أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-08
374
التاريخ: 2023-07-30
855
التاريخ: 2023-08-21
1159
التاريخ: 11-9-2016
3298
|
مونتسكيو وفلسفة الحضارة
ومن هذا المنطلق بالذات بحث مونتسكيو فلسفة الحضارة في العصر الحديث، وذلك فيما عرضه في كتابه (روح القوانين)، فقد عرض مونتسكيو العوامل التي تحدّد نظام الحكم في مجتمع ما، بعد أن قسّم أنظمة الحكم إلى استبدادية، وأرستقراطية، وديمقراطية. وقد حمل مونتسكيو حملةً شعواء على الحكومات الاستبدادية، واعتبرها حكومات قد تجرّدت عن الشرف، والفضيلة، ولم تكن حملته على الحكّام فحسب، وإنّما على الحاشية والبطانة، ولذلك يقول تتألّف أخلاق معظم البطانات في كلّ زمان ومكان من الطموح في كنف البطالة، والضعة المتستّرة وراء الكبرياء، والرغبة في الثراء دون عناء، والتملّق، والخيانة في الطباع، والمؤامرات، والتخلّي عن الوعود، وازدراء واجبات المواطن، والفزع إن كان الأمير فاضلاً يتمنّى أن يكون ضعيفاً مع الاستهزاء الدائم من الفضيلة ومعتنقيها. إنّه من المزعج حقّاً أنّ أكثر أكابر الدولة فاقد الأمانة، بينما أصاغرها هم أهل الصلاح. وقد استغرق كتاب مونتسكيو روح القوانين (14 عاماً)، وحذّره أصدقاؤه من نشر الكتاب، ولكنّه أصرّ على نشره، وقد وضع في القائمة السوداء، ولكنّه أصرّ على نشره، فظهر في سنة 1163ه (1)، وطبع عشرين طبعة في عامين. وانتشرت آراؤه في معظم بلاد العالم، وأخذ كتابه يدرّس في المدارس، والجامعات، وطبِّقت أفكاره في كثير من بلاد العالم(2).
أقول: إنّ أفكار الديمقراطية، والحرية، والتعددية، التي طرحها مونتسكيو في كتابه لمعالجة الفساد، والاستبداد، لم تكن جديدة، فقد طرحها الإسلام قبله بقرون.
ففكرة التعدّدية الحزبية، عمل بها الإسلام من قبل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع) (3)، و نراه (صلى الله عليه وآله) يقسّم المسلمين إلى مهاجرين وأنصاراً، ولا يخفى أنّهما من ألف الإسلام إلى يائه، كان لهما حكمٌ واحد، وإنّما قسّمهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى قسمين كما في القرآن الحكيم، والروايات، والسيرة المطهّرة، حتّى يكون أحدهما منافساً للآخر، ولقد قال القرآن الحكيم قبل ذلك: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] (4)،وقال: (({وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]))(5)، وقال: ((فَاسْتَبقُوا الْخَيْرَاتِ))(6).
وقد ورد في التاريخ أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يلتجئ إلى هؤلاء مرّة، وإلى هؤلاء مرّة حتّى إنّه في وصيّته الأخيرة، لماّ قال أحد أصحابه (إنّ الرجل ليهجر)(7)، وكانوا من المهاجرين طردهم وطلب الأنصار. ولولا أنّ بني أميّة، وبني العبّاس، وبني عثمان، جعلوا الحكم قيصرية، وكسروية، ضاربين منهج الشورى، وغيره من مناهج الإسلام عرض الحائط؛ لكان المسلمون قد سادوا مشارق الأرض ومغاربها في أقصر مدّة، بينما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] (8)، ثمّ قال سبحانه وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } [آل عمران: 159] (9)، إلى غير ذلك.
وقد عدّدت في بعض كتبي (18) موضعاً، استشار فيه الرسول (صلى الله عليه وآله)، والحال أنه متّصل بالوحي، وغنيٌ عن المشورة، وأنّه العقل الكامل، لا باعتقاد المسلمين فحسب الذين يرونه نبيّاً مرسلاً من قبل الله سبحانه وتعالى بل برأي جماعة من الغربيين المسيحيين وغيرهم أيضاً، الذين يعدّونه من أفضل البشر، حتّى إنّ أحد الغربيين في الأزمنة الحاضرة، كتب كتاباً حول مائة شخصية غيّرت وجه العالم، فذكر في قائمة أولئك الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)(10).
