو النصيب الأوفى في تدوين القواعد بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله لتماسكه ومصايرته لأحداث الزمان بل قد فاقوا البصريين في علمه بفضل الأوراق المطمورة من عهد النعمان بن المنذر، نقل ابن جني في حماد الراوية الكوفي "قال: أمر النعمان فنسخت له أشعار العرب في الطنوج "الكراريس" ثم دفنها في قصره الأبيض فلما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي قيل له: إن تحت القصر كنزا فاحتقره، فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة".(13)

ص81

ولقد كانوا قبل العثور على هذه الأوراق مسوقين إلى الشعر عن رغبة ملحة وغريزة فيهم متأصلة منذ حل العرب الكوفة، يؤيد ذلك أن عليا كرم الله وجهه لما رجع بهم من قتال الخوارج، على أن يستعدوا لقتال أهل الشام, ثم تخاذلوا عنه، لم ير أبلغ في ذمهم من صفة التشاغل بالشعر، فقال في خطبته حين خطبهم: "إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال وتناشدون الأشعار تربت أيديكم وقد نسيتم الحرب واستعدادها وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل".
إن العثور على الأوراق السالفة الذكر صادف هوى من نفوسهم فازدادوا بها إقبالا على الشعر، وزخر بحره عندهم وقذف فيه بالملح والطرف إلا أن النحل والافتعال طغيا عليه، حتى التبس الأمر على الناس، وأسند القول إلى غير قائله، قال أبو الطيب: "الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بين في دواوينهم".(14)
حقا لقد كان ذلك، إذ كان من رواتهم حماد المذكور الذي جر عليهم التلبيس في المرويات والازدياد عليها مختلقاته، وقد كان ضليعا في الشعر وآداب العرب إلا أنه رقيق الأمانة، قال فيه المفضل الكوفي: "قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا، فقيل له وكيف ذلك أيخطئ في روايته أم يلحن؟ ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل عنه ذلك في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك؟".(15)
بل إن خلفا الأحمر البصري(16) زاد ذلك ضغثا على إبالة فقد كان كذلك مضرب المثل في محاكاته من ينسب إليهم الشعر، روى عنه الكوفيون كثيرا من الشعر "وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية لأنه قد أكثر الأخذ عنه وبلغ مبلغا لم يقاربه حماد، فلما نسك خرج إلى أهل الكوفة فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم".(17)

ص82

ومع أنه بصري فلم يعرف عنه أنه لبس على البصريين وروى لهم شعرا منحولا وربما كان منشأ ذلك العصبية البلدية التي تملي على المتأثر بها ارتكاب ما لا يجمل في المسائل العلمية، وقيل: إنه فعل ذلك انتقاما لنفسه إذ ذهب إلى الكوفيين أولا للتلقي عنهم فبخلوا عليه بشعرهم قال أبو زيد: "حدثني خلف الأحمر قال: أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر فبخلوا علي به، فكنت أعطيهم المنحول وآخذ عنهم الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم أنا تائب إلى الله. هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، فبقي منسوبا إلى العرب لهذا السبب".(18)

إن المصادفة التي جمعت بين هذين الوضاعين لكفيلة بتوريث الكوفيين توهينا لمذهبهم فليس في الرواة جميعا على كثرتهم ومحاولة بعضهم الصنع من يداني حمادا وخلفا، فهما طبقة في التاريخ كله يعرف ذلك من له إلمام بالأدب.
أبصر ذلك البصريون فصدفوا عن شواهد الكوفيين واطرحوها ظهريا ولم يسمع عنهم إلا ما وقع من أبي زيد البصري الذي نقل عن المفضل الضبي الكوفي لأنه غير متأثر بالعصبية البلدية وقر عنده صدقه، قال السيرافي: "ولا نعلم أحدا من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئا من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي. قال أبو زيد في أول كتاب النوادر أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي، جاهلي:

بكرت تلومك بعد وهن في الندى                     بسل عليك ملامتي وعتابي

الأبيات... وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل"(19) بينما الكوفيون يتلقون بالقبول رواياتهم ويعتمدون على شواهدهم.
على أنه ما كان الكسائي وهو ناشر المذهب الكوفي وصاحب الفضل فيه يبن ببغداد حتى استمع إلى الأعراب الذين فيها وحولها وهم أوشاب من مختلف القبائل غير العريقة في العروبة، ومنهم أعراب الحليمات الذين قدموا بغداد وضربوا خيامهم في "قطربل" "قرية من متنزهات بغداد اشتهرت باللهو والخمر" فاعتد بكلامهم واستشهد به وهم من زعانف العرب الذين اختبل لسانهم، فازداد مذهبه ضعفا على ضعف قال أبو زيد: "قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا، ثم سار إلى بغداد فلقي أعراب الحليمات فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن، فأفسد بذلك ما كان

ص83

 أخذه بالبصرة كله".(20)

ولولاهم ما فاز الكسائي وانخذل سيبويه في المناظرة البغيضة، فإن الكسائي إنما اعتمد على لغتهم واحتج بكلامهم وكانوا له مظاهرين، ولذلك قال اليزيدي:
كنا نقيس النحو فيما مضى                   على لسان العرب الأول
فجاء أقوام يقيسونه                           على لغى أشياخ قطربل
فكلهم يعمل في نقض ما                     به يصاب الحق لا يأتلي
إن الكسائي وأصحابه                       يرقون في النحو إلى أسفل(21)
وقد اقتفى الكوفيون طريق الكسائي، فعولوا على شعر الأعراب بعد أن امتزجوا وتأشبوا "اختلطوا" بالمحتضرين ولان جفاؤهم، ومن أجل هذا كان البصريون يغتمزون الكوفيين فيقول الرياشي البصري "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ وأكلة الشواريز".(22)
من ذلك كله ترى أنه لم تتهيأ لهم بيئة تصلح أن تكون منبعا لنمير هذا الفن كبيئة البصريين بمن فيها وفي أرباضها2 وما دنا منها من العرب الخلص، يضاف إلى هذا ما استفزهم للعمل حثيثا في إبراز فن لهم يضارع الفن البصري غيرة منهم وحنقا على البصريين، فأصاخوا إلى كل مسموع لهم وقاسوا عليه فعثرت بهم عجلة الرأي، ولم يدققوا تدقيق البصريين بل تدرجوا مطاوعة لمناديهم إلى الاكتفاء بالشاهد الواحد ولو خالف الأصل المعروف المتفق عليه بين الفريقين، قال الأندلسي: "الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه بخلاف البصريين".
وقد يتساهلون مع هذا في التثبت من معرفة القائل، وربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف شطره الآخر ولا يعلم قائله كدليلهم على جواز دخول اللام في خبر "لكن" يقول المجهول:
................................ ولكنني من حبها لعميد(23)

ص84

وأول من سن لهم طريقة التسامح إلى أبعد مدى شيخهم الكسائي "وذلك أن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو".(24)
وسترى عند حكمة تخصص كل من المذهبين إشادة الكسائي بالقياس وكثر ما انحدر الكوفيون فناطوا القاعدة بالقياس دون ورود لمطلق شاهد، فمن ذلك:
أمثلة للقياس الكوفي:
1- تجويزهم مجيء العدد للتكرار على وزني فعال ومفعل ممنوعا من الصرف للوصيفة والعدل من خمسة إلى تسعة مع أن المسموع عن العرب في ذلك من واحد لأربعة، لكنهم قاسوا في الباقى عليها قال الرضي: "والمبرد والكوفيون يقيسون عليها إلى تسعة نحو خماس ومخمس وسداس ومسدس، والسماع مفقود".(25)
2- تجويزهم تثنية أجمع وجمعاء وتوابعهما قياسا على جمعها، قال الرضي: "وقد أجاز الكوفيون والأخفش لمثنى المذكر أجمعان أكتعان أبصعان أبتعان، ولمثنى المؤنث جمعاوان كتعاوان بصعاوان بتعاوان، وهو غير مسموع".(26)
3- تجويزهم الجزم بكيف مطلقا قال الرضي: "والكوفيون يجوزون جزم الشرط والجزاء بكيف وكيفما قياسا، ولا يجوزه البصريون إلا شذوذا".(27)
4- تجويزهم النصب بأن مضمرة في غير المسائل المعدودة قياسا قال الرضي: "وقد تنصب مضمرة شذوذا، والكوفيون يجوزون النصب في مثله قياسا".(28)
5- ومثل ما تقدم تجويزهم عطف المفرد بلكن بعد الإيجاب نظير بل بعده قال الرضي: "أجاز الكوفيون مجيء العاطفة للمفرد بعد الموجب أيضا نحو: جاءني زيد لكن عمرو حملا على بل، وليس لهم به شاهد".(29)
6- ومثل ذلك تجويز إضافة "كذا" إلى مفرد أو جمع قياسا على العدد الصريح، قال ابن هشام "خلافا للكوفيين أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال كذا ثوب كذا أثواب قياسا على العدد الصريح".(30)