والخلاصة: فاللازم لمن يريد ذكر الحضارات أن يعتبر الأنبياء هم صناع التاريخ، وأن يلاحظ في تدوين التاريخ الشخصيّات النافعة غير المستبدّة، أمّا المستبدّون؛ فلا يستحقّون ذكراً إلاّ للتنفّر من أعمالهم، وتنفير الناس عن سلوك أمثالهم، وسلوك أمثال سلوكهم.
والمسلمون في العصر الأخير إنّما سقطوا؛ لأنّهم اتّبعوا الشرق والغرب، بينما عندهم الإسلام وهو الأفضل من مناهج الغرب ومن مناهج الشرق، ولا علاج لهم ولا للبشرية إلاّ بالرجوع إلى الإسلام واعتناقها لعقائده، وأخلاقه، وآدابه، وشرائعه، وسائر شؤونه، فإنّه الدين الوحيد، المطابق للعقل، والفطرة، والبرهان، والمنطق.
مسؤولية الإنسان
مسألة: على الإنسان أن يدين المفسد، فرداً كان أو جماعة، حاكماً أو محكوماً، ويحسّن الأشخاص الذين يفعلون الحسن، ذلك لأنّ المعيار هو الحُسن والقبح العقليان سواء كانا في الأفكار، أو الأقوال، أو الأعمال، في فرد، أو جماعة، أو حكومة، أو شعب، أو أمّـة، وكلٌّ مرتهن بعملـه إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، كمـا قال الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) (11)، وقوله سبحانه وتعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [الإسراء: 7] (12).
أمّا المثل الصيني الذي يقول: الرجل العظيم مصيبة عامّة؛ باعتبار أنّ الأبطال قـد شقّوا طريقهم إلى العظمة، وصدارة الأحداث، في الحروب، وسفك الدماء، وباعتبار أن بعض الأبطال قد عرقلوا تطوّر الحضارة، وتقدّم التاريخ إلى الأمام، فهو غير صحيح على إطلاقه، إذ إن كثيراً من العظماء، ومنهم الأنبياء، والمصلحين، ساعدوا على تطوّر الحضارة، وقدّموا التاريخ إلى الأمام.
وأما قول: إنه لا يمكن أن تدور عجلة التاريخ دون أن تدفع البشرية ثمن دورانها بعدد من الكوارث والمعاصي، وقول هير قليطس(13): الحرب أبو الأشياء جميعها بملكها، وإن التنازع لو زال بين البشر، لتوقفت الحياة، وسكن الوجود، فاللازم ألاّ يدان الفاسد إذا كان قائداً عسكرياً، أو حاكماً مدنياً، فهي أقوال غير مدعومـة بدليل مـن الفطرة، أو العقل، أو المنطق، أو العقلاء، والإمكان غير الرّجحان، وعدم سلوك الطريق الصحيح المستلزم للنتائج الطيبة، لا يصحح الدفاع عن سالكي الطرق المنحرفة، وإنّ الفاسد فاسد سواء كان حاكماً كبيراً له ملايين من الاتباع، أو فرداً صغيراً لا يملك إلاّ نفسه.
_______________
(1) (1750م).
(2) وبالأخصّ فكرة فصل السلطات. ومن المحتمل أنه أخذ آراءه من الإسلام، لأن الإسلام سبقه في الكثير من آرائه، ففي قصّة الإمام علي (ع)، وخصومته مع اليهودي، وجلوسه إلى جانبه أمام قاضيه شُريح، دليلٌ على أخذ الإسلام بمبدأ فصل السلطات.
(3) غوالي اللآلي : ج3 ص266 باب السبق والرماية، وفيه (أنا في الحزب الذي فيه ابن الأدرع).
(4) سورة المطففين : الآية 26.
(5) سورة آل عمران : الآية 133.
(6) سورة البقرة : الآية 148، سورة المائدة : الآية 48.
(7) كشف الغمة : ج1 ص 420، كشف اليقين : ص472 المبحث السادس والثلاثون.
(8) سورة الشورى : الآية 38.
(9) سورة آل عمران : الآية 159.
(10) اسم الكتاب هو (الخالدون المائة(، للمؤلف الأمريكي مايكل مارت. يقول في كتابه: (لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي، فهو قد دعا إلى الإسلام، ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً، وعسكرياً، ودينياً، وبعد ثلاثة عشر قرناً من وفاته، فإن أثر محمد ما زال قوياً متجدداً(.
(11) سورة الزلزلة : الآيات 7 ـ 8.
(12) سورة الإسراء : الآية 7.
(13) فيلسوف يوناني، ولد سنة 540 ق. م، ومات سنة 480 ق. م، ويعدُّ أحد مؤسسي الديالكتيك.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مكتب المرجع الديني الأعلى يعزّي باستشهاد عددٍ من المؤمنين في باكستان
|
|
|