ص85

إن الكوفيين بعملهم هذا قد فتحوا بابا واسع الفوهة على أنفسهم، فهم إذ أقاموا كل مسموع وزنا، والمسموع في اختلافه لا يقف عند نهاية، واعتمدوا بعد هذا على القياس النظري عند انعدام الشاهد انعداما كليا، قد اضطروا إزاء هذا أن وضعوا قواعد كثيرة خالفوا فيها البصريين، بل قد وضعوا جريا على سنتهم للشيء الواحد متى ورد على صور متغايرة قواعد بقدر صوره، فكثر عندهم التجويز للصور المتخالفة كما قل عندهم ما كثر عند البصريين من التأويل والشذوذ والاضطرار والاستنكار، وعلى سبيل الإيضاح نوجه نظرك إلى ما ذكرنا من الشواهد السبعة التي عقبنا بها اعتراضا على المذهب البصري وقد رأيت كيف تخلص منها البصري، أما الكوفي فقد اعتمدها وضم ما يستفاد منها إلى قواعد مذهبه وجعلها دعائم أقيسة أخرى تضاف إلى أقيسته، ولا جناح في تعدد الأقيسة وإن اعترت نوعا خاصا في المعنى فما ذلك عنده إلا ذريعة من ذرائع التنويع في التعابير وبقدرها تكون الأقيسة، وفي ذلك من السرف والإرهاق لطالب النحو ما فيه؛ لكنا بعد ذا لا نقصد رمي هذا المذهب بالضعف في كل قواعده وإلا كان تجنيا عليه، فقد ظهر عند الموازنة بين المذهبين فيما اختلفا فيه تفضيله في بعض مسائل ذات بال، والحق أحق أن يتبع ولترى ذلك مجلوا نسوق إليك أربع قواعد لهم على سبيل الإرشاد إلى صحة ما نقول:

1- عدم لزوم إبراز الضمير مع الوصف الجاري خبرا على غير ما هو له حالا أو أصلا مع أمن البس، والشواهد على ذلك كثيرة قال الأعشى:
وإن امرأ أسرى إليك ودونه                   من الأرض موماة وبيداء سملق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته                 وأن تعلمي أن المعان موفق(31)
وقد حاول البصريون إجابات كلها لا تقوم كلها على قدم، منها أن المصدر المنسبك من أن والفعل نائب فاعل لمحقوقة وتأنيثها حينئد جائز لأن نائب الفاعل الاستجابة فلا ضمير في الوصف، وغير ذلك، ولهذا قال ابن مالك في كافيته:
وإن تلا غير الذي تعلقا                       به فأبرز الضمير مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن           لا يؤمن اللبس ورأيهم حسن
2- صحة الفصل بين المتضايفين في السعة بمنصوب المضاف مفعولا به أو ظرفا أو

ص86

بالقسم ولا شك في ورود ما يصحح هذه القاعدة فقد وردت الشواهد في النثر للثلاثة، ولنكتف بشاهد على الفصل بالمفعول به، قرأ ابن عامر أحد السبعة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} الأنعام: 137, وقد ردها الزمخشري الذي وافق البصريين قال الصبان: "ولا عبرة برده مع ثبوتها بالتواتر" فالحق مع الكوفيين ولذا يقول ابن مالك:

فصل مضاف شبه فعل ما نصب                        مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب
فصل يمين ....................                        .............................
3- عمل اسم المصدر عمل فعله، وشواهده أكثر من أن تحصى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء"، وقال القطامي:

أكفرا بعد رد الموت عني                     وبعد عطائك المائة الرتاعا(32)

ليس أمام البصريين إلا الاستنكار لرواية الحديث، والضرورة للنظم، والتمسح بهذين مجلبة إلى الإعنات والتضييق، ولقد أجاد ابن مالك إذ قال:

...........................                   ............ ولاسم مصدر عمل

4- جواز العطف على الضمير المخفوض بدون عود الخافض في السعة قرأ حمزة وغيره قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}  النساء:1. بجر الأرحام، لقد ضاق الخناق على البصريين، والرضي بعد الترديد لما عساه أن يدافع به البصريون لم ير بدا من أن يقول: "والظاهر أن حمزة جوز ذلك بناء على مذهب الكوفيين لأنه كوفي ولا نسلم تواتر القراءات السبع".(33)
وفي هذا الدفاع شطط، ومن ذلك جنح ابن مالك إلى رأي الكوفيين فقال:
وعود خافض لدى عطف على                         ضمير خفض لازما قد جعلا
وليس عندي لازما إذ قد أتى                           في النظم والنثر الصحيح مثبتا
حتى في تعبيره بخافض بدل جار كما هو معروف، ولولا خوف الإطالة لوافيناك بشواهد كثيرة تفضي إلى الاطمئنان لهذه القواعد كوضح النهار ومعها دفاع البصريين الذي لم يضرها، والواقع أن البصريين كانت
محاولاتهم في نقضها غير مجدية ومجردة عن النصفة فقد تعسفوا غاية التعسف بما لا ترضاه العدالة، ولا يستقيم في المنطق "وما كل مرة تسلم الجرة".

ص87

من هذا البيان يتضح لك معرفة طريقة كل من المذهبين الخاصة به، وبقي أننا نجيب على ما قد يدور بخلد الناظرين من السؤال عن الحكمة في تخصص كل باتجاهه، ولم لم يعكس الأمر؟ فنقول:
حكمة تخصص كل من المذهبين باتجاهه:
إن ذلك يعتمد في الحقيقة أولا وبالذات على اختلاف نزعتهما الطبيعية، فهي التي توجه كلامهما على حسب ما تقتضيه وتوجبه، ونزعتهما متغايرة لتغاير الموقع الطبيعي للبلدين.
ذلك أن البصرة قد أنشئت على طرف البادية في صقع عاش في الحرية البدوية الآماد الطويلة فلم يمتد إليه نفوذ أجنبي يلين من شكيمته، والعرب النازلون فيها لم يعرهم ما يبدل صلابة عقليتهم العربية وقد تجلى ذلك في كل ما يتصل بهم من علوم وغيرها، أما الكوفة فقد أنشئت على مدني من "الحيرة" قاعدة المناذرة قديما في صقع كان تحت إشراف الأكاسرة خانعا لإمرتهم، دبت إليه الروح الفارسية في علومها وأنظمتها من حرية التفكير والعنو لسلطان العقل والدأب على التوسع في الابتكار وانفساح الميدان للآراء، تسربت هذه الروح فيمن توطنها من العرب وأقام فيها، فكانت نزعة الكوفة في عمومها، تخالف نزعة البصرة في عمومها أيضا ولا جرم أن هذا الاختلاف إنما كان بفعل الطبيعة البلدية التي لا يرد قضاؤها في النفوس والعقول والعلوم والدربة وما إلى ذلك، فكان حتما مقضيا أن يسلك البصري في أصول مذهبه مسلك الشدة والمحافظة على المأثور وأن ينهج الكوفي في أصول مذهبه طريق السهولة والرواية، ومن ثمة اختلف مبنى المذهبين في قواعدهما على ما تقدم تفصيلا، والتزام البصري هذا التشديد أمل منه أن يسود اللغة نظام مطرد بقوانين محدودة مستقاة من الأساليب العربية الصحيحة المتضافر على أمثالها، إذ ما من ريب أن اللغة العربية لغات قبائل شتى تغايرت في بعض ألفاظها ولهجاتها وتميزت في شيء من تراكيبها، ذلك أن العربي غير مقيد بضوابط وضعية لا يتخطى حماها، بل يرسل الكلام حسب مشيئته في أي غرض كان غير خاضع لنظام يسيطر عليه، وقد ينزع في غير قوسه لتأثره بعامل أجنبي يعرض له فيجانف جادة الطريق في بعض الأحيان، وقد مر في المذهب البصري تعقب ابن أبي إسحاق للفرزدق، وعيسى بن عمر للنابغة، وأبي عمرو لذي الرمة، وعيبهم لعمار الكلبي مع شعره، قال أبو علي الفارسي في تعليل أغلاط العرب: "إنما دخل هذا النحو كلامهم لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها ولا قوانين يستعصمون بها وإنما تهجم بهم طبائعهم على ما ينطقون به فربما استهواهم الشيء فزاغوا به عن القصد".(34)

ص88

رأى ذلك البصري وقد رغب رغبة صادقة في وضع قواعد عامة لأنواع الإعراب في جزئيات الكلام عند الاستعمال يجب أن تطبق ويسار على منهاجها بدقة وحزم، ويتحامي بها عن الأساليب المبهرجة2، فلم يجد بدا من أن يقف عند الشاهد المذعن بصحته المتكاثرة نظائره ضاربا صفحا عما عداه من المرويات الضعيفة، أو الشاذة، أو المنحولة مما يؤدي اعتمادها إلى الفوضى والاضطرابات وعدم الوقوف عند غاية، وذلك كله من البصري نزوع إلى شنشنته3 الأولى، أما الكوفي فقد حمله على مسلكه احترامه لكل ما ورد مسموعا من العرب وكفى، والتيسير للناس أن يستعملوا استعمالاتهم على مقتضى ما أثر عنهم، فلا ضير على القائل متى حاكى أي استعمال كان، وما القواعد إلا وليدة اللغة فهي ذات السلطان عليها دون العكس، هذا مع الترخيص بالقياس على مقتضى الرأي إذا فقد الشاهد، وما كان ذلك من الكوفى إلا تأثرا بنزعته الطبيعية أيضا.

بذلك ترى أنه قد اتخذ كل من المذهبين سبيلا له خاصة عرف بها حتى صار لكل طابع يحالف طابع الآخر فكان نتيجة ضرورية، لهذا أمران:
الأول: أن ما كثر من الأمور الأربعة التي تخلفت عن القياس عند البصري حسب المقتضيات من "التأويل والشذوذ والاضطرار والاستنكار" قد قلت عند الكوفي.
الثاني: أن الأقيسة التي اعتمد عليها البصري في تدوين مذهبه على العكس من ذلك فهي قليلة عنده بالنسبة إلى الأقيسة التي تكون منها المذهب الكوفي، ومن ثمة قيل: إن مذهب البصريين مذهب السماع ومذهب الكوفيين مذهب القياس، ولذا يقول الكسائي:

إنما النحو قياس يتبع                         وبه في كل أمر ينتفع(35)

وفي المسألة الزنبورية الماضية في المناظرة ما يشهد بذلك، فسيبويه يتمسك بالرفع ويأبى النصب لأنه الإعراب المستفيض في التراكيب الواردة على سننه، ويجيز الكسائي النصب للقياس عنده.
تلك هي الحالة العامة في المذهبين بالنظر إلى جمهوريهما، ولا ينافي ذلك أن بعض البصريين قد يميل إلى المذهب الكوفي في بعض المسائل لما انقدح في ذهنه، وقد عرفت في ترجمة الأخفش أنه أكثر البصريين موافقة للكوفيين وأن منشأ ذلك راجع إلى توطنه ببغداد في جوار الكسائي الذي احتفى به وأكرم مثواه طيلة حياته الأخيرة، كما أن بعض الكوفيين قد يرى المذهب البصري في بعضها أيضا لمثل ذلك، وربما خرج على الرأيين
ص89

 بعض من الفريقين وابتكر مذهبا له خاصا، بل قد يتشعب الخلاف بين رجال الفريق وحده، على أنه لم يقف الخلاف بين الفريقين عند المسائل العلمية بل سرت عدواه إلى التسمية في المصطلحات العلمية الكثيرة جدا، والحقيقة أن ذلك ليس من صالح العلم في شيء، فربما جر على المتعلم الإرهاق والنصب، فإنه إذا اطلع على كتب البصريين وعرف قواعد باب باسمه مثلا ثم قرأ كتب الكوفيين وأراد الباب نفسه فلا ريب أنه محتاج إلى اسمه عندهم حتى يهتدي إليه وفي ذلك مضيعة للوقت، وهاك بعض أمثلة من هذا:

يقول البصري: النعت، والكوفي: الصفة، والبصري: البدل، والكوفي الترجمة، والبصري الظرف، والكوفي الصفة أو المحل، والبصري حروف الجر، والكوفي الإضافة، والبصري الجر، والكوفي الخفض، والبصري المصروف وغير المصروف، والكوفي المجرى وغير المجرى، والبصري واو المعية، والكوفي واو الصرف، والبصري ضمير الشأن، والكوفي ضمير المجهول، وهكذا.
والمربي على هذا في العجب اختلافهم في التعليل، نطق العربي بسكران ممنوعا من التنوين فيقول البصري للشبه بألفي التأنيث والكوفي لزيادة الألف والنون، وفي معنى الكلمة نطق العربي "باسم الفعل" فيتفرق البصريون والكوفيون في مدلوله وموقعه على أقوال شتى.
لقد شغف القوم بالخلاف وثوران المراء بينهم فيما جل من العلم وما دق، ولذا يقول فيهم على سبيل التندر يزيد بن الحكم الثقفي:
إذا اجتمعوا على ألف وواو                            وياء ثار بينهم جدال(36)
ولم يك عجيبا وغريبا أن يتبرم أبو غسان دماذ صاحب أبي عبيدة لما سمع رأي البصريين في نصب المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد "الفاء والواو وأو" دون اعتبار هذه الأحرف ناصبة كما يقول الكوفيون، فيكتب إلى شيخ البصرة أبي عثمان المازني قصيدة مطلعها:

تفكرت في النحو حتى مللت                وأتبعت نفسي له والبدن

ثم يستعرض فيها رأي البصريين السابق ويختمها بقوله:

ص90

فقد كدت يا بكر من طول ما                          أفكر في أمر (أَنْ) أَنْ أجن(37)

ولو أن الخلاف النحوي أغلق بابه بعد البصري والكوفي على ما به في مناحيه المختلفة المضطربة لهان الخطب، ولكنه تشعبت مسالكه بعدهما، فكان المذهب البغدادي والأندلسي وغيرهما من المذاهب الشخصية الخاصة الملفقة مما أجهد النحوي وأنصبه، على أنه في خلال هذه المذاهب الرئيسية خرج الكثير من علمائها عليها فلم يقف عند إجماع وسبق في ترجمة الأخفش والمبرد ما تعرفت منه خروجهما على المذهبين: البصري والكوفي، وما عاب العلماء اتخاذ أحدهم مذهبا مستحدثا متى كان مستنده قويا، فإن المذاهب مبنية على ظنون قوية فقط، قال ابن جني "وإنما لم يكن فيه قطع لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس، ما لم يلو بنص أو ينتهك حرمة شرع إلخ".(38)
ولقد مني هذا الفن من بين الفنون قديما وحديثا بكثرة الأقوال وتضارب الآراء، ويشفع لذلك أن أساسه الأهم من استعمالات العرب لم يسلك اتجاها متوحدا معينا، فالقبائل التي اعتد بها وأخذت عنها الشواهد مختلفة في كثير من الأساليب، يضم إلى ذلك اضطراب المرويات نفسها وورودها بألوان متغايرة قد تتباعد معانيها في بعض الأحيان فينتقل البيت من مدح إلى ذم وبالعكس وهكذا، وربما عمي الأمر واشتبه الحال وهنأ المرتع للتصحيف والتحريف، والأمثلة في كل ذلك متعارفة مشهورة، وتقدم لك بعض منها في شواهد سيبويه، وسيرد عليك كثير منها في الكلام على المغني وشرح الأشموني وحاشية الصبان، بما تعرف منها انتشار التصحيف والتحريف في كتب النحاة ووراء هذين الأمرين الفوضى المنتشرة في نسبة الشواهد لقائليها، فقد ينسب الشاهد لاثنين فأكثر وقد يقع التوزيع للبيت فبعضه لقائل وبعضه لقائل آخر، لقد زاد الأمر عن حده وطفح الكيل أمام النحويين فلا غرابة أن يختلف النحاة حينئذ في أحكامهم لاختلاف التقادير بينهم في الشواهد فتكاثرت الأقوال حتى تقابلت وتناقضت، وحق لكل أن يقول ما يقول لأنه قد قيل، ومن هنا يدرك صدق القائل:

(عجبت لنحوي يخطئ).

الواقع الذي لا يتمارى فيه اثنان أن علم النحو واسع المضطرب كثير القواعد متشعِّب

ص91

 التطبيق على الجزئيات الكلامية التي لا تحد بغاية، وليس مقصودنا الآن هذا، إنما زج بنا إليه الاستطراد، وسنذكر كلمة خاصة في ذلك بمشيئة الله تعالى، إنما الذي نعنى به بيان الأسباب التي أوحت إلى التخالف بين الفريقين فحسب، ونمط التخالف بينهما، وما نجم عن هذا التخالف من المسائل على أن يكون البحث محصورا في المسائل العلمية لا فيما يتصل بالتسمية للأبواب، ولا فيما يرتبط بالتوجيه لما وقع الخلاف فيه، ولا فيما يعود إلى المدول لبعض الأنواع، فإن ذلك يقتضينا شيئا كثيرا.

فإذا كان البصري قد تحفظ في أقيسته وتشدد، والكوفى قد تحلل من القيود التي تقيد بها البصري واحتفى بكل مسموع له على كثرة روايته للشعر عنه، وكلفه بالشاذ منه ورواج المنحول عنده، واكتفائه بالشاهد الواحد أيا كان شأنه، مع التعويل على القياس النظري. أدركت سعة الفجوة بين الفريقين في مسلكيهما.

__________________________________________

(1) البيت من قصيدة له راجع الأغاني أخبار أعشى همدان جـ6 ص55.

(2) راجع الاغاني أخبار جرير ج8، ص29، طبع الدار.

(3) الخصائص جـ1, ص413، وأبو عمرو وهو أبو عمرو بن العلاء، وأبو خيرة هو نهشل بن يزيد، راجع هذه الحكاية في ترجمة أبي عمرو في نزهة الألباء.

(4) المزهر (النوع السادس) ضرية بلدة، والأقزام: القصار، والأذناع: السفلة.

(5) راجع ترجمة ابن هرمة في الشعر والشعراء، وفي الأغاني.

(6) البيت من قصيدة في المفضايات.

(7) قفيرة أم جد الفرزدق, والبيت من شواهد الرضي- راجع الخزانة شاهد 51.

(8) البيت من قصيدة في معجم البلدان (أحزاب)، وفي رغبة الأمال على الكامل جـ7 ص214 وما بعدها، وفي مجال ثعلب الجزء التاسع ص474.
(9) البيت من شواهد شرح المفصل والرضي راجع الخزانة شاهد 653.
(10) البيت من شواهد سيبويه ج1 ص261 والمغني (الباب الخامس الجهة السادسة النوع الثاني) والبيت من قصيدة مشروحة في خزانة الأدب شاهد 155.
(11) ذكر التخطئة الزمخشري في المفصل، والرضي على الكافية راجع الخزانة شاهد 736، والمغني مبحث (إلا), والبيت من شواهد سيبويه على رفع "نرمي" جـ1 ص428، وهو من قصيدة يقال لها أحجبية العرب.
(12) مطلع قصيدة في الخصائص باب "في أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض إلخ" والإمتاع والمؤانسة "الليلة الخامسة والعشرون" وأنباه الرواة ترجمة الأخفش، وفي معجم الأدبا ترجمة ابن جني مع ذكر البيت المعيب.
(13) الخصائص باب "في ما يرد عن العرب مخالفا لما عليه الجمهور"، ومن خبر المختار أنه وثب بالكوفة سنة 66هـ في عهد عبد الله بن الزبير طلبا لثأر البيت العلوي فوجه إليه أخاه مصعبا فقتله سنة 67هـ وهو من رؤوس الفتن في الإسلام.
(14) مراتب النحويين ص119 ونقل في المزهر النوع الرابع والأربعين.
(15) هذه الكلمة في الأغاني ترجمة حماد، وفي معجم الأدباء في كل من ترجمة حماد وترجمة المفضل، وفي خزانة الأدب شاهد 774.

(16) راجع ترجمته في معجم الادباء لياقوت الحموي ج1, ص66-72.

(17) المزهر النوع الرابع والأربعين.
(18) هذه الكلمة في وفيات الأعيان (ترجمة أبي زيد).
(19)أخبار النحويين البصريين ترجمة أبي زيد.
(20) راجع أخبار النحويين البصريين ترجمة أبي زيد، والتصحيف والتحريف ما وهم فيه الكسائي، ومعجم الأدباء ترجمة الكسائي.
(21) راجع شعر اليزيدي في ترجمته في أخبار النحويين البصريين، ومعجم الأدباء، وفي التصحيف والتحريف (ما وهم فيه الكسائي).
(22)حرشة جمع حارش صائد الضب، الكواميخ جمع كامخ نوع من الأدم، والشواريز جمع شيراز اللبن الثخين، راجع ترجمة الرياشي..
(23) باب إن وأخواتها من شواهد الزمخشري في المفصل، والرضي في شرح الكافية راجع الخزانة 865، والمغني مبحث (لكن).
(24) معجم الأدباء, ترجمة الكسائي.
(25)شرح الكافية غير المنصرف 
(26) شرح الكافية التأكيد.
(27) شرح الكافية باب الظروف "كيف".
(28) شرح الكافية آخر نواصب المضارع.
(29) شرح الكافية حروف عطف النسق.
(30) المغني الباب الأول "كذا".
(31) استشهد بهما الرضي في الكافية لمذهب الكوفيين راجع الخزانة شاهد 387 وهما من قصيدة في مدح المحلق الكلابي شرح بعضهم في الخزانة للشاهد المذكور وشاهد 204 و521، وكلها في رغبة الأمل على الكامل جـ1 ص40 وما بعدها.
(32) البيت من شواهد الرضي راجع الخزانة شاهد 599 وهو من قصيدة طويلة في مدح زفر الكلابي.
(33) شرحه على الكافية عطف النسق.
(34) المزهر أول النوع الخمسين، معرفة أغلاط العرب.

(35) البيت مطلع قصيدة في المعجم, والانباه ترجمة الكسائي.

(36) أي إذا اجتمعوا للبحث عن أحرف العلة سار النزاع، والبيت من شواهد النحاة على إعراب أسماء الحروف الهجائية إذا ركبت كما في البيت، راجع شرح المفصل جـ 6 ص29 والرضي راجع الخزانة شاهد 9 وروى الحريري في درة الغواص عن الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر بيتا هجا به النحويين راجع الوهم 175.
(37) القصيدة في عيون الأخبار كتاب العلم والبيان "الإعراب واللحن" جـ2 والنوادر للقالي ص186، والعقد الفريد الياقوتة في العلم والأدب "نوادر من النحو" وأخبار النحويين البصريين ترجمة المازني، والإنباه ترجمة دماذ.
(38) الخصائص باب "في الاحتجاج بقول المخالف" جـ1، ص196.



هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